كيف يمكن للاحتفاظ بالأسرار أن يكون عبئا نفسيا؟
تاريخ النشر: 5th, May 2025 GMT
يحتفظ معظمنا ببعض الأسرار، ولكن ما هي الأنواع الأكثر شيوعا التي نخبئها؟ وما هي التأثيرات النفسية المرتبطة بالحفاظ عليها؟
تشير الأبحاث في هذا المجال إلى تزايد الفهم حول هذا الموضوع. فقد قام مايكل سليبيان من كلية إدارة الأعمال بجامعة كولومبيا بمراجعة أدبية في 2024 لتلخيص الاستنتاجات الرئيسية حول الأسرار التي يخبئها الناس في حياتهم اليومية والتأثيرات النفسية التي تنجم عنها.
يؤكد سليبيان أن السرية ليست مجرد فعل، بل نية. السرية هي قرار بإبقاء معلومات معينة بعيدة عن الآخرين، وتختلف عن الخصوصية العامة. على سبيل المثال، قد ترغب في الحفاظ على تفاصيل حياتك الشخصية خاصة، لكن حقيقة أنك شخص نشط اجتماعيا أو مهنيا ليست بحد ذاتها سرا. يصبح لديك سر فقط عندما تقرر كتمان معلومات معينة عن الآخرين. هذه النية تؤثر عليك بطرق نفسية وجسدية حتى قبل الحاجة الفعلية لإخفاء تلك المعلومات أثناء المحادثة.
تشير الأبحاث إلى أن الأسرار الأكثر شيوعا التي نخفيها تتعلق بالأفكار العاطفية والكذب، على الرغم من أن البعض قد يعتقد أن هذه الأسرار تكون أكثر ضررا عندما نخفيها بشكل متكرر، فإن الأبحاث تشير إلى أن التفكير المتكرر في هذه الأسرار يؤثر سلبًا على صحتنا النفسية أكثر من الإخفاء النشط لها.
إعلان التأثير النفسي للأسرارفي مقاله على موقع سيكولوجي توداي، يوضح الدكتور نعوم شبانسر، أستاذ علم النفس في جامعة أوتيربين بأوهايو، أن إخفاء الأسرار يعد أمرًا مرهقًا، لكن الأبحاث تشير إلى أن التفكير المستمر في الأسرار هو ما يؤثر بشكل أكبر على رفاهيتنا. فالتفكير المتكرر في السر قد يسبب زيادة الشعور بالخجل والعزلة وفقدان الأصالة، مما يؤدي إلى تدهور مستويات الرفاهية العامة، وهو ما يبرز تأثير الأسرار على الحياة النفسية للأفراد.
أحد الأسباب وراء ذلك هو أن الأسرار غالبًا ما تتعلق بمشاكل غير محلولة، وهي قضايا تضعها عقولنا في الأولوية وفقًا للتطور البيولوجي. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب إخفاء السر عندما تقتضي الظروف ذلك أن نحتفظ به في أذهاننا، مما يفسر تكرار التفكير فيه.
السرية والعلاقاتعلى الرغم من أن الأسرار قد تسهم في تجنب الصراع والعلاقات المتوترة، لكنها غالبا ما تفرض عبئا نفسيا بسبب تأثيرها على العلاقات الاجتماعية. قد تحرمنا الأسرار من الدعم الاجتماعي وتخلق مسافة بيننا وبين الآخرين. الشعور بالذنب بسبب الاحتفاظ بالسر يزيد من العبء العاطفي، مما يعزز الشعور بالعزلة والضغط النفسي.
أفضل الطرق للاحتفاظ بالأسراريعد الاحتفاظ بالأسرار أمرا يتطلب جهدا كبيرا، ولهذا من الضروري استخدام مهارات التنظيم العاطفي الفعالة. يمكن التعامل مع الأسرار بشكل أفضل من خلال التفكير في سلوكنا وتخيل تصرفات مختلفة لتجنب الحاجة للاحتفاظ بالأسرار في المستقبل. التركيز على حل المشكلات يكون أفضل نفسيا من لوم النفس.
وفي النهاية، يمكن إدارة السر بشكل جيد من خلال التركيز على الجوانب الاجتماعية الإيجابية للسرية، مثل الحفاظ على الانسجام الاجتماعي، شريطة أن تكون نية السرية غير أنانية.
هل يجب عليك مشاركة سرك؟التعامل الفعّال مع التوتر الذي يصاحب السرية قد يتطلب أحيانا كشف السر للشخص المناسب، سواء من خلال الاعتراف (الكشف للشخص المستهدف) أو المشاركة (الكشف لشخص موثوق). يحمل كل من الاعتراف والمشاركة مخاطرهما وفوائدهما المحتملة. على الرغم من أن البحث في مجال الاعتراف محدود، تشير الدراسات حول المشاركة إلى أنها مفيدة بشكل عام لكل من الشخص الذي يحتفظ بالسر والمستشار. أظهرت الأبحاث أن المشاركة مع شخص موثوق يمكن أن تعمل كآلية تكيف ضد الاكتئاب.
إعلانفي النهاية، كلنا نحتفظ بالأسرار في مرحلة ما. ومعظم الناس في الوقت الحالي يحتفظون بعدد من الأسرار، بما في ذلك تلك التي تم الاحتفاظ بها لسنوات. على الرغم من أننا تعلمنا الكثير عن السرية، فإن هناك المزيد الذي يجب اكتشافه حول كيفية تأثير الأسرار على حياتنا النفسية والاجتماعية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات على الرغم من أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
حين يكون المفاوضُ مقاوما!
التفاوضُ مسألة أزلية أبدية، وجُدت منذ خلق اللهُ عز وجل الإنسانَ، وستبقى طالما بقي في الأرض بشرٌ يتصارعون ويتعاركون حتى يصلوا لمرحلةٍ يجدون أنه لا بد من الجلوس إلى طاولة المفاوضات لحل مشاكلهم.
منذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين اختلف العرب حول طريقة التعامل مع الاحتلال، منهم من قال "لنجلس مع إسرائيل ونسمع ما تقول"، ومنهم من رفض مطلقا على أساس أن الجلوس مع المحتل يعني ضمنيا الاعتراف به وبشرعيته.
في حالتنا الفلسطينية، وقع بعضنا في فخ المفاوضات بعدما وافق على رمي أوراق القوة في سلة المهملات، ودخل ميدان التفاوض عاريا بدونها، وخاض مع الاحتلال جولات كثيرة من المفاوضات استمرت لعقود دون أي نتيجة مفيدة؛ لأن عدونا ماكرٌ ومماطلٌ ومخادعٌ، وليس له مثيل في تلك الصفات، يرفض البنود التي كان يطرحها هو، ويتم الاتفاق عليها، ثم يتهرب من تنفيذها ويماطل ويضع شروطا جديدة حتى ينفذ شروطا قديمة.
لقد ظن هذا البعض أن أمريكا يمكنها لعب دور الوسيط النزيه، أو أن الأنظمة العربية قد تُضحى بمصالحها مقابل خدمة فلسطين، ليتفاجأ هذا البعض بأن المفاوضات ليست إلا فخا نُصب بعناية لإسقاط البندقية والثائر والثورة.
وكانت فلسفة الاحتلال في التفاوض هي أن يضع شروطه، وما على الطرف الثاني إلا التوقيع دون الحق في إبداء الرأي أو الاعتراض، وإلا فالويل والثبور وعظائم الأمور.
حتى وصل الحال إلى أن كان المفاوض الفلسطيني مقاوما، لم يرمِ سلاحه في سلة المهملات، لم يعترف بعدوه، بل دخل ميدان التفاوض وهو يضع سلاحه على كتفه، وحقده على عدوه في قلبه، وأهدافه واضحة لا يخاف من أي تهديد، لا يعطي ردا سريعا أو فرديا، بل يتأنى في الرد ويشاور الجميع، ويؤكد أن ثمة قضايا غير قابلة للنقاش أو التفاوض مثل السلاح الذي هو حق لأي شعب يدافع عن نفسه في وجه الاحتلال.
خاض المفاوض المقاوم جولات عديدة وعنيدة؛ حاول العدو خلالها فرض شروطه التي تطالب المفاوض المقاوم بالتنازل، لكنه قابلها بالثبات والصمود والحنكة السياسية، قال "لا مانع من التفاوض" لكن "لنا رأي ويجب أن تسمعوه، نحن لا نوقع على بياض".
إن خير ما يدلل على ما سبق هو جولة المفاوضات التي تقودها المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والتي بدأها الاحتلال بفرض شروطه والمطالبة بتسليم الأسرى والسلاح دون شروط أو قيود، لكن المفاوض المقاوم قابل الشروط بالثبات على الأهداف والمرونة في الوسائل، وأخضع الشروط للتغيير بما يحقق مطالب المقاومة.
في مقترح ترامب الأخير والذي جاء في 21 بندا، تبنى ترامب الرؤية الإسرائيلية لإنهاء العدوان، وكأنه الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية، وكان المقترح مُصمم ليجعل حماس ترفضه، فالشروط مجحفة جدا وتدمر القضية الفلسطينية، ولا خيار أمام المقاومة إلا "إما الرفض وإما الاستسلام"، لكن المفاوض المقاوم نجح في الخروج من مأزق ترامب وقلب السحر على الساحر، وصار نتنياهو هو المأزوم، ونجحت حماس في كسب معركة التفاوض عالميا، لأنها تعاملت معه وفق معطيات دينية أن العدو ماكر ومخادع، ويتلاعب بنصوص أي وثيقة، واستفادت من تجارب التفاوض بين العدو ومن سبقها من الأطراف العربية والفلسطينية بأن التسامح مع العدو مرة يفتح شهيته للمزيد.
حين يكون المفاوض مقاوما، يعني أن الحقوق لن تضيع، وأن المبادئ دونها الدماء والرقاب، وأن كل كلمة مكتوبة تُقرأ على أكثر من وجه لاكتشاف رائحة الغدر منها، وأنه يتم التمييز بين المفاهيم والمصطلحات، فكل كلمة لها معنى ومغزى، ويُدرك ما يرغب الاحتلال بأخذه أولا وما يؤجله العدو، ويعلم كيف يخاطب العالم بلغة لا استجداء فيها ولا ضعف، ولسان حاله يقول: "اطلبوا حوائجكم بعزة الأنفس"، ويعلم أن دماء الشهداء يجب أن يكون لها ثمن يليق بها وليست مجالا للمساومة أو البيع.
يبقى القول واجبا أن المفاوض المقاوم نجح في تأسيس مدرسة تفاوضية لا تمانع التفاوض من حيث المبدأ، لا تعترف بعدوها، وتمنع التفريط بالحقوق والثوابت، ولا يسيل لعابها أمام الإغراءات والوعود المزيفة، ولا يضرها من خذلها ولا من عاداها.
استمر المفاوض المقاوم في مسيرته حتى كتب الله ما كتب في وقف العدوان في تشرين الأول/ أكتوبر 2025، بعد عامين من الإبادة الجماعية، وأقنع العالم بعدالة القضية الفلسطينية..