بينما تمضي الحياة مثقلة في قرى ومحليات السودان، إما بسبب عجز الدولة عن استيفاء استحقاقاتها للمواطن، أو نتيجة إفرازات العدوان الخارجي على مؤسسات الدولة في عدد من ولايات السودان ومركزها، يتضح رويدًا رويدًا عجز القادة العسكريين الذين يجلسون على سدة الحكم للعام السادس على التوالي.
يمكن للمشاهد أن يرى مدى انتكاسة جهاز الدولة منذ الفترة الانتقالية، التي كانت انعكاسًا لحال الوثيقة الدستورية التي حكمت وتحكم هذه الحقبة حتى يومنا هذا.
بالرغم من دخول الحرب عامها الثالث، تصر القيادة العسكرية للدولة على رأسها الفريق أول عبد الفتاح البرهان على إدارة مؤسسات الدولة بشكل ارتجالي، وظهر هذا من خلال المؤتمرات التي عقدت مؤخرًا في بورتسودان.
هذه المؤتمرات التي خاطبتها مؤسسة مجلس السيادة، والذي يصر على تموضع نفسه كمرجعية لعمل مؤسسات الحكم المحلي التي يجب أن تُعزز بمشاركة اجتماعية واسعة، حيث يساهم المجتمع في تماسك مؤسساته ومعالجة قضاياه، بدلًا من انفصال هذه المؤسسات وبقائها في كنف التطبيل وتمييع المسؤوليات.
تعكس طريقة إدارة مؤسسات الدولة بعد الحرب عبثًا إداريًا واسعًا وفسادًا نتيجةً لغياب المسؤولية والمحاسبة والضبط، في ظل استخدام الحرب كخطاب من أجل إبعاد أي صوت مساءلة.
إن تعريف الحرب الذي يستخدمه قادة المؤسسة العسكرية والأجهزة التنفيذية التي تم تكليفها ما هو إلا امتداد لذريعة سابقة كخطاب الثورة والترويض. يمكن النظر إليه في بيان وزير الإعلام بخصوص ما تم ارتكابه في الصالحة مثلاً، حيث أشار إلى مصطلح “إبادة جماعية” بدلًا من مصطلح “مذبحة” أو “مجزرة”، في جهل يوضح ما وصلنا إليه؛ أو بصراحة، ما وصلت إليه الدولة ومؤسساتها.
ما خرجت به اجتماعات مؤسسة السيادة وولاة الولايات لا يوضح أن هناك أي محاسبة أو مسؤولية يمكن أن يتحملها أي مسؤول. وبما أن “الذي يبيع البيض لا يبدأ الشجار”، فإن مؤسسة السيادة هي أول جهة يجب أن تُحاسب على ما يحدث. فقد خلقت هذه المؤسسة شبكة علاقات تحولت إلى “منظومة” تُدار وفق علاقات شخصية، وليست جهة مؤسسية ذات نظم ولوائح حاكمة يمكن حتى مراجعة قراراتها.
اتخذت مؤسسة السيادة مسارًا سيئًا ومشبوهًا من خلال طبيعة العمل التي شكلتها في فترة الحرية والتغيير، حيث العلاقات السياسية الشخصية ونماذج الإدارة التي تعبر عن فساد سياسي وتعدٍّ على الأموال دون مراعاة للمواطن أو حتى محاسبة الجهات والكشف عن ميزانياتها.
مثل غياب الضوابط التنفيذية والخطط البرامجية ثيمة واضحة لهذه المؤسسة التي تحولت إلى مجرد مظلة لتغطية فساد واسع وكبير جدًا. فقد انتقلت حمى اللارقابة إلى داخل أروقتها، بل وتعاملت معها قيادة المؤسسة العسكرية كمؤسسة “ملكية” لا توجد جهة واحدة يمكن أن تحاسب أو أن تراقب.
عُمومًا، بينما ينزح الناس من مدنهم وفجاج الأرض باحثين عن وطن وبلد يحترمهم، يظهر لدينا عبث المسؤولين. وبينما تقبع القرى في الظلام ويموت القمح وتجف الترع والأخاديد وتهلك المواشي، يتضح لنا فساد مؤسسات وإدارات الدولة.
نحن أمام تحدي، ليس تحدي بدحر هذه المليشيات فقط، ولكن تحدي أن نمنع هذه الحرب من أن تصنع لنا مسخًا وجهة غير مسؤولة ولا حريصة على بناء منظومة قادرة على المواجهة والاتجاه نحو بناء مستقبل أفضل.
حسان الناصر
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
مؤسسة النفط تقيّم أداء شركتي «الجوف والإنشاءات» في بنغازي
عُقد خلال اليومين الماضيين بمدينة بنغازي الاجتماعان الفني والمالي للمؤسسة الوطنية للنفط مع كل من شركة الجوف للتقنية النفطية والشركة الوطنية للإنشاءات النفطية المساهمة، لمراجعة أداء الشركتين ومناقشة خططهما التشغيلية والمالية للعام 2025.
واستعرضت شركة الجوف خلال الاجتماع نشاط إداراتها المختلفة، كما تمّت مناقشة أبرز البرامج المزمع تنفيذها خلال الفترة القادمة، والتحديات التي تواجه الشركة، بالإضافة إلى عرض مفصل للإيرادات والمصروفات للعام الجاري، والميزانية التقديرية للعام المقبل.
وأشاد مسؤولو المؤسسة بالتطور الذي تشهده الشركة في خدماتها، مشددين على أهمية التركيز على الخدمات ذات العائد المالي المرتفع، وتحديث المعدات باستخدام أحدث التقنيات، مع ضرورة تحسين عمليات التسويق عبر تكثيف الزيارات الميدانية وعقد ورش العمل، إلى جانب اعتماد تقنيات التحول الرقمي لمواكبة نشاطات الحفر والاستكشاف في ليبيا.
وفي السياق ذاته، انعقد في نفس اليوم الاجتماع الفني والمالي للمؤسسة مع الشركة الوطنية للإنشاءات النفطية المساهمة، حيث تمّت مناقشة أنشطة الشركة في مجالات إنشاء وصيانة خزانات وأنابيب النفط، صيانة المعدات والآليات، بالإضافة إلى أعمال العمرة.
كما تضمن الاجتماع عرضًا شاملاً لمشاريع الشركة المنفذة مع عدد من الشركات النفطية، لا سيما تلك المتعلقة بالتنمية المستدامة لصالح المؤسسة الوطنية للنفط، إلى جانب مراجعة الإيرادات المحصّلة حتى 30 يونيو 2025.
وأكد مسؤولو المؤسسة خلال الاجتماع على أهمية التقيّد بمعايير السلامة المهنية وحماية البيئة ضمن أعمال الشركة، مع الإشارة إلى استمرار دعم المؤسسة لأنشطة الشركة باعتبارها أحد الأذرع الفنية التابعة لها.
وحضر الاجتماعين من جانب المؤسسة المديرون العامون لإدارات الإنتاج، الصيانة والمشاريع، الصحة والسلامة والبيئة، والخدمات الفنية، فيما شارك من جانب شركة الجوف أعضاء لجنة الإدارة ومديرو الإدارات، ومثّل الشركة الوطنية للإنشاءات النفطية رئيس وأعضاء مجلس الإدارة، إلى جانب مديري الإدارات ورؤساء الأقسام.
آخر تحديث: 9 أغسطس 2025 - 06:06