لجريدة عمان:
2025-07-04@05:35:58 GMT

هذه مقالة رأي لن تغير رأيك

تاريخ النشر: 19th, May 2025 GMT

قد يبدو من المفارقات أن أكتب هذا الذي أكتبه في مقالة رأي، لكن لا بد من القول بأن الحجج وحدها ليست ذات أثر فعال على معتقدات الناس. والقبول المجتمعي الضمني الذي تحققه إنما يعترض طريق أشكال أخرى أكثر فعالية من الفكر والفعل السياسيين.

أنا باحثة أدرس التقاطع بين علم النفس والسياسة، وقد أفضى بي عملي إلى الاعتقاد بخطأ ثقافتنا في فهم كيفية عمل الإقناع السياسي.

ففي زمن دونالد ترامب وإيلون ماسك وصعود اليمين المتطرف، أعرب كتَّاب الرأي عن رأيهم بلا توقف في مشاكل الأخبار الملفقة والاستقطاب وغيرهما. لكنهم في غالب الوقت يركزون جهودهم حيث لا تجدي نفعا، إذ يركزون أكثر مما ينبغي على الأقوال والكلمات.

انظروا مثلا إلى «المناظرات». وهي تمثل جزءا مركزيا في أكثر الحملات الانتخابية في العالم، وتعد ذات تأثير كبير فتدار في الغالب وفقا لقواعد صارمة تتعلق بالتغطية الإعلامية والتوازن. غير أن الأدلة تشير إلى أنه لا أثر لمشاهدة المناظرات على الآراء إطلاقا. فقد قام باحثون في عام 2019 بتحليل ست وخمسين مناظرة في اثنين وعشرين انتخابا في الولايات المتحدة وكندا ونيوزيلاندا وأوروبا في الفترة بين عامي 1952 و2016. تتبعت الدراسة قرابة مائة ألف مشارك لترى إن كانت المناظرات قد ساعدت الناخبين المذبذبين أو المستقرين على تغيير رأيهم. وتبين أنه ما من دليل على أنها فعلت ذلك. وفي عام 2012، أجرى صحفي تحليلا آخر لما إذا كانت المناظرات قد أثرت على نتائج أحد الانتخابات، وعلى حد قوله: «إن تأثيرات المناظرات على الأصوات النهائية طفيف في الأرجح، معدوم في أغلب الحالات».

ثمة أسباب كثيرة لعقم فعالية المناظرات (وإبداء الرأي والمحاججة بعامة) في تغيير معتقدات الناس السياسية. من هذه الأسباب التنافر المعرفي، وهو ظاهرة درستها ضمن أطروحتي للدكتوراه. والتنافر المعرفي هو انزعاج نفسي غير واع نشعر به عندما نواجه تناقضات بين معتقداتنا وأفعالنا، وهي ظاهرة موثقة جيدا. يمكننا أن نرى التنافر المعرفي وتأثيراته بوضوح عندما يسارع الناس إلى «التفكير» بطرق هي في حقيقتها محاولات لتخفيف انزعاجهم من معلومات جديدة حول معتقدات راسخة في أنفسهم.

فعلى سبيل المثال، قبل إدانة ترامب في اتهامات عدة سنة 2024، كان 17% فقط من الناخبين الجمهوريين هم الذين يعتقدون بوجوب السماح لمرتكبي الجنايات بتولي الرئاسة، ثم حدث بعد الإدانة مباشرة أن ارتفع الرقم إلى 58%. فمن أجل المصالحة بين المعتقدين المتناقضين (أي أن الرؤساء لا ينبغي أن يفعلوا كذا، وأن ترامب ينبغي أن يكون الرئيس) بدَّل عدد هائل من الناخبين الجمهوريين رأيهم في المعتقد الأسبق.

والواقع، أن الناخبين الجمهوريين غيروا رأيهم في كل شيء تقريبا أدين به ترامب: إذ قلَّ بينهم من يرفضون أخلاقيا ممارسة الجنس مع ممثلة إباحية، ورشوة شخص بالمال لكي لا ينطق في قضية ما، أو تزوير سجل تجاري. وليس هذا التأثير مقصورا على ناخبي ترامب: إذ تشير أبحاث إلى أننا جميعا نفكر بهذه الطريقة، من أجل أن نديم التمسك بالمعتقدات التي تبقينا على ما درجنا على فعله. أو أننا، للمفارقة، نغير بعض آرائنا استجابة لمعلومات جديدة، ولكن الهدف في أغلب الحالات هو ألا نضحي بمعتقدات أخرى أكثر رسوخا.

لكن ما يجعل المناظرات والحجج تفتقر نسبيا إلى الفعالية لا يقتصر على محض ظاهرة نفسية من قبيل التنافر المعرفي. فمثلما أوضح في كتاب لي، قد يكون السبب الأهم في عدم تغيير الكلام آراءنا هو عظم تأثير عاملين آخرين: علاقاتنا الاجتماعية، وأفعالنا وتجاربنا الخاصة.

تشير أدلة وافرة إلى أن لأصدقائنا القدرة على تغيير معتقداتنا وسلوكنا، لا بالحجاج معنا، بل بمحض وجودهم حولنا أو عرضهم لنا طرقا جديدة في الحياة. وتبين نظرية التواصل الاجتماعي أنه عندما تتوافر للناس ظروف تكوين الصداقات أو التعاون ، فإن تحيزهم ضد مجموعات الهوية التي ينتمي إليها أصدقاؤهم يقل. ولعل هذه الظاهرة تفسر كثيرا من التطورات الإيجابية في حقوق المثليين على مدار العقود القليلة الماضية: فمع إعلان الناس حقيقة ميولهم، غيّر أصدقاؤهم آراءهم في المثلية الجنسية، ما أدى إلى واحد من أسرع تحولات الرأي العام المسجلة. وبالمثل، تبين الأبحاث أن اشتراك الناس في عمل صديق للبيئة (من قبيل تركيب مضخة حرارية heat pump) يكون أرجح لو أن لهم أصدقاء يفعلون ذلك مما لو أنهم حصلوا على مكافآت نقدية أو غيرها من الحوافز. فأصدقاؤنا يوسعون مجال اهتمامنا، ويغمسوننا في العالم، ويبنون الثقة التي يبدو أن البشر بحاجة إليها من أجل الانفتاح على أفكار جديدة. وتأثيرهم غير المباشر يحقق أكثر مما يمكن أن تحققه الحجج، وبخاصة حينما تأتي من الأغراب. بعبارة أخرى، عندما يتعلق الأمر بالإقناع، لا تعول على الحوار، وإنما على العلاقة.

ولأفعالنا وتجاربنا أيضا أثر عميق، وإن يكن هذا بطرق مخالفة للبديهة. فعلى سبيل المثال، تبين الأبحاث أنه عند تماثل الظروف، فإن النساء اللاتي يتعرضن للمنع من الإجهاض يصبحن بطريقة ما أقل تأييدا لحق الإجهاض، بينما النساء اللاتي يحصلن على إجهاض يصبحن بطريقة ما أكثر تأييدا. قد نتوقع أن النساء الممنوعات من شيء يصبحن أشد حرصا على الحصول عليه، لكن الظاهر أن الأمر ليس كذلك، ربما لأن الناس يميلون ـ بسبب التنافر المعرفي جزئيا ـ إلى التقريب بين معتقداتهم وأفعالهم، حتى لو أنهم مكرهون على هذه الأفعال. ويتضح أيضا تأثير الأفعال والتجارب على أنظمة الاعتقاد عندما يتعلق الأمر بأزمة المناخ: فالذين يمرون بأحداث مناخية حادة يكونون أرجح إيمانا بالتغير المناخي ومعالجته.

بالمقارنة مع هذه التأثيرات، لا يكون للحجج وحدها غير قوة قليلة نسبيا. غير أن مؤسساتنا لا تزال تقام وكأنما الكلمات كافية. فنحن على مستوى البنية الأساسية واقعون جميعا في شرك الاعتقاد الليبرالي بأن السياسة في الغالب أمر يتعلق بالكلام، ثم بالتصويت بين الحين والحين. وما يحتاج إليه أي شخص يرجو ترويج فكرة تقدمية ليس الحجج، وإنما بنية أساسية ترسخ علاقات وتجارب جديدة. وقد يتمثل هذا في أي شيء من قبيل إقامة ساحة انتظار للآباء يختلطون فيها ببعضهم بضعا قبل خروج الأولاد من المدرسة، أو اتحاد في موقع العمل، أو حديقة عامة. وهذه الأشكال من البنية الأساسية تتيح للناس أن يتواصلوا بطرق جديدة، ويؤسسوا الصداقات والثقة، وتشجِّع على الأفعال التي تتيح في نهاية المطاف أن يغير الناس آراءهم.

كل هذا يشير إلى أننا بحاجة أيضا إلى التفكير بشكل مختلف في ما يعنيه أن يكون المرء مفكرا سياسيا جيدا. فحسن التفكير في السياسة لا يتعلق بالتفكير «المستقل» بمعنى أن يفكر المرء وحده. بل إن التفكير الجيد هو اختيار الأصدقاء بحكمة، من حيث التنوع والعمق، لكي نستطيع أن نتعلم منهم ومعهم. وحسن التفكير في السياسة يعني أيضا أن نكون فعالين في العالم، فنجرب طرقا جديدة في الحياة، ونحوض تجارب واسعة الاختلاف. ومن سوء الحظ أن هذا بات أمرا أصعب من ذي قبل، بسبب تفاوت الدخول إلى حد كبير. ويبين البحث الاجتماعي أن الناس الآن في بلاد من قبيل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أشد عزلة وأقل حركة من ذي قبل. فالنسيج الاجتماعي الذي نعتمد عليه بالضرورة لتفكيك تحيزاتنا يتلاشى. وهنا يكمن بعض أسباب انتصار اليمين، إذ إنه بارع في حشد علاقات الناس وأفعالهم في هذا العالم المتكلس، مع استغلاله طيلة الوقت لظروف الناس المادية المتدهورة. ولعلاج هذا، يلزم التقدميين أن يستردوا الثروة والسلطة، فيجد كل امرئ الدعم والقدرة على توسيع حياته.

وبالطبع ليس بوسعي أن أقنعكم بالكلام. ولكني أحرضكم على اكتشاف هذا على نحو أجدى: تواصلوا مع أشخاص مختلفين، وليكونوا مثلا أشخاصا تأثروا تأثيرا شديدة بقضية سياسية. أو جرِّبوا طريقة جديدة في الحياة، وابدأوا بشيء بسيط. وانظروا هل يغير هذا من رؤاكم السياسية، ولو قليلا. أو لعله يغير من فهمكم للسياسة برمتها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من قبیل إلى أن

إقرأ أيضاً:

الإرتزاق المشروع والآخر الممنوع

خالد فضل

أنْ تصل رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات النظامية كلها (جيش شرطة أمن دعم سريع) هدية مبلغ 5مليون دولار أمريكي , من ولي العهد السعودي , ويقوم سيادته بصرفها في السوق الموازي , ويحدد جهات محددة توزع عليها هذه الأموال بما في ذلك قناة طيبة الفضائية لصاحبها الدكتور  ؛ داعية الإسلام التجاري  , هذا يعتبر حلال , من باب رزق ساقه الله .

وأنْ يتسابق الجنود والضباط في القوات المسلحة , ويوسطون العلاقات والقرابات ويتوسلون للدعم السريع , بل يدفعون رشاوى من أجل إلحاقهم بالكتائب المنتدبة للمشاركة في حرب اليمن ضد اليمنيين الحوثيين , هذا فعل مجيد للزود عن الكعبة خشية أن يهدمها عبد المالك الحوثي بالمنجنيق . فهي ريالات سعودية ودراهم إماراتية حلال .ليست فيها شبهات إرتزاق أبدا .

عندما يقبض الولاة والمتنفذون (الكومشينات) من المستثمرين العرب خاصة نظير التصديقات الإستثمارية في ولاياتهم , فتلك شطارة وطريقة لكسب الرزق المشروع .

عندما تشحن الطائرات بأطنان الذهب تحت الحراسة المشددة لتطير بها إلى بعض الأسواق , تلك فلاحة من أجل حرب الكراامة .

وعندما توزع مربعات وشركات الدعم السريع كغنائم حرب بين قيادات المستنفرين (تقرأ المجاهدين) فهي مما أفاء به الله على عباده المخلصين .

أمّا عندما يقول ابونمو , إنّ صفقة جوبا قد منحتنا حق الديمومة في الوزارات المالية , وحددتنا بالاسم  5 حركات أصلية لنسود هذه المرافق الحكومية ونتصرف فيها بما رزق الله من أرزاق , ينهض من يقول إنّ هذا إرتزاق !!

إنّ المشتركة لم يفوّج أفرادها جحفلا فجحفلا ليحظوا بالريال والدرهم , لم يبعثوا إلى هناك ليعودوا بعد ستة أشهر يتأبطون حمولة (كونتينر) من الأدوات يدخلونها مجانا دون رسوم , وفي حسابات بنكك خاصتهم عشرات المليارات من الجنيهات فيتزوج الشاب منهم ويثني أو يثلث من يشاء ويبتني البيت ذي الأعمدة الخرصانية , ويبحبح للأهل والجيران . فلماذا يحرمون من مورد إرتزاق (قدّر ظروفك) جنيهات يقمن صلبه يادوب .

المشتركة الفوووق , بالكاد لديها  حاكم و ولاة عمد بلا أطيان كما نعلم , فليس لديهم أراض ومحليات وجبايات وزكاة وعشور وقطعان يسترزقون منها , فدارفور جلها (جغمها الجنجويد)  فلماذا يوصفون بالإرتزاق إذا حرصوا على التمسك بأهداب النثريات وبنود الضيافة والمأموريات , الإرتزاق حلال على (المؤلفة جيوبهم) تحت جزمتي , حراام على المشتركة فوووق !!

يا جماعة جبريل ومناوي وتمبور ورصاص ويحي وعقار , ارتزقوا كما تشاؤون , حلال عليكم ما تجمعون , دار ابوك إن اتشلعت شيل ليك منها شلية . ولا تنسوا نصيبكم من الأمل الوردي وارد جنييف .

*** ويظل 30يونيو2019م معلما وطنيا شامخا , لقد غسل عن ذلك التاريخ عار الإنقلاب في 1989م , ولأنه كذلك هاهم سدنة العار يدمرون البلد كلها من أجل إعادة باطلهم . تبا لهذه الفئة المأزومة من أبناء وطننا ونرجو أن يعافي الله أرواحهم ويزيل غشاوة عن أبصارهم يرشدون بعد شيب .

الوسومخالد فضل

مقالات مشابهة

  • الإرتزاق المشروع والآخر الممنوع
  • الإمارات تؤكد التزامها المناخي ودعمها لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ
  • الشارع الرقمي بسوريا.. سلطة رقابية جديدة تعيد تشكيل القرار
  • الخارجية الأمريكية: الشرق الأوسط تغير جذريا إلى الأبد قبل أسبوعين
  • تغير المناخ يهدد نصف موائل السلاحف البحرية
  • أكثر من نصف مليون فرصة جديدة.. تحولات تاريخية في سوق العمل السعودي
  • ترمب: سنعيد ملء الاحتياطي النفطي عندما تسمح السوق
  • زامير : سورية تفككت وتشهد تغيرًا
  • شوبنهاور ولعبة العقل
  • روسيا.. ابتكار طريقة جديدة لزراعة الذرة أثناء الجفاف