SwapLine.. حكاية طلبة حوّلوا المقايضة إلى منصة ذكية
تاريخ النشر: 15th, May 2025 GMT
في صباح مشمس داخل أروقة كلية الشرق الأوسط، حيث تعج القاعات بأصوات المحاضرات وأحلام الشباب، كانت هناك فكرة تدور في ذهن طالبة شابة اسمها سمية الشوكرية، لم تكن مجرد فكرة عابرة، بل تساؤل بسيط لكنه عميق: "لماذا نشتري كل شيء بينما يمكننا التبادل؟"؛ كان هذا التساؤل بذرة مشروع لم يشبه غيره، مشروع كسر القوالب التقليدية للاستهلاك وطرح بديلًا عصريًا أكثر عدالة، وأكثر استدامة.
من الهدر إلى الإبداع
سمية الشوكرية، الطالبة الطموحة في كلية الشرق الأوسط، لم تستطع تجاهل كمية السلع والمهارات غير المستغلة التي تراها حولها كل يوم، ملابس تُرتدى مرة واحدة، وأدوات منزلية مركونة في الزوايا، ومهارات يملكها البعض ويبحث عنها آخرون، كل هذا كان بالنسبة لها فرصة ضائعة، وتقول سمية، وهي تروي القصة وكأنها تعيش تفاصيلها من جديد: "أردنا أن نبتكر حلًا عمليًا لمشكلة الهدر والاعتماد المفرط على النقد؛ فكرنا، لماذا لا نعيد إحياء مبدأ المقايضة لكن بأسلوب ذكي ومواكب للعصر؟"؛ وهكذا وُلدت SwapLine، المنصة الرقمية التي تقوم على مبدأ "المقايضة الحديثة"، وتتيح للأفراد والشركات تبادل السلع والخدمات بدون الحاجة إلى المال.
وأشارت سمية الشوكرية إلى أن الرحلة لم تكن سهلة والتحديات كثيرة، من التصميم التقني إلى بناء الثقة بين المستخدمين، لكن الفريق الذي قادته وضم عددًا من طلبة الكلية المتخصصين في البرمجة وريادة الأعمال، كان مؤمنًا بأن الفكرة تستحق العناء، حيث عمل الفريق على تطوير واجهة استخدام سهلة وبديهية، مع نظام تقييم يضمن الجودة، وتوثيق كامل للعمليات داخل المنصة لحماية حقوق جميع الأطراف، ورغم أن المشروع بدأ كمجرد فكرة طلابية، إلا أنه سرعان ما بدأ يأخذ شكلًا احترافيًا، خاصة بعد أن بدأ الفريق في بناء شراكات استراتيجية.
شركاء من الواقع.. لا من الخيال
وأضافت سمية الشوكرية: إن من أهم الإنجازات التي حققتها المنصة مؤخرًا، توقيع اتفاقيات تعاون مع جهات فاعلة في السوق المحلي، مثل "شركة المحور للخدمات الهندسية، وشركة حفيد علي العالمية لقطع الغيار"، حيث إن هذه الشراكات لم تكن مجرد دعم معنوي، بل فتحت آفاقًا عملية لتوسيع نطاق المقايضة لتشمل قطاعات خدمية وتجارية، مما أضاف بعدًا عمليًا حقيقيًا للمنصة.
وتقول سمية: "بدأنا نشعر أن المشروع لم يعد مجرد تجربة جامعية، بل نموذج قابل للتطبيق على نطاق واسع، ويملك قدرة على إحداث تغيير حقيقي في طريقة تعامل الناس مع المال والتبادل".
كما أضافت سمية: إن الفريق المؤسس لـSwapLine يطمح أن تصبح المنصة نموذجًا رائدًا في مجال الاقتصاد التشاركي في سلطنة عمان وخارجها، حيث إن مع وجود خطط لتوسيع نطاق العمل وتطوير واجهات ذكية للتوصيات، يبدو أن الطريق ما زال طويلًا، لكنه مليء بالأمل.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
هكذا أثرت المجاعة على مستقبل طلبة غزة
غزة- دفعت المجاعة، التي تعصف بأهالي غزة وتفتك بأجسادهم التي أنهكتها الحرب المستعرة في عامها الثاني، الطالبة مرح الفاضي إلى حافة اليأس، وقد خارت قواها، وباتت فاقدة القدرة على التركيز، وتعاني من صعوبات في التحصيل الدراسي.
وترك الجوع أثره على مرح (18 عاما) جسديا ونفسيا، وتقول للجزيرة نت "أشعر بأن جسدي يأكل بعضه، وخلال شهر فقدت 4 كيلوغرامات من وزني، وكلما أمسكت بالكتاب للدراسة أشعر بدوخة ودوران".
وقبل أن تغرس المجاعة أنيابها في أجساد زهاء مليونين و300 ألف فلسطيني في القطاع الساحلي الصغير، نتيجة الحصار المشدد وإحكام الاحتلال إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية منذ الثاني من مارس/آذار الماضي، كانت مرح تدرس يوميا بمعدل 5 ساعات، لكنها اليوم بالكاد تمسك بالكتاب حتى تلقي به جانبا، يأسا وجوعا.
وبكلمات ممزوجة بمرارة تضيف مرح "أشعر بأنني أفقد الرغبة في الحياة شيئا فشيئا بسبب الخوف والجوع. نحن نواجه الموت بكل أشكاله وألوانه، كثيرا ما أتساءل ما قيمة الدراسة وأنا عرضة للموت قصفا أو جوعا".
وتقيم مرح مع أسرتها (7 أفراد) في منزلها المدمر جزئيا في غرب مدينة خان يونس جنوب القطاع، وتقول "احنا الغزازوة (الغزيين) أهل عز وكرامة، يصل بنا الحال أن لا نجد رغيف الخبز".
وتتناول وعائلتها وجبة واحدة يوميا، عبارة عن أرز أو عدس، ومنذ نحو شهرين لا يتوفر لديها الدقيق لصناعة الخبز، وسط إغلاق غالبية المخابز التي كان يدعمها برنامج الأغذية العالمي، وارتفاع أسعار كيس الدقيق وزن 25 كيلوغراما لنحو 400 دولار من أصل نحو 10 دولارات، وهو ثمن لا تقوى عليه الغالبية في غزة ممن فتكت بهم الحرب وأفقدتهم أعمالهم ومدخراتهم.
إعلانوتدهورت الحالة الصحية لصفاء (39 عاما)، والدة مرح، جراء سوء التغذية، وهي تعاني من مشكلة بالقلب وخضعت بسببها سابقا لعملية جراحية، وتقول مرح "تضاعفت معاناة أمي مع مرض شقيقي الصغير زين (3 أعوام ونصف العام) بضعف النمو جراء سوء تغذية حاد بحسب ما أظهرت الفحوص الطبية، ولا تتوفر المكملات في المستشفيات والمراكز الصحية لتعويضه عن قلة الطعام".
"يتقطع قلب أمي، وأشاهد الحسرة في عيون والدي على بكاء زين، الذي تعلم الكلام خلال الحرب، وأكثر ما يردده هذه الأيام: بدي آكل أنا جعان، وكنا في ذلك اليوم قد تناولنا شوربة العدس فقط طوال النهار"، تضيف مرح.
هذه هي الأجواء المحيطة بمرح قبل أسابيع قليلة على موعد امتحانات الثانوية العامة في يونيو/حزيران المقبل، وتتساءل "كيف لي أن أركز في دراستي مع قرصات الجوع، وشعوري بحرقة المعدة، حيث لا طعام ولا شراب، والأسعار مثل النار".
فقدان الشغفوتتابع "يكاد عقلي يتوقف عن التفكير، أنا طالبة متفوقة ومعدلي في الصف الأول الثانوي قبل الحرب مباشرة كان 98%، ولم ندرس شيئا في الثاني الثانوي، ورغم أن التوجيهي كان حلمي كبوابة للجامعة، فإنني أشعر بفقدان الشغف، ويسيطر علي اليأس، وأتحسس الموت يقترب مني".
وتضيف مرح التي لم تجد أمامها سوى بعض كتبها وقودا للنار في ظل أزمة غاز الطهي "كان حلمي دراسة الطب، والآن كل ما أرجوه هو النجاة من هذه الحرب المجنونة، كنت أراقب النار تلتهم أحلامي مع الأوراق".
وكحال مرح وأسرتها، وغالبية الغزيين، لا يتوفر الدقيق لدى أسرة الطالب فتحي رائد الحج أحمد المكونة من (9 أفراد)، والنازحة من مدينة رفح وتقيم في خيمة في مدينة خان يونس المجاورة، ويقول للجزيرة نت "نصيب كل شخص في الأسرة رغيف واحد نأكله على وجبتين في اليوم".
وليس لدى هذه العائلة أي طعام يؤكل في خيمتها المتهالكة، وتعتمد كليا على ما توفره واحدة من التكايا الخيرية القليلة التي لا تزال تعمل بالحد الأدنى، في حين اضطرت البقية إلى إغلاق أبوابها لعدم توفر المواد الغذائية، بما في ذلك مطابخ مجتمعية تابعة لهيئات محلية ودولية.
إعلانوإذا ما عاند الحظ هذه الأسرة ولم تحظ بنصيبها من التكية فإنها تصوم يومها، ويقول الحج أحمد "الزحام شديد على التكية، وكثيرا ما نعود بأوانٍ فارغة ولا نجد ما نأكله".
وانعكس هذا الواقع المرير على قدرة الحج أحمد (17 عاما) من حيث مراجعة دروسه والاستعداد لامتحانات الثانوية العامة، حيث انخفض وزنه منذ إغلاق المعابر من 79 إلى 65 كيلوغراما، وفقد القدرة على التركيز، وانخفضت ساعات دراسته اليومية من 9 ساعات يوميا إلى أقل من 3 ساعات فقط.
تأثر الأطفال
وللمجاعة تأثيرا أشد فتكا على الأطفال، واضطرت أسرة الطفل وليد راضي المريدي (9 أعوام) إلى الذهاب به إلى المستشفى لمعاناته من سوء التغذية، وحصل لمرة واحدة على مكملات غذائية، في حين لم تعد متوفرة بعد ذلك.
هذه العائلة (7 أفراد) نازحة من حي الزيتون في مدينة غزة، وتقيم في خيمة بمنطقة إسكان النمساوي غرب مدينة خان يونس، ويقول الطفل المريدي للجزيرة نت "لا نأكل إلا إذا حصلنا على طعام من التكية، وتكون الكمية قليلة ولا تكفينا".
وكان للمجاعة أثرها على طلاب "روضة ومدرسة أحلام غزة النموذجية" المقامة من الخيام، والطفل المريدي أحد طلبتها، الذين يتلقون تعليما مجانيا تعويضيا عن توقف العملية التعليمية في المدارس الاعتيادية، وقد تراجعت قدراتهم على التحصيل العلمي بشكل واضح.
تقول مديرة المدرسة أحلام عبد العاطي للجزيرة نت إن أعداد الطلبة انخفضت من 1300 إلى 500 فقط، منذ استئناف الحرب في 18 مارس/آذار الماضي، وتفشي المجاعة جراء الحصار الحاد وإغلاق المعابر، وذلك نتيجة خشية الأهالي على أبنائهم من الحركة، وانخراط الأطفال في مهام شاقة لتوفير المياه والطعام.
وتقدّر عبد العاطي أن 95% من طلبة المدرسة يأتون جوعى وبدون تناول أي طعام، الأمر الذي انعكس على قدراتهم الدراسية وفقد التركيز، وكذلك الحال بالنسبة للمعلمات المتطوعات اللواتي يعانين من المجاعة وسوء التغذية.
إعلانمن جانبه، يوضح اختصاصي الصحة والتغذية الدكتور يونس عوض الله للجزيرة نت أن الجوع يترك أثرا كبيرا على الوظائف الحيوية لجسم الإنسان، وهو ما يفسر فقد الطلبة الذين يعانون من المجاعة للتركيز اللازم للمذاكرة والتحصيل الدراسي.
وتؤدي المجاعة الشديدة -وفقا له- إلى فقد الاتزان والتركيز وعدم السيطرة، وقد تؤدي مع البعض إلى العصبية الشديدة واضطراب السلوك، وحتى إلى الوفاة.