الهُوَ والأنا .. حكاية الوادي الأعلى
تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT
من مقولة ابن خلدون «الإنسان ابن بيئته»، وفي محاولة لتبادل المعنى والرمزية؛ فإن الأرض لها من الإنسان الشيء الكثير، فماذا لو كانت الأرض التي نحياها ذاتًا حيّة تحمل من الصفات الإنسانية الكثير؟ ولسنا بذلك نقصد التركيب الخارجي أو تلك السلوكيات المكتسبة، بل نعود إلى ما هو أبعد من ذلك وأعمق، الذات الإنسانية كتفاعلات ما بين (الهُوَ والأنا والأنا الأعلى)، وليس لنا في هذا المقام سوى أن نعبر عليها عبورًا يسارع بنا لربطه بالأرض، فماذا لو كانت أرضنا ذاتًا بشرية؟ فحسب فينومينولوجيا الأشياء، تلك الكيانات التي نحسبها جامدة حولنا تعكس تجربتنا الشعورية حين النظر إليها.
فما بين الهو الذي يعبّر عن أصالة تكويننا، والذي يسير بنا باتجاه يجعله بيولوجيًا جينيًا، والأنا التي تجعلنا نعي ما نحن عليه، والأنا الأعلى التي تجعلنا نرجع إليها كلّ حين لتُلقي لنا بأحكامها المُثلى، ذلك هو الإنسان بتكوينه العميق، فلو كانت الأرض كمثل تلك النفس الإنسانية بأبعادها الثلاثة، فما هو الهو والأنا والأنا الأعلى على نحو يُحاكي جيولوجيا الأرض التي نحياها؟
أنا والأنا الأعلى، أنا والوادي الأعلى، في قرية لو لم تُخلق نائية لنأت عن العبثية، وإن لم تكن تبعد مسير ٣٠ كيلومترًا عن الولاية الأم (بهلا)، لتدفقت عبر عين وضّاح، ولتربّعت عرش برج الريح، إلا أنها نأت بكلّ ذلك، فكانت «وادي الجلال والجمال»، ولو لم تُخلق على سفح جبل الكور لاتكأت عليه، ذلك الجبل في تشكيلته من قمم جبال الحجر الغربي، وتتأرجح بينه محافظتا الداخلية والظاهرة، ولو لم تُخلق بوادٍ يَجري منسلًا عبرَ شعابها، التي تعبر تلك الجروف الصخرية، تتلمّس الطريق عبر الالتواءات والانحناءات، لكانت الآن تتسلّل لها وديان الأراضي المحيطة لتطمئن على سطحها، ولو لم تلتحف رداء أخضر بعشبها وشجرها، لأحضرت الطيور البذور بذرة بذرة، لتعرف أنها هي الأرض الملائمة لتكون سفحًا ندِيًا يُشِعّ بتدرجات الأخضر.
الوادي الأعلى، باعتبارها أرضًا بإسقاطات مبتكرة لكاتب امتهن الحنين قبل الكتابة، يجد فيها الذات الإنسانية حاضرة في مقوماتها الثلاثة الأساسية، في جبل الكور والسفوح الخضراء، والوادي المنساب عبر انحدارات التكوينات الصخرية، وبإسقاطات أكثر تفصيلًا، فذاك الجبل يبدو كـ(الأنا الأعلى)، يلتفت لك على الدوام وأنت تناظر قممه نادرًا، ليوحي لك بالقمم التي عليك أن تصل إليها بإنسانيتك، وإني لأذكر بذلك حديث أحد متسلقي الجبال حين سُئل حول ما يفتنه بتسلّق الجبال رغم وعورتها، دونًا عن كل الرياضات الأخرى، ليقول: «هي القمم التي تصعدها فتُخبرنا أننا سنصل إلى القمة على الدوام، وعلى الدوام هناك قمم».
أما تلك السهول الخضراء المسيّجة بتعريشات أشجار الحناء، فهي وعينا بكل شيء حولنا (الأنا)، بما في ذلك الجبل والوادي، ليكون الوادي هادرًا متدفقًا، معبّرًا عن (الهو) الذي يُغذّي إنسانيتنا مرة بعد مرة، في تكوين بيولوجي يحكي البطء الشديد الذي تلاحمت فيه التكتلات الصخرية، وتنشد أشجار الحناء سياج الأمان حول سهولها، فينساب الماء مبتهلًا بعظمة الخالق، ليكون التلاحم ما بين الإنسان والأرض.
وبخلاصة تأملية، أتذكّر مقولة علي بن أبي طالب: «وتحسب أنك جرم صغير، وفيك انطوى العالم الأكبر».
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مجلة آداب الوادي الجديد تحصد اعتماد أرسيف ARCIF لعام ٢٠٢٥
في إنجاز أكاديمي جديد يعكس تميّز البحث العلمي وجودة النشر في جامعة الوادي الجديد، أعلنت مجلة كلية الآداب عن نجاحها في تحقيق معايير اعتماد معامل التأثير والاستشهادات العربي "أرسيف (ARCIF)" لعام 2025، والمتوافقة مع المعايير العالمية المعتمدة لتقييم المجلات العلمية، والبالغ عددها (32) معياراً دقيقاً.
وبهذا الإنجاز، انضمت المجلة إلى نخبة من المجلات العربية المصنّفة، إذ جاءت ضمن الفئة (Q4) على مستوى الوطن العربي، وهو ما يعكس الجهود المستمرة لهيئة التحرير وهيئة التدريس بكلية الآداب في دعم النشر العلمي الرصين وتعزيز المكانة الأكاديمية للمجلة.
وأعرب الأستاذ الدكتور محمد عبد السلام عميد كلية الآداب ورئيس تحرير المجلة العلمية عن فخره بهذا التقدير العربي المرموق، مؤكداً أن هذا التصنيف يمثل ثمرة العمل الجماعي والالتزام بمعايير الجودة والشفافية العلمية في النشر الأكاديمي. وأضاف أن الكلية تسعى بخطى واثقة نحو الارتقاء بالمجلة إلى فئات أعلى (Q3 و Q2) في الدورات القادمة من تصنيف "أرسيف".
من جانبه، أكد الأستاذ الدكتور مصطفى محمود مصطفى وكيل كلية الآداب لشؤون الدراسات العليا والبحوث ونائب رئيس تحرير المجلة العلمية أن هذا الاعتماد يعكس ثقة المجتمع العلمي العربي والدولي في المجلة، مشيراً إلى أن فريق العمل سيواصل العمل على توسيع قاعدة الباحثين والمراجعين الدوليين، وتبني أحدث آليات التحكيم والنشر الإلكتروني بما يواكب التحول الرقمي في البحث العلمي.
وأضاف الأستاذ الدكتور ياسر عبد الموجود مدير تحرير المجلة أن معامل "أرسيف (ARCIF)" يعد أحد أهم المبادرات العربية في مجال قياس جودة وتأثير المجلات العلمية المحكمة، ويخضع لإشراف اتحاد الجامعات العربية، ويستند إلى معايير دقيقة تشمل النزاهة الأكاديمية، وانتظام النشر، وتنويع المساهمات البحثية، ومدى استشهاد الأبحاث المنشورة.