لجريدة عمان:
2025-05-10@21:24:49 GMT

«قلق»

تاريخ النشر: 10th, May 2025 GMT

نخرج إلى الدنيا والقلق يحاصرنا من كل الاتجاهات، يبدأ بمحاولة معرفة جنس الوليد وصحته، يمتد إلى مراحل دراستنا المتعاقبة، فمشاريع الحياة التي تتفاوت أولوياتنا حولها.

نُحاصرُ في عمر دون السادسة بقلقنا، حين نطالبه بإثبات أنه أفضل أقرانه في روضته، وما إن يبدأ الدراسة المنتظمة، حتى نبدأ بتسميم طفولته بدفعه دفعًا لاعتلاء منصات التكريم، وإن كانت قدراته تقف دون ذلك، يصل الصف الثاني عشر، وهو مشحون بفكرة أن عبوره هذه المرحلة بمثابة حياة أو موت.

في هذه الفترة يتجلى القلق حول مستقبل الشاب في أنقى صوره، هُنا لا نتردد في الضغط عليه من أجل تحقيق أعلى المعدلات، والاستماتة لضمان الحصول على بعثة دراسية في الخارج أو مقعد في الجامعة، وإلا اعتبرنا الجهود التي حشدناها من أجله طوال تلك السنوات ذهبت هباءً وأنه خيب آمالنا.

بخوضه السنة الجامعية الأولى، أو ما بعد الدبلوم العام، يكون القلق قد استحال إلى سِمة واضحة من سمات شخصيته، تظهر عند عتبة كل فصل دراسي، وهو قلق سيؤسِسُ لاحقًا لعِلل وأمراض نفسية شتى.

تنتهي سنوات الدراسة، فيقع بين براثن قلق مرير من نوع آخر، قلق الحصول على وظيفة نوعية، وإذا حصل عليها داهمه قلق مشاريع الحياة الأساسية، وما أن يستقر إلى حال معين، يطل قلق الطموح الوظيفي الجامح والحلم بالمناصب برأسه، وإذا أفلت شمس هذه المرحلة الصاخبة من حياته دخل في نفق مُظلم من القلق الأسود حول «القادم المجهول»، بأي سيناريو سيغادر هذا المسكين الحياة ؟!

يشيخ، وقد بلغ مرحلة التعب والإجهاد فتتحطم رغباته، تخفتُ متعة الانتصارات المتوهمة على الأنداد الحقيقيين والمُتوهمين وتنطفئ، ويخمد لهاثه ويستكين، يكون كالذي يقف على جبل شاهق، يشاهد من أعلى ما مر من حلقات من تفاصيل شكّلت مسلسل حياته.

يستوعب أخيرًا ماهية القلق والخوف الذي أرهقه سنوات عُمره، يكتشف بعد نيل ما كان يرغب وامتناع ما لم يستطع، أنه كان يقاتل من أجل ما يسمى بالثراء والمكانة والشهرة وهي مُتع زائفة، أو لنقل ابتلاءات عظيمة ربما نجا من حُرم منها.

يتوصل إلى حقيقة أن قلقه لم يكن مبررًا، وأن ما كان يجب أن يقلق بشأنه حقًا هو عدم التوقف لمراجعة حساباته مع الله سبحانه وتعالى، ومع نفسه، وخلقِ الله من حوله «إن كان مقصرًا»، كان يجب أن يقلق من بلوغه مرحلة خطِرة يجب أن يخاف على نفسه ببلوغها لكنه لا يخاف.

النقطة الأخيرة..

مُبرر هو القلق الإيجابي الذي يُسفر عن نجاحات تستند على قواعد من الرضا، لكنْ لا مُبرر لقلق يحاصر قدرتنا على العيش باطمئنان وإيمان مطلق، بأننا لن نموت دون أن نستوفي كل أرزاقنا.

عُمر العبري كاتب عُماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

عدن في قبضة الظلام و أزمة كهرباء تخنق الحياة

عدن- في حي شعبي مكتظ بمدينة عدن، يقف منصور سفيان (45 عاما) أمام منزله الغارق في الظلام، محاطا بأطفاله الثلاثة، باحثا بيأس عن نسمة هواء تخفف لهيب صيف قائظ في المدينة التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا عاصمة مؤقتة للبلاد.

هذا المشهد لا يشكّل استثناءً، بل يعكس معاناة يومية يعيشها سكان عدن، الذين يرزحون تحت وطأة أزمة كهرباء خانقة، حوّلت حياتهم إلى جحيم لا يُطاق، ودَفعت بالمدينة المنهكة نحو كارثة إنسانية تلوح في الأفق.

يعيش منصور في منطقة الشيخ عثمان مع أسرته المكوّنة من 5 أفراد، يتناوبون في ليالٍ خانقة بين جدران المنزل وسطح يعجّ بالبعوض، كحال آلاف السكان الذين يُجبرون على قضاء لياليهم في العراء أو فوق الأسطح، هربا من غرفٍ تحوّلت بفعل الحر وانقطاع الكهرباء إلى أفران تخنق الأنفاس وتسلب النوم.

محتجون يغلقون الطريق تنديدا بانقطاع الكهرباء (مواقع التواصل) فصول المعاناة

تعاني عدن من انهيار شبه تام في منظومة الكهرباء، مع انقطاع يتجاوز 22 ساعة يوميا، في أزمة تُعدّ الأسوأ في تاريخ المدينة التي كانت أول من عرفت خدمة الكهرباء في شبه الجزيرة العربية خلال عشرينيات القرن الماضي.

يقول منصور للجزيرة نت واصفا معاناته: "النوم صار حلما بعيد المنال.. الليل جحيم من الحر، والنهار أشد وطأة"، ويضيف بنبرة يائسة: "نعيش في جحيم لا يُطاق، لا أحد يسمعنا.. وكأننا خارج حسابات الدولة تماما".

ولا تقتصر المعاناة على الحر والأرق، بل تحوّلت الأزمة إلى كابوس يهدد حياة السكان، بعدما ألقت بظلالها على مختلف مناحي الحياة، وأدّت إلى تعطيل الخدمات الحيوية، كالمياه والصرف الصحي والرعاية الصحية، لتُصبح من أشد فصول المعاناة التي مرت بها المدينة.

إعلان

 

وأدى استمرار الانقطاعات خلال الأيام الماضية إلى تصاعد موجة من الغضب الشعبي، حيث خرج السكان في احتجاجات غاضبة شملت إشعال إطارات السيارات وإغلاق الشوارع، تنديدا بتدهور الخدمات العامة، وفي مقدمتها الكهرباء.

والاثنين الماضي، شهدت عدن حادثة مأساوية، حيث تُوفي مواطن وزوجته اختناقًا بغاز أول أكسيد الكربون داخل سيارتهما، بعد لجوئهما إليها للنوم هربًا من الحر الشديد.

ورغم أن أزمة الكهرباء المزمنة تتكرر كل عام في عدن، خاصة خلال فصل الصيف، فإن المدينة لم تشهد من قبل انقطاعا شاملا وطويل الأمد كما يحدث اليوم، ما يهدد حياة السكان ويشلّ المرافق الحيوية.

يصف وكيل محافظة عدن لقطاع المشاريع، المهندس غسان الزامكي، الوضع الراهن بـ"الكارثي والمأساوي"، في ظل ارتفاع درجات الحرارة والانهيار شبه الكامل لمنظومة الطاقة، مؤكدا في حديثه لـ"الجزيرة نت" أن الأزمة تؤثر بشكل مباشر على خدمات المياه والصرف الصحي، ما يستدعي تحركا عاجلا من الجهات المعنية لمنع تفاقم الوضع.

أزمة كهرباء خانقة تغرق عدن في ظلام دامس (الجزيرة) جذور الأزمة

يُرجع مسؤولون السبب الرئيسي لتفاقم الأزمة إلى تهالك البنية التحتية، وتراجع الطاقة الإنتاجية مقارنة بالاحتياج الفعلي، إلى جانب العجز المزمن في توفير الوقود وقطع الغيار اللازمة، وتكاليف التشغيل الباهظة.

وتعتمد مدينة عدن على مزيج من المحطات العاملة بالمازوت والديزل والنفط الخام، إلى جانب حقل للطاقة الشمسية.

ومن أصل 17 محطة توليد، تعمل حاليا 5 فقط، بينما توقفت 12 محطة عن الخدمة بسبب نفاد الوقود وغياب الصيانة، وفقا لمسؤولين في القطاع.

وتقول الحكومة اليمنية إن كلفة تشغيل الكهرباء في عدن تبلغ نحو 55 مليون دولار شهريا، بمعدل 1.8 مليون دولار يوميا، بينما لا تغطي الإيرادات الشهرية كلفة تشغيل يوم واحد، ما يزيد من تعقيد الأزمة المالية والخدمية.

محطة لتوليد الكهرباء في عدن متوقفة بسبب نفاد الوقود (الجزيرة)

ويشير المهندس الزامكي إلى أن جذور الأزمة تعود إلى توقف مصافي عدن عقب حرب صيف 2015، والتي كانت المصدر الرئيسي لتكرير وتوزيع المشتقات النفطية لمحطات الكهرباء، ما أجبر الحكومة على استيراد الوقود بأسعار باهظة، لا سيما أن معظم المحطات تعتمد على الديزل، وهو من أكثر أنواع الوقود كلفة.

إعلان

ويضيف أن مشروع "محطة الرئيس"، الذي يعمل بالنفط الخام بطاقة 64 ميغاواتا، ساهم جزئيا في تخفيف الأزمة، إلا أن إمدادات الوقود الخام غير منتظمة بسبب توقف الإنتاج في حقول حضرموت وشبوة ومأرب نتيجة هجمات الحوثيين، ما زاد الوضع تعقيدا.

فجوة كبيرة

وبحسب الزامكي، تحتاج عدن إلى نحو 600 ميغاوات يوميا لتلبية الطلب وتجاوز الأزمة، في حين أن الطاقة التوليدية المتاحة حاليا لا تتجاوز في أفضل الأحوال 138 ميغاواتا، ما يخلق فجوة كبيرة ويزيد من معاناة السكان.

ويُفاقم الأزمة تردّي الخدمات العامة والانهيار الاقتصادي الحاد الذي تعاني منه المدينة، إلى جانب التدهور المستمر في قيمة العملة المحلية، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار واتساع رقعة الفقر، وجعل اللجوء إلى المولدات أو شراء الوقود ترفا لا تقدر عليه غالبية الأسر المنهكة أصلا.

يخشى مراقبون من أن يؤدي استمرار أزمة الكهرباء في عدن إلى مزيد من تدهور الأوضاع (مواقع التواصل)

 

وتتزايد المخاوف من تفشي الأوبئة والأمراض، خاصة بعد إعلان مكتب إدارة الترصد الوبائي منتصف أبريل/نيسان الماضي تسجيل أكثر من 50 ألف حالة اشتباه بالملاريا، وألف حالة مؤكدة بحمى الضنك، بالإضافة إلى 12 حالة وفاة.

ويخشى مراقبون من أن يؤدي استمرار الأزمة من دون تدخل عاجل لتوفير الوقود وإعادة تأهيل البنية التحتية لقطاع الكهرباء إلى مزيد من التدهور الإنساني، ما قد يعقد الأوضاع بشكل أكبر.

تداعيات كارثية

في هذا السياق، يُحذر الصحفي والمحلل الاقتصادي ماجد الداعري من تداعيات كارثية لأزمة الكهرباء، مشيرا إلى أن تأثيرها لا يقتصر على الجوانب المعيشية، بل يمتد ليشكّل أزمة اقتصادية وصحية وإنسانية شاملة.

وقال في حديثه لـ"الجزيرة نت" إن غياب الكهرباء يعطّل مختلف الأنشطة الاقتصادية، بدءا من بائعي البقالة الذين تتلف بضائعهم في الثلاجات، مرورا بأصحاب الورش والمطاعم والبوفيهات الذين تتوقف أعمالهم، وصولا إلى الأسر التي تفتقر إلى أبسط مقومات الراحة.

وأشار إلى أن اللجوء إلى المولدات الخاصة يزيد من الأعباء المالية، إذ تتجاوز تكاليف التشغيل ما يمكن تحقيقه من أرباح، خاصة في ظل الانهيار الاقتصادي المتواصل وتدهور سعر العملة المحلية.

مقالات مشابهة

  • الإمارات في البندقية.. العمارة تحاور الحياة «على نار هادئة»
  • قواعد من الحياة
  • الأسوأ قادم؟ حالة السدود في إسطنبول تثير القلق
  • مسيرات الدعامة لا تستطيع أن توقف الحياة إلى يوم القيامة
  • محمد بن راشد بن محمد: رقمنة الحياة في دبي خيار استراتيجي
  • «التبرُّع بالأعضاء».. أمل جديد نحو الحياة
  • عدن في قبضة الظلام و أزمة كهرباء تخنق الحياة
  • التويجري: دفاع الهلال يثير القلق وكوليبالي يمر بحالة نفسية حرجة.. فيديو
  • قلق أممي إزاء استمرار قصف بورتسودان بالمُسيرات وأثره على جهود الإغاثة