الخرطوم.. طائر الفينيق ينهض من تحت الركام
تاريخ النشر: 17th, May 2025 GMT
الخرطوم – في سوق الكلاكلة بجبل أولياء جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم، استعادت المدينة ضجيج الحياة في الأسابيع الأخيرة، وعادت حركة الباعة والمتسوقين المتنقلين بين بسطات الخضار والفاكهة والمواد التموينية والمشروبات الباردة.
على جانب أحد طرقات السوق، لا تزال سيارة محترقة من مخلفات القتال الشرس الذي شهدته نواحي العاصمة طيلة عامين ماضيين حتى تمكنت قوات الجيش السوداني من استعادة السيطرة على معظم الخرطوم وإبعاد قوات الدعم السريع إلى خارجها.
وفي سوق الكلاكلة الذي يُعد من أكبر أسواق جنوب الخرطوم، عادت الأفران للعمل بالطاقة الشمسية في ظل انقطاع الكهرباء المتواصل، في حين بدأت حركة النقل ما بين الكلاكلة أقصى جنوب الخرطوم وأم درمان غربا في ازدياد مضطرد.
تعيد أصوات الباعة المتجولين للأذهان صخب ما قبل الحرب التي اندلعت أواسط أبريل/نيسان 2023 ولا تزال مستمرة، في حين أن العاملات في بيع الأطعمة والقهوة يشكلن حضورا بارزا ويعطين السوق صبغة خاصة، وسط عودة ملحوظة للسكان في الأحياء المجاورة مثل "طيبة الحسناب" وحي "الشجرة".
وتعكس حركة الناس والسيارات، وبعضها حديثة، وجه العاصمة السودانية عامة، التي بدت في الأسابيع الأخيرة كطائر الفينيق، تحاول النهوض من تحت الركام المتناثر على مدى عامين طالت الحرب فيهما كل ملامحها ودمرت بنيتها التحتية، فتحولت من واحة تضجّ بالحياة إلى مدينة أشباح مهجورة.
وفي الذكرى الأولى لاندلاع الحرب على السودان (أبريل/نيسان 2024) قدّرت المنظمة الدولية للهجرة أن نحو 10.7 ملايين شخص نزحوا بسبب النزاع السوداني، منهم 9 ملايين داخل البلاد، في حين فرَّ 1.7 مليون إلى دول الجوار. وأشارت البيانات في حينه إلى أن 90% من أهالي العاصمة الخرطوم نزحوا عنها.
إعلانمؤخرا، وبعد سيطرة الجيش عليها، يعود ضجيج الحياة رويدا رويدا إلى مدن الخرطوم المختلفة مثل بحري وشرق النيل، حيث استعادت الأسواق والمستشفيات وخطوط النقل نشاطها، فضلا عن استئناف بعض الجامعات التدريس بعد توقف لعامين.
Zobraziť tento príspevok na InstagramePríspevok, ktorý zdieľa الجزيرة (@aljazeera)
أم درمان الأسرعفي مدينة أم درمان، كبرى مدن العاصمة الخرطوم وأحد أبرز مراكزها الاقتصادية، عادت الحياة بصورة أقوى لأنها كانت الأسرع في مقاومة قوات الدعم السريع؛ حيث قام الجيش بتأمين أجزاء واسعة منها منذ وقت مبكّر. وعادت نسبة كبيرة من أهالي المدينة إلى أحيائها القديمة مثل "أبو روف" و"ود البنا" و"ود نوباوي" و"الهجرة".
وفي المدينة نفسها أيضا، استأنفت مستشفيات عدة نشاطها مثل مستشفى أم درمان التعليمي ومستشفي النو والمستشفى السعودي، الذي استقبل مراجعيه بمبانٍ مجددة طُليت جدرانها حديثا ورُفعت على أحد أقسامه لافتة تشير إلى "إعادة تأهيله بجهود تجمع الأطباء السودانيين في الولايات المتحدة".
وقال وزير الصحة بولاية الخرطوم فتح الرحمن الأمين للجزيرة نت إن بعض المستشفيات عادت للخدمة في الأيام الماضية خاصة في أم درمان بعد أن خربتها قوات الدعم السريع ونهبتها.
ووفق الوزير، فإن قوات الدعم السريع دمّرت المستشفيات بالعاصمة الخرطوم، فضلا عن تشريد الكوادر الطبية ونهب معداتها.
وفي قطاع التعليم الذي يكابد من أجل تعويض الفاقد الطويل لطلابه، فتحت جامعة الخرطوم -كبرى جامعات السودان وأقدمها- وعبر فروعها في أم درمان أبوابها. وضجت كلية التربية بأصوات الطلاب العائدين لمقاعدهم بعد انقطاع طويل. كما أعلنت عدد من الجامعات استعدادها للعودة في الفترة القادمة.
اقتصاديا، تعد أم درمان الأكثر نشاطا، حيث تعمل متاجرها على مدار الساعة، وعادت أبرز أسواقها للعمل مثل "سوق أم درمان" و"سوق صابرين"، وعجت شوارعها بحركة الباعة المتجولين. وبينما تمارس خطوط النقل الداخلية نشاطها المعتاد، اكتظت مساجدها بالمصلين بعد عودة نسبة كبيرة من سكانها الذين نزحوا خلال الحرب.
إعلانيقول عمر علي، أحد التجار بسوق أم درمان، للجزيرة نت إنهم عادوا لفتح محلاتهم التجارية رغم الدمار الذي لحق بالسوق. وأضاف "بدأنا تجارتنا من الصفر بعد أن نُهبت كل بضاعتنا ومحالنا التجارية".
كان علي تاجرا في مجال المواد الغذائية قبل أن يتم تدمير متجره وحرق معظم أنحاء السوق، الذي يشهد أبرز أنشطة العاصمة الاقتصادية وأكبرها. وقال إن العودة إلى سوق أم درمان في ازدياد رغم الركود في حركة البيع والشراء.
وتشير تقديرات الخبراء الاقتصاديين إلى أن الحرب تسببت في تدمير نحو 20% من الرصيد الرأسمالي للاقتصاد السوداني، الذي يُقدّر بنحو 600 مليار دولار. كما أدت إلى تآكل أكثر من نصف الناتج القومي الإجمالي البالغ متوسطه السنوي نحو 33 مليار دولار.
ويرجع الخبراء حجم هذه الخسائر إلى اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم، التي تُعد المركز الاقتصادي الأول في البلاد بنسبة 25% من الاقتصاد السوداني، إضافة إلى امتداد الصراع إلى مدن حيوية أخرى مثل نيالا والفاشر في دارفور وود مدني بولاية الجزيرة، وهي مناطق تُشكل عصب الإنتاج الزراعي والصناعي.
بعد عامين من الحرب، اعتبرت مدينة الخرطوم بحري أكثر مدن العاصمة دمارا. وكانت تضم أسواقا ضخمة ومؤسسات خدمية وتعليمية وخطوط نقل تحولت جميعها إلى أنقاض.
بيد أن المدينة التي تقع شمالي الخرطوم، بدأت في النهوض، وانتعشت أحياؤها الشمالية مثل "الدروشاب" و"السامراب" و"الكدرو" و"الحلفايا"، لا سيما بعد عودة التيار الكهربائي إليها.
أما الحركة التجارية فلا تزال ضئيلة وسط الخرطوم بحري، وشرعت الحكومة في تأهيل بعض المرافق الصحية مثل مستشفى "حاج الصافي" بعد تدميره في الفترة السابقة.
أما حركة النقل بين بحري وأم درمان، فتعد الأنشط. وبدأت بعض المصانع في المدينة العودة إلى العمل خاصة مصانع الدقيق والأدوية، رغم الدمار الهائل الذي طال منطقة بحري الصناعية.
إعلان حركة الجسورتضم العاصمة الخرطوم أكثر من 10 جسور بينها جسور نيلية (على مجرى النيل)، وتعطلت الحركة كليا بين الجسور خلال الحرب، وخاصة التي تربط بين بحري وأم درمان والخرطوم، وشرق النيل وجبل أولياء.
وبعد استعادة الجيش أكثر من 95% من العاصمة الخرطوم، عادت حركة الجسور مثل جسر النيل الأبيض وجسر الإنقاذ وجسر الحلفايا، التي تربط بين أم درمان وبحري للعمل.
كما عادت الحركة لجسور "المك نمر" والنيل الأزرق وكوبر التي تربط بين الخرطوم والخرطوم بحري. وعاد الحركة أيضا إلى جسري سوبا والمنشية الرابطين بين الخرطوم وشرق النيل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قوات الدعم السریع العاصمة الخرطوم أم درمان
إقرأ أيضاً:
طائر الجنّة يلهم العلماء لصناعة القماش الأشد سوادا في العالم
في مختبر بجامعة كورنيل، وقف فستان أسود على دمية عرض، لكنه لم يكن "أسود" بالمعنى المعتاد، بل بدا كأنه ثقب بصري يبتلع أي ضوء يُلقى عليه، حيث لا تظهر تفاصيل القماش.
هذا ليس سحرا ولا مرشحا رقميا، بل نتيجة مادة نسيجية جديدة تصنف ضمن ما يُسمّى "السواد الفائق"، أي الأسطح التي تعكس أقل من 0.5% من الضوء الساقط عليها.
وراء هذه الدرجة المتطرفة من السواد قصة "هندسة" و"فيزياء" أكثر مما هي قصة صبغة، إذ استلهم باحثو مختبر تصميم الملابس التفاعلية الفكرة من ريش طائر من طيور الجنة يُدعى "الرفلبِرد الرائع"، وهو طائر معروف بلمعان أزرق على صدره يحيط به ريش أسود مخملي يوحي بأن الضوء يختفي داخله.
في معظم الأقمشة، يكون السواد "سطحيا"، أي صبغة تمتص جزءا من الضوء، فيما يرتد جزء آخر إلى عينك. أما السواد الفائق فيعتمد على حيلة إضافية، وهي إجبار الضوء على الدخول في متاهة مجهرية تطيل مساره وتزيد فرص امتصاصه، بدل أن يرتد مباشرة.
وبحسب الدراسة، التي نشرها الفريق في دورية "نيتشر كومينيكيشنز"، فإن هياكل نانوية ترفع فرص امتصاص المادة لفوتونات الضوء، ما يسمح لنا برؤية السواد الأشد على الإطلاق.
طائر الرفلبرد يفعل ذلك طبيعيا، فريشه لا يعتمد على صبغة الميلانين وحدها، بل على ترتيب دقيق لشعيرات الريش يدفع الضوء للانحراف إلى الداخل. لكن هناك مشكلة: هذا السواد الطبيعي يكون غالبا اتجاهيا، أي مذهلا حين تُشاهَد الريشة من زاوية معيّنة، وأقل "سوادا" عندما تتغير زاوية الرؤية.
حل العلماء لتلك المشكلة جاء بخطوتين بسيطتين في المبدأ، أنيقتين في التنفيذ، حيث صبغ صوف ميرينو بمادة البوليدوبامين، وهو ما يصفه الباحثون بأنه "ميلانين صناعي".
إعلانبعد ذلك يُعرَّض القماش لعملية حفر ونحت داخل حجرة بلازما تزيل جزءا بالغ الدقة من السطح، وتترك خلفها نتوءات نانوية حادة، هذه النتوءات تعمل كمصايد ضوئية، أي يدخل الضوء بينها ويرتد مرات كثيرة حتى يفقد طريق العودة.
النتيجة ليست أسود داكنًا، بل استثناء رقميا صارما، فمتوسط انعكاس القماش الجديد عبر الطيف المرئي (400-700 نانومتر) بلغ 0.13%، وهو، بحسب الورقة العلمية، أغمق قماش مُبلّغ عنه حتى الآن.
تطبيقات مهمةقد يبدو الأمر كترف بصري أو نزوة "موضة"، لكنه في الحقيقة يلامس تطبيقات عملية حساسة، فالسواد الفائق مهم لتقليل الانعكاسات الشاردة داخل الكاميرات والأجهزة البصرية والتلسكوبات.
ويمكن لهذا المستوى من اللون الأسود أن يساعد في بناء ألواح وتقنيات شمسية أو حرارية عبر تعظيم امتصاص الإشعاع.
كما يشير الباحثون أيضا إلى إمكانات واعدة لهذه المادة الجديدة في عمليات التمويه وتنظيم الحرارة، لأن السطح الذي يمتص الضوء بكفاءة قد يحوّل جزءا منه إلى حرارة قابلة للإدارة.
أما الفستان الذي صممه العلماء، فكان برهانا بصريا لطيفا على نجاح التجارب، وقد استُخدم لإظهار أن هذا السواد لا يتبدّل بسهولة حتى عندما تُعدَّل إعدادات الصورة، مثل التباين أو السطوع، مقارنة بأقمشة سوداء أخرى.