العراق بين الجمهوريين والديمقراطيين: استعادة الديمقراطية لا الاعتذار عنها
تاريخ النشر: 15th, May 2025 GMT
بقلم : محسن عصفور الشمري ..
تُثبت فلسفة التاريخ حقيقة يصعب إنكارها: من لا يقرأ التاريخ يظل تابعًا، يُقاد إلى حيث يشاء الآخرون. ورغم أن التاريخ لا يُعاد، فإن تصحيح مساراته ممكن وضروري وملحّ.
في زيارته الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية (13 أيار 2025)، أدلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بتصريحات لافتة بشأن العراق، ضمن نقده المستمر لسياسات خلفائه من الحزب الديمقراطي، لا سيما أوباما وبايدن، في الشرق الأوسط.
ورغم التحفظات الكبيرة على طريقة التدخل الأميركي في العراق عام 2003، فقد تبنّت إدارة بوش الابن مشروعًا معلنًا لبناء عراق ديمقراطي تعددي، قام على صياغة دستور جديد، وتنظيم انتخابات، ودعم مبدأ التداول السلمي للسلطة. صحيح أن التطبيق كان هشًا، وأن البنية الداخلية للدولة العراقية كانت منهكة، لكن تلك المرحلة مثّلت فرصة تاريخية لصياغة نظام سياسي مختلف عما كان عليه الحال في ظل الجمهوريات العسكرية التي حكمت منذ 1958 وحتى 2003.
التحوّل الحاسم وقع مع إدارة الرئيس أوباما، حين انسحبت القوات الأميركية من العراق دون توفير أي ضمانات لحماية التجربة الديمقراطية الوليدة. لم يكن الخطر محصورًا في الفراغ الأمني، بل تجلى في انزلاق المنظومة السياسية إلى الاستبداد المقنّن عبر مؤسسات الدولة نفسها. ويُعد قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 55 لسنة 2010 نموذجًا فاضحًا لذلك الانحراف؛ إذ فسّر مفهوم “الكتلة الأكبر” في البرلمان بطريقة أجهضت نتائج الانتخابات، ومنحت القوى المهيمنة أداة شرعية لاحتكار السلطة والتحكم بمصير البلاد.
أدى ذلك القرار إلى نقل الديمقراطية من صناديق الاقتراع إلى غرف الصفقات المغلقة. وبدأت ممارسات الإقصاء تتسيد المشهد، وتعمّقت المحاصصة السياسية، وتكرّست طبقة حاكمة عاجزة عن الإصلاح، ومنفصلة عن تطلعات الشعب.
وفي هذا السياق، فإن تصريحات ترامب حول العراق تُعبّر عن وعي جزئي بمشكلة حقيقية، لكنها تفتقر إلى تصور عملي شامل لاستعادة التوازن. ليس كافيًا انتقاد أوباما، أو الإقرار بأخطاء الماضي؛ المطلوب اليوم هو دعم مشروع سياسي عراقي وطني يعيد للديمقراطية معناها ومؤسساتها. وهذا ما يزال ممكنًا، سواء في ظل احتمال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، أو عبر مراجعة جدّية للعلاقة العراقية الأميركية، من منطلق شراكة لا وصاية.
ولتحقيق ذلك، لا بد من خارطة طريق وطنية واضحة تشمل:
1. مراجعة الدستور العراقي وإغلاق الثغرات التي فتحت المجال للتلاعب.
2. تفكيك نظام المحاصصة السياسية الذي أصبح حاجزًا أمام الإصلاح.
3. ضمان استقلال القضاء كركيزة لاستعادة الثقة بالمؤسسات.
4. تمكين المواطن من مساءلة السلطة وفق أدوات قانونية ودستورية فعّالة.
إن الديمقراطية لا تُبنى بالنيات أو الشعارات، بل بمؤسسات راسخة وضمانات دستورية حقيقية. والعراق لا يحتاج إلى وصاية خارجية، بل إلى شراكة عادلة تحترم سيادته وتطلعات شعبه في الحرية والعدالة والكرامة.
ولا يمكن الحديث عن فشل التجربة العراقية دون الاعتراف بمسؤولية الشركاء المحليين الذين تسلموا السلطة بعد عام 2003. فالكثير منهم أظهروا قصورًا ذاتيًا واضحًا، وافتقارًا للرؤية، فيما اندمج آخرون في أجندات إقليمية مناهضة لمفهوم الدولة الوطنية العراقية. وفي المقابل، جرى تجاهل وإقصاء آلاف الكفاءات العراقية في المهجر، التي كان يمكن أن تُسهم في بناء نموذج سياسي مختلف وأكثر تماسكًا.
استعادة المسار الديمقراطي ليست ترفًا سياسيًا، بل شرط لبقاء الدولة ومنع تفككها. والمسؤولية مشتركة بين الداخل والخارج، بين النخبة والمجتمع، وبين الذاكرة والتطلعات.
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
ثمة بارقة في سماء السودان، هي أن القيادة الحالية تحاول جاهدة استعادة الدولة
متاهات سودانية
خارطة السودان اليوم تشتعل، وتحتفل بالفوضى ولكن هل هذه الفوضى والقلاقل سِمة ثابتة من سِمات هذه الخارطة؟! هل هي بأسبابٍ داخلية متجدّدة، وعجز مُزمن عن إنتاج الدولة الصحيحة؟ أو بأسبابٍ خارجية تكمن في المؤامرات ومحاولات اختراق الدولة بواسطة عناصر محلية.
بلادنا تعيش لحظة استثنائية، لحظة تحوّلات كبرى، وصراعات مفتوحة، وتحديات إقليمية مركبة، وحرب ١٥/ابريل ليست كسابقاتها من حروب السودان ، بإمكانها أن تكون علامة فارقة وفرصة تاريخية لإعادة تأسيس الدولة واستعادة زمام المبادرة، وتثبيت موقع السودان كقوة فاعلة لا ساحة تنازع.
كلما انفعل الوجدان الوطني بالقضية، ظهر مرتابون من رفاقنا،بعضهم عجز عن الانتقال من محطة ٢٠١٩م، ويرى البرهان ورفاقه بعين السخط التي تبحث عن العيوب ويسيطر عليها وهم الخيانة .
لقد أدارت القيادة الحالية مرحلة معقدة اتسمت بالتحديات الإقليمية الكبيرة وما فرضته حرب ١٥/ابريل من ضغط متعدد الأبعاد ، سواء سياسياً أو شعبياً أو دبلوماسياً، معادلات جديدة ، تحاول القيادة التغلب عليها للانتقال من الهشاشة إلى التماسك .
التحديات التي نواجهها من العدوان الإماراتي المتكرر على بلادنا ، إلى الانقسامات الداخلية ، إلى التدخلات الإقليمية والدولية التي تهدد ليس فقط أمننا بل إرادتنا الجماعية كأمة.
لذلك يجب الالتفاف حول القيادة الحالية، حتى وإن كانت متعثرة الأداء، قليلة الخبرة في شؤون الحكم والإدارة، ولكنها تمسك بخيوط القضية، وتحظى باعتراف دولي ، تغييرها سيعيدنا إلى النقطة الأولى، وسنهدر وقتاً طويلاً في محاولة النهوض مرة أخرى من بين الركام .
عندما انخرط السودانيين في ثورة ديسمبر ، كانت آمالهم معلقة على تغيير جذري ، يفضي الى واقع جديد معافى ، بدل عودة النور إلى بلادنا، توسع الظلام، وانهار هيكل الوحدة، وباسم التغيير والحرية، شهد السودان أسوأ مرحلة تجهيل، وعسكرة، وتوقف.
نحن بحاجة اليوم إلى خطاب مسؤول، يستند إلى الواقعية السياسية، ويؤمن بأن التضامن من أجل القضية الوطنية لا يعني التطابق، بل تنازل جميل من اجل وحدة الهدف والمصير.
ثمة بارقة في سماء السودان، هي أن القيادة الحالية تحاول جاهدة استعادة الدولة ، من الحرب، من بدد الهدر ومن الأوهام.
محبتي واحترامي
رشان اوشي
إنضم لقناة النيلين على واتساب