طهران- على خلاف إشارات طرفي المفاوضات عن التقدم فيها، يعود الجدل بشأن البرنامج النووي الإيراني إلى الواجهة مع إصرار واشنطن على مطلب "صفر تخصيب على الأراضي الإيرانية" مقابل رفض طهران، مما يطرح تساؤلا عن الصناعات الإيرانية التي قد تشملها سياسة "التصفير" الأميركية؟

وفي ظل التصعيد المتبادل بين إيران والولايات المتحدة منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يتمسك الجانبان بخطوطهما الحمراء وذلك ما يهدد بانهيار المحادثات، لأن "التصفير" يكاد يتحول إلى ظاهرة في سياسة واشنطن حيال طهران بعد ممارستها ضغوطا لتصفير صادرات الخام الإيراني.

وبينما يزداد المشهد تعقيدا مع انتهاء مهلة الشهرين التي حددها ترامب للتوصل إلى اتفاق وتهديده باللجوء إلى الخيار العسكري في حال فشل المسار الدبلوماسي، ترفض إيران ما وصفته "بالضغوط غير القانونية والتناقض في المواقف الأميركية"، مؤكدة أنها لن تفرط بحقها في تخصيب اليورانيوم كما أنها لن تقبل بتفكيك منشآتها النووية.

الموقف الإيراني

ويعتبر رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني إبراهيم عزيزي أن المطالب الأميركية "مفرطة ومتشددة وتُعدّ خروجا عن إطار المفاوضات البناءة"، متسائلا أنه إذا لم تحقق المباحثات منفعة للشعب الإيراني، فما الفائدة من استمرارها؟".

إعلان

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول عزيزي إنه إذا كان مسار الحوار يقوم على إنكار حقوق الشعب الإيراني فإن مواصلته تعتبر إضاعة للوقت، مؤكدا أن البرلمان يراقب بدقة مسار المفاوضات، ويطالب وزارة الخارجية بالوقوف أمام هذا النهج الذي يمثل "تجاوزا للخطوط الحمر الإيرانية".

وتابع أن قانون "العمل الإستراتيجي لإلغاء العقوبات وحماية حقوق الشعب الإيراني"، الذي أقره البرلمان في ديسمبر/كانون الأول 2020، يُلزم الحكومة بضمان هذه الحقوق ومنها "تخصيب اليورانيوم"، مؤكدا أن الإصرار على تصفير التخصيب في طهران يدل على عدم وجود إرادة حقيقية لدى الجانب الأميركي بشأن الملف النووي الإيراني.

وبرأيه، فإن بلاده لن تقبل المساومة على خطوطها الحمراء وإن الدولة لن تسمح لأي جهة بالتفاوض على حساب الحقوق المشروعة للشعب الإيراني، ذلك لأن معاهدة حظر الأسلحة النووية "إن بي تي" تضمن لجميع الأعضاء تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية بما يتناسب وحاجة البلاد.

وختم عزيزي بالقول إن المواقف والمطالب الأميركية في وسائل الإعلام تختلف عما تطرحه على طاولة المفاوضات، و"نرى أن هذا التناقض ناتج عن نفوذ أطراف أخرى على الوفد الأميركي المفاوض أو أنه لا يمتلك الاختيار اللازم لاتخاذ قرار نهائي في غرف التفاوض".

سياسة ضغط

وبينما اعتاد الإيرانيون، منذ انخراط بلادهم في مفاوضات نووية مع الولايات المتحدة، على قراءة أخبار العقوبات التي تفرضها واشنطن على طهران بين الفينة والأخرى، يحذر مراقبون من تحوّل "التصفير" إلى مبدأ ثابت في العلاقات المتوترة بين البلدين.

ويذهب طيف من المراقبين في إيران إلی أن العقوبات الرامية إلى تصفير صادراتها من النفط "أداة لإرغامها على الرضوخ أمام السياسات الأميركية"، في حين تعتقد شريحة أخرى أن تصفير التخصيب "غاية تسعى واشنطن لتحقيقها من أجل تحييد مرتكزات الردع الإيراني".

إعلان

من جانبه، يقرأ الأكاديمي الباحث في العلاقات الدولية ياسر شاماني المطلب الأميركي في سياق المساعي الرامية إلى نزع قدرات إيران الردعية وصولا إلى نقطة "صفر ردع"، مؤكدا أن السلطات الإيرانية قد اتخذت قرارا بإفشال هذه السياسة سواء كانت تستهدف بيع النفط أو تخصيب اليورانيوم، ولا يستبعد أن تشمل صناعات إستراتيجية أخرى.

ويصف شاماني المطلب الأميركي القاضي بوقف التخصيب في إيران، مقابل رفع جزء من العقوبات عنها، بأنه "معادلة مستحيلة" قد تنسف المسار الدبلوماسي بالكامل، لكنه سرعان ما يستدرك أن طرفي المفاوضات بحاجة إلى اتفاق نووي يضع حدا للأزمة الراهنة وأنهما سيحافظان على "شعرة معاوية" في المحادثات الجارية.

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف أن الجانب الأميركي يريد حلا لملفاته الشائكة مع إيران يضمن تحييد الهواجس التي قد تعترض سياساته في الشرق الأوسط من ناحية طهران أو حلفائها الإقليميين، لأن البديل للاتفاق سيكون مكلفا جدا لواشنطن وحلفائها.

خط أحمر

وتوقع الباحث شاماني أن تستمر المفاوضات عبر طرح أحد طرفيها مبادرات ملموسة أو وهمية كلما بلغت طريقا مسدودا، بأمل التوصل إلى حل دبلوماسي يبعد الخيار العسكري عن طهران ويجنب واشنطن المقامرة باستثماراتها في الشرق الأوسط.

ويرى أنه خلافا للجانب الإيراني الذي يعتبر تخصيب اليورانيوم خطا أحمر، فإنه لا يستبعد تراجع الجانب الأميركي عن مطلبه شريطة تحقيقه هدفا لافتا يعد إنجازا لإدارة ترامب في عامها الأول مثل تطبيع العلاقات السياسية وإعادة فتح السفارات لدى الجانبين.

ووفقا له، فإن التخوفات من شن إسرائيل هجمات خاطفة على المنشآت النووية الإيرانية ستبقى واردة لاستدراج واشنطن إلى أي صراع محتمل بين طهران وتل أبيب، وذلك ما يبرر لإيران الإصرار على مواصلة التخصيب والمحافظة على مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب كورقة ردعية أمام المخططات الإسرائيلية.

إعلان

وانطلاقا من رهان طهران على حاجة ترامب لإنجاز سريع يعزز حظوظه في الرئاسيات المقبلة، تعوّل واشنطن على نجاعة سياسة الضغوط القصوى في تضييق الخناق على اقتصاد إيران لحثها على القبول بمطالبها، بما یشير إلی استمرار معركة عضّ الأصابع عبر المسار الدبلوماسي الناعم ومسارات القوة الخشنة الموازية حتى إشعار آخر.

وفي ظل التصعيد الذي يخترق -بين الفينة والأخرى- التصريحات الرسمية الدالة علی إيجابية المباحثات النووية، تتساءل الأوساط السياسية في إيران عما إذا كانت واشنطن ستتراجع عن مطلب "صفر تخصيب" للقبول بحلول وسطية لا تشكل مساسا بقدرات طهران الردعية؟ أم إن تصادم الخطوط الحمر سيدفع أحد الطرفين إلى اتخاذ قرارات لا تحمد عقباها؟ الإجابة ستحسمها نتيجة الجولات المقبلة من المفاوضات النووية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات تخصیب الیورانیوم

إقرأ أيضاً:

الشرق الأوسط يتوحّد خلف اتفاق غزة.. فهل باتت إيران خارج المشهد؟

أشار التقرير إلى أن مخاوف تعرض إيران لضربات إسرائيلية جديدة لا تزال حاضرة بقوة لدى الرأي العام، خاصة بعد تدمير جزء كبير من الدفاعات الجوية الإيرانية في يونيو. اعلان

قالت وكالة "أسوشيتد برس" في تحليل نشرته، يوم السبت 11 أكتوبر 2025، إن إيران تجد نفسها في واحدة من أضعف لحظاتها منذ الثورة الإسلامية عام 1979، وذلك في وقت يرحّب فيه الشرق الأوسط على نطاق واسع بوقف إطلاق النار في الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في غزة.

وأوضح التقرير أن طهران اعتمدت لعقود على ما تسميه "محور المقاومة"، وهو شبكة من الحلفاء والجماعات المسلحة التي دعمتها في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.

لكن مع قصف إسرائيل لقطاع غزة خلال الحرب الأخيرة، وسّعت تل أبيب نطاق استهدافها إلى قيادات عليا خارج القطاع في جماعات مثل حماس وحزب الله، بالإضافة إلى شخصيات بارزة في المؤسسة العسكرية والنووية الإيرانية، مما أدى إلى مقتل العديد منهم وتعطيل قدرتهم على الرد.

وبينما يستعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لجولة شرق أوسطية من المتوقع أن يتلقى خلالها إشادة من إسرائيل والدول العربية، لن تكون إيران ضمن الأطراف المشاركة في هذه المحادثات، بينما لا تزال تحاول التعافي من حرب يونيو التي استمرت 12 يومًا.

ويشير التقرير إلى أن طريقة تعامل القيادة الإيرانية مع هذه المرحلة - سواء عبر التصعيد أو عبر محاولة ترميم اقتصادها الداخلي - ستكون حاسمة في رسم ملامح الفترة المقبلة. وقال علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، في تصريحات نقلتها وكالة "أسوشيتد برس": "من دون شك، هذه ليست لحظة فخر لإيران. نظام تحالفاتها في المنطقة بات في حالة خراب، لكن ذلك لا يعني أن محور المقاومة قد انتهى".

طهران تحتفي بالهدنة.. بحذر

ذكرت وكالة "أسوشيتد برس" أن وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية حاولت تقديم وقف إطلاق النار على أنه "انتصار لحماس"، على الرغم من الدمار الواسع في غزة ومقتل أكثر من 67 ألف فلسطيني وفقًا لوزارة الصحة في القطاع، التي لا تميز بين المدنيين والمقاتلين لكنها تقول إن نحو نصف الضحايا من النساء والأطفال. كما نقلت الوكالة عن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قوله إن طهران "دعمت دائمًا أي خطة أو خطوة توقف الجرائم والإبادة التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب في غزة".

وفي المقابل، كتب علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، على منصة "إكس": "بداية وقف إطلاق النار في غزة قد تكون نهاية وقف إطلاق النار في مكان آخر"، في إشارة إلى حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والفصائل العراقية الموالية لإيران.

وأشار التقرير إلى أن مخاوف تعرض إيران لضربات إسرائيلية جديدة لا تزال حاضرة بقوة لدى الرأي العام، خاصة بعد تدمير جزء كبير من الدفاعات الجوية الإيرانية في يونيو. كما لفت إلى أن خامنئي لم يستأنف خطبه الأسبوعية المعتادة، وأن طهران ألغت استعراضها العسكري السنوي في سبتمبر من دون تفسير رسمي. ونقلت "أسوشيتد برس" عن المحلل السياسي الإيراني سعيد ليلاز قوله: "إيران ركزت دائمًا على مصالحها، لكن مواردنا استُنزفت واقتصادنا أُضعف. دعمنا لحماس كان ردة فعل على الضغوط الأميركية بهدف إبعاد النزاعات عن حدودنا".

Related نتنياهو يؤكد أن قرار ضرب قطر اتُخذ دون إشراك البيت الأبيض..وإسرائيل تجمد محافظ مشفرة مرتبطة بإيران"تقنيات إيرانية و83 قنبلة".. إسرائيل تكشف تفاصيل "جديدة" حول اغتيال نصر اللهمن القدس.. نتنياهو وروبيو يطلقان رسائل "نارية" ضدّ حماس وإيران

وأضافت الوكالة أن بعض الإيرانيين يرون الوضع بصورة أكثر تشاؤمًا. وقال الطالب الجامعي أمير كاظمي: "إيران أشبه بمقامر مفلس ربح بعض المال في الجولات الأولى. عندما هاجمت حماس إسرائيل، كانت طهران سعيدة، أما اليوم، وبعد وقف إطلاق النار، فلا تجد شيئًا في جيبها".

تراجع نفوذ "محور المقاومة"

بحسب تحليل "أسوشيتد برس"، فقد سعت طهران بعد الثورة الإسلامية إلى تصدير أيديولوجيتها الشيعية الثورية، قبل أن تتحول بعد حربها مع العراق في الثمانينيات إلى بناء قدرة ردع في مواجهة التسلح العربي الأميركي وانتشار القواعد العسكرية الأميركية في الخليج بعد حرب 1991.

وبلغ "محور المقاومة" ذروته بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وانزلاق اليمن إلى الحرب الأهلية، حين استطاعت إيران الاعتماد على حزب الله، والنظام السوري بقيادة بشار الأسد، والحوثيين، وفصائل عراقية مسلحة، وحتى حركة حماس.

لكن الوكالة تشير إلى أن ملامح المشهد الإقليمي تغيرت اليوم جذريًا: - سقوط نظام الأسد العام الماضي. - مقتل كبار قادة حماس وحزب الله في ضربات إسرائيلية. - تراجع نفوذ الفصائل العراقية. - استهداف الحوثيين بضربات إسرائيلية دقيقة. كما خلّفت حرب يونيو الأخيرة أثرًا بالغًا على البرنامج النووي الإيراني، إذ تشير تقديرات إلى أن طهران لم تعد تخصّب اليورانيوم كما في السابق.

"انهيار النفوذ الإقليمي"

أوضحت "أسوشيتد برس" أن إيران، على الرغم من علاقاتها الاقتصادية مع الصين وروسيا، لم تتلق دعمًا ملموسًا من أي منهما، رغم تزويد بكين بالنفط بأسعار مخفضة وموسكو بطائرات مسيّرة تستخدم في حرب أوكرانيا. وأضاف التقرير أن طهران تجنبت مواجهة النساء اللواتي تخلين على نطاق واسع عن الحجاب الإلزامي، لكنها كثفت في المقابل تنفيذ أحكام الإعدام بمعدلات غير مسبوقة منذ عقود.

وقال علي فتح الله نجاد، مدير مركز برلين للشرق الأوسط والنظام العالمي، في تصريحات نقلتها الوكالة: "الهدنة تعكس انهيار النفوذ الإقليمي لطهران بعد تفكك محور مقاومتها منذ 2024. وقف إطلاق النار سيفرغ القدرات العسكرية الإسرائيلية لاستخدامها ضد المصالح الإيرانية، سواء في لبنان ضد حزب الله أو مباشرة داخل إيران".

كما أشارت "أسوشيتد برس" إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصف قبول إيران بالهدنة بأنه "خبر رائع"، في حين لا توجد أي مؤشرات على استئناف المفاوضات النووية مع طهران. وختم علي فايز حديثه للوكالة قائلاً: "الوقت لا يعمل لصالح إيران، لكن مشكلتها أن أحدًا لا يمنحها مخرجًا واضحًا. وحتى إن فُتح هذا المخرج، فلا أحد يعلم ما إذا كانت طهران ستسلكه أم لا".

 

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • إیران لن تشارك فی قمة شرم الشیخ
  • الشرق الأوسط يتوحّد خلف اتفاق غزة.. فهل باتت إيران خارج المشهد؟
  • كيف تنظر إيران لمشاركة أميركا بمشروع باسني الباكستاني؟
  • إيران: لا نرى أي مبرر لإجراء محادثات نووية مع الدول الأوروبية
  • طهران: القوة البحرية للجيش الإيراني ركيزة أساسية لتوسيع العلاقات مع دول العالم
  • طهران تتوعد واشنطن: أي اعتداء على ناقلاتنا لن يمر دون رد
  • العواصم الأوربية الكبرى تريد إحياء المفاوضات النووية مع إيران
  • 3 دول تؤكد عزمها على إحياء المفاوضات النووية مع إيران
  • الترويكا الأوروبية تعلن عزمها إحياء المفاوضات النووية مع إيران
  • من «طوفان الأقصى» إلى «خريف طهران».. تفكك محور المقاومة الإيراني