في الوقت الذي شهدت فيه المنطقة خلال الأسابيع القليلة الماضية تحركاً أممياً وأمريكياً لإحياء مفاوضات التسوية السياسية في اليمن، أعلنت جماعة الحوثيين الثلاثاء، عن جولة جديدة من المفاوضات بينها وبين المملكة العربية السعودية بوساطة عمانية، وهي المفاوضات التي تعثرت على إثر الاشتراطات الحوثية المتصاعدة طيلة مسار التفاوض في الشهور الماضية.

إعلان الجماعة الحوثية عن هذه الجولة الجديدة من المفاوضات تزامن مع زيارة وفد الوساطة العماني مع رئيس وأعضاء فريق التفاوض الحوثي إلى صنعاء، وهي الزيارة التي لم تعلن الجماعة أو الطرف العماني نتائجها. كما تزامنت هذه الزيارة مع زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى الرياض مطلع الأسبوع الجاري، في ظل أنباء عن زيارة مرتقبة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى طهران، بحسب تعليق نشرته مجلة "نيوزويك" الأمريكية قالت فيه إن الأمير محمد وافق على تلبية الدعوة الإيرانية.

ونشرت مجلة "نيوزويك" في عددها الصادر الخميس 24 أغسطس الجاري، مقالاً تحليلياً للصحفي توم أوكونر، نائب رئيس تحرير المجلة لشؤون الشرق الأوسط والصين وروسيا وكوريا الشمالية، بعنوان "بمساعدة إيران، ولي العهد السعودي يسعى إلى إنهاء الحرب وتغيير المملكة".

وفي ما يلي ترجمة خاصة بـ"نيوزيمن" للمقال:

في الوقت الذي يمضي فيه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بمجموعة طموحة من الإصلاحات التي تهدف إلى ترسيخ دور المملكة كلاعب دولي رائد، يقوم الأمير الطموح والقوي أيضًا بتجديد سياسته الخارجية للانخراط دبلوماسيًا مع أكبر منافسيه، إيران، في محاولة لتحقيق الاستقرار الإقليمي اللازم لتنفيذ خطته: "رؤية 2030".

ولكن حتى مع استمرار الاتفاق الذي توسطت فيه الصين في الجمع بين الرياض وطهران بطرق جديدة، لا تزال هناك تحديات خطيرة في طريق الطرفين. إن المهمة الأكثر صعوبة التي تواجه الرجل الذي يمكن أن يحكم المملكة العربية السعودية لعقود من الزمن هي انتشال بلاده من حرب أهلية شرسة عبر الحدود في اليمن، مع إيجاد حل للتهديدات الأمنية العالقة التي يمكن أن تكون مدمرة لأجندته وإرثه السياسي.

علي الشهابي، الخبير السياسي السعودي الذي ترأس سابقًا المؤسسة العربية للأبحاث ويعمل الآن في المجلس الاستشاري لمشروع "نيوم"، أحد المشاريع المستقبلية العملاقة التي يجري تنفيذها بما يتماشى مع رؤية 2030، قال لمجلة نيوزويك، إن "السعودية تعمل على إخراج نفسها من اليمن ودعم أي اتفاق يتوصل إليه اليمنيون فيما بينهم". 

وأضاف الشهابي إن "المملكة ليس لديها أي أوهام فيما يتعلق بسهولة إنجاز ذلك، وسيتعين عليها أن تراقب بحذر حدودها الجنوبية إذا ما تجاوزها المزيد من تهديدات عدم الاستقرار في اليمن". ولتحقيق هذه الغاية، قال الشهابي إن الرياض تسعى إلى خفض التصعيد مع طهران باعتباره "مصلحة استراتيجية"، وهو مسعى يعززه الآن دور بكين كدولة مشاركة في التوقيع على اتفاقهما رفيع المستوى في مارس الماضي لإعادة العلاقات الدبلوماسية.

وأضاف: "الوقت سيحدد ذلك". "ستعمل السعودية على إقامة علاقات تجارية واستثمارية مع إيران لمنح إيران حصة أكبر في الاستقرار الإقليمي، لكنها ستستمر في مراقبة إيران بعناية شديدة لمعرفة ما إذا كانت تحترم التزاماتها بشأن الاستقرار أم لا".

إن العامل الاقتصادي مهم لكلا الجانبين، حيث أثبت انعدام الأمن أنه مكلف لإيران ولآمال المملكة العربية السعودية في زيادة نفوذها على المسرح العالمي.

محمد علي شعباني، رئيس تحرير موقع أمواج ميديا، وهو موقع إخباري مقره لندن ويركز على إيران والعراق ودول شبه الجزيرة العربية، قال لمجلة نيوزويك: "إن نقاط الضعف واضحة، وكذلك المخاطر". إذ "يحتاج محمد بن سلمان إلى الأمن لجذب الاستثمارات، وتريد إيران المكاسب الاقتصادية من توفيرها للأمن".

شعباني، الذي تابعت منصته الإعلامية عن كثب الأعمال الداخلية للتقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية الذي استغرق سنوات عديدة، أشار إلى كيف شعرت المملكة بالآثار التخريبية للصراع القريب والمباشر، مشيراً إلى استهداف المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة بصواريخ أطلقتها جماعة الحوثيين- ذراع إيران، والضربة المدمرة بشكل خاص بطائرة بدون طيار ضد منشآت أبقيق وخريصة النفطية في سبتمبر 2019، وهي العملية التي نسبت مباشرة إلى إيران رغم نفي طهران.

وفي حين أن التنافس الإقليمي بين الرياض وطهران قد امتد إلى عدد من البلدان، بما في ذلك لبنان والعراق وسوريا، فقد أثبتت الحرب في اليمن أنها جبهة متقلبة بشكل خاص. فبمجرد أن بدأ نائب ولي العهد آنذاك، الأمير محمد بن سلمان، صعوده إلى السلطة بتعيينه وزيراً للدفاع، أطلقت المملكة العربية السعودية تدخلاً مباشراً في مارس 2015 في محاولة لإنهاء سيطرة الحوثيين على صنعاء. ومع ذلك، ما زالوا يسيطرون بقوة على العاصمة اليمنية حتى يومنا هذا.

وبعد ثلاثة أشهر فقط من التدخل الذي قادته الرياض، والذي دعمته واشنطن وعدد من الدول العربية، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك، باراك أوباما، عن اتفاق نووي تاريخي مع إيران إلى جانب القوى العالمية الأخرى. انهار الاتفاق بعد ثلاث سنوات عندما انسحب منه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأعاد فرض عقوبات شديدة على طهران، وهو الإجراء الذي أثار موجة جديدة من الاضطرابات الإقليمية المرتبطة بإيران.

وبينما سعى الرئيس جو بايدن للعودة عن طريق التفاوض إلى الاتفاق النووي، المعروف رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، انهار الحوار الرسمي منذ ذلك الحين، وقال البيت الأبيض، إن تلك الجهود لم تعد أولوية بالنسبة للإدارة الأمريكية. 

قال شعباني: "جزء من الصعوبات التي تواجهها إيران والمملكة العربية السعودية يتعلق بمدى قدرة إيران على تقديم الدعم على الجبهة الأمنية، مع الأخذ في الاعتبار بشكل خاص عدم استجابة الحوثيين، وعلى الجانب الآخر، ما الذي يمكن أن تقدمه المملكة العربية السعودية بالفعل على الجبهة الاقتصادية، مع الأخذ في الاعتبار نظام العقوبات الأمريكية واسعة النطاق والانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة".

تفتقر المملكة العربية السعودية أيضًا إلى "النفوذ الحقيقي" لدى الحوثيين، وفقًا لعمر كريم، وهو زميل مشارك في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض وباحث دكتوراه في قسم العلوم السياسية والدراسات الدولية بجامعة برمنغهام.

ومع ذلك، قال لمجلة نيوزويك، إنه "من الجدير بالذكر أنه منذ الاختراق السعودي الإيراني، لم يكن هناك أي هجوم صاروخي أو هجوم بطائرات بدون طيار من قبل الحوثيين على المملكة العربية السعودية، وهذا أمر أساسي من وجهة النظر السعودية التي تحرص على أن الصراع في اليمن يبقى في اليمن".

وللتخفيف من مخاطر تفاقم الصراع، يتصور كريم مسارًا محتملاً للمضي قدمًا، وهو مسار يستلزم اتفاقًا لتقاسم السلطة بحيث تظل جماعة الحوثي مهيمنة، خاصة في شمال اليمن، لكن مع احتفاظ حلفاء السعودية بالنفوذ.

لكن أي اتفاق يجب أن يضمن موافقة مختلف الفصائل اليمنية، التي شكلت تحالفات وتنافسات متغيرة طوال فترة الصراع، وكذلك كل من الرياض وطهران، اللتين قد يتوقف الانفراج الوليد في علاقتيهما على مصير الصراع. وهذا أمر له أهمية خاصة بالنسبة لولي العهد الأمير محمد.

وقال كريم: "بالنسبة لولي العهد السعودي، من الواضح أنه من أجل اتباع هذا المسار من التحول الاقتصادي والاجتماعي، لا تستطيع المملكة العربية السعودية تحمل أي صراع كبير وطويل الأمد مع إيران".

وأضاف: "على الرغم من أن المملكة العربية السعودية بدأت في تنويع مصادر الإيرادات، إلا أن ميزانيتها الإجمالية لا تزال تعتمد على الإيرادات المتولدة من قطاع الطاقة، مما يدل على أن هذه الإيرادات لا تزال العمود الفقري للاقتصاد السعودي، وأي تكرار لهجوم من قبيل ما حدث في أبقيق أو خريصة الذي أدى إلى توقف إنتاج النفط السعودي، سيكون أمراً لا يمكن الدفاع عنه".

هذه النقطة رددتها أيضاً ياسمين فاروق، الباحثة في برنامج الشرق الأوسط التابع لمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي. وتجادل ياسمين بأن الهجومين اللذين وقعا في عام 2019 أظهرا كيف أن مثل هذه التوترات مع إيران "يمكن أن تعرقل تحقيق أهداف رؤية 2030 من خلال خفض وحتى انقطاع عائدات المملكة العربية السعودية من النفط وزيادة المخاطر التي يواجهها المستثمرون الأجانب في مشاريع رؤية 2030، مثل "نيوم" والسياحة والنقل البحري، ومشاريع البنية التحتية والطاقة والخدمات اللوجستية."

وأشارت أيضًا إلى "التحول الكامل" في السياسة الخارجية السعودية الذي بدأ قبل عام كاستجابة لتداعيات اغتيال الصحفي السعودي المنفي جمال خاشقجي، الذي ربطت الولايات المتحدة ولي العهد الأمير محمد مباشرة بها، وهو الأمر الذي دائماً ما نفاه الأمير والحكومة السعودية.

وقالت فاروق: "لقد قام القصر الملكي بتعديلات في الفريق الذي يقدم المشورة بشأن السياسة الخارجية، وبدأ مرحلة من التهدئة الإقليمية، بما في ذلك مع إيران"، مشيرة إلى أن نهج المملكة العربية السعودية تجاه الحرب في اليمن "تطور بشكل كبير"، حيث لم تعد الرياض "تخفي أن هدفها الحالي هو إيجاد مخرج مستدام" من هذا الصراع. وقالت إن "الرياض اليوم سترضى بالتأكيد بأقل من ذلك، لكنها لا تستطيع السماح للحوثيين بإعلان نصر واضح أو أن تلبّي مجمل مطالبهم المالية والسياسية".

وقالت سنام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة تشاتام هاوس في لندن، إنه حتى في الوقت الذي يعطي فيه ولي العهد "أولوية لتجنب الصراع في اليمن"، فإن الجهود الرامية إلى "وقف إطلاق النار وإحلال السلام الشامل سوف يستغرقان وقتًا أطول مما كان متصورًا لتحقيقهما". وقالت فاكيل: "هذا يُظهر أن الطريق نحو ذلك سيكون صعبًا بالنسبة للمملكة"، إذ "سيكون اليمن دائمًا مصدر خطر لتصعيد طويل المدى بالنسبة للمملكة، الأمر الذي سيتطلب منها إدارة ومحاباة مستمرتين، ليس فقط مع صنعاء وطهران، ولكن أيضًا مع القبائل في جميع أنحاء اليمن".

وأضافت إن "هدف الرياض على المدى المتوسط والطويل هو فصل الحوثيين عن طهران، ولكن لتحقيق ذلك، فإن عليها أولاً ضمان وقف إطلاق النار وبناء علاقات مستدامة مع الحوثيين وفي جميع أنحاء البلاد". وهذا، بحسب الباحثة، يستلزم أيضًا الحفاظ على تواصل المملكة المستمر مع القوة ذاتها التي طالما صورتها على أنها المصدر الرئيسي لمصائبها الأمنية.

وقالت فاكيل: "بعد تعرضها لهجمات إيرانية من اليمن وعلى منشآتها النفطية، أدركت القيادة السعودية العلاقة بين الأمن الإقليمي والازدهار الاقتصادي"، مشيرة إلى أن المملكة تحتاج إلى إنهاء الحرب في اليمن ووقف أي صواريخ ومسيّرات تحلّق في سمائها، لكي تنجح رؤية 2030، وأن كلا الأمرين "يتطلبان الحوار والوساطة مع طهران".

من المرجح أن تكون الخطوات التالية للاستفادة من روح الدبلوماسية النادرة وحسن النية بين إيران والمملكة العربية السعودية التي ظهرت منذ إعادة العلاقات، حاسمة بالنسبة لجهود ولي العهد الأمير محمد لإعادة تعريف صورته الدولية، والتي ارتبطت حتى الآن بشكل وثيق بالصراع في اليمن.

وبينما قال مدير برامج الشرق الأوسط في المعهد الأمريكي للسلام، سرهانج حماسعيد، إن ذلك "سيكون الأمر صعبًا" على الأمير محمد، فقد حدد مساراً للأمير الشاب لانتزاع نصر من تجربته في اليمن.

وقال حماسعيد: "إذا بدا أن إيران، من خلال المشاركة الدبلوماسية، تعمل على الأقل على إبطاء تقدمها الإقليمي، وإذا توقفت الهجمات على المملكة العربية السعودية من اليمن، وإذا تمكنت المملكة من المضي قدمًا في أجندتها الطموحة للاستثمارات والتحديث والقيادة الإقليمية، وعلى الجانب اليمني إذا لم يهيمن الحوثيون بشكل كامل ونجحوا في خلق مساحة للقوى اليمنية الأخرى لتكون جزءًا من الحكومة، قد تكون هذه نقاط إيجابية يمكن أن تقدمها المملكة العربية السعودية وولي العهد، محليًا وإقليميًا ودوليًا".

وأضاف إن المملكة العربية السعودية اضطرت إلى استخلاص الدروس من تأثير الصراع في الشرق الأوسط بعد قرابة عقدين من الغزو الأمريكي للعراق والانسحاب اللاحق الذي بدأ في عام 2011، العام الذي تعرضت فيه المنطقة لمزيد من الهزات بسبب حركة احتجاجات الربيع العربي وبدايات ما سيصبح تنظيم الدولة الإسلامية المسلحة (داعش).

وبما أن الحلول العسكرية لم تنجح، فإن المملكة العربية السعودية، في عهد ولي العهد الأمير محمد، تراهن على المسار الدبلوماسي "لحماية حدودها الجنوبية ووقف الهجمات، لأن تطلعات التحديث ورؤية 2030 وكل هذه المشاريع العملاقة التي تتطلب استثمارات ضخمة من المملكة نفسها ومن المستثمرين الخارجيين، فإن الأمر يتطلب وجود سعودية مستقرة، وشرق أوسط مستقر لا يتعرض لتهديد الطائرات بدون طيار والصواريخ"، وفقًا لحماسعيد الذي يرى أيضاً أن الحل في اليمن والمنطقة العربية يتطلب "مزيجاً من الحوافز الإيجابية لعدم استنزاف الموارد وللمساعدة في تحقيق الاستقرار، مع الاعتراف بدرجة ما من حقيقة أن المواجهة لم تساعد، وأن المشاركة الدبلوماسية ربما تؤدي إلى نتيجة مختلفة".


المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: المملکة العربیة السعودیة ولی العهد الأمیر محمد ولی العهد السعودی محمد بن سلمان الشرق الأوسط الصراع فی مع إیران فی الیمن یمکن أن رؤیة 2030

إقرأ أيضاً:

بالبيانات والصور.. محلل صواريخ غربي يكشف عن نوعية صواريخ الحوثيين التي تضرب بها إسرائيل (ترجمة خاصة)

كشف محلل الصواريخ الغربي رالف سافيلسبيرج، عن نوع وماهية الصواريخ التي تستخدمها جماعة الحوثي في اليمن لضرب إسرائيل.

 

وقال سافيلسبيرج في تحليل نشرته منصة "بريكينج ديفينس" وترجمه للعربية "الموقع بوست" إن جماعة الحوثي تستخدم صواريخ سكود بعد ادخال تعديلات خاصة عليها بحيث أصبح مداها كافيًا للوصول إلى داخل الأراضي الإسرائيلية.

 

وأضاف سافيلسبيرج الأستاذ المشارك في أكاديمية الدفاع الهولندية والمتخصص في قضايا الدفاع الصاروخي "على الرغم من أن جماعة الحوثي تُحبّ إعطاء الانطباع بأنها تستخدم صواريخ متطورة تفوق سرعة الصوت، إلا أن حطام معززات الصواريخ الحوثية التي سقطت في إسرائيل يُظهر أن العديد من صواريخها هي نسخ مُعدّلة من صاروخ سكود (سيئ السمعة)، الذي طُوّر أصلًا في الاتحاد السوفيتي أواخر الخمسينيات".

 

وتابع "بينما تُعرف جماعة الحوثي بتشغيلها لأنواع سكود المُختلفة، فإن أكثر أنواعها شيوعًا، وهو صاروخ ذو الفقار، يبلغ مداه الأقصى 1400 كيلومتر (869.9 ميلًا) - وهو مدى غير كافٍ للوصول إلى إسرائيل".

 

وحسب سافيلسبيرج فإن تحليل جديد لحطام الصاروخ يشير إلى أن الجماعة تستخدم نسخة جديدة من صاروخ سكود، مزودة بمركبة إعادة دخول أصغر من صاروخ ذو الفقار، وربما حمولة أصغر.

 

وقال "باستخدام تحليل فني لنسخ سكود، استنادًا إلى محاكاة حاسوبية وتحليل الصور والفيديو، وجدنا أن الوصول إلى وسط إسرائيل، لمسافة 2000 كيلومتر، من المرجح أن يكون للصاروخ خزانات وقود أطول بكثير".

 

وأشار إلى ان هذه التغييرات تُقلل من فعاليته العسكرية، لكن يبدو أن هدفه الرئيسي هو ببساطة إثبات قدرة جماعة الحوثي على الوصول إلى إسرائيل.

 

وقع أول هجوم صاروخي باليستي مسجل لأنصار الله على إسرائيل في أواخر أكتوبر 2023. توقفت الهجمات لفترة وجيزة من منتصف يناير إلى منتصف مارس 2025، خلال وقف إطلاق النار في غزة، لكنها استمرت منذ ذلك الحين، على الرغم من الغارات الجوية الإسرائيلية والبريطانية والأمريكية على اليمن. في البداية، استهدفت معظم الهجمات إيلات، جنوب إسرائيل. تطلب هذا من الصواريخ أن تحلق لمسافة حوالي 1700 كيلومتر. في الأشهر التالية، انتقلت الهجمات إلى وسط إسرائيل، ومؤخرًا إلى حيفا، في أقصى الشمال. يتطلب هذا صواريخ بمدى يقارب 2000 كيلومتر.

 

حتى الآن، كانت الأضرار محدودة. بعض صواريخ الحوثيين لم تُطلق أثناء تحليقها، بينما اعترضت الدفاعات الصاروخية صواريخ أخرى، حيث استخدمت إسرائيل صواريخ اعتراضية من طرازي "أرو-2" و"أرو-3"، ونشرت الولايات المتحدة نظام دفاع صاروخي من طراز "ثاد" في البلاد. مع ذلك، في ثلاث حالات مُبلّغ عنها، انفجرت مركبات صاروخية عائدة (RVs) على الأرض. وتشمل هذه الحالات هجومًا على مطار بن غوريون في مايو/أيار من هذا العام، ولكن قبل ذلك، في 19 و21 ديسمبر/كانون الأول 2024، دمّرت مركبات عائدة مبنى مدرسة فارغًا وأصابت ملعبًا في تل أبيب. وفق المحلل.

 

في دعايتها لهجماتها، حسب المحلل تشير جماعة الحوثي تحديدًا إلى استخدام صاروخ ذو الفقار. وهو الصاروخ الذي استُخدم أيضًا في هجماتها السابقة ذات المدى الأطول على الدمام على ساحل الخليج العربي السعودي عام 2021 وعلى أبوظبي عام 2022. يُعرف هذا الصاروخ أيضًا باسم بركان-3، وهو تطوير لصاروخ بركان-2H، بحمولة أقل وخزانات وقود أكبر.

 

وبناءً على تحليل أجراه فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، فإن صاروخ بركان-2H هو نسخة من صاروخ قيام الإيراني. وهو بدوره تطوير لصاروخ سكود السوفيتي الأصلي. عندما كُشف النقاب عن صاروخ ذو الفقار عام 2019، لم يكن هناك أي صاروخ إيراني مكافئ معروف. (عرضت إيران نسخة تُسمى رضوان في طهران عام 2022، بمدى أقصى يُزعم أنه 1400 كيلومتر).

 

وقال رالف سافيلسبيرج إذا صدقت دعاية الحوثيين، فإنهم يستخدمون أيضًا صاروخًا يعمل بالوقود الصلب يُسمى "فلسطين-2"، ويزعمون أنه صاروخ فرط صوتي، ويبلغ مداه الأقصى 2150 كيلومترًا. وبشكل عام، تعني كلمة "فرط صوتي" سرعةً تفوق سرعة الصوت بخمسة أضعاف (أي حوالي 1.7 كيلومتر/ثانية في الجو، حسب الارتفاع).

 

واضاف "مع ذلك، فإن أي صاروخ باليستي يزيد مداه عن 1200 كيلومتر تقريبًا يصل إلى هذه السرعة. كما عرض الحوثيون سلاحًا يُعرف باسم "طوفان"، وهو ما يعادل صاروخ "قدر" الإيراني الذي يعمل بالوقود السائل، ويبلغ قطره 1.25 متر، ويبلغ مداه الأقصى 1950 كيلومترًا".

 

وطبقا للمحلل فإن كلا السلاحين بديا مرشحين رئيسيين للاستخدام ضد إسرائيل، نظرًا لبعد المسافة. لكن يبدو أن هذا ليس صحيحًا.

 

 

وبالبيانات والصور نشر المحلل صورة لجزء من خزان وقود لصاروخ يعمل بالوقود السائل سقط خارج القدس، في سبتمبر 2024، قطره أصغر بوضوح من 1.25 متر. وقال علاوة على ذلك، في يناير 2025، سقط محرك صاروخ آخر بالقرب من القدس، ويُظهر حجمه وتفاصيل غرفة احتراقه، مثل نقاط تثبيت الدعامات التي تنقل الدفع إلى هيكل الصاروخ، أنه محرك سكود. الحطام الآخر مشابه.

 

من الواضح وفق المحلل فإن هذه الصواريخ هي نسخ مختلفة من سكود وليست من طراز توفان أو فلسطين-2. وهذا يترك السؤال البديهي: كيف يُمكن للحوثيين أن يُطلقوا صاروخ سكود إلى مدى 2000 كيلومتر؟

 

أقوى، أفضل، أسرع، أقوى

 

يضيف "لزيادة مدى صاروخ مثل سكود (باستخدام مزيج وقود ومحرك محددين)، يجب زيادة نسبة كتلة الإقلاع التي يستهلكها الوقود إلى أقصى حد. يمكن تحقيق ذلك بتقليل حمولة الصاروخ، وبناء هيكل أخف وزنًا، وتقليل كتلة مكونات الصاروخ الأخرى (مثل الجيروسكوبات ومقاييس التسارع المستخدمة لتوجيه الصاروخ خلال مرحلة الدفع)، وزيادة حجم خزانات الوقود.

 

وأردف "لقد فعل العراق بعضًا من هذا منذ ما يقرب من 40 عامًا، في عهد صدام حسين. كان مدى صاروخ سكود-بي الأصلي 300 كم برأس حربي يزن 1000 كجم. تم بناء صواريخ الحسين العراقية عن طريق إطالة خزانات سكود وخفض حمولتها إلى النصف، وبالتالي مضاعفة المدى. خلال حرب الخليج عام 1991، أطلق العراق العشرات من هذه الصواريخ على إسرائيل والمملكة العربية السعودية. كما يجمع صاروخ قيام الإيراني بين العديد من هذه التغييرات. فهو يتمتع بهيكل طائرة أخف وزنًا بشكل ملحوظ مع خزانات أطول وأنظمة توجيه وملاحة وتحكم (GNC) أكثر إحكاما، بالإضافة إلى حمولة أصغر. وبالتالي، يمكنه الطيران لأكثر من 700 كم بحمولة RV تزن 750 كجم. أظهر تحليل سابق لصاروخ بركان-2H المستخدم في هجمات الحوثيين على الرياض عام 2019 أن مداه قد زاد على الأرجح، إلى حوالي 950 كم، عن طريق تقليل حمولته إلى 500 كجم".

 

 

لمعرفة كيفية زيادة المدى، نُقيّم أولًا مدى قدرة صاروخ ذو الفقار على الطيران لمسافة 1400 كيلومتر، كما هو مُدّعى بالنسبة لصاروخ رضوان. بناءً على قطره البالغ 0.88 متر، يبلغ طوله 11.0±0.8 متر. يُستخدم فيديو لإطلاق صاروخ ذو الفقار لقياس تسارع إقلاعه، باستخدام طول الصاروخ ومعدل إطارات الفيديو. بدمج هذا القياس مع قوة دفع محرك سكود عند ارتفاع الإطلاق المُحتمل (يتميز شمال اليمن بارتفاع عالٍ)، نحصل على كتلة إقلاع تبلغ 6550 كجم. يقول سافيلسبيرج

 

ويرى أن الخطوة الأخيرة هي معرفة كمية الوقود اللازم لإطلاق مثل هذا الصاروخ إلى مدى 1400 كيلومتر. يتم ذلك من خلال محاكاة مسارات المدى الأقصى كدالة لنسبة كتلة الوزن الساكن للمعزز، مع الحفاظ على ثبات تدفق كتلة الوقود وكتلة إقلاع الصاروخ. نسبة كتلة الوزن الميت للمعزز هي كتلة معزز الصاروخ عند الاحتراق، كنسبة مئوية من كتلة المعزز عند الإقلاع. وبالتالي، فإن انخفاض نسبة كتلة الوزن الميت للمعزز يعني أن جزءًا أكبر من كتلة إقلاع المعزز يتكون من الوقود، مما يزيد من المدى.

 

ولفت إلى أن نتائج المحاكاة تظهر أنه مع مركبة إعادة دخول وزنها 250 كجم، يتطلب مدى 1400 كيلومتر نسبة كتلة وزن ميت للمعزز تبلغ 14.2%. وهذا أمر معقول. كان لصاروخ سكود الأصلي نسبة كتلة أعلى بكثير، لكن الصواريخ المتقدمة التي تعمل بالوقود السائل، مثل الصاروخ السوفيتي R-27 / SS-N-6 "الصربي"، كانت نسبة كتلة وزن ميت للمعزز تبلغ حوالي 11%. تبلغ كتلة الوقود اللازمة لهذا المدى حوالي 5.4 أطنان، وهو ما يشغل حجمًا يطابق تقريبًا حجم خزان الوقود المُقدّر بناءً على حجم الصاروخ.

 

كتلة المركبة العائدة (RV) البالغة 250 كجم هي تقديرية، ولكن إذا كانت أثقل بكثير، فيجب أن تكون كتلة احتراق المعزز أصغر من كتلة احتراق صاروخ قيام للسماح له بالتحليق لمسافة 1400 كيلومتر. ومع ذلك، فإن خزانات الوقود في صاروخ ذو الفقار أطول بحوالي متر واحد، لذا من المرجح أن يكون معزز ذو الفقار أثقل من صاروخ قيام.

 

في حين أنه من المعقول أن يتمكن صاروخ ذو الفقار من الطيران لمسافة 1400 كيلومتر، إلا أن هذا أقل من المسافة التي شوهدت في الضربات الإسرائيلية. إذًا، ما التغييرات الممكنة التي يمكن إجراؤها لجعله يطير لمسافة أبعد؟ على الأرجح، هو المسار المتبع لتطوير صاروخي قيام وذو الفقار.

 

تشير الحطامات التي عُثر عليها في إسرائيل إلى أن الواجهة الأمامية لبعض صواريخ سكود الحوثية تختلف عن واجهة صاروخ ذو الفقار. قاعدة معزز صاروخ ذو الفقار أصغر قطرًا من معززه، مع مقطع مخروطي قصير مميز بينهما. على الرغم من تعرضه لتشويه شديد، إلا أن معزز صاروخ حوثي سقط على سطح منزل في إسرائيل يتميز بوضوح بمقطع مخروطي أطول وقطر أمامي أصغر.

 

 

هذا يشير وفق سافيلسبيرج إلى أنه كان يحمل معززًا أصغر وكتلة أصغر. علاوة على ذلك، في أواخر أبريل، ظهرت صور لمعزز صاروخي وجزء من المقطع المخروطي أثناء انتشالهما من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي باستخدام جرافة. بمقارنتها بحجم الجرافة، تُظهر هذه المركبة أصغر بكثير من تلك المستخدمة في صاروخ ذو الفقار.

 

بالنسبة لمعزز ذو الفقار الذي لم يتغير، والذي تبلغ نسبة كتلته الساكنة 14.2%، يرى سافيلسبيرج أن تقليل كتلة المركبة العائدة إلى 100 كجم يؤدي إلى مدى يبلغ 1656 كم - أي أقرب، ولكن ليس بعد. سيزيد الإطلاق من ارتفاعات عالية هذا المدى بما يكفي للوصول إلى إيلات، ولكن تقليل كتلة المركبة العائدة وحده لا يكفي للطيران لمسافة 2000 كم.

 

وزاد "لتحقيق هذه المسافة، من المرجح أن يتطلب الأمر خزانات وقود أطول. أُجريت سلسلة من عمليات محاكاة المسار لمركبة عائدة أخف وزنًا وأصغر وزنًا 100 كجم، لصواريخ سكود ذات خزانات أطول ونسبة كتلته الساكنة المختلفة. بناءً على المقارنة بين ذو الفقار وقيام، فإن إضافة متر واحد إلى طول الخزان يضيف 822 كجم من الوقود. بما أن جزءًا كبيرًا من كتلة احتراق الصاروخ يرتبط بمكونات تبقى كتلتها ثابتة عند إطالة هيكل الطائرة، مثل معدات GNC والمحرك ومضخاته التوربينية، فإن إطالة الخزانات تؤدي إلى انخفاض نسبة كتلة الوزن الساكن للمعزز. (النسبة الدقيقة لكتلة الوزن الساكن للصاروخ الجديد المُطوّل غير معروفة، ولكن عند الاحتراق، من غير المرجح أن يكون المعزز أخف وزنًا من صاروخ ذو الفقار. وبالتالي، يُستبعد الجمع بين الأطوال المضافة ونسبة الوزن الساكن التي تُؤدي إلى كتلة احتراق أصغر)".

 

 

تُظهر النتائج أنه باستخدام خزان وقود إضافي (RV) وزنه 100 كجم، يُمكن تحقيق مدى يصل إلى 2000 كم (أو أكثر بقليل) مع إضافة أطوال خزانات لا تقل عن 1.5 متر ونسبة وزن ساكن تبلغ 12% أو أقل. أما بالنسبة لخزان وقود إضافي أثقل وزنه 150 كجم، فيجب أن يكون طول الخزان الإضافي أكثر من مترين ونسبة الوزن الساكن أقل من 11.3%. هذه أرقام ضئيلة، لكنها معقولة.

 

يقول "بالطبع، هناك حدٌّ لمدى إمكانية زيادة مدى الصاروخ بزيادة طول خزاناته دون تقوية هيكله أو زيادة ضغط خزاناته. على أي حال، من المرجح أن يكون الصاروخ المُطوَّل ضعيفًا للغاية، وهو ما قد يُفسر بعض أعطال الصواريخ أثناء الطيران. كما أن انخفاض الحمولة يُقلل من فعاليته العسكرية. ومع ذلك، تبدو الفعالية العسكرية أقل أهميةً بكثير بالنسبة لأنصار الله من إثبات قدرتهم على الوصول إلى إسرائيل".

 

وختم سافيلسبيرج تحلليه بالقول "من الواضح أن استخدام الحوثيين لصواريخ سكود المُختلفة لا يعني أنهم لم يستخدموا أيضًا صاروخ طوفان أو فلسطين-2 في هجماتهم - ولكن في الوقت الحالي، لا يوجد دليل على ذلك. في ظل الظروف المناسبة، حتى صاروخ سكود المُحسَّن يمكنه اختراق الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية، مهما كانت جودة تلك الدفاعات".

 

 

 


مقالات مشابهة

  • تحليل رقصة صواريخ إيران التي أرهقت خورازميات ثاد
  • الأمم المتحدة تدعو لمفاوضات عاجلة لوقف الهجمات بين إسرائيل وإيران
  • القنصل العام للسودان بجدة: جهود المملكة العربية السعودية هذا العام كانت استثنائية بكل المقاييس
  • موقع عبري: قوات الشرعية في اليمن ممزقة وأمريكا خيبت آمال السعودية في حرب الحوثيين (ترجمة خاصة)
  • من هو محمد عبدالكريم الغماري رئيس هيئة الأركان في حكومة الحوثيين الذي أعلنت إسرائيل اغتياله؟
  • إسرائيل تشن هجوما على اليمن وتعلن اغتيال رئيس أركان الحوثيين
  • محاولة اغتيال إسرائيلية لرئيس أركان الحوثيين في اليمن.. من هو محمد الغماري؟
  • بهجوم على اليمن.. الجيش الإسرائيلي يحاول اغتيال رئيس أركان الحوثيين
  • أكسيوس: إسرائيل حاولت تصفية رئيس أركان الحوثيين في اليمن
  • بالبيانات والصور.. محلل صواريخ غربي يكشف عن نوعية صواريخ الحوثيين التي تضرب بها إسرائيل (ترجمة خاصة)