هل يدمّر ترامب الدولار؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة لليورو؟
تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT
تدفع سياسات إدارة ترامب المثيرة للجدل تدفع المستثمرين إلى صرف الاهتمام بالأصول الأمريكية. لكن مع ذلك فإن المهمة لن تكون سهلة أمام اليورو حتى يتمكن من الجلوس على عرش الدولار. اعلان
في الآونة الأخيرة، أصبح الدولار - وعلاقته بعوائد السندات - موضع تركيز الاقتصاديين في العالم. فمؤشر قياس العملة الأمريكية انخفض أمام 6 عملاتٍ أجنبيّة بأكثر من 8% منذ كانون الثاني / يناير، كما أنّه تراجع إلى أدنى مستوياته منذ 3 سنوات في نيسان / أبريل الماضي.
وفي الوقت نفسه، ارتفعت عوائد السندات الأمريكية، متحدية النمط الاقتصادي السائد. ففي فترات عدم اليقين، يقبل المستثمرون عادة على سندات الخزانة الأمريكية، حيث ينظرون إليها كمجالٍ آمنٍ لإيداع أموالهم. ونتيجة لذلك، نلحظُ انخفاض عوائد السندات عندما تتراجع أسواق الأسهم، وعادةً ما ترتفع قيمة الدولار في هذه الحالة، كما جرى مثلا خلال أزمتي 2008 و2020.
السياسات الاقتصادية غير التقليدية، والمتقلّبة، التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، انعكست على أداء الأسواق، حيث باتت اليوم هي الأخرى أكثر تقلّبًا. ويشير الارتفاع الأخير في عوائد السندات، المصحوب بانخفاض في الدولار، إلى أن المستثمرين يتجنّبون الأصول الأمريكية، وبدؤوا يفقدون الثقة في سندات الخزانة.
بالنسبة للمطّلعين على الوضع في المملكة المتحدة، فقد ظهرت في الشهر الماضي آثار أزمة السندات التي تسببت فيها رئيسة الوزراء السابقة ليز تروس في عام 2022. إذ أن ارتفاع عوائد سندات الخزانة على خلفيّة الحزمة الاقتصاديّة المثيرة للجدل، بالإضافة إلى انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني، أجبرا الحكومة على التراجع.
ارتفاع عوائد السندات يعني أنّه يجب على الإدارة الأمريكية أن تدفع المزيد من الفوائد على الديون التي تقترضها، الأمر الذي يضع قيودًا على الإنفاق. كما أنّ ارتفاع تكاليف خدمة الدين يعدُّ خبرا غير سارّ، ولا سيما أنّ الولايات المتحدة تعاني بالفعل من عجز كبير في الميزانية.
وقد وصل هذا الرقم إلى نحو 1.8 تريليون دولار للسنة المالية 2024، وهو ثالث أكبر عجز فيدرالي في تاريخ الولايات المتحدة، أي ما يعادل 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المحتمل أن يكون الارتفاع الحادُّ في أسعار السندات قد ساهم في قرار ترامب إيقاف العمل بالتعريفات الجمركية "المتبادلة" لمدة 90 يومًا منذ بداية شهر نيسان / أبريل الماضي.
ويأتي انخفاض قيمة الدولار بعد ارتفاع شهدته العملة الأمريكية في فترة الانتخابات الرئاسية العام الماضي.إذ كان النموّ قويا في الولايات المتحدة وقد أمل كثيرون في أن يواصل تعزيز هذا الزخم الاقتصادي بعد فوز ترامب بولاية ثانية.
ومن ناحية أخرى، أدّت التنبؤات بارتفاع نسبة التضخم - مدفوعةً بوعد الرئيس الجمهوري بفرض رسوم جمركية - إلى ارتفاع الدولار أيضًا. وأدى احتمال رفع أسعار الفائدة وزيادة العوائد إلى تعزيز طلب المستثمرين الأجانب على العملة.
إشارات تحذيرية للمستثمرينيقول رانجيف مان، كبير مديري المَحافِظ في شركة أليانز جي آي: "تتزايد مخاوف الأسواق بشأن مصداقية السياسة الأمريكية، كما يتضّح من ارتفاع علاوة الأجل التي يطلبها المستثمرون لامتلاك سندات الخزانة الأمريكيّة، فضلاً عن الضغط النزوليّ على الدولار الأمريكي".
وعلى وجه الخصوص، حدّد مان ضغوط ترامب على رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول كسبب للقلق.
وأوضح مان: "على الرغم من أن فترة ولاية باول لا تنتهي حتى أيار / مايو 2026، ورغم أنّ ترامب لا يملك السلطة الدستورية لإقالة باول قبل نهاية ولايته، فإنّ الخطر يكمن في أن يصبح الاحتياطيّ الفيدراليّ أكثر تسييسًا في السنوات المقبلة، ما يؤدّي إلى تآكل مصداقيّة السياسة النقديّة والثقة في الأصول الأمريكيّة".
وقد جدّد ترامب مؤخرًا انتقاداته لباول، حيث علّق في تجمع حاشد قائلًا: "أنا أعرف أكثر مما يعرفه هو عن أسعار الفائدة، صدقوني".
Relatedالرسوم الجمركية تطيح بالدولار الأمريكي إلى أدنى مستوياته منذ ستة أشهرالبنك المركزي الصيني يبيع الدولار ويشتري اليوان... بكين لن تسمح بانخفاض قيمة عملتهاتراجع الأسواق العالمية بسبب رسوم ترامب وخسارة بتريليونات الدولارات أواخر الأسبوعوبصرف النظر عن التهديدات التي يتعرض لها الاحتياطيّ الفيدراليّ، هناك مؤشرات أخرى تثير قلق المستثمرين، وهي من النوع الذي يدلُّ عادةً على انهيار النظامين الماليّ والسياسيّ في الولايات المتحدة. وهذه المؤشرات هي: تخفيضات مكتب خفض التكاليف DOGE، والتخفيضات المفاجئة للمساعدات الخارجية، والانسحابات من المعاهدات الدولية، واحتمال إلغاء القيود المالية، وتجاهل ترامب لموافقة الكونغرس. ليس ذلك سوى بعض الإشارات التي تهزّ ثقة السوق، إلى جانب احتمال حدوث ركود وشيك.
وفي أوائل نيسان / أبريل، وافق الكونغرس أيضًا على قرار الميزانيّة لخفض الضرائب، والذي من المقرّر أن يؤدّي إلى اتسّاع العجز في الولايات المتحدة بشكل كبير على مدى العقد المقبل.
وعلى الرغم من تراجع الطلب على الأسهم والسندات الأمريكية، إلا أنّ الخبراء ما زالوا يرجّحون أنّ الولايات المتحدة لن تتخلّف عن سداد التزامات ديونها.
عزّز الدولار مكانته كعملة احتياطيّة في العالم عام 1944 في مؤتمر "بريتون وودز"، ممهّدا الطريق لإنشاء صندوق النقد والبنك الدوليّين. وبدلاً من ربط العملات العالميّة بالذهب، قرّر المندوبون ربطها بالورقة الخضراء. وهذا يعني أنّ الدولار الأمريكيّ هو المهيمن اليوم في المعاملات الدوليّة وتحتفظ به البنوك المركزيّة في جميع أنحاء العالم بكميّات كبيرة. وبما أن وضع العملة الأمريكية كاحتياطيّ يعزّز الطلب عليها، فإن هذا التثبيت يفيد الولايات المتحدة لأنّه يخفض تكاليف الاقتراض، ويضخّم أسعار الأصول المقوّمة بالدولار.
وقال فاسو يوانيدو، أستاذ التمويل في كلية بايز للأعمال في لندن، ليورونيوز: "إن التثبيت يمكّن الولايات المتحدة من إدارة العجز التجاريّ والماليّ المستمر من دون ضغوط فوريّة، ويعزل اقتصادها عن القيود المعتادة المتمثلة في ارتفاع مستويات المديونيّة".
إنّ تفوّق الدولار وهيمنته على النظام الماليّ العالميّ يعني، أيضًا، أنّ العقوبات الأمريكيّة المفروضة على دول أجنبيّة قد يكون لها تأثير بالغ وفعاليّة كبيرة.
ووفقًا لبيرند كيمبا، أستاذ الاقتصاد في جامعة مونستر، فإن وضع الدولار كاحتياطي "مفيد أيضًا للمنتجين الأمريكيين".
ويضيف: "الواردات الرأسمالية تُبقي على أسعار الفائدة الأمريكية منخفضة، وتولّد استثمارات إضافية تحفّز آفاق النمو على المدى الطويل للاقتصاد الأمريكي. وعلاوة على ذلك، فإن تسعير العديد من السلع المتداولة دوليًا بالدولار يوفّر على الشركات الأمريكيّة تكاليف التحوّط وتحويل العملات."
وعلى الرغم من ذلك، هناك من يعتقد أنّ قوة الورقة الخضراء تؤدّي إلى إفراغ التصنيع الأمريكيّ من محتواه - وهو الرأي الذي عبّر عنه الرئيس ترامب ونائبه جيه دي فانس-. فعندما يكون الدولار قوياً، فذلك يعني أنّ المنتجات الأمريكية تصبح أغلى نسبياً بالنسبة للعملاء الأجانب، بينما تصبح المنتجات الأجنبيّة أرخص نسبياً بالنسبة للمشترين في الولايات المتحدة. وهذا أحد أسباب العجز التجاريّ الكبير للولايات المتحدة مع الدول الأخرى.
حقبة جديدة؟بينما يعمل ترامب على تقويض الدولار، من الصعب رؤية منافسٍ يمكن أن يحلّ مكانه كعملة احتياطيّةٍ في العالم. فالفرنك السويسريّ، أو اليوان الصينيّ، أو الين اليابانيّ، هي عملات لها مزاياها الجذابة، لكنّها رغم ذلك، تفتقر إلى عمق الأسواق المالية والاستقرار الذي يتمتّع به الدولار.
وقال فالديس دومبروفسكيس، المفوّض المسؤول عن اقتصاد الاتحاد الأوروبي، في اجتماع لصندوق النقد الدوليّ مؤخرًا - نقلته صحيفة نيويورك تايمز: "لدينا بالفعل اهتمام أقوى من جانب المستثمرين بالأصول المقوّمة باليورو، ونرى أنّ استقرارنا وقدرتنا على التنبؤ واحترامنا لسيادة القانون قد أثبت بالفعل قوة."
ومنذ أزمة الديون في عام 2009، استعاد اليورو ثقة المستثمرين. ويؤدّي البنك المركزيّ الأوروبيّ الآن دورًا أكثر نشاطًا في دعم الاقتصادات، من خلال برامج شراء السندات.
وأظهر الاتحاد الأوروبي استعداده لدعم الدول الأعضاء المتعثرة. ومن التطورات الأخيرة التي أثلجت صدور المستثمرين كان وعد ألمانيا بإصدار نحو 1 تريليون يورو من الديون الحكوميّة الإضافية. ومن المقرّر أن يؤدي هذا التحفيز إلى تعزيز اقتصاد منطقة اليورو في الوقت الذي ارتفع فيه الطلب على السندات التي تُعدُّ أحد أصول الملاذ الآمن.
Relatedتحسن ثقة الاقتصاد في ألمانيا رغم تقلص الفائض التجاري لمنطقة اليوروبعد إعلان ترامب الرسوم الجمركية الجديدة.. اليورو يسجل أعلى مستوى له في خمسة أشهر صعود اليورو كملاذ آمن: موجة عابرة أم تحول دائم؟وعلى الرغم من ذلك، لا يزال أمام اليورو طريق طويل يجب أن يشقه. إذ أن سوق رأس المال الموحّدة التي تسمح للأموال بعبور الحدود الأوروبيّة بسهولة لم تتحقق بعد على أرض الواقع، وستتطلّب تنسيقًا تنظيميًا. يضاف ذلك، أن الديون التي تثقل كاهل بعض الدول الأعضاء تعيق الجاذبية الماليّة للكتلة ككل.
وأوضح فاسو يوانيدو قائلاً: "إن التحوّل عن الدولار أمر ممكن نظريًا ولكنه غير مرجح إلى حد كبير على المدى القريب".
وأضاف: "ومع ذلك، فإن التحوّلات الأخيرة في السياسات، وتراجع الولايات المتحدة عن الريادة العالميّة، يدفعان البلدان الأخرى إلى إعادة تقييم تعرضها للمخاطر. وقد بدأ العديد منها بالفعل في تنويع استثماراتها للحدّ من المخاطر. وإذا استمرّ هذا الاتجاه، فقد يؤدّي هذا الاتجاه إلى تآكل هيمنة الدولار تدريجيًا."
ولا يبدو أن هيمنة العملة الأمريكية ستنتهي قريبًا، على الرغم من أنّ تراجع المستثمرين قد بدأ بالفعل. وسيتحدّد المصير الوشيك للدولار بشكل كبير بناءً على الخيارات التي سيتخذّها ترامب في الأشهر المقبلة، وما إذا كان سيتراجع عن بعض سياساته الأكثر زعزعة للاستقرار.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثةالمصدر: euronews
كلمات دلالية: إسرائيل دونالد ترامب الحوثيون الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قطاع غزة غزة إسرائيل دونالد ترامب الحوثيون الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قطاع غزة غزة دولار أمريكي دونالد ترامب الرسوم الجمركية عملة إسرائيل دونالد ترامب الحوثيون الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قطاع غزة غزة روسيا اليمن فرنسا البابا فرنسيس فولوديمير زيلينسكي برلين فی الولایات المتحدة العملة الأمریکیة سندات الخزانة عوائد السندات على الرغم من الأمریکی ة
إقرأ أيضاً:
محلل أميركي يتنبأ: تورط الولايات المتحدة في حرب ضد إيران سيحطم إرث ترامب
يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى أن يكون قائدا يُحدث تحولات إيجابية، غير أنه لن ينجح في تحقيق ذلك إذا تورط في حرب على إيران.
والقادة -عادة- يحبون تحقيق المجد العسكري. وكان الرومان، عندما يحققون انتصاراتهم الشهيرة، يضيفون مواقع انتصاراتهم الشهيرة إلى أسماء جنرالاتهم المشهورين، مثل كوريولانوس وأفريكانوس وجرمانيكوس وبريتانيكوس، وهكذا.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الجزيرة للدراسات يختتم مؤتمر "التنافس بين القوى العظمى والشرق الأوسط"list 2 of 2هل تُجَرّ أميركا للحرب الإسرائيلية على إيران؟end of listوالآن، قد يفضل البعض أن يحصل دونالد ترامب على لقب "بيرسيكوس" كلقب خاص به، والذي يعني المنتصر على الفرس. ولكن هل يمكن أن تساعد "هزيمة" إيران في تعزيز مستقبل الرئيس السياسي، أم أنها ستنعكس عليه بالسلب؟
ووفقا لجون ألين جاي، المحلل السياسي الأميركي والمدير التنفيذي لجمعية جون كوينسي آدمز لدارسي السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، فإنه لا حاجة إلى النظر إلى أبعد من جورج بوش الأب وجورج بوش الابن لمعرفة تأثير الحرب على المكاسب السياسية الأميركية.
ويوضح جاي أن "الثنائي الرئاسي الأب والابن قاما بما يتوافق مع فكرتنا الرومانية بشن حرب ضد العراق، ونتذكرهما أساسا بسبب هاتين الحربين. ومع ذلك، ننسى أن بوش الابن غزا العراق، وأسر رئيسه وشنقه، وأرسل حاكما ليحكمه، ورأى 71% من الناخبين -آنذاك- أنه يقوم بعمل جيد، وأصبح يحمل لقب ’بوش ميسوبوتاميكوس‘ (المنتصر على بلاد ما بين النهرين) قبل أن تتحول حربه هذه إلى مستنقع".
وأضاف جاي -في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنترست الأميركية- أن نسبة تأييد بوش الابن تراجعت تراجعا كبيرا، وخسر حزبه السيطرة على مجلسي الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي لعام 2006 التي ركزت على الحرب، ثم خسر الانتخابات الرئاسية التالية.
وكان المرشح الجمهوري التالي الذي فاز بالرئاسة قد أهان الأخ الأصغر لبوش، ورفض كثيرا مما دعمه حزبه الجمهوري، بما في ذلك غزو العراق الذي أصبح بلا معني الآن. ويرى المحلل الأميركي أن "مغامرة بوش الابن في العراق غيّرت أمتنا، وجعلتها أكثر غضبا وأكثر انقساما، وأقل ثقة بالسلطة".
إعلانواعتبر جاي أنه ربما يكون بوش الأب الذي حقق نصرا واضحا ودائما أفضل حالا، إلا أن هذا لم يكن هو الحال. فقد أشرف على هزيمة جيوش صدام حسين في الكويت، وكانت الخسائر منخفضة، وابتهج الشعب، مما أدى إلى ارتفاع شعبية بوش الأب إلى 89% في فبراير/شباط 1991. ومع ذلك، خسر "بوش كويتيكوس" (محقق النصر في الكويت) في الانتخابات بعد 21 شهرا. وتراجع في جميع استطلاعات الرأي بعد المؤتمر الوطني الديمقراطي في منتصف يوليو/تموز 1992، إذ انخفضت نسبة تأييده إلى 29%.
ويرى جاي أن مهمة بوش لم تكن سهلة، ورغم أنه صنع انتصارا عسكريا ساحقا في الخارج، فإن ذلك لم يكن كافيا، ففي حين وجد بوش الابن هزيمة سياسية في هزيمة عسكرية، وجد بوش الأب هزيمة سياسية في انتصار عسكري.
التعامل مع إيرانويشير جاي -المؤلف المشارك لكتاب "الحرب مع إيران: العواقب السياسية والعسكرية والاقتصادية"- إلى أن هناك سيناريوهين بشأن التعامل مع إيران:
السيناريو المتشائم: الحرب مع إيران لن تساعد مشروع ترامب، وإنما قد تدمره:
فقد تشعل الضربات الأميركية المحدودة حربا شاملة، حيث توسع إيران نطاق الصراع، نظرا لأنها تواجه التهديد الوجودي الخارجي الوحيد، وتقصف إيران قواعد أميركية في جميع أنحاء الشرق، ويرد الطيارون الأميركيون بقصف منصات الصواريخ الإيرانية ومراكز القيادة، وفي النهاية البنية التحتية. ولا شيء من هذا يقنع طهران بالتوقف عن إطلاق النار.
ونتيجة لذلك، ترتفع أسعار النفط وتظل مرتفعة مع احتراق ناقلات النفط في مضيق هرمز. وتتسبب أسعار النفط المرتفعة في خفض الاستهلاك، مما يدفع العالم إلى حالة ركود، ويتعرض الأميركيون واليهود والإسرائيليون للاستهداف في جميع أنحاء العالم، وتتدفق الأسلحة الأميركية إلى الشرق الأوسط بينما تتطلع الصين إلى تايوان.
ويصبح اسم ترامب يُضرب به المثل، ثم يخسر جيه دي فانس (نائب الرئيس) في انتخابات عام 2028، ويطلق خليفة ترامب الديمقراطي الصواريخ على إيران لمدة 8 أعوام، ومع ذلك تتمكن إيران من امتلاك قنبلة نووية. ثم يعرض المحافظون الجدد -وبعضهم عاد من هجرتهم إلى الحزب الديمقراطي في عهد ترامب- أن يقودوا الجمهوريين للخروج من الأزمة.
السيناريو المتفائل: نجاح حملة عسكرية محدودة في القضاء على النووي الإيراني:
وتقنع التهديدات المتراكمة طهران بأن الانتقام الكبير لن يؤدي إلا إلى تعريض النظام لخسائر أكبر. والأفضل من ذلك أن يتخلى قادة إيران عن برنامجهم النووي، وهم يقفون فوق أنقاض قاعات تخصيب اليورانيوم.
وتتسبب الهزيمة العسكرية في حدوث انقلاب واحتجاجات شعبية تدفع عناصر في الحرس الثوري إلى إبرام صفقة هادئة مع المتظاهرين لتخفيف القيود الاجتماعية وفتح الاقتصاد الإيراني أمام الاستثمار الدولي. وتهرب شخصيات النظام التي هددت بقتل ترامب إلى روسيا، ويعاد فتح السفارة الأميركية في طهران وتنتشر شائعات بأن الإسرائيليين يرغبون في إجراء محادثات تطبيع.
ويرى جاي أن هذا سيناريو متفائل للغاية، حيث تسير الأمور لمصلحة أميركا من كل الجوانب. ومع ذلك -حتى مع هذا الاحتمال غير المرجح- ماذا سيكون رأي المواطن الأميركي العادي؟ إنه لا يعيش في الشرق الأوسط ولم يسبق له أن زاره. لقد شعر بالفخر عندما انتصرت أميركا، لكنه لم يكن شعورا عميقا، فقد كانت الحملة الجوية قصيرة، وشاهد في الغالب خرائط على شبكة "سي إن إن" ومقاطع فيديو غير واضحة على وسائل التواصل الاجتماعي. ولم تكن هناك قوات على الأرض ولم يتم إسقاط أي تماثيل.
إعلانوبعد بضعة أشهر، وبينما كان يحاول المواطن إرجاء غسل الأطباق بعد مباراة كرة القدم الأميركية، شاهد تقريرا تلفزيونيا عن الحريات الجديدة في إيران، مما أسعده. ولكن في صندوق الاقتراع ذلك الخريف، كان يفكر في أمور تؤثر عليه حقا وعلى حياته في الولايات المتحدة وهي الاقتصاد والضرائب والثقافة والهجرة والجريمة. ولن يدلي المواطن بصوته في الانتخابات في ما يتعلق بإيران، لأن الأمر لا يعني له الكثير.
واختتم جاي تحليله بالقول إن ترامب لا يحتاج إلى سعي عسكري في الشرق الأوسط لكي يحقق المجد على غرار القائد الروماني كراسوس، وإنما يتعين عليه استخدام القوات الأميركية في المنطقة لردع إيران، لا لضربها، والعودة إلى التركيز على العمل الذي يهم المواطنين الأميركيين العاديين.