هكذا يطوّع الأميركيون القوانين لمكافحة مقاطعة إسرائيل
تاريخ النشر: 7th, May 2025 GMT
واشنطن- عارضت شخصيات بارزة من داخل التيار اليميني في الحزب الجمهوري (من أشد أنصار الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولاء) مشروع قانون رقم 867 أمام مجلس النواب، والذي يختص بتوسيع دائرة العقوبات على الداعمين لمقاطعة منتجات إسرائيل، لتشمل المنظمات الدولية.
واضطر النائب جوش غوتهايمر، وهو ديمقراطي من ولاية نيوجيرسي، إلى سحب مشروع القرار بعدما تم إلغاء التصويت المقرر عليه أول أمس الاثنين.
وينتقد معارضو مشروع القانون التشريعَ باعتباره يتعارض مع حق حرية التعبير المكفول في التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة، بينما يقول مؤيدوه إنه يستهدف "الأفعال المعادية للسامية" على حد وصفهم، بما في ذلك مقاطعة إسرائيل.
وتسعى حركة "بي دي إس" إلى كشف ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وفضح عنصريته، وإلى وقف كافة أشكال التطبيع معه، وتدعو إلى مقاطعة الشركات التي تدعم إسرائيل.
عقوبات مغلظةتبنى تقديم المشروع النائبان غوتهايمر والجمهوري مايك لولر من نيويورك. ويهدف إلى توسيع العقوبات المدنية وفرض غرامات جنائية تصل إلى مليون دولار والسجن لمدة تصل إلى 20 عاما لمن يدعم دعوات مقاطعة إسرائيل.
وجاء مشروع القرار في ظل استمرار حركة الاحتجاجات ضد إسرائيل بسبب عدوانها على قطاع غزة، خاصة في الجامعات الأميركية، والتي لم تتوقف منذ اندلاعها في أبريل/نيسان العام الماضي.
إعلانوقد قسمت الاحتجاجات ضد إسرائيل أعضاء الكونغرس بين فئة تراها حقا دستوريا أميركيا لا يجب المساس به، وفريق آخر يعتبرها حركة معادية للسامية ومهددة للطلاب اليهود.
وغرَّدت آنا بولينا لونا، النائبة الجمهورية الداعمة لترامب، على منصة إكس تقول إن "مشروع القانون يهدف للحد من معاداة السامية، لكنه يهدد حقوق التعديل الدستوري الأول. وللأميركيين الحق في المقاطعة، والمعاقبة على ذلك تهدد حرية التعبير، أنا أرفض معاداة السامية وأدينها بشدة، ولكن لا يمكنني انتهاك التعديل الأول".
وعارض المؤثر المحافظ تشارلي كيرك التشريع، مدعيا أنه "سيجرم المقاطعة الخاصة لإسرائيل، ولن يؤدي إلا المزيد من معاداة السامية، ولعب دور في الروايات المتنامية بأن إسرائيل تدير الحكومة الأميركية".
في حين قالت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور جرين، في تغريدة لها على منصة إكس "سأصوت بلا، إن وظيفتي هي الدفاع عن حقوق الأميركيين في شراء أو مقاطعة من يختارونه دون أن تفرض عليهم الحكومة غرامات قاسية أو تسجنهم، لكن ما لا أفهمه هو لماذا نصوِّت على مشروع قانون نيابة عن دول أخرى وليس الأوامر التنفيذية للرئيس التي تخص بلدنا؟".
ومن جانبها، عبَّرت منظمة أيباك، أكبر منظمات اللوبي اليهودي الأميركية، في بيان سابق لها عن دعمها لمشروع القرار. وقالت إنها تدعم بقوة قانون مناهضة المقاطعة الذي يؤكد أن الولايات المتحدة لن تؤيد المقاطعة التي حرَّضت عليها الأمم المتحدة "ضد حليفتنا إسرائيل".
تطويع القانون
ويعد نجاح التيار اليميني واليساري في مواجهة التشريع مجرد مثال على كيفية تعبئة الجهات الفاعلة على الهامش السياسي لإحباط التشريعات ومشاريع القوانين المؤيدة لإسرائيل، بدعوى مكافحة معاداة السامية التي تتمتع بصورة عامة بدعم من الحزبين.
وقد عمل اللوبي اليهودي على توسيع القوانين الحالية المناهضة للمقاطعة التي تم إقرارها لأول مرة في السبعينيات، واستهدفت في المقام الأول مواجهة لمقاطعة جامعة الدول العربية لإسرائيل، وتم تمرير قيود إضافية لتصبح قانونا جديدا عام 2018 خلال فترة حكم ترامب الأولى.
إعلانويفرض القانون الحالي عقوبات على الشركات أو الأفراد الذين يمتثلون أو يسهِّلون المقاطعة الأجنبية الإجبارية لحلفاء أميركا كشرط لممارسة الأعمال التجارية في البلدان الأجنبية.
وكان دعم الحزبين للتشريع المماثل العام الماضي قويا، لدرجة أن مجلس النواب أقرَّه في فبراير/شباط العام الماضي بأغلبية كبيرة بعدما تمت الموافقة عليه أواخر عام 2023 داخل لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب بأغلبية 42 صوتا مقابل 3 أصوات، لكن الأمر تغيَّر هذا العام.
وردا على سؤال عن سبب سحب مشروع القانون، وما إذا كان ستتم إعادته في وقت لاحق؟ قال متحدث باسم زعيم الأغلبية في مجلس النواب ستيف سكاليس لموقع جويش إنسيدر: إن هناك مشكلات غير محددة في التشريع لكن الجمهوريين سيعملون من خلالها، حسب قوله.
مكافحة المقاطعةوقد تبنت أكثر من 30 ولاية أميركية قوانين تضيق الخناق على حركة مقاطعة إسرائيل، إلا أنه لا يوجد قانون مماثل على المستوى الفدرالي.
وتتخذ معظم القوانين المناهضة لحركة مقاطعة إسرائيل أحد شكلين:
القوانين التي تركز على العقود، وتتطلب من المتعاقدين الحكوميين التعهد بعدم مقاطعة إسرائيل. قوانين تركز على الاستثمار، وتفرض على صناديق الاستثمار العامة تجنب مقاطعة الكيانات لإسرائيل.وبشكل منفصل، نظر الكونغرس في الكثير من التشريعات المناهضة لحركة مقاطعة إسرائيل، وأقرَّ مجلس الشيوخ مشروع قانون يحتوي على أحكام مناهضة للمقاطعة في 28 يناير/كانون ثاني 2019، بأغلبية 74 صوتا مقابل 19 صوتا.
كما أصدر مجلس النواب قرارا يدين مقاطعة إسرائيل في 24 يوليو/تموز 2019، بأغلبية 398 صوتا مقابل 17 صوتا، ورغم ذلك لم تنجح جهود اللوبي اليهودي في تجريم مقاطعة المواطنين الأميركيين للمنتجات والخدمات الإسرائيلية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات مقاطعة إسرائیل معاداة السامیة مجلس النواب
إقرأ أيضاً:
العراق: الإدارة المالية للدولة والعبث!
يفترض أن يكون الدستور والقانون، المرجع الوحيد ذا الطبيعة الإلزامية الذي يحكم عمل الدولة، وينظم السلطات العامة فيها. لكن في العراق لا تبدو هذه الفرضية صحيحة؛ وعلى جميع مستويات إدارة الدولة؛ فقد ألزم الدستور الحكومة بتقديم مشروع قانون الموازنة العامة والحساب الختامي (حساب الإيرادات الفعلية والمصروفات الفعلية لسنة مالية منتهية) إلى مجلس النواب لإقراره. لكن الحكومات المتعاقبة، ومجالس النواب المتعاقبة، تواطأت جميعها على إقرار قوانين الموازنة العامة دون إقرار قوانين الحسابات الختامية، وإلى حد هذه اللحظة لم تقدم الحسابات الختامية للسنوات 2016 إلى 2024 إلى مجلس النواب لإقرارها، وآخر حسابات ختامية قدمت إلى مجلس النواب، كانت موازنة عام 2015 وقد أقرت عام 2023!
ما يعكس عدم اهتمام مجلس النواب باقرار قوانين الحسابات الختامية، هو التنازع بين القوانين التي شرعها والمتعلقة بهذه المسألة؛ فبينما نص قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم 13 لسنة 2018 على أن «يعرض الحساب الختامي على المجلس في مدة لا تزيد على تسعة أشهر من تاريخ انتهاء السنة المالية» (المادة 21/ أولا). نص قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019 على أن «يعلن وزير المالية تاريخ غلق الحسابات الختامية للسنة المالية المنتهية على أن لا يتجاوز (31/1) من السنة اللاحقة»، وأن يصدر ديوان الرقابة المالية تقريره عن هذه الحسابات «في موعد أقصاه نهاية شهر حزيران من السنة اللاحقة» (المادة 28/ أولا وثالثا). وبالتالي يفترض أن تعرض هذه الحسابات وتدقيقها خلال ستة أشهر وليس تسعة أشهر!
وسبق للمحكمة الاتحادية العليا أن أثبتت بقرارها (190/ اتحادية/ 2023) أن الحساب الختامي «يشكل عاملا أساسيا، إن لم يكن العامل الأول، في وقف هدر المال العام والحد من ظواهر الفساد المالي والإداري الذي تعاني منه مؤسسات الدولة». وأنها من خلال التحقيقات التي أجرتها قد ثبت لديها «عدم التزام كل من وزارة المالية ومجلس الوزراء بإنجاز الحسابات الختامية ضمن التوقيت المحدد في الدستور والقانون»، وألزمت رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية بتقديمها وفقا لتلك التوقيتات!
في عام 2023 أُقرت موازنة اتحادية لمدة ثلاثة أعوام، وبالرغم من أن قانون الإدارة المالية قد اشترط أن يقدم مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة إلى مجلس النواب «قبل منتصف شهر تشرين الأول من كل سنة»، واشترط أيضا أنه «لا يجوز أن يزيد العجز في الموازنة التخطيطية عن 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي» (المادة 6/ رابعا) لكن مشروع قانون الموازنة لم يصل إلى مجلس النواب إلا في 16 آذار/ مارس 2023، أي بعد أكثر من خمسة أشهر عن التاريخ المحدد في القانون، فيما زادت نسبة العجز المخطط في الموازنة عن 20٪ تقريبا من الناتج المحلي الاجمالي، أي سبعة أضعاف النسبة المحددة في القانون (وفقا لأرقام البنك الدولي فقد بلغ الناتج المحلي الاجمالي للعراق 250.84 مليار دولار في العام 2023، فيما بلغت نسبة العجز المخطط في الموازنة ما يقارب 49.6 مليار دولار). كما قرر القانون أنه من بين مصادر تمويل هذا العجز الهائل، قروض داخلية وخارجية بما يزيد قليلا عن 10 مليار دولار!
يفترض أن يكون الدستور والقانون، المرجع الوحيد ذا الطبيعة الإلزامية الذي يحكم عمل الدولة، وينظم السلطات العامة فيها قبل أيام قرر مجلس الوزراء العراقي تخويل وزيرة المالية صلاحية «سحب مبالغ الامانات الضريبية التي لم يمض عليها خمس سنوات»، والتي تبلغ ما يقارب 2.3 مليار دولار، لتمويل وتسديد الرواتب الحكومية «على أن تجري التسوية النقدية شهريا عند المطالبة بها»، وسوغت وزريرة المالية هذا القرار بالقول: «الإجراء طبيعي لتعظيم إيرادات الموارد والسيطرة عليها بكافة انواعها»!
والأمانات الضريبية مبالغ تودعها الشركات لحين إكمال التحاسب الضريبي، ولا تعد من الإيرادات العامة للدولة، إلا بعد مرور خمس سنوات على إيداعها دون المطالبة بها كما يقرر القانون. وبالتالي فان قرار مجلس الوزراء يُعد اجراء مخالفا للقانون من أوجه عدة، وليس «إجراء طبيعيا» كما قالت وزيرة المالية.
فضلا على أن استخدام أموال الأمانات الضريبية لتسديد الرواتب االحكومية يمثل دينا داخليا إضافيا ما يزيد حجم هذا الدين الذي وصل إلى أرقام غير مسبوقة في ظل الحكومة الحالية؛ فقد ارتفع الدين الداخلي عام 2023 2023 من 48.624 مليار دولار إلى 55.033 مليار دولار، وارتفع أيضا في نهاية النصف الأول من عام 2024 ليصل إلى 58.995 مليار دولار وفقا لأرقام وزارة المالية. فيما يقدم البنك المركزي العراقي أرقاما مختلفة، فعلى موقعه الرسمي بلغ الدين الداخلي في العام 2024 ما يقارب 63.883 مليار دولار وفقا لسعر الصرف الرسمي، في حين قرر قانون الموازنة أنه يجب أن لا يزيد الدين الخارجي والداخلي عن 10 مليار دولار! كما أن قانون إدارة الدولة اشترط أن الااقتراض لتمويل العجز يجب أن يكون «ضمن الحدود القصوى المقررة في قانون الموازنة العامة الاتحادية» (المادة 39/ اولا)!
كان يمكن للدولة أن تلجأ إلى إجراءات أخرى لتخفيض العجز الكبير في الموزانة العامة، خاصة بعد الانخفاض الكبير في أسعار النفط (بلغ سعر برميل النفط المقدر في قانون الموازنة 70 دولارا وانخفاض سعر النفط عن هذا السعر سيعني زيادة العجز في الموازنة بأكثر من 1.5 مليار دولار عن كل دولار واحد) من بينها خفض الإنفاق الحكومي، أو خفض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار، لكنها لم تفعل ذلك لأسباب انتهازية بحتة، تتعلق بقرب موعد الانتخابات، وعدم استعدادها للذهاب إلى اجراءات اقتصادية يمكن أن تفقدها بعض الأصوات؛ لهذا كان الحل هو كالعادة اللجوء إلى انتهاك أحكام القانون في سياق التواطؤ الجماعي على عدم احترام القانون بشكل منهجي، فالقانون بالنسبة للطبقة السياسية العراقية مجرد «سطر تكتبه وسطر تمسحه» متى شاءت، ومتى ما اقتضت مصالحها ذلك!
(القدس العربي)