أحمد مراد (واشنطن، وكالات) 

وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس، أمراً تنفيذياً يقضي بإنهاء برنامج العقوبات المفروض على سوريا. وذكر البيت الأبيض في بيان له أن الأمر التنفيذي يقضي بإنهاء العقوبات المفروضة على سوريا ويوجه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو لتقييم تعليق العقوبات كلياً أو جزئياً إذا تم استيفاء معايير محددة، بموجب قانون قيصر، ويسمح بتخفيف ضوابط التصدير على سلع محددة، وإلغاء القيود المفروضة على بعض المساعدات الخارجية لسوريا.


وذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» - التي أوردت الخبر - أن الأمر يوجه روبيو أيضاً لمراجعة تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، إضافة إلى استكشاف سبل تخفيف العقوبات في الأمم المتحدة لدعم الاستقرار فيها.
وأوضح البيان أن الرئيس ترامب يلتزم بدعم سوريا مستقرة وموحدة وفي سلام مع نفسها ومع جيرانها. ويُشكل رفع العقوبات الأميركية عن سوريا خطوة مهمة في مسار المرحلة الانتقالية، غير أن الطريق نحو التعافي لا يزال طويلاً، وسط العديد من التحديات التي تواجه خطط إعادة الإعمار، مما يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف السورية لتحقيق الأهداف المنشودة.
وشدد محللون سوريون، تحدثوا لـ«الاتحاد»، على أن إعادة الإعمار تحتاج إلى بيئة آمنة ومستقرة، وتفاهمات داخلية تعزز التعايش وتبعد شبح النزاع، بما يسمح لجميع المكونات والشرائح بالمشاركة في البناء، مؤكدين أنه لا يمكن تحقيق أي إعمار حقيقي من دون تعزيز السلم الاجتماعي، عبر سلطة مدنية قادرة على استيعاب الاختلاف والتنوع.
وأوضح الكاتب والمحلل السياسي السوري، حسين عمر، أن هناك شروطاً أساسية لإعادة الإعمار في سوريا، ولا يمكن تحقيق أي تعاف حقيقي من دون توفيرها، أبرزها تعزيز الاستقرار، وترسيخ الأمان الاجتماعي، وعدم تسويق الأوهام بخطابات لا تستند إلى أرضية واقعية.
وذكر عمر، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن أبرز التحديات التي تواجه جهود إعادة الإعمار تتمثل في غياب السلم المجتمعي، واستمرار الصراع العنيف بين بعض الجماعات، مؤكداً أن عملية الإعمار تحتاج، قبل كل شيء، إلى بيئة آمنة ومستقرة، وتفاهمات داخلية تعزز التعايش وتبعد شبح النزاع، بما يسمح لجميع المكونات والشرائح بالمشاركة في البناء.
وأضاف عمر أن رفع العقوبات لن يكون كافياً لإطلاق عملية إعمار حقيقية، ما لم يتم استيفاء الشروط الأساسية للبناء والتقدم، ولن يكون ذلك ممكناً إلا من خلال استيعاب الاختلاف والتنوع والبعد عن الشعارات البراقة.
بدوره، أوضح المحلل والناشط السوري، ورئيس الهيئة العامة السورية للاجئين في مصر، تيسير النجار، أن رفع العقوبات عن سوريا يشكل دافعاً لعدد من دول العالم لإعادة النظر في علاقاتها مع دمشق، والمساهمة في جهود إعادة الإعمار، مشدداً على أن هذه الخطوة، رغم أهميتها، لا تكفي وحدها لضمان عملية بناء فعالة ومستدامة.
وقال النجار، في تصريح لـ«الاتحاد»، إن إعادة بناء ما دمرته سنوات النزاع تتطلب خططاً شاملة تركز على تعزيز الإنتاج الوطني، وتحسين مستوى المعيشة، ومعالجة التحديات السياسية والأمنية، حيث لا تزال المخاوف الأمنية قائمة، مما يتطلب جهوداً مكثفة لتعزيز السلم الأهلي، والدفع بعجلة التنمية نحو الأمام.
وأضاف أن رفع العقوبات عن سوريا يسهم في عودتها إلى السوق العالمية بعدما كانت معزولة عنه لسنوات طويلة، مما يفتح أبواب التبادل التجاري والاقتصادي على نطاق أوسع، مع عودة المصانع والمعامل إلى العمل، وكل ذلك يسهل عملية إعادة الإعمار، من خلال تشجيع الدول العربية والأجنبية على المساهمة الفعلية في مشاريع البناء، لا سيما في مجال البنية التحتية والخدمات الأساسية.

أخبار ذات صلة 170 منظمة تدعو لوقف نظام توزيع «المساعدات القاتل» في غزة الكرملين: أوفينا بكل الاتفاقات ولا نعرقل محادثات السلام

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الولايات المتحدة عقوبات ماركو روبيو الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأمم المتحدة سوريا إعادة الإعمار رفع العقوبات

إقرأ أيضاً:

من الكارثة إلى البناء.. التعليم في درنة الليبية مؤشر للتعافي الاقتصادي

بعد عامين من إعصار "دانيال" الذي اجتاح مدينة درنة شرقي ليبيا في 11 سبتمبر/أيلول 2023، تعيش المدينة تحوّلًا ملحوظًا من مشهد الدمار إلى مرحلة التعافي، وتبدو عودة المدارس هذا العام دون تأجيل علامة بارزة على هذا التحول.

فعودة الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية لم تكن مجرد استئناف للعملية التربوية، بل تحوّلت إلى مؤشرٍ واضح على انتعاش البنية التحتية وتحرك الدورة الاقتصادية في المدينة المنكوبة.

التعليم بوابة التعافي

في سبتمبر/أيلول 2025، فتحت معظم مدارس درنة أبوابها في مختلف الأحياء بعد عمليات إعادة تأهيل شملت إصلاح البنية التحتية وتجهيز المرافق التعليمية والخدمية.

وقال مدير قسم الإعلام والاتصال في مراقبة التربية والتعليم بدرنة عبد الله أبو النجا، في تصريح خاص للجزيرة نت، إن نحو 95% من المؤسسات التعليمية عادت إلى العمل بشكل كامل، بعدما كانت نسبة العودة العام الماضي لا تتجاوز 60%.

وأوضح أن الحياة الدراسية "عادت بشكل جميل جدا، وهو أمر انعكس إيجابيا على المدينة بأكملها"، مضيفا أن "عودة المؤسسات التعليمية أعادت معها الحركة إلى مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، لأن التعليم هو الأساس في أي مدينة".

ويشير أبو النجا إلى أن العام الدراسي الجديد بدأ وفق الخطة العامة للدولة، بخلاف العام الماضي الذي شهد تأخيرًا بسبب نقص المرافق. ويرى أن انتظام الدراسة "أعاد الثقة والأمل إلى المواطنين، ومثّل نقطة تحوّل في عودة النشاط الاقتصادي إلى المدينة".

درنة كانت تعاني ضعفًا في الاستثمارات وتدهورًا في البنية التحتية التعليمية والصحية (صفحة صندوق التنمية على فيسبوك)قبل الكارثة.. ضعف الاستثمارات وبنى متهالكة

قبل الإعصار، كانت درنة -الواقعة على الساحل الشمالي الشرقي لليبيا- تعاني ضعفا في الاستثمارات العامة وتدهورا تدريجيا في البنية التحتية التعليمية والصحية.

وكان السدان الرئيسيان اللذان يحميان المدينة من الفيضانات (سد البلاد وسد بومنصور) قد شهدا إهمالًا مزمنًا قبل الكارثة، ما أدى إلى انهيارهما عندما ضرب إعصار "دانيال" المنطقة، فتدفقت السيول المدمرة واجتاحت الأحياء السكنية والمدارس والمرافق العامة.

إعلان

ووفقًا لتقرير مشترك صادر في 24 يناير/كانون الثاني 2024 عن البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بلغت احتياجات إعادة الإعمار في المناطق المتضررة، وعلى رأسها درنة، نحو 1.8 مليار دولار، في حين قُدّرت الخسائر الإجمالية بأكثر من 1.65 مليار دولار.

صور جوية لدرنة عندما اجتاحها الإعصار ويبدو الدمار كبيرا (الجزيرة-أرشيف)صندوق الإعمار ومشروعات حيوية

في 28 سبتمبر/أيلول 2023، أُنشئ صندوق إعادة إعمار درنة والمناطق المتضررة بقرار من مجلس النواب، ليكون الجهة المسؤولة عن تنسيق مشاريع الإعمار.

وخلال عام 2024، بدأ الصندوق في تنفيذ مشاريع حيوية، من أبرزها صيانة جسر البكور وتطوير المرافق التعليمية والمستشفيات وشبكات الكهرباء والمياه.

وبحسب تقرير (رحلة درنة من الخراب إلى التجديد)، تم بناء أكثر من 2000 وحدة سكنية حديثة وتجهيز مرافق عامة كالمدارس والحدائق، إلى جانب مشاريع للربط المروري والجسور.

ومع ذلك، ما زالت بعض التقارير الدولية -ومنها تقرير هيومن رايتس ووتش- تشير إلى تحديات تتعلق بالشفافية والحوكمة في إدارة أموال الإعمار وتوزيع الموارد.

التعليم محرّكا اقتصاديا

يرى المحلل الاقتصادي مدحت الغدامسي أن "التعافي الاقتصادي لا يتحقق إلا بعد استقرار اجتماعي، وعودة المدارس في درنة تمثل انعكاسًا لحالة اجتماعية إيجابية بعد مأساة إعصار (دانيال) وما خلّفه من خسائر بشرية ومادية جسيمة".

وأوضح الغدامسي، في حديث للجزيرة نت، أن "عودة الدراسة مؤشر على تحسّن البنية التحتية وتوافر الإمكانات البشرية والموارد اللازمة، ما ينعكس على العرض والطلب وحركة الأسواق وسلاسل التوريد المرتبطة بالمستلزمات التعليمية والخدمات الاجتماعية".

وأضاف أن "الاستدامة الاقتصادية تتطلب تكاملا بين مسارات الإعمار والبنية التحتية والخدمات العامة -كالتعليم والصحة والطاقة والبلديات- مع تفعيل القطاعات الإنتاجية الأخرى مثل الموانئ والمواصلات والتجارة والصناعة والزراعة والسياحة والخدمات المالية"، معتبرًا أن هذا التكامل "يخلق حلقة اقتصادية مستدامة تشجع الاستثمار وتوظيف التقنيات الحديثة".

التعافي الاقتصادي لا يتحقق إلا بعد استقرارٍ اجتماعي (إعادة إعمار ليبيا على فيسبوك)أصوات درناوية

من جانبها، قالت إيمان عيسى، وهي مواطنة من درنة، في تصريحٍ خاص للجزيرة نت، إن "العودة إلى المدارس هذا العام أفضل بكثير من العام الماضي، رغم بعض العراقيل مثل تأخر وصول الكتاب المدرسي واكتظاظ أكثر من مدرسة في مبنى واحد".

وأضافت أن المدينة "أصبحت أكثر حداثة وتنظيمًا، مع إدخال تحسينات خدمية ومعيشية واضحة تُسهِّل حياة المواطن وتخدم احتياجاته اليومية".

وأشارت إلى أن "الحياة في درنة بدأت تعود تدريجيا إلى طبيعتها، وأن جودة المرافق الجديدة خففت كثيرًا من معاناة السكان بعد الكارثة"، مؤكدةً أن "الأهالي يشعرون بارتياح كبير لعودة أبنائهم إلى مقاعد الدراسة دون تأخير".

وختمت بالقول: "أكثر ما يبعث الأمل هو ما نراه من مشاريع إعمار تُنفّذ بأحدث التقنيات وجودة لم نعهدها من قبل، وهذا ما يجعلنا نشعر فعلا بأن درنة تتعافى".

تحديات لا تزال قائمة

رغم التحسن الملحوظ، تواجه المدينة عددًا من التحديات الاقتصادية والإدارية. فبحسب عبد الله أبو النجا، لا يزال نحو 1500 معلم في درنة ينتظرون الإفراج عن مرتباتهم، بعد أن عمل العديد منهم لأكثر من عامين دون أجر، محذرًا من أن "توقفهم عن العمل قد يسبب أزمة تعليمية حقيقية".

إعلان

ويؤكد أن "الركود الاقتصادي الذي شهدته المدينة في بداية العام الدراسي بسبب تأخر صرف المرتبات بدأ يتراجع بعد تحسن السيولة، ما أنعش الحركة التجارية خصوصًا في محلات القرطاسيات والملابس".

مشاريع إعادة بناء الجسور والطرق والمساكن أعادت ملامح الحياة لمناطق كانت شبه مدمرة (فيسبوك)بين الأمس والغد

رغم أن نسبة التعافي في درنة تُقدّر اليوم بنحو 80% وفق تصريحات عبد الله أبو النجا وتحديثات صندوق الإعمار، فإن المدينة تحولت من مرحلة من الإغاثة إلى التنمية.

فمشاريع إعادة بناء الجسور والطرق والمساكن أعادت ملامح الحياة إلى مناطق كانت شبه مدمّرة مثل جسر البلاد والوادي، في حين يعكف صندوق الإعمار على استكمال البنية الخدمية الأساسية.

بهذه الصورة تبدو عودة التعليم في درنة ليست فحسب حدثا تربويا، بل مؤشرا اقتصاديا واجتماعيا يعكس بداية مرحلة جديدة في مسار التعافي.

فبينما لا تزال التحديات قائمة، فإن إرادة الإعمار، ومشاركة المجتمع المحلي، واستمرار دعم القطاعات الخدمية، قد تجعل من درنة نموذجًا ليبيًّا فريدًا في إعادة البناء على أسس تنموية مستدامة.

مقالات مشابهة

  • تايمز: إعادة إعمار غزة تحتاج 10 سنوات بتكلفة 50 مليار دولار
  • من الكارثة إلى البناء.. التعليم في درنة الليبية مؤشر للتعافي الاقتصادي
  • ترامب يصدر أمراً بدفع رواتب العسكريين مع استمرار الإغلاق الحكومي
  • فضل الله: الحكومة تتجاهل ما يحصل على أرض الجنوب وترفض إعادة الإعمار
  • اتهامات متبادلة بين بري وسلام والاعمار مؤجل
  • من الانسحاب حتى إعادة الإعمار.. تعرف على تفاصيل وقف إطلاق النار في غزة
  • الفوعاني: إعادة إعمار الجنوب واجب سيادي وأخلاقي
  • ترامب: غزة ستشهد إعادة إعمار وهناك دول ستساعد في ذلك
  • مجلس الشيوخ الأمريكي يقرّ إلغاء قانون قيصر تمهيدا لإنهاء العقوبات على سوريا
  • لحظة تاريخية.. مجلس الشيوخ الأمريكي يقرّ إلغاء قانون قيصر تمهيدًا لإنهاء العقوبات على سوريا