يواجه أطفال غزة جحيما لا يوصف، في ظل حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
حتى ديسمبر/كانون الأول 2024 كان يُعتقد أن أكثر من نصف مليون طفل في غزة بحاجة إلى دعم في مجالات الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي. والآن، من المحتمل أن تؤثر الآثار التراكمية للعنف المستمر والنزوح القسري وفقدان عامين دراسيين كاملين عليهم لبقية حياتهم، وهذا وفقا للجنة الإنقاذ الدولية.
وحاليا، لا يوجد في غزة ملاذات آمنة للمدنيين، ويتحمل الأطفال التأثير السلبي لهذا الأمر بشكل حاد. إذ إن التعرض المستمر للتوتر الشديد، بما في ذلك العنف والنزوح، خلال السنوات التكوينية من حياة الطفل يعطل النمو الصحي للدماغ والأعضاء، مما يؤدي إلى تحديات صحية طويلة الأمد.
نزحت عطاف (53 عاما) وعائلتها 10 مرات خلال العام الماضي. تتذكر قائلة: "عندما غادرنا منزلنا، ظننت أن الحرب لن تستمر سوى 3 أسابيع. أنا وبناتي لم نحزم سوى حقيبة ملابس صيفية".
وتصف عطاف الوضع الراهن قائلة: "نسمع دوي انفجار مرعب كل 3 دقائق، ليلا ونهارا. ولهذا تأثير كبير على نفسية الإنسان".
ويفيد مقدمو الرعاية والمختصون بأن الأطفال الذين يعانون من الصدمة يبحثون عن الراحة بالتشبث بالآخرين عند سماع أصوات عالية، ويعانون من الكوابيس والتبول اللاإرادي، ويرغبون في النوم تحت السرير ليشعروا بالأمان.
إعلانوفقدت عطاف ابنها، البالغ من العمر (26 عاما)، ولا تعرف إن كان لا يزال على قيد الحياة. في الواقع، يقدر أن 17 ألف طفل تركوا بدون مرافق أو منفصلين عن عائلاتهم في غزة. ويواجه الأطفال غير المصحوبين بذويهم والمنفصلون عنهم مخاطر عالية من الإهمال والجوع وتأثيرات على الصحة النفسية.
تعطل التعليم في غزة
وفقد أطفال غزة عامين من التعليم، بسبب تدمير المباني المدرسية وانهيار النظام التعليمي.
ووفقا للتقارير، فإن تأثير الحرب والصدمات النفسية قد يؤخر تعليم أطفال غزة لمدة تصل إلى 5 سنوات. إذ إن أكثر من عام بدون تعليم لا يعيق نموهم فحسب، بل يحرمهم أيضا من المساحات الآمنة التي كانت المدارس توفرها سابقا.
وتؤدي الظروف المعيشية المزرية والهجمات في المناطق المكتظة بالسكان وضعف الوصول إلى الغذاء والنزوح المتكرر إلى مشاكل صحية خطيرة للأطفال الفلسطينيين وحديثي الولادة وأمهاتهم.
ويقول الدكتور محمد أبو تيم، وهو طبيب أطفال يعمل مع منظمة أطباء بلا حدود في مستشفى ناصر في جنوب غزة -في تصريحات نشرت على موقع أطباء بلا حدود في نوفمبر/تشرين الثاني 2024- حيث يعالج أكثر من 300 مريض من الأطفال يوميا: "نعالج الرضع المصابين بأمراض معدية وأمراض تنفسية وأمراض جلدية". بالطبع، شهدنا هذا قبل الحرب، لكننا اليوم نشهده بشكل أكبر بكثير، والأرقام في ازدياد مستمر. نشهد اكتظاظا في القسم، بما في ذلك الأطفال المصابون بالتهاب رئوي حاد.
وتواجه فرق أطباء بلا حدود عددا هائلا من المرضى. فما بين يونيو/حزيران وأكتوبر/تشرين الأول 2024، عالجت منظمة أطباء بلا حدود 3421 رضيعا وطفلا دون سن الخامسة في جناح الأطفال الداخلي بمستشفى ناصر، وكان ربعهم تقريبا (22%) مصابين بالإسهال و8.9% مصابين بالتهاب السحايا.
وخلال الفترة نفسها، تلقى 168 مولودا جديدا دون شهر واحد، وأكثر من 10 آلاف و800 طفل تتراوح أعمارهم ما بين سنة و5 سنوات، استشارات طبية في غرفة الطوارئ بمستشفى ناصر لعلاج التهابات الجهاز التنفسي العلوي. علاوة على ذلك، تم إدخال حوالي 1294 طفلا تتراوح أعمارهم بين سنة و5 سنوات إلى مستشفى ناصر لعلاج التهابات الجهاز التنفسي السفلي، وكان من بينهم حوالي 459 حالة التهاب رئوي.
إعلانلقد أدى عام من الحرب إلى تدمير النظام الصحي وفرص الحصول على الرعاية.
الأمهات
تخاطر الأمهات في غزة عند اصطحاب مواليدهن وأطفالهن إلى المستشفيات والمراكز الصحية القليلة المتبقية. حيث يجبرن على السفر لمسافات طويلة في طرق غير آمنة سيرا على الأقدام أو على عربات تجرها الدواب، في مناطق مغبرة ومكتظة بالسكان، للوصول إلى المرافق الطبية. وتعرض هذه الرحلة الأطفال والمواليد الجدد لخطر التعرض للهجوم وتعرضهم لخطر كبير من المضاعفات الصحية. حتى بعد تلقي العلاج، يعود المواليد الجدد والأطفال إلى ظروف معيشية غير صحية، مما يؤدي بدوره إلى تدهور حالتهم الصحية وقدرتهم على الشفاء بشكل سليم.
في مواجهة ظروف معيشية غير ملائمة، ونقص في منتجات النظافة والأغذية، وتحت ضغط مستمر، فإن عددا كبيرا من الأمهات -اللاتي يعانين من سوء التغذية- يلدن أطفالا خدجا ويزداد لديهن خطر مضاعفات ما بعد الولادة. وتتفاقم هذه الأزمة بسبب النقص الحاد في المستلزمات الطبية وغير الطبية الأساسية في المرافق الصحية والمستشفيات.
وتعيش العائلات في خيام مكتظة أو تحت أغطية بلاستيكية وأقمشة مختلطة، دون مياه نظيفة، وخدمات صرف صحي، ومستلزمات نظافة، بما في ذلك الصابون، وغيرها من الاحتياجات الأساسية.
وتقول ياسمين، وهي أم يتلقى ابنها العلاج في مستشفى ناصر: "ليس لدي حفاظات لابني. حتى الملابس المناسبة له لا تكفيه، أضطر لاستخدام كيس بلاستيكي، وهذا يعرض جلده لمزيد من الالتهابات والطفح الجلدي. العيش في خيمة يعرض أطفالي لظروف قاسية، فهم ينامون حتى دون سرير مناسب".
ويقول الدكتور أبو تيم إن الحرب أثرت على الجميع بشكل كبير، وخاصة الأطفال في مرحلة النمو، ويعود ذلك إلى نقص الغذاء المغذي والعناصر الغذائية الأساسية، مما أثر على صحة المواليد الجدد والأطفال وعلى بناء مناعتهم، مما جعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية.
إعلان
ظروف معيشية غير ملائمة
تضيف ياسمين: "ابني يسعل باستمرار". أقضي معظم وقتي في المستشفى. ابني لا يضحك، ولا يلعب، ولا يشرب الحليب. ينام طوال الوقت. ويقول الطبيب إنه يجب إبعاده عن النار (لمنع السعال)، ولكن كيف لنا أن نفعل ذلك؟ كل شيء يطهى على النار.
وتسبب الظروف في غزة مشاكل صحية خطيرة للأطفال والرضع الفلسطينيين. من يونيو/حزيران إلى أكتوبر/تشرين الأول، شهدت منظمة أطباء بلا حدود أعدادا هائلة من المرضى الصغار المصابين بأمراض مثل الإسهال الحاد والتهاب السحايا والتهابات الجهاز التنفسي.
وفي ظل ظروف معيشية غير ملائمة، ونقص في منتجات النظافة والغذاء، تعيش العديد من الحوامل في حالة من التوتر المستمر، مما يؤدي إلى ولادة عدد كبير منهن- وكثيرات منهن يعانين من سوء التغذية- أطفالا خدجا ويواجهن خطرا متزايدا من مضاعفات ما بعد الولادة.
وتتفاقم هذه الأزمة بسبب النقص الحاد في الإمدادات الطبية وغير الطبية الأساسية لعلاج هذه الأنواع من المضاعفات في المرافق الصحية والمستشفيات. وقد ترك الحصار الإسرائيلي على غزة المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية في جميع أنحاء القطاع بدون إمدادات وأدوية مناسبة مثل الباراسيتامول والمضادات الحيوية.
ووفقا لبيان صادر عن إدوارد بيجبيدر، المدير الإقليمي لليونيسيف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في مارس/آذار الماضي، متحدثا عن أطفال غزة "لقد قتل وجرح عشرات الآلاف من الأطفال".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أطباء بلا حدود أطفال غزة أکثر من فی غزة
إقرأ أيضاً:
فوهة غاز دارفازا بوابة الجحيم في صحراء تركمانستان
فوهة غاز دارفازا في تركمانستان من أكثر المواقع الغامضة والمثيرة في آن واحد على كوكب الأرض، بسبب تواصل اندلاع النيران فيها منذ 1971 نتيجة خطأ بشري، وظل هذا الحريق مستمرا.
تقع فوهة دارفازا في قلب صحراء كاراكوم، في الجزء الأوسط من تركمانستان، على بعد نحو 270 كيلومترا شمال العاصمة عشق آباد.
يعود تاريخ الحفرة إلى عام 1971 عندما كان المكان عبارة عن تجويف ضخم مغطى بطبقة من الرمال ويبدو مثل الصحراء العادية، وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى قرية "دارفازا" التي كان الناس فيها يعيشون بسلام، ولم يتوقعوا أن اسم قريتهم سيصبح مشهورا على مستوى العالم.
عندما بدأ فريق استكشاف من الاتحاد السوفياتي الحفر في المنطقة بحثا عن رواسب الغاز، انهارت الطبقة العليا من التربة فجأة، مما أدى إلى بروز حفرة ضخمة. ورغم أنه لم يصب أحد بأذى، فإن الغاز الطبيعي تسرب من التجويف بشكل كبير.
ولتجنيب السكان المحليين خطر التسمم بغاز الميثان، قرر الجيولوجيون إشعال النار في الحفرة على أمل أن يحترق كل الغاز بالكامل في بضعة أيام.
لكن الغاز الطبيعي المتسرب من الحفرة -التي بلغ قطرها نحو 60 مترا وعمقها 20 مترا- بقي مشتعلا بشكل مستمر ليلا ونهارا، ولم تنطفئ النار فيه منذ ذلك الحين.
تسمى الفوهة "بوابة الجحيم"، وفي تركمانستان يطلق عليها السكان تسمية أقل إثارة للخوف: "غاراغوم يالكيمي"، وهي عبارة تعني "شعلة الصحراء".
إعلانتجذب الفوهة المشتعلة انتباه الناس من جميع أنحاء العالم، وتتسبب في مناقشات ضخمة. فبينما يتحدث البعض عن ضرورة إخمادها يصر آخرون، على العكس من ذلك، على الحفاظ على هذه الظاهرة الجيولوجية الفريدة.
تظل الفوهة مشتعلة باستمرار بسبب وجود تراكم ضخم من غاز الميثان تحت الأرض يتسرب تدريجيا إلى السطح مشعلا مئات الحرائق، التي يصل ارتفاع لهب بعضها إلى 15 مترا.
يمكن أن تصل درجات الحرارة في محيط الفوهة إلى ألف درجة مئوية، وهي درجة حرارة مماثلة لتلك المستخدمة في أفران صهر المعادن.
"غاراغوم يالكيمي" هي أكبر حفرة غازية من حيث المساحة في العالم، ويصل محيطها إلى أكثر من 200 متر (قطرها نحو 70 مترا)، ومساحتها أكثر من 2800 متر مربع ويصل عمقها إلى 20 مترا.
في تركمانستان عبارة مشهورة تقول إنه لا يتوجب عليك أن تموت لترى الجحيم، إذ تكفي زيارة فوهة غاز "دارفازا".
ورغم أنها تسمى "بوابة الجحيم"، فإنها من أكثر المناطق جذبا للسياح وإثارة للاهتمام، إذ يزورها نحو 10 آلاف شخص سنويا، وأصبحت جزءا من بطاقة التعريف بالبلاد.
بحسب البيانات الرسمية، لم يسقط أي سائح على الإطلاق في حفرة دارفازا، وقد أحاطتها السلطات بسياج يبقي الزوار على مسافة آمنة.
والشخص الوحيد الذي دخل الحفرة وهي تحترق هو المستكشف الكندي جورج كورونيس عام 2013، وبتمويل من مؤسسة "ناشيونال جيوغرافيك"، وقد ارتدى بدلة واقية ونزل لجمع عينات التربة من قاع الحفرة.
كان الهبوط مخططا له بعناية، وبعد أن أمضى 17 دقيقة في الحفرة، تمكن من العودة إلى الخارج بأمان.
أصبح الغلاف الجوي في محيط الحفرة ملوثًا بالعديد من المواد مثل النفايات الكيميائية والجسيمات الدقيقة والغبار والرماد والأسبستوس والسخام، وحتى المعادن الثقيلة مثل الزئبق والرصاص.
إعلانلكن الخطر الأعظم هو تراكم الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، وخاصة غاز الميثان، الذي يعتبر أكثر خطورة على الغلاف الجوي من ثاني أكسيد الكربون بنحو 84 مرة.
في عامي 2010 و2022، دعا الرئيس التركماني آنذاك قربان قولي بردي محمدوف إلى إيجاد طريقة لإطفاء الحفرة، وشارك علماء من مختلف بلدان العالم بتقديم خيارات مختلفة، كتغطية الحفرة بغطاء عملاق أو إطفاء النيران عن طريق ملء الحفرة بالأسمنت سريع الجفاف.
لكن بسبب غياب ضمانات السلامة وعدم وجود أخطار بحدوث انفجارات أو عواقب كارثية أخرى لا تزال الحفرة مشتعلة، ولا توجد معلومات مؤكدة حول متى ستنفد احتياطيات الغاز فيها.
وكشفت دراسات من مؤسسات محلية ودولية أن احتياطيات الغاز في "دارفازا" كافية لحريق طويل الأمد، مما يعني أنه إذا لم يتم إخماد نار الحفرة فإنها قد تظل مشتعلة مئات السنين.