لجريدة عمان:
2025-08-16@09:42:59 GMT

الهُوَ والأنا .. حكاية الوادي الأعلى

تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT

الهُوَ والأنا .. حكاية الوادي الأعلى

من مقولة ابن خلدون «الإنسان ابن بيئته»، وفي محاولة لتبادل المعنى والرمزية؛ فإن الأرض لها من الإنسان الشيء الكثير، فماذا لو كانت الأرض التي نحياها ذاتًا حيّة تحمل من الصفات الإنسانية الكثير؟ ولسنا بذلك نقصد التركيب الخارجي أو تلك السلوكيات المكتسبة، بل نعود إلى ما هو أبعد من ذلك وأعمق، الذات الإنسانية كتفاعلات ما بين (الهُوَ والأنا والأنا الأعلى)، وليس لنا في هذا المقام سوى أن نعبر عليها عبورًا يسارع بنا لربطه بالأرض، فماذا لو كانت أرضنا ذاتًا بشرية؟ فحسب فينومينولوجيا الأشياء، تلك الكيانات التي نحسبها جامدة حولنا تعكس تجربتنا الشعورية حين النظر إليها.

فما بين الهو الذي يعبّر عن أصالة تكويننا، والذي يسير بنا باتجاه يجعله بيولوجيًا جينيًا، والأنا التي تجعلنا نعي ما نحن عليه، والأنا الأعلى التي تجعلنا نرجع إليها كلّ حين لتُلقي لنا بأحكامها المُثلى، ذلك هو الإنسان بتكوينه العميق، فلو كانت الأرض كمثل تلك النفس الإنسانية بأبعادها الثلاثة، فما هو الهو والأنا والأنا الأعلى على نحو يُحاكي جيولوجيا الأرض التي نحياها؟

أنا والأنا الأعلى، أنا والوادي الأعلى، في قرية لو لم تُخلق نائية لنأت عن العبثية، وإن لم تكن تبعد مسير ٣٠ كيلومترًا عن الولاية الأم (بهلا)، لتدفقت عبر عين وضّاح، ولتربّعت عرش برج الريح، إلا أنها نأت بكلّ ذلك، فكانت «وادي الجلال والجمال»، ولو لم تُخلق على سفح جبل الكور لاتكأت عليه، ذلك الجبل في تشكيلته من قمم جبال الحجر الغربي، وتتأرجح بينه محافظتا الداخلية والظاهرة، ولو لم تُخلق بوادٍ يَجري منسلًا عبرَ شعابها، التي تعبر تلك الجروف الصخرية، تتلمّس الطريق عبر الالتواءات والانحناءات، لكانت الآن تتسلّل لها وديان الأراضي المحيطة لتطمئن على سطحها، ولو لم تلتحف رداء أخضر بعشبها وشجرها، لأحضرت الطيور البذور بذرة بذرة، لتعرف أنها هي الأرض الملائمة لتكون سفحًا ندِيًا يُشِعّ بتدرجات الأخضر.

الوادي الأعلى، باعتبارها أرضًا بإسقاطات مبتكرة لكاتب امتهن الحنين قبل الكتابة، يجد فيها الذات الإنسانية حاضرة في مقوماتها الثلاثة الأساسية، في جبل الكور والسفوح الخضراء، والوادي المنساب عبر انحدارات التكوينات الصخرية، وبإسقاطات أكثر تفصيلًا، فذاك الجبل يبدو كـ(الأنا الأعلى)، يلتفت لك على الدوام وأنت تناظر قممه نادرًا، ليوحي لك بالقمم التي عليك أن تصل إليها بإنسانيتك، وإني لأذكر بذلك حديث أحد متسلقي الجبال حين سُئل حول ما يفتنه بتسلّق الجبال رغم وعورتها، دونًا عن كل الرياضات الأخرى، ليقول: «هي القمم التي تصعدها فتُخبرنا أننا سنصل إلى القمة على الدوام، وعلى الدوام هناك قمم».

أما تلك السهول الخضراء المسيّجة بتعريشات أشجار الحناء، فهي وعينا بكل شيء حولنا (الأنا)، بما في ذلك الجبل والوادي، ليكون الوادي هادرًا متدفقًا، معبّرًا عن (الهو) الذي يُغذّي إنسانيتنا مرة بعد مرة، في تكوين بيولوجي يحكي البطء الشديد الذي تلاحمت فيه التكتلات الصخرية، وتنشد أشجار الحناء سياج الأمان حول سهولها، فينساب الماء مبتهلًا بعظمة الخالق، ليكون التلاحم ما بين الإنسان والأرض.

وبخلاصة تأملية، أتذكّر مقولة علي بن أبي طالب: «وتحسب أنك جرم صغير، وفيك انطوى العالم الأكبر».

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

أصغر شاعرة وسفيرة إنسانية.. حكاية بيادر العتيبي «الملهمة»

في قلب القصيم، حيث يعانق نخيلها السماء وتروي رياحها حكايات الأجداد، وُلد صوت صغير يطرق أبواب الكبار بثقة وإحساس نادر.

إنها «بيادر العتيبي»، التي خطفت الأضواء وأعادت للأذهان صورة الموهبة الفطرية التي تتجاوز حدود العمر، حتى إن البعض لقبها بـ«أصغر شاعرة في القصيم»، فيما رآها آخرون سفيرةً للبر والإبداع، ووجهًا مضيئًا يجسد براءة الطفولة وعظمة الكلمة.

النشأة

ولدت بيادر في بيئة عامرة بالقيم والموروث، ففي أحضان القصيم التي أنجبت شعراء وفنانين ومثقفين، وجدت كلمات "بيادر" الأولى طريقها إلى المنابر وهي لم تتجاوز الخامسة من عمرها.

من مسرح الروضة ببريدة أنطلقت "بيادر" من أول منصة تعرفت عليها أصوات الجمهور، وهناك نطقت أبياتها الأولى، واثقة الخطى، رغم خطواتها الأولى في دروب الحياة.

لم يكن الشعر عند "بيادر" مجرد هواية طفولية عابرة، بل بدأ منذ اللحظة الأولى شغفًا أصيلًا؛ فقصائدها تحمل إحساسًا صادقًا، وعباراتها، تنبض بعمق التجربة الشعورية.

«قالوا لي اكتبي في غلا أمك أبيات، قلت أمي أكبر من قصيدة جديدة»، كان هذا جزءاً من أحد مقاطعها التي لاقت انتشارًا واسعًا، في جملة اختصرت مدرسة في التعبير عن الحب، وكشفت كيف أن الموهبة لا تقاس بعدد السنوات، بل بصدق الإحساس.

مرحلة الانطلاق

من نطاق الفعاليات المدرسية إلى فضاء أوسع، حلقت العتيبي بقصائدها وكلماتها، فشاركت في المهرجانات والأنشطة الثقافية، وحظيت بتكريم من شخصيات بارزة، في مقدمتهم -أمير منطقة القصيم الأمير فيصل بن مشعل-،  الذي أطلق عليها لقب «شاعرة القصيم» وكذلك في مهرجان الكليجا بنسخته الرابعة عشرة أطلق عليها عدداً من المسؤولين وزوار المهرجان لقب «ملكة مهرجان الكليجا»، في تكريم كان بمثابة تأكيد على مكانتها كموهبة واعدة ووجه مشرف للمنطقة.

ولم تكتف بيادر بدور الشاعرة الصغيرة، بل خطّت أسمها في سجلات العمل الإنساني؛ فمنذ سنواتها الأولى، انخرطت في المبادرات التطوعية، حتى حصلت على لقب «سفيرة التطوع» وهي لم تتجاوز السابعة من عمرها.

وتوّجت العتيبي مسيرتها الإنسانية بأوسمة عدة؛ منها: «الوسام الذهبي لسفيرة بر الوالدين وكبار السن»، من جمعية «بركم» بمكة المكرمة، كما حصلت خلال مشاركتها بمهرجان الصقور بالرياض، على «وسام سفيرة التراث».

وفي كل ظهور إعلامي، تؤكد "بيادر" أن الشعر بالنسبة لها ليس غاية فردية، بل رسالة، تحاول من خلالها أن تغرس في قلوب أقرانها قيم الوفاء والانتماء، وحب الوطن، والاعتزاز بالهوية.

التفاعل

ولعل تفاعل عشرات الآلاف معها على منصات التواصل الاجتماعي، مثل: «إنستغرام» و«تيك توك» دليلاً على نجاحها في أن تكون صوتًا ملهمًا لجيلها.

ولأن وسائل التواصل الاجتماعي باتت منصات عرض رئيسية للمواهب، فقد عرفت بيادر كيف توظف هذه الأدوات لصالحها، بنشر مقاطع قصيرة لقصائدها أو مشاركاتها في الفعاليات.

بعض هذه المقاطع، خاصة التي تتناول موضوعات الأم، التراث، والوفاء، حظيت بانتشار واسع وتفاعل كبير، ربما لأن الجمهور يجد فيها مزيجًا من براءة الطفولة وصدق الرسالة.

ورغم ضحكتها العفوية وملابسها البسيطة، لكنها حين تمسك الميكروفون، تتحول إلى شاعرة متمكنة، تعرف أين تضع الكلمة، وأين تصمت، وكيف تخاطب الوجدان مباشرة؛ فهي تلقي الشعر كما لو كانت وُلدت على إيقاعه.

ما يميز تجربة بيادر

سنها الصغيرة ليس فقط ما يميز تجربة بيادر، بل قدرتها على الجمع بين الموهبة الفنية والعمل الإنساني؛ فهي حاضرة في الأمسيات الثقافية، وفاعلة في المبادرات الاجتماعية، فضلاً عن كونها نموذجاً لفتاة صغيرة تحمل في قلبها طموحًا كبيرًا، وتدرك أن الكلمة يمكن أن تكون بذرة تغيير، وأن الشعر يمكن أن يكون جسرًا نحو القلوب.

تقول بيادر في أحد لقاءاتها إن حلمها هو أن تترك بصمة واضحة بين الموهوبات في المملكة، وأن تشجع الفتيات في عمرها على التميز، مؤكدة أن الطموح لا يرتبط بالعمر، وأن الإبداع يمكن أن يزهر في أي وقت إذا وجد بيئة داعمة.

جيل جديد من المبدعات

ربما لا يزال الوقت مبكرًا للحكم على حجم الأثر الذي ستتركه بيادر العتيبي في المشهد الشعري، لكنّ هذه الطفلة قد استطاعت، خلال سنوات قليلة، أن تكتب أسمها بحروف لامعة، وأن تحظى بمكانة في قلوب الناس، لا بفضل كلماتها وحدها، بل بروحها النقية ورسالتها الصادقة.

فهي ليست مجرد شاعرة طفلة من القصيم، بل هي رمز لجيل جديد من المبدعات الصغيرات اللواتي يحملن في صدورهن قلوبًا كبيرة، وفي عيونهن أحلامًا بلا حدود.

بهذه الملامح، تمضي بيادر في مسيرتها، تحمل معها قصائدها وأوسمتها وابتسامتها، لتثبت أن الكلمة، مهما كانت صغيرة، يمكن أن تترك أثرًا كبيرًا، وأن الشعر، حين يخرج من قلب صادق، يصل إلى كل القلوب، بلا استئذان.

بيادر العتيبيأصغر شاعرة في القصيمقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • أصغر شاعرة وسفيرة إنسانية.. حكاية بيادر العتيبي «الملهمة»
  • مواجهات قبلية عنيفة في مديرية الوادي بمأرب
  • حكاية الشيخ أباصيري
  • نا حكاية البدء
  • بكلمات مؤثرة.. «مصطفى بكري» يروي حكاية غزة الصامدة رغم الجوع والتفجيرات
  • محافظ الوادي الجديد: السيطرة على حريق بقرية البشندي بمركز بلاط
  • مسلسل ما تراه ليس كما يبدو.. موعد عرض الحلقة الأولى من حكاية «بتوقيت 2028»
  • هنادي مهنا تنتظر عرض حكاية «بتوقيت 28» على dmc
  • موعد عرض الحلقة الأخيرة من حكاية فلاش باك
  • استقرار أسعار الخضر والفاكهة في الوادي الجديد