عربي21:
2025-06-26@08:04:20 GMT

إدارة ترامب وتفكيك استقرار النظام العالمي القائم

تاريخ النشر: 29th, April 2025 GMT

منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، والجدل كبيرٌ حول قراراته الصادمة على المستوى الداخلي وعلى مستوى العلاقات الدولية. لا شكَّ أن أمريكا مثلت ركيزةَ النظام العالمي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية، إذ تم ضبط منظومة القانون الدولي الحديث على موازنة صعود الولايات المتحدة الأمريكية وتراجع دور القارة الأوروبية، وبقيت الولايات المتحدة تقود المشهد الغربي، وتمثل طليعة المشروع الغربي في تقعيد وتوسيع مساحة ومظلة القانون الدولي؛ لتمثل منظومة قانونية تحتكم إليها الدول في علاقاتها مع بعضها البعض.



الشعار الذي رفعه ترامب في حملته الانتخابية "أمريكا أولا" لم تنعكس آثاره السلبية على الانقسام الداخلي الأمريكي فقط، بل انعكس على استقرار النظام العالمي القائم ومؤسسات القانون الدولي التي تناسلت من هيئة الأمم المتحدة في ضبط السلم والاستقرار العالمي.

(1) تفكيك مؤسسات القانون الدولي

كان لقرار ترامب في الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ (التي وقعت عليها 193 دولة من أجل منع زيادة درجات الحرارة على كوكب الأرض وتخصيص الأموال للدول النامية لمواجهة الآثار الناتجة عن التغير المناخي نتيجة انبعاث الغازات الدفيئة) أثر كبير على الدعم المالي المقدم لصندوق المناخ الأخضر والبالغ 3 مليارات دولار، كما أثر على الأوراق البحثية المتعلقة بالتغير المناخي، والتي تقدم أمريكا 50 في المئة منها، وبذلك يكون ترامب قد قوَّض أهم الاتفاقيات الدولية في المحافظة على المناخ العالمي والحد من التغيرات المناخية.
الشعار الذي رفعه ترامب في حملته الانتخابية "أمريكا أولا" لم تنعكس آثاره السلبية على الانقسام الداخلي الأمريكي فقط، بل انعكس على استقرار النظام العالمي القائم ومؤسسات القانون الدولي التي تناسلت من هيئة الأمم المتحدة في ضبط السلم والاستقرار العالمي
كما انسحب ترامب من منظمة الصحة العالمية، وهي المنظمة التي تأسست عام 1948، إذ تهدف إلى تحقيق أعلى مستوى من الرعاية الصحية وضمان المساواة في الحصول على الرعاية الصحية ومواجهة الأخطار الصحية التي تهدد سكان الأرض. يشكل انسحاب أمريكا من منظمة الصحة العالمية ضربة كبيرة لعمل المنظمة، إذ تنفق أمريكا ما يقارب 1.25 مليار دولار على المنظمة، وهو ما يمثل 18 في المئة من ميزانيتها، كما أن انسحاب الولايات المتحدة سوف يحرم المنظمة من الخبرات والكوادر التي كانت ترسلها إليها، كل ذلك سوف يسبب انتكاسة فيما حققته المنظمة من مكاسب في محاربة الأمراض الخطيرة مثل الملاريا والإيدز وغيرها.

كما انسحبت الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان الأممي، إذ يعد المجلس هيئة دولية تابعة لمنظمة الأمم المتحدة لتعزيز الاحترام العالمي لحقوق الإنسان وحمايتها في جميع أنحاء العالم. وقد بررت إدارة ترامب انسحابها من مجلس حقوق الإنسان بأن المجلس منحازٌ ضد إسرائيل، كما وصفت المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة المجلس بأنه "منظمة منافقة وأنانية وتستهزئ بحقوق الإنسان". كما وصف ترامب مجلس حقوق الإنسان بأنه ينتهج "الانحياز المعادي لإسرائيل وشن حملة ممنهجة ضدها".

كما يسعى ترامب حاليا إلى الانسحاب من منظمة اليونسكو، إذ تمثل اليونسكو أهم منظمةٍ تابعةٍ للأمم المتحدة معنية بالتربية والعلم والثقافة، وتسعى للنهوض بالتعليم الجيد والتعامل مع الذكاء الاصطناعي وصون التراث العالمي وضمان الوصول إلى المعلومة الموثوقة، إذ كانت الولايات المتحدة قد انسحبت من منظمة اليونسكو سابقا بحجة انحياز المنظمة ضد إسرائيل، إلا أنها عادت للمنظمة عام 2023 بعد أن قامت بدفع المستحقات المالية المتأخرة عليها والبالغة 619 مليون دولار على عدة سنوات، ومن المرجح أن يكون انسحاب الولايات المتحدة من المنظمة مؤكدا خلال الفترة المقبلة، إذ تعلن إدارة ترامب باستمرار عن رغبتها بذلك صراحة.

لم يقتصر دور إدارة الولايات المتحدة الأمريكية على الانسحاب من مؤسسات القانون والتعاون الدولي، بل إنها أصبحت تحارب أهم عنوانٍ من عناوين العدالة الدولية في ملاحقة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، إذ قامت إدارة ترامب في شباط/ فبراير من العام الحالي بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية بعد أن أصدرت الأخيرة مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يؤاف غالانت، فلم تكتفِ الولايات المتحدة بالمواقف السلبية تجاه مؤسسات القانون الدولي، بل تطورت مواقفها السلبية إلى تقويض تلك المؤسسات ومناهضتها.

(2) تهديد وجود الدول وسيادتها

على الرغم من سعي الولايات المتحدة الأمريكية لاحتلال كندا أكثر من مرة وضمها إليها، إلا أن الولايات المتحدة خضعت في النهاية للأمر الواقع واعترفت بدولة كندا وأقامت معها علاقات سياسية وثيقة، ليعود الرئيس ترامب مجددا إلى الحديث عن سعيه لضم كندا إلى الولايات المتحدة، تلك الفكرة التي يرفضها غالبية الكنديين في استطلاعات الرأي.

وقد شكل تصريح الرئيس الأمريكي صدمة في العلاقات الدولية، إذ كيف يتم الحديث عن ضم كندا التي يساوي عدد سكانها 12 في المئة من سكان الولايات المتحدة، ومساحتها تزيد عن مساحة الولايات المتحدة، وتُعتبر ثاني أكبر دولة في العالم من حيث المساحة؟

كما صرَّح ترامب في كانون الأول/ ديسمبر الماضي برغبته في شراء جزيرة غرينلاند، وزعم أن بلاده تحتاج شراء الجزيرة من أجل الأمن القومي الأمريكي، ووصف سيطرته على الجزيرة بأنها "ضرورة قومية". ولم يستبعد فرض الوسائل العسكرية والاقتصادية من أجل إجبار الدنمارك على بيع الجزيرة لأمريكا، كما عمل فريق ترامب في مجلس النواب الأمريكي على إعداد قانون لشراء الجزيرة.

وتعد جزيرة غرينلاند أكبر جزيرة في العالم، يسكنها 56 ألف شخص، وتُعتبر من أكثر الجزر غنى بالمعادن النادرة، خاصة مع التغير المناخي وذوبان الثلوج، وهي جزيرة تتبع للدنمارك منذ مئات السنين وتخضع لحكم ذاتي. وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن 85 في المئة من سكان غرينلاند يرفضون الانضمام إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

كان التصريح الأكثر صدمة في منطقة الشرق الأوسط ما صرَّح به ترامب من رغبته في الاستيلاء على غزة التي دمرها الكيان الصهيوني وتهجير سكانها البالغ عددهم 2.2 مليون، من أجل تحويلها إلى مدينة سياحية لتكون "ريفييرا الشرق الأوسط"، في إشارة إلى المنطقة الساحلية الواقعة جنوب شرق فرنسا على سواحل البحر الأبيض المتوسط والتي تكثر فيها المنتجعات السياحية. هذه التصريحات أثارت توترا سياسيا في منطقة الشرق الأوسط، وأنعشت آمال اليمين الإسرائيلي في التخلص من الكتلة الديمغرافية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والقضاء على فكرة إقامة الدولة الفلسطينية.

قدوم ترامب وإدارة أكبر دولة بهذه الصورة كشركة ربحية واستثمار يحقق الثراء السريع، صغَّر كثيرا من دورها العالمي، وجعل منها حالة سياسية غير ثابتة ستخلط كل أوراق الاستقرار النسبي الذي شهدته دول العالم بعد الحرب العالمية الثانية
وتكرر الأمر نفسه في تصريحات ترامب حول الاستيلاء على قناة بنما، مما دفع بنما لتقديم شكوى ضد أمريكا أمام الأمم المتحدة، لمخالفتها أحكام نظام الأمم المتحدة التي تنص على عدم جواز استخدام القوة ضد دولة أخرى والمساس بسيادتها.

(3) خذلان حلفاء أمريكا

بعد الحرب العالمية الثانية، تزعمت الولايات المتحدة قيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) كقوة عسكرية تحافظ على أمن المشروع الغربي ومصالحه وتفعِّل مبدأ الدفاع المشترك بين الدول الأعضاء، وبقيت الولايات المتحدة القائد والمتزعم لهذا الحلف، حتى جاء ترامب الذي يسعى للتخلي عنه منذ فترة ولايته الأولى، وهو يكرر فكرة أن أعضاء الناتو "إذا لم يدفعوا، فلن ندافع عنهم". كما ذكر أنه ليس متأكدا من أن الدول الأعضاء يمكن أن تدافع عن أمريكا إذا ما تعرضت لأي هجوم، وهدَّد بالانسحاب إذا لم تنفق 2 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على التسلح.

وفي الوقت الذي كانت الولايات المتحدة هي المحرض والداعم الرئيسي لأوكرانيا في تحركها باتجاه أوروبا وحربها مع روسيا، شاهد العالم بصدمة كيف تعامل ترامب مع الرئيس الأوكراني وحاول فرض اتفاقية عليه بخصوص المعادن في أوكرانيا دون أن يقدم لها مقابلا لحفظ أمنها. مثل هذا التصرف أفقد أمريكا المصداقية والثقة في نفوس الحلفاء، ولم تعد في ذات المكانة كحليف موثوق يمكن الاعتماد عليه في الصراع والتدافع العالمي، مما أثار كثيرا من القلق في الحالة التايوانية في توجهها نحو الغرب وإعادة رسم ملامح علاقتها مع الصين.

حتى في الشرق الأوسط بدأت ملامح التخلي عن أقرب الحلفاء واضحة باستثناء إسرائيل، إذ تم إيقاف المساعدات المالية عن الأردن والتي تقدر بـ1.7 مليار دولار سنويا، ومارس ضغطا على الأردن ومصر من أجل استقبال اللاجئين من غزة، كما رفض الخطة العربية بخصوص إعادة إعمار غزة وإنهاء الحرب، مما يضع المنطقة العربية كلها على فوهة بركان ويهدد استقرار بعض الأنظمة الحليفة له.

ولم ينتهِ الأمر عند ذلك تجاه الحلفاء، بل ذهب إلى فرض ضرائب على معظم الدول الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية، مما دفع اليابان وكوريا الجنوبية -أقرب حلفاء أمريكا- للذهاب إلى الصين للقيام بردٍّ مشتركٍ على رسوم ترامب الأخيرة.

قدوم ترامب وإدارة أكبر دولة بهذه الصورة كشركة ربحية واستثمار يحقق الثراء السريع، صغَّر كثيرا من دورها العالمي، وجعل منها حالة سياسية غير ثابتة ستخلط كل أوراق الاستقرار النسبي الذي شهدته دول العالم بعد الحرب العالمية الثانية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء ترامب الشرق الأوسط غزة حلفاء الشرق الأوسط امريكا غزة حلفاء ترامب قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الأمریکیة بعد الحرب العالمیة الثانیة القانون الدولی النظام العالمی الأمم المتحدة الشرق الأوسط إدارة ترامب فی المئة من من منظمة ترامب فی من أجل

إقرأ أيضاً:

أمريكا ستنقذه.. ترامب مدافعًا عن نتنياهو وسط محاكمته بتهمة الفساد

(CNN)-- دافع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضد ما وصفه بـ"حملة شعواء" في بلاده، مؤكدًا أن الولايات المتحدة ستنقذه.

كتب ترامب على موقع "تروث سوشيال" مُنددًا بالمحاكمة الجارية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بتهمة الفساد: "الولايات المتحدة الأمريكية هي من أنقذت إسرائيل، والآن هي من ستنقذ بيبي نتنياهو".

يأتي تصريح ترامب بعد يوم من توجيهه انتقادات لاذعة لإسرائيل، في ظلّ تذبذب وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل وإيران. 

وقال ترامب لدى مغادرته واشنطن متوجهًا إلى هولندا، الثلاثاء: "إسرائيل، بمجرد أن توصلنا إلى الاتفاق، اندفعت وألقت قنابل لم أرَ لها مثيلًا من قبل". وقال مسؤول في البيت الأبيض إنه كان "حازمًا ومباشرًا للغاية" في مكالمة هاتفية لاحقة مع نتنياهو.

في رسالته الأربعاء، أشاد ترامب بنتنياهو، واصفًا إياه بـ"رئيس وزراء زمن الحرب العظمى".

تابع ترامب: "لقد مررتُ أنا وبيبي بجحيمٍ شديد معًا، نقاتل عدوًا لدودًا لإسرائيل وإيران، وكان بيبي أفضلَ وأذكى وأقوى في حبه للأرض المقدسة الرائعة. أيُّ شخصٍ آخر كان سيعاني من الخسائر والإحراج والفوضى!"

دعا ترامب إلى "إلغاء" محاكمة نتنياهو أو منحه عفوًا.

كتب ترامب: "صُدمتُ لسماع أن دولة إسرائيل، التي شهدت للتو إحدى أعظم لحظاتها في التاريخ، والتي يقودها بقوة بيبي نتنياهو، تواصل حملتها السخيفة ضد رئيس وزرائها في زمن الحرب العظمى!"

أمريكاإسرائيلبنيامين نتنياهودونالد ترامبنشر الأربعاء، 25 يونيو / حزيران 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

مقالات مشابهة

  • واشنطن تراقب تهديدات إيرانية.. ماذا يجري داخل الولايات المتحدة؟
  • أمريكا ستنقذه.. ترامب مدافعًا عن نتنياهو وسط محاكمته بتهمة الفساد
  • ترامب يبلغ نتنياهو: الولايات المتحدة انتهت من استخدام القوة العسكرية ضد إيران
  • عبد المنعم سعيد: الولايات المتحدة في عهد ترامب تسعى لرسم ملامح نظام دولي جديد
  • النشطاء: على أوروبا أن تضمن أمنها بنفسها بعيدا عن الولايات المتحدة
  • أمريكا بين الغضب والانقسام| احتجاجات واسعة ضد إدارة ترامب ومخاوف من الانفصال
  • عراقجي يحذر الولايات المتحدة: "جاهزون للرد مجددا"
  • أميركا أطاحت بحكومة إيرانية من قبل.. هل يفعلها ترامب مجددا؟
  • إيران: الولايات المتحدة خانت الجهود الدبلوماسية والتاريخ لن يغفر أفعالها
  • إيران تهدّد بتفعيل خلايا نائمة داخل الولايات المتحدة