لجريدة عمان:
2025-06-25@11:43:10 GMT

«قلق»

تاريخ النشر: 10th, May 2025 GMT

نخرج إلى الدنيا والقلق يحاصرنا من كل الاتجاهات، يبدأ بمحاولة معرفة جنس الوليد وصحته، يمتد إلى مراحل دراستنا المتعاقبة، فمشاريع الحياة التي تتفاوت أولوياتنا حولها.

نُحاصرُ في عمر دون السادسة بقلقنا، حين نطالبه بإثبات أنه أفضل أقرانه في روضته، وما إن يبدأ الدراسة المنتظمة، حتى نبدأ بتسميم طفولته بدفعه دفعًا لاعتلاء منصات التكريم، وإن كانت قدراته تقف دون ذلك، يصل الصف الثاني عشر، وهو مشحون بفكرة أن عبوره هذه المرحلة بمثابة حياة أو موت.

في هذه الفترة يتجلى القلق حول مستقبل الشاب في أنقى صوره، هُنا لا نتردد في الضغط عليه من أجل تحقيق أعلى المعدلات، والاستماتة لضمان الحصول على بعثة دراسية في الخارج أو مقعد في الجامعة، وإلا اعتبرنا الجهود التي حشدناها من أجله طوال تلك السنوات ذهبت هباءً وأنه خيب آمالنا.

بخوضه السنة الجامعية الأولى، أو ما بعد الدبلوم العام، يكون القلق قد استحال إلى سِمة واضحة من سمات شخصيته، تظهر عند عتبة كل فصل دراسي، وهو قلق سيؤسِسُ لاحقًا لعِلل وأمراض نفسية شتى.

تنتهي سنوات الدراسة، فيقع بين براثن قلق مرير من نوع آخر، قلق الحصول على وظيفة نوعية، وإذا حصل عليها داهمه قلق مشاريع الحياة الأساسية، وما أن يستقر إلى حال معين، يطل قلق الطموح الوظيفي الجامح والحلم بالمناصب برأسه، وإذا أفلت شمس هذه المرحلة الصاخبة من حياته دخل في نفق مُظلم من القلق الأسود حول «القادم المجهول»، بأي سيناريو سيغادر هذا المسكين الحياة ؟!

يشيخ، وقد بلغ مرحلة التعب والإجهاد فتتحطم رغباته، تخفتُ متعة الانتصارات المتوهمة على الأنداد الحقيقيين والمُتوهمين وتنطفئ، ويخمد لهاثه ويستكين، يكون كالذي يقف على جبل شاهق، يشاهد من أعلى ما مر من حلقات من تفاصيل شكّلت مسلسل حياته.

يستوعب أخيرًا ماهية القلق والخوف الذي أرهقه سنوات عُمره، يكتشف بعد نيل ما كان يرغب وامتناع ما لم يستطع، أنه كان يقاتل من أجل ما يسمى بالثراء والمكانة والشهرة وهي مُتع زائفة، أو لنقل ابتلاءات عظيمة ربما نجا من حُرم منها.

يتوصل إلى حقيقة أن قلقه لم يكن مبررًا، وأن ما كان يجب أن يقلق بشأنه حقًا هو عدم التوقف لمراجعة حساباته مع الله سبحانه وتعالى، ومع نفسه، وخلقِ الله من حوله «إن كان مقصرًا»، كان يجب أن يقلق من بلوغه مرحلة خطِرة يجب أن يخاف على نفسه ببلوغها لكنه لا يخاف.

النقطة الأخيرة..

مُبرر هو القلق الإيجابي الذي يُسفر عن نجاحات تستند على قواعد من الرضا، لكنْ لا مُبرر لقلق يحاصر قدرتنا على العيش باطمئنان وإيمان مطلق، بأننا لن نموت دون أن نستوفي كل أرزاقنا.

عُمر العبري كاتب عُماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

صعوبة الحياة وتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة

ويشتكي النازحون من مأساة النزوح المتكرر تحت وطأة القصف وصعوبة التنقل وانعدام الطعام والماء، وصعوبات تلقي العلاج في هذه الظروف القاسية.

تقرير: أشرف أبو عمرة

25/6/2025

مقالات مشابهة

  • صعوبة الحياة وتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة
  • هدنة هشة بين إيران وإسرائيل .. والخليج في دائرة القلق: هل بدأت الحرب الرمادية؟
  • اطمئن يا ضياء الدين بلال .. الأمور تحت السيطرة
  • احترس منها.. هذه الأطعمة تسبب القلق والتوتر
  • لأولياء أمور الثانوية العامة.. دليلك الكامل لدعم ابنك من القلق إلى النجاح
  • تصاعد القلق الجيوسياسي يضغط على الأسهم والعملات الآسيوية
  • داء القلق
  • تحذير مفاجئ من واشنطن بشأن تركيا.. تطورات ميدانية تثير القلق
  • الإسرائيليون يسابقون الزمن لمغادرة البلاد وسط تصاعد التوترات
  • الطائرة الشبحية| قاذفات B2 تثير القلق في المنطقة.. وسط توقعات بضرب إيران