حتى العام الماضي، كانت الحياة في باكستان جيدة بالنسبة لطلحة خان (35 عاما)، خبير التسويق الرقمي، إذ كان العمل وفيرا ويزيد مدخراته شهريا ويدفع الفواتير في وقتها، وكان ابنه يذهب إلى المدرسة، بحسب سال أحمد في تقرير بموقع "ميدل إيست آي" البريطاني (MEE) ترجمه "الخليج الجديد".

واستدرك أحمد: "لكن البلاد دخلت في حالة من الفوضى السياسية في أبريل/ نيسان الماضي، عندما أُقيل عمران خان من منصب رئيس الوزراء عبر تصويت بحجب الثقة، وتم اعتقاله لاحقا بتهم فساد".

وتابع أن "الاضطرابات قاقمت الوضع الاقتصادي المتردي بالفعل، وتركت باكستان المثقلة بالديون لتواجه واحدة من أسوأ الأزمات المالية في تاريخها، ودفعت الشباب للبحث عن عمل في الخارج".

وأردف: "في عهد شهباز شريف، خليفة خان، اضطرت الحكومة إلى تنفيذ إصلاحات مؤلمة لتأمين التمويل من صندوق النقد الدولي، وسط مستويات تضخم مرتفعة تاريخيا".

خان قال إن عمله توقف منذ ذلك الحين، وأجبره الارتفاع الحاد في تكاليف المعيشة على إخراج ابنه الصغير من المدرسة، واشترى دراجة نارية بدلا من سيارته لتوفير الوقود، وتشعر أسرته بالصدمة الشهرية لارتفاع فواتير الكهرباء.

وأضاف: "أخبرني جميع عملائي الباكستانيين الرئيسيين في القطاعين العام والخاص تقريبا أنهم يخفضون التكاليف، ولم يعد هناك المزيد من العمل حاليا ولا في المستقبل القريب".

وزاد بأنه "في كل مكان تنظر إليه، تجد الشركات مغلقة والبطالة آخذة في الارتفاع. لا أدرى كيف سيستثمر أي مستثمر أجنبي هنا، حتى المستثمرين المحليين يغادرون.. الوضع سيئ وسيزداد سوءا.. أتطلع للانتقال إلى الخليج، حيث الازدهار الاقتصادي في الإمارات والسعودية".

وأردف خان: "انتقل عدد قليل من أصدقائي إلى هناك ويبدو أنهم في حالة جيدة. أنا وزوجتي نبحث عن عمل هناك.. سمعنا أن دول الخليج قدمت تأشيرات جديدة للمهاجرين ذوي المهارات العالية ونريد تحقيق أقصى استفادة منها."

اقرأ أيضاً

تنافس خليجي على الاستثمار في باكستان.. ماذا يعني؟

يأس عميق

ومنذ أبريل/ نيسان 2022، وفقا لأرقام مكتب الهجرة، انتقل 700 ألف باكستاني إلى السعودية و229 ألفا إلى الإمارات وأكثر من 100 ألف إلى سلطنة عمان وحوالي 90 ألفا إلى قطر، وفقا لأحمد.

وأعلنت هيئة الجوازات الباكستانية، الأسبوع الماضي، عن ارتفاع كبير في متوسط عدد طلبات السفسر الواردة يوميا من 24 ألفا إلى 40 ألفا.

واعتبر المحلل السياسي امتياز جول أن "عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي المزمن ولَّد حالة من اليأس العميق بين الأجيال الشابة في البلاد.. أعرف الكثير من الأشخاص الذين إما انتقلوا بالفعل إلى الخارج أو هم بصدد بيع أصولهم للانتقال بعيدا.. وهذا أمر غير مسبوق".

والأمر غير المسبوق أيضا هو أنه خلال عام واحد، انخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في باكستان من 6.1% إلى حوالي 0.3%، في حين شهد التصنيع واسع النطاق ركودا، حيث انخفض النمو من 10.6% العام الماضي إلى 8.11%، كما أضاف أحمد.

وتابع أن "الزيادة الحادة في عدد العمال ذوي المهارات العالية الذين يغادرون البلاد تشير إلى انعدام الثقة في النظام الحالي.. على مدى السنوات الثلاثين إلى الأربعين الماضية، كان هناك تدفق مستمر من العمال غير المهرة الذين يسافرون إلى الخليج لتغذية طفرة البناء هناك، لكن الآن، وبشكل مثير للقلق، نرى أشخاصا من ذوي المهارات العالية يغادرون البلاد بأعداد أكبر بكثير".

ووفقا للأرقام الحكومية، غادر باكستان 37 ألف مدير، و34 ألف فني، و22 ألف محاسب ومهندس، و8 آلاف طبيب وممرضة.

ورفض وزير العمل الفيدرالي والباكستانيين المغتربين ساجد حسين توري، وجود تداعيات سلبية لمغادرة العمال ذوي المهارات العالية البلاد، ملمحا خلال مؤتمر صحفي إلى أن المهاجرين المهرة سيعززون التدفقات المالية على باكستان عبر تحويلاتهم المالية.

لكن جول قال إن "هؤلاء الأشخاص ذوو المهارات العالية كانوا سيبنون قدرة باكستان الداخلية على الصمود، والتحويلات المالية ليست مصدرا للدخل المنتظم، ولا ينبغي لأي بلد أن يعتمد عليها بشكل كامل".

اقرأ أيضاً

باكستان في أزمة.. والسعودية لن تتدخل لإنقاذها إلا في هذه الحالة

فجوة مهارات

أما الخبير الاقتصادي والمستشار الحكومي السابق كايزر بنغالي فقال إنه "عندما يغادر المهاجرون المهرة، فإنهم غالبا ما يأخذون أسرهم معهم، مما يعني أنهم لن يرسلوا تحويلات مالية إلى باكستان".

وأضاف: "فجوة المهارات أصبحت أكبر وأكثر حدة، وهي تؤثر بالفعل على قدرة المشاريع الباكستانية وتقضي على قدراتنا المهارية. وعندما يعود الاستثمار الأجنبي إلى باكستان، فسيرون أن هناك فجوة في العمالة الماهرة".

وتابع: "صناعة التكنولوجيا الفائقة لا تأتي إلى باكستان لأن البلاد لا تمتلك القدرات المهارية ذات الصلة.. وأصبح النقص في المهارات محسوسا بالفعل. أعرف شركة لتوليد الطاقة تقول إنه أصبح من الصعب عليهم بشكل متزايد العمل هنا مع مغادرة بعض الفنيين الأساسيين لديهم".

وشدد على أنه "على المدى الطويل، بدون العمالة الماهرة، لا يمكن لباكستان أن تتطور كدولة.. ولا يمكن أن تأتي الخبرة الأجنبية وتبني البنية التحتية الخاصة بك ثم تغادر. وبالطبع يتعين عليك أن تدفع لهم بالعملة الأجنبية، وإذا كنت لا تكسب هذه العملة، فلن تتمكن من الدفع لهم".

وأيضا "عندما يهاجر الأشخاص ذوو المهارات العالية، فإنهم يأخذون معهم أيضا مساهماتهم في الناتج المحلي الإجمالي، مما يؤثر سليا على الناتج المحلي الإجمالي"، كما ختم بنغالي.

اقرأ أيضاً

أزمة الاقتصاد في باكستان ومصر.. هل تنقذ الصين سمعتها بدعم أصولها المتعثرة؟

المصدر | سال أحمد/ ميدل إيست آي- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: باكستان هجرة الخليج أزمة اقتصادية فی باکستان

إقرأ أيضاً:

سيدي جلالة الملك: هذا حل تحديات العطش والفقر والبطالة والطاقة والأمن الغذائي في المملكة، ولكي نستمر أيضا

صراحة نيوز ـ كتب أ.د. محمد الفرجات

في وطنٍ يضيق فيه الأمل على شباب طموح يُسابق الحياة بإمكانات متآكلة، نجد أنفسنا نطرح هذا السؤال الوجودي: إلى أين يتجه مستقبل الأجيال الأردنية؟

شبابنا اليوم يرزحون تحت أثقال لا تُطاق:

بطالة تتجاوز 22%، وأحيانًا أكثر في بعض المحافظات.

دخول شهرية لا تكفي لأدنى متطلبات الحياة، فكثير من الشباب وخريجي الجامعات إن وجدوا عملا، فلا يتجاوز دخلهم الشهري 300 دينار، بينما كل بيت فيه عدد من العاطلين عن العمل، وعزوف الشباب عن الزواج خطر يهدد الأمن القومي.

كلف السكن والإيجارات تُزاحم الراتب، والنقل يستنزف الجيب، وفواتير الكهرباء والماء تحوّلت من خدمات إلى عبء دائم.

وأمام هذا الواقع، يؤجل الشباب الزواج، وإن حصل، فيفشل كثيرون في الحفاظ عليه بسبب الفقر وتراكم الالتزامات، فينكسر الاستقرار الأسري وغالبا يحدث الطلاق، وقد بدأت ملامح أزمة ديموغرافية واجتماعية تلوح في الأفق، بجانب نمو معدلات العنف والجريمة.

نحن لا نواجه فقط أزمة دخل أو فرص عمل، بل أزمة وطنية تمسّ استقرار الأسرة والسلم المجتمعي والنمو السكاني الطبيعي، وبالتالي تهدد الأمن القومي بأكمله.

أزمة المياه والعطش وتهديد القطاعات التنموية:

فمن ناحية أخرى، تتفاقم أزمة المياه، فالسدود شبه فارغة، ومياهها لم تعد تكفي، والأمطار باتت تصبح شحيحة وتنحرف عن مساقط السدود، والتغير المناخي يضرب بشدة في موقعنا الجغرافي.

المياه الجوفية بالأغوار تهبط وتزداد ملوحة، والزراعة مهددة، ومصادر دخل المزارعين تقل، والأمن الغذائي الوطني مهدد كذلك.
كما وأن المزارعين والفلاحين ومربي المواشي باتوا يهجرون موائلهم من قرى وأرياف وبوادي، ويتركون الزراعة والفلاحة وتربية المواشي، ويتوجهون للمدن الكبرى بحثا عن الوظائف، وهذا بسبب التغير المناخي وهو أمر خطير جدا كذلك.

وهنا تبرز البادية الأردنية كخيار وطني استراتيجي، لا مجرد بديل:

المياه الجوفية العميقة في الصحراء الجنوبية والوسطى والشمالية الشرقية لا تزال موردًا واعدًا يمكن الاعتماد عليه في مياه الشرب والاستخدام المنزلي وتغذية القطاعات التنموية.

وبهذا، أصبح من الضروري توجيه المد السكاني نحو البادية، حيث تتوفر الأرض والماء والطاقة والشمس، ويمكن تأسيس حياة جديدة منتجة ومستقرة.

قرى إنتاجية ذكية: حلول وطنية ذكية تحفظ الكرامة وتبني المستقبل

فلنتخيل معًا 50 قرية إنتاجية ذكية موزعة على بوادي المملكة الثلاث، تنبض بالحياة وتؤسس لاقتصاد محلي مستدام، ومجتمعات شابة تعمل وتنتج وتعيش بكرامة، ومن ناحية أخرى تدعم المملكة بالمنتج المحلي للاعتماد على الذات، وتخفف الطلب على المياه في مدن وقرى المملكة سواءا للشرب أو لغايات الصناعة والزراعة وبقية القطاعات التنموية، والأمر ذاته بالنسبة للطاقة، حيث ستعتمد هذه القرى كليا على الطاقة الشمسية.

نماذج مقترحة لسبع قرى متخصصة:

1. قرية الزراعة الذكية في بادية الأزرق
تعتمد على الزراعة الرأسية والتقنيات المائية (Hydroponics)، باستخدام الطاقة الشمسية وتحلية المياه الجوفية.

2. قرية الصناعات الغذائية في جنوب معان
تصنيع التمور، الفواكه المجففة، والمربيات، والتغليف والتصدير.

3. قرية الأعلاف وتربية المواشي في بادية الجفر
زراعة الأعلاف، تربية الأغنام والإبل، مصانع لإنتاج الأعلاف المركّبة.

4. قرية تصنيع منتجات الحليب في الموقر
إنتاج الحليب، الجبنة، اللبن، بمشاريع متوسطة محلية.

5. قرية الصناعات الصغيرة في البادية الشمالية (الصفاوي – الرويشد)
ملابس، أثاث معدني، بلاستيك، أدوات بناء خفيفة.

6. قرية الحوسبة والذكاء الاصطناعي في البادية الوسطى
مراكز تدريب رقمي، شركات ناشئة، أعمال عن بُعد.

7. قرية السياحة البيئية والتراثية في وادي رم أو الحميمة
بيوت طينية، مسارات سياحية، ضيافة بدوية بإدارة مجتمعية.

كيف يتحقق هذا المشروع؟

يُنفذ برعاية الدولة وصناديقها الاستثمارية (الضمان الاجتماعي، مخصصات اللامركزية، الصناديق السيادية… إلخ).

تُسكن هذه القرى عائلات شابة، تُمنح مساكن بسيطة وخدمات أساسية، ويُشغّلون في القطاعات الانتاجية المخصصة، بجانب إدارة وتشغيل الخدمات من تعليم وصحة ومجمعات تجارية ونقل وغيرها.

تُدار هذه المجتمعات بنظام إنتاجي تكافلي وليس ريعي.

تعتمد على الطاقة المتجددة والمياه الجوفية، وتُربط بوسائل نقل جماعية منخفضة الكلفة.

حسابات الكلفة والعائد

إذا شغّلت الدولة 100,000 شاب وشابة في هذه القرى، فإنها لا تُوفر لهم فقط العمل، بل تُخفف الضغط عن المدن، وتُعيد التوازن الديموغرافي، وتمنع دواعي العنف والجريمة، وتدفع باتجاه الأمن الغذائي، وتُعيد الأمل للأسر.

إن كلفة استمرار الوضع الحالي من بطالة، فقر، عنف مجتمعي، وانهيار اجتماعي، وعطش وشح مائي يهدد القطاعات التنموية، أعلى بكثير من كلفة هذه المشاريع الجذرية.

الدولة قادرة على تنفيذ هذا المشروع بالكامل على أراضيها، بواقع 50 قرية إنتاجية خلال 5 سنوات فقط.

ويكفي أن لا نُحمّل هذه القرى أكثر من طاقتها، بل نطلب منها فقط أن تشغّل نفسها، وتستمر، وتعتمد على ذاتها ماليا، وتنمو لتستوعب المزيد من الأجيال وتتطور من مواردها، وتمنح الأمان للمواطن الأردني. وهذا وحده إنجاز وطني عظيم.

ويمكن تمويل هذه المبادرة من خلال:

تبرعات ومساهمات الشركات الكبرى والبنوك.

استقطاب دعم مباشر من الدول الشقيقة والصديقة.

إعادة توجيه جزء بسيط من النفقات الجارية لصالح التنمية المستدامة.

صاحب الجلالة،
حين ننظر إلى البادية، لا نراها أرضًا مهجورة، بل نراها مهدًا للحلول، وموطنًا جديدًا للمستقبل الأردني.
منها يمكن أن يبدأ التوازن، ومنها يمكن أن يزدهر الأمن، ويعود الأمل، ويُبنى وطن لا يترك أبناءه خلفه.

هذه القرى الانتاجية والذكية بيئيا ومائيا وطاقيا، نحتاجها ونحن بأمس الحاجة إليها، وقد دعونا لنموذج مشابه منذ عام ٢٠١٣، وقدمنا أكثر من نموذج داعم، وما زال النداء مستمر، لكي تستمر الدولة الأردنية العتيدة.

مقالات مشابهة

  • مصر: صندوق النقد لا يفرض علينا شروطاً.. وبرنامج الإصلاح كان سينفذ أيضاً بدون الصندوق
  • لقجع يشيد بالخبرة المغربية في بناء ملاعب المونديال: أظهرنا للعالم قدراتنا وكفاءتنا العالية
  • بالفيديو.. مختص يوضح كيفية تهيئة المكيفات للاستعداد لفصل الصيف وضمان كفاءتها العالية
  • 5 آلاف مشاركة لمدارس الأحساء في مسابقة المهارات الثقافية
  • مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالخبر يستأصل ورماً بطول 24 سم لخمسينية ويُنهي معاناتها مع نزيف متقطع وآلام استمرت أشهر
  • الوزير زيدان: ألمانيا ليست أحسن من المغرب وفيها توجد أيضا مشاكل مثل قضية قيلش
  • هدمتم الجدران… فهل هدمتم الكرامة أيضاً؟
  • «موارد الشارقة» تناقش تطوير المهارات الوظيفية
  • سيدي جلالة الملك: هذا حل تحديات العطش والفقر والبطالة والطاقة والأمن الغذائي في المملكة، ولكي نستمر أيضا
  • وزارة الدفاع: بحضور رئيس هيئة الأركان العامة اللواء علي النعسان، احتُفل بتخريج دورة رفع مستوى لمقاتلي الفرقة 52، حيث قدّم الخريجون عروضاً ميدانية في المهارات القتالية والتكتيكية، عكست جاهزيتهم العالية. وتم خلال الحفل تكريم المتميزين بحضور عدد من الشخصيات