الشعب يرفض وصول المسيرات الصينية إلى الجنجويد ويعتبر الصين مسئولة عن ذلك
تاريخ النشر: 9th, May 2025 GMT
البعض لا يريدوننا أن نتكلم عن وصول السلاح الصيني للمليشيا عبر الإمارات ويردون بأن هذه مجرد تجارة!
لا تعرف هل هذا كسل أو جهل أم حب للغلاط والسلام.
ياخ على الأقل تكلم وارفع صوتك إذا لم تعترض كسوداني فمن تريده أن يتكلم بالنيابة عنك؟
نعم نحن دولة مهمة ورأي شعبها يؤثر، لسنا محور العالم، ولكننا نحتل موقع جغرافي فيه، موقع كبير ومهم، ولدينا موارد وإمكانيات وإذا كنا اليوم ضعفاء فغدا وضعنا سيتغير والدول الجادة تتعامل باستراتيجيات على مدى زمني بعيد، الشعب السوداني سيكون موجودا في هذه الرقعة لوقت طويل.
تجارة السلاح ليست مثل تجارة البضائع. عندما تبيع دولة ما السلاح لدولة أخرى هناك شروط لاستخدام هذا السلاح.
يعني لا يمكن أن تشتري سلاح من دولة تحترم نفسها وتمنحك له لتسلمه لجموعة إرهابية مثلا أو مليشيا منفلتة مثل الدعم السريع تقتل به المدنيين. الموضوع ليس تجارة بحتة، وقد يرتد على الدولة البائعة على سمعتها على الأقل.
في حالة الصين طبعا لا يوجد مجتمع مدني ولا برلمان ولا مساءلة للحكومة، كما في الدول الغربية. لذلك الإمارات تسلم الدعم السريع مسيرات صينية. رأينا كيف يتفاعل الأمريكان مثلا مع وصول السلاح الأمريكي للجهات الخطأ مثل الدعم السريع ورأينا تهديدات بوقف تصدير السلاح الأمريكي للإمارات.
ولأن لغة العالم هي لغة المصالح فإن دولة مثل الصين لن تحب أن ينظر لها كدولة تتساهل مع تسليح المليشيا بسلاح صيني من شعب كامل في دولة مثل السودان. الأمر هنا ليس حول حجم مصالح الصين في السودان بالمقارنة مع مصالحها مع الإمارات، وإنما حول سؤال آخر أبسط من ذلك: هل الأمر يستحق؟ هل من الضروري أن تدخل الصين في مفاضلة بين السودان والإمارات من أجل دعم مليشيات الجنجويد؟ الصين في غنى عن هذه المشكلة.
الرسالة التي يجب أن تصل إلى الصين هي أن الشعب في هذه الدولة الأفريقية المهمة يرفض وصول المسيرات الصينية إلى الجنجويد ويعتبر الصين مسئولة عن ذلك لأنها لم تمنع الإمارات من إيصال السلاح الصيني إلى الجنجويد. والهدف ضمان عدم وصول المزيد من الإسلحة من خلال إلزام الصين للإمارات بعدم إعادة تصدير السلاح إلى المليشيا. وهناك أصلا حظر للسلاح على دارفور من مجلس الأمن والموضوع برمته يثير إزعاجا دوليا للصين هي في غنى عنه.
حليم عباس
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
بورتسودان: حين تتعرّى الدولة على سواحلها
في اللحظة التي سقطت فيها القذائف على بورتسودان، لم يكن الصوت صوتَ انفجارٍ عسكري فحسب، بل صوتُ انهيارٍ أخلاقي وسياسي مدوٍّ. المدينة التي ظنها كثيرون آخر ملاذٍ آمن في وطنٍ منهك، كُشف غطاؤها فجأة.
الضربة لم تكن مجرد قذائف سقطت على منشآت، بل صفعة موجعة على وجه خطاب السلطة في بورتسودان. المدينة التي قُدّمت للعالم باعتبارها «العاصمة البديلة»، ها هي تسقط من وهم الحصانة، وتكشف للذين احتموا بها أنهم لم يقرأوا المشهد جيدًا ولم يدركوا أن ما انهار في الخرطوم لا يمكن ترقيعه في الشرق، وأن الدولة إذا انهارت في قلبها، لا تنجو أطرافها مهما تزيّنت.
لكن ما حدث ليس حدثًا معزولًا، بل حلقة في سلسلة انحدار طويل بدأت منذ أن اختطف الإخوان المسلمون (الكيزان) السودان، وأحالوه إلى بؤرة مزمنة للإرهاب. منذ عقود، اختطف هؤلاء الدولة وأفرغوها من معناها، حوّلوها إلى غلاف أيديولوجي فارغ يختبئ فيه الفساد والاستبداد والتكفير، حتى بات السودان عبئًا على نفسه ومصدر قلق دائم لجيرانه والعالم.
وفي عالمٍ تحكمه موازنات إقليمية ودولية دقيقة، لا يُمكن ترك السودان رهينةً لمجموعةٍ متطرفة تسيء استخدام موقعه الجيوسياسي الحساس على البحر الأحمر وفي قلب إفريقيا. لهذا، لن يجلس العالم متفرجًا طويلاً. وإن بدا المشهد وكأن الجميع صامت، فإن لحظة الاجتثاث قادمة، لا لأنها مؤامرة خارجية، بل لأن السودان لم يعد يُحتمل من الداخل، ولا يمكن السكوت عليه من الخارج.
لست معنيًا هنا بتفاصيل الهجوم، ولا بخطوط الإمداد، ولا بلغة البيانات العسكرية. ما يعنيني هو الإنسان السوداني الذي تلقى الصفعة، مرة أخرى، بلا درع، بلا دولة، بلا أمل. يعنيني من فقد ثقته الأخيرة في أن بورتسودان ستكون بداية جديدة، فإذا بها امتدادًا لنهاية مفتوحة على الكارثة.
ليس من المبالغة القول إن قصف بورتسودان ضرب ما تبقى من وهم «السودان الرسمي». فما الذي تبقى إذًا؟ لا دولة، لا جيش، لا أمن، لا مشروع سياسي، لا مبادرة، لا معنى حتى لفكرة «الانتقال» أو «الحل». ما تبقى فقط هو الشعب، بحزنه وخوفه وإصراره الغامض على النجاة، ولو من بين الركام.
ولا خلاص لهذا الشعب إلا بوعيٍ قاسٍ، شجاع، يخرج من الغيبوبة، ويتحرر من وهم المؤامرات الخارجية، ويواجه ذاته، ويصرخ في وجه خرافات الكيزان وخطابهم المدمِّر: كفى. آن لهذا الشعب أن يطالب بحقه في دولة حديثة، في نظام مدني يحترم القانون، في الانتماء إلى منظومة دولية لم يعد التمرد عليها بطولة، بل انتحار.
ختاماً، إن بورتسودان لم تُقصف فقط من الجو، بل قُصفت من الداخل، حين استُخدمت كمخدع سياسي أخير، حين فُرض عليها أن تكون واجهةً لحكمٍ يتهالك. واليوم، تنكسر تلك الواجهة، ويخرج من خلفها السؤال الأكبر: كيف نُعيد بناء وطنٍ بلا خداع، بلا أقنعة، بلا كذبة العاصمة؟
الوقت ليس للترف الفكري، ولا للخطابات المجوّفة، بل للاستعداد العملي والوجداني لتلك اللحظة القادمة التي ستنهار فيها الدولة كما نعرفها. فإما أن نكون أهلًا لوطن جديد يُولد من ركام دولة مخطوفة، أو نغيب مرة أخرى عن مشهد التأسيس ونكتفي بالندب واللائمة. هذه فرصة لا يمنحها التاريخ مرتين، ومن لم يتهيأ لها اليوم، سيُقصى عن الغد، ويُطوى اسمه في هوامش الحكاية، لا في متنها.
auwaab@gmail.com