سودانايل:
2025-08-10@11:36:35 GMT

السودان: خيارا الإفناء الذاتي والإقليمي

تاريخ النشر: 9th, May 2025 GMT

(1)
تتزايد تعقيدات المشهد السوداني يوماً بعد يوم، فيما تتوغّل الحربُ الكارثية إلى عامها الثالـث، ويتواصل النزيف الذي سبّبته تلـك الحـرب ويتواصل قتل الأبرياء من أبناء الشعب السوداني بلا أفق يوقف تلك الحرب. كلّ يومٍ يمرّ على تلك الكارثة التي تجري فصولها داخل السودان، لا يخفى على المتابعين رصد امتداداتها خارج السودان، بما يخرج تصنيف هذه الحرب الكارثية من كونها حرباً أهلـية، إلى صيرورتها حرباً إقليمية بامتياز، بسبب تدخّلات وتقاطع لأجندات ومصالح لأطرافٍ تقع وراء حدود السودان الجغرافية المعلومة.

إنّ التحولات التي طرأت على طبيعة الحروبات في سنوات الألفية الثالثة، تجاوزت ما شاع في سنوات القرن العشرين ممّا وقع من حروب بالوكالة، أو حتى عبر تجنيد مرتزقة أو جواسيس. تلك أمور لم تعد لها صلاحية في السنوات الماثلة، سنوات الثورة الرقمية واتساع رقعة الشفافية المعلوماتية، وانكشاف بقاع العالم على بعضها البعض بحيثيات افتراضية كاسحة.
تلك تطورات أدخلت العالم إلى مرحلة تجاوزت عبرها المعطيات التقليدية التي ظلتْ سائدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م، بقصد كبح جماح الصراعات التي قد تنشب بين أطراف المجتمع الدولي، وفق التعريف الذي بدأ يتهاوى في سنوات الألفية الثالثة.

(2)
إنّ نظرة واحدة لمجمل الصراعات التي تحوّلتْ إلى حروبٍ طاحنةٍ، مثل ما وقع بين روسيا وأوكرانيا، أو بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، أو الحرب الدائرة في السودان بين أطرافه الداخلية بامتداداتها الخارجية، تقنع أيَّ متابعٍ أنَّ ما توافق عليه المجتمع الدولي من مبادئ لحفظ السلم والأمن الدوليين ، بات هرطقة لغوية لا علاقة لها بالواقع الماثل. إنّ جميع هيئات ومنظمات المجتمع الدولي، باتت محض ظواهر صوتية، تجعجع دون طحن، وتولول لموت قتيل ولا تملك أن تعاقب قاتله.
لم يلتفت رئيس إسرائيلي إلى أيّ طرف دولي أو غير دولي، ليدير ما يشبه حرب إبادةٍ جماعية لشعب فاسطيني أعزل، يذبح وتدمر مدنه وقراه ويُجبر على الخـروج
إلى دياسبورا. كأنّ زعماء الدولة الصهيونية ينتقمون من عرب فلسطين ويذيقونهم ما ناله اليهود عبر تاريخهم في الشتات الطويل. إنهم يصنعون دياسبورا عربية، مستغلين عجز المجتمع الدولي عن ردعهم، ومتكئين على سيطرتهم بطريق غير مباشر على أطراف دولية نافذة ارتهنت إرادتها لهم.

(3)
ثمَّ نرى تصاعد الاشتباكات بين روسيا وأوكرانيا، حربا يقف العالم أمامها على أطراف أصابعه إن تواصلت تعقيدات تلك الحرب لتكون حربا نووية تأخذ العالم إلى إفناءٍ متبادل. تراجعت تلك الحرب بفراسخ بعيدة عن المجتمع الدولي، لتعزِّز عجز منظماتها عن التذكير بقيم ومبادئ حفظ السّلم والأمن الدوليين. هكذا بقيتْ الأمم المتحدة غير مأسوفٍ عليها، ظاهرة لسانية مبحوحة الصوت.
أمّا الحرب الدائرة في السودان فقد ظلت - على تنافس أطرافها -وبعضهم قبِلَ أن يكون وكيلا عن أطراف خارجية- في تدمير ثاني أكبر دولة مساحة وموارد وسكانا- شأناً منسياً، وتعجز حتى المنظمة الأممية عن لجم الاشتباكات فيها، وهي دولة من دول العالم الثالث الهشّة. إن التصعيد الماثل في حرب السودان وفي مشهد من مشاهد الحروب التي تدار اشتباكاتها بأسلحة الجيل الجديد الافتراضية، من طائرات بطيّارٍ أو بدون طيار، أو مسيّرات انتحارية أو مسيًرات ذكية تدمِّر وتهرب، يتجاوز تصنيفها محض حربٍ أهلية داخلية، لأن تكون حرباً إقليمية افتراضية، تتقاطع في فضائها مصالحُ بلدانٍ في الاقليم، وربما خارج الإقليم. إن الاشتباكات والضربات الموجعة في الحرب السودانية، من أطراف يصعب رصدها، قد تفتح بابا لشكوك حول استهداف على البعد يأتي من جهات وراء حدود السودان.

(4)
لعلّ الأخطر في مشهد السودان الماثل، هو إصرار الأطراف المتقاتلة على تواصل الاشتباكات بدعم من أطراف خارجية خفية، بما قد يفضي إلى تصعيد تسفر فيها تلك الأطراف بصورة جلية. إن اقدام السلطات العسكرية في السودان، خاصة بعد تعمد استهدافها في مقرها في العاصمة المؤقتة، للإعلان عن موافقتها على استضافة قاعدة عسكرية روسية في السواحل السودانية للبحر الأحمر، سيفتح باباً لتدويل عسكري لكامل الدول المشاطئة لذلك البحر. إن التصعيد الذي يجري الآن في معاقبة الحوثيين في اليمن، بمشاركة إسرائيل والولايات المتحدة، يجعل من احتمالات جعل ذلك الإقليم ساحة لمواجهات إقليمية ودولية أيضا.
يبقى على السلطات العسكرية في السودان أن تتحسب لتلك التطورات، وإلا ستكون طرفا في مواجهات عسكرية ذات أبعاد إقليمية وربما دولية، لن يكتب بعدها للسودان إلّا الفناء.
العربي الجديد اللندنية
القاهرة – 6 مايو 2025

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المجتمع الدولی فی السودان

إقرأ أيضاً:

قواعد اشتباك جديدة : الإمارات تنقل الحرب إلى ميدان الاقتصاد.

1 وقف الرحلات الجوية المباشرة بين السودان والإمارات ليس لا انسانى فقط بل هو قرار سياسي، اقتصادي، بل عسكري بامتياز، يتعلق بمجريات الحرب ووقائعها وأساليب خوضها عبر أوجه متعددة. كيف؟ ،
تعلم الإمارات أن الأطنان التي تتدفق على أسواق الذهب بدبي من السودان إنما تسلك في أغلبها طريقاً واحداً ظل سالكاً لعشرات السنوات دون أن يتأثر بأي تغييرات سياسية، وذلك الطريق كان عبر الجو… إذ يُصدَّر الذهب بيسر وترجع عوائده بالسرعة اللازمة ليلعب دوره في الاقتصاد. وهاتان الميزتان جعلتا السودان يقرر استمرار تصدير الذهب للإمارات رغم عدوانها. ولكنها ، مع إخفاقها في كسب الحرب في الميدان العسكري، احتاجت لنقل الحرب إلى المجال الاقتصادي، متجاوزةً قواعد الاشتباك الاقتصادي، وهي بالطبع غيرها من قواعد الاشتباك العسكرية.وهذه هى البداية قد تطور الإمارات حربها لتصبح حربا تجارية واقتصادية شاملة تصل إلى النقل البحرى أو مجالات البنوك والتمويل المصرفى او اى تعاملات اخرى.
الغريب أن دولة الإمارات إلى عهد قريب كانت لا تخلط بين التجارة والسياسة على مستوى اقتصادها الداخلي، ورغم الضغوط والاتهامات بأن دبي مركز لغسيل الأموال وأن الذهب الذي يرد إليها من المليشيات في إفريقيا هو ذهب معجون بالدم، فإنها ظلت ترفض تسييس التجارة، ولكن في حالة السودان استخدمت السلاح الاقتصادي والتجاري لأول مرة منذ بداية الحرب!!.
2
وقف الرحلات الجوية يربك تجارة الذهب سريعاً لكنه لا يوقفها،كما من شأنه أن يضعف منافسة الذهب السوداني في سوق دبي، لأن أرباح التجار عادة لا تتجاوز 1% أو 2% من سعر البورصة العالمية.انقطاع مسار الشنط اليدوية (Hand-Carry) الذي كان ينقل جزءاً كبيراً من الذهب مع المسافرين على رحلات تجارية إلى دبي، يوقف هذا المسار فوراً، ويرفع كلفة النقل ويطيل زمن التسليم. ومن ناحية أخرى، سيضغط على السيولة والأسعار المحلية لقلة المشترين الفوريين (الكاش)، وتباطؤ الشحن يوسّع فرق السعر بين بورتسودان وسعر دبي، فيُباع “الذهب السوداني” بسعر أقل مقارنة بالسعر العالمي بسبب صعوبة التصدير، فيهبط سعر الشراء من المنقّبين ويسبب خسائر كبيرة لهم.
3
كل ذلك يعني أن تجارة الذهب الآن تتعرض لمخاطر ودخلت ساحة الحرب وأصبحت إحدى أدواتها . تهدف الإمارات بهذه الخطوة إلى الإضرار بالاقتصاد السوداني، وبالتالي قدرة الدولة على الاستفادة من مواردها في الدفاع عن البلاد. تعلم أبوظبي أن السودان يعتمد الآن على الذهب في ميزانيته بشكل كبير ، بعض الخبراء الاقتصاديين رجحوا أن الاعتماد الفعلي على الذهب بعد الحرب قد يتجاوز 65–75% من الإيرادات القابلة للتسييل السريع في السوق الدولية.
إجمالي الذهب رسمي وغير رسمي في تقديرات الفايننشيال تايمز تشير إلى أنه قد يبلغ 80 طنًا بقيمة تفوق 6 مليارات دولار، مع تهريب أكثر من نصف الكمية.في عام 2024، أفاد بنك السودان ان الصادرات الرسمية من مناطق سيطرة الجيش أن نحو 97% من الذهب المُصدَّر رسمياً اتجه إلى الإمارات، بإيراد حوالي 1.8 مليار دولار.
4
توقف صادرات الذهب فجأة إلى السوق الرئيسي التي كانت الدولة السودانية تتعامل معه يسبب إرباكاً ونقصاً كبيراً في واردات النقد الأجنبي للدولة،وبالتالي سيؤثر على سعر الصرف المتدهور أصلاً، وكذلك على قدرة الدولة بالايفاء بالتزاماتها الخارجية،وخاصة المشتريات العسكرية التي تتطلب عملات صعبة و تدفقات مستمرة حتى تتمكن القوات المسلحة التي تحارب على الأرض استكمال تجهيزاتها والتعويض المستمر لخسائرها واحتياجاتها. ولذا، فإن هذا القرار يستهدف ضرب المقدرات العسكرية للجيش السوداني، وخاصة أنه جاء بعد عملية نيالا التي أجهزت على 40 مرتزقاً كولومبياً كانوا على متن طائرة إماراتية، مما حدا بالمراقبين إلى الإشارة إلى أن الضربة كانت قوية ومؤثرة لدرجة جعلت الإمارات تتخلى عن سياستها المعهودة بعدم الربط بين التجارة والسياسة والحروب.
الإمارات تستورد بين 47٪ و95٪ من الذهب الأفريقي — وهذا يشمل الذهب الرسمي والمهرب من السودان، جنوب السودان، الكونغو، وجمهورية أفريقيا الوسطى.، والسودان يورد 97% من ذهبه للإمارات ولكن قيمته ليست كبيرة
( 6 مليارات اذا حسبنا الذهب المهرب)، تجارة أبوظبي تبلغ ما بين 50 إلى 130 مليار دولار كقيمة موثوقية لحجم تجارة الذهب في الإمارات. عليه فان أبوظبي قد لا تتأثر كثيراً، ولذا تستخدم تجارة الذهب أداة اقتصادية / عسكرية لإضعاف الجيش السوداني من خلال إضعاف عوائده وبالتالي مقدرته على إدارة اقتصاد حرب موفور الموارد.
5
إذن، ما العمل وما هي الخيارات البديلة…؟ هناك مسارات وأسواق أخرى تصدير الذهب السوداني إليها وعبرها، ولكنها معقدة وبها إشكالات لابد من إيجاد أفكار وسبل حلها. المشكلة الرئيسية التي تواجه كل المسارات انها تزيد التكلفة بنحو 3/5%، وزمن التسليم 5–10 أيام، للشحنات المتجهة للإمارات عبر مطارات وسيطة أو البحر.
مثلاً، يمكن تصدير الذهب عن طريق مصر، وهي الآن تستقبل الذهب المهرَّب بكل أريحية، ولكن هناك مخاطر وتعقيدات مالية وبيروقراطية اشتهرت بها الدولة المصرية، والأهم أن ذلك يرفع تكلفة التصدير ويمكن أن يعرض التجار لخسائر ومخاطر شتى. كذلك يمكن التصدير عبر إريتريا، ولكن ذلك أيضاً يرفع التكلفة، و الزيادة في التكاليف تجعل سعر الذهب السوداني أعلى من أسعار البورصة العالمية.
6
يمكن لكبار التجار أن يصدروا ذهبهم بطرود عبر طائرات خاصة بتكلفة عالية وتتطلب ترتيباً قانونياً أدق وامتثالاً أعلى في الإمارات، وخاصة أن الذهب القادم عبر أطراف ثالثة غالباً ما يواجه تدقيق “اعرف عميلك/مصدر الذهب” في مصافي وتجار الإمارات، ما قد يعطل التصفية والدفع.
7
هناك أيضاً خيار تصدير الذهب إلى استطنبول، لكن تركيا بها تعقيدات إدارية ومالية، ولفترة رفضت استقبال الذهب السوداني بسبب سياسات البنك المركزي التركي. وهناك أيضاً فرصة لتصدير الذهب إلى قطر، ولكن السوق القطري من ناحية لا توجد به مصافٍ كبيرة للذهب، وإلى الآن هناك مصفاة واحدة فقط بطاقة إنتاجية محدودة، ولا تبدو السياسات الاقتصادية القطرية منفتحة على الدخول إلى سوق تجارة الذهب بشكل كبير، لأن تلك التجارة بها مخاطر وارتبطت بصراعات سياسية في إفريقيا وغيرها، ولا تود الدوحة أن تخلط سياستها الخارجية الداعية للسلام والتفاوض بدم الحروب وذهبها.
8
يمكن التصدير عبر الشحن البحري من بورتسودان إلى الخليج/آسيا، لكن هذا المسار أبطأ ويستلزم توثيقاً وشركات لوجستية موثوقة، ولا يخلو من مخاطر، وقد تصدر الإمارات أيضاً قراراً بوقف البواخر القادمة من السودان.
هناك مسار آخر وسوقه أكثر انفتاحاً، وقد بدأ بالفعل قبل أن تبدأ حرب الذهب هذه، وهو مسار مسقط.
عُمان دولة نامية ومنفتحة على تجارة الذهب وبها سوق متطور. وفق بيانات حتى نوفمبر 2024، بلغ إجمالي واردات الذهب في عُمان حوالي 372 مليون ريال عُماني (نحو 966 مليون دولار أمريكي). وهو مبلغ هامشي لا يعتد به في تجارة الذهب ولكنها البدايات.السودان في المرتبة الثالثة ضمن المصدرين للذهب إلى عُمان، بقيمة تقارب 6.4 مليون ريال عماني.
هذه التجربة المحدودة في تصدير الذهب إلى عُمان،كانت ناجحة رغم الصعوبات التي اكتنفتها في بدايتها، وخاصة من جهة سرعة التحويلات البنكية والإجراءات. ولكن عموماً سوق عُمان كبير وآمن ومنفتح على تجارة الذهب، وكانت هناك محاولة سودانية قبل عام لفتح مصرف في محافظة ظفار لم تنجح، ينبغي إحياء الفكرة والاسراع في تطبيقها. مسقط يمكن، وبسرعة، أن تكون سوقاً بديلاً لدبي.
9
في الأثناء، لابد من بحث جاد عن بدائل سريعة بحل الاشكالات التي تواجه تجارة الذهب في أربعة دول صديقة وهى مصر، تركيا قطر، عُمان وإلا ترتب على التلكؤ آثار اقتصادية وسياسية وعسكرية تعمق الأزمة وتقود إلى تداعيات خطيرة. ولنتذكر دائماً أن 75% من مواردنا الحالية من الذهب.

عادل الباز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ماذا وراء خطة نتنياهو بشأن غزة التي “لا ترضي أحدا”؟
  • هيئة البث الإسرائيلية: سموتريتش عارض خطة احتلال غزة التي صدق عليها الكابينت
  • الحرب كارثة حاذقة قال تشرشل حذاري أن تهدرها
  • ما وراء خطة نتنياهو بشأن احتلال غزة التي لا ترضي أحدًا؟
  • ماذا نعرف عن دونباس الأوكرانية التي يشترط بوتين السيطرة عليها لوقف الحرب؟
  • قواعد اشتباك جديدة : الإمارات تنقل الحرب إلى ميدان الاقتصاد.
  • تحليل لـCNN.. ما وراء خطة نتنياهو بشأن غزة التي لا ترضي أحدًا
  • الإمارات.. قواعد اشتباك جديدة في الحرب مع السودان
  • «الصحة العالمية»: تفَشي الجوع والمرض في السودان جراء الحرب
  • السفارة السودانية بتشاد تتسلم سيارات نُهبت من السودان خلال فترة الحرب