وكالات:

​في سياق الندوات التي يعقدُها “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، بفرعه البيروتي، أُقيمت، الأربعاء الماضي، ندوةٌ، أدارها الباحث اللبناني خالد زيادة، وحملت عنوان: “الفلسفة وتحدّيات العيش معاً في مجتمع تعدّدي”، وذلك بهدف خَلْق حوار جدلي حول موضوع التعدّدية، خاصة في الظروف التي يشهدها لبنان اليوم، وتنامي الحديث عن الفيدرالية، وغيرها من المسائل السياسية.

“المَعية في عُهدة الفلسفة”، عنوان المُداخلة الأولى التي قدّمها الباحث وليد خوري، إذ بيّن أهمّية تناول هذا الموضوع من قبيل ما تشهده المجتمعات العربية من تصدُّعات، حيث يتحوّل الاختلاف إلى فرصة لاستدامة العنف، بدل أن يكون عكس ذلك. وعليه يُصبح لزاماً أن يتقدّم مفهوم “العيش معاً” على سائر المفاهيم التي ترعى مسألة الاختلاف، وتُمكِّن المكوّنات الاجتماعية من تجاوز تنابُذاتها الأيديولوجية، مُستهدياً في ذلك بقول الفيلسوف الفرنسي بول ريكور “الأخلاقية هي تعبير عن الرغبة بالعيش بخير مع الآخرين، ولأجلهم، برعاية مؤسّسات عادلة، قصدَ تحقيق السعادة للجميع”.

لكن، وحسب المُحاضِر، فإنّ العيش مع الآخَرين يفقد معناه فيما لو بقيت الأنا على تفرُّدها، وبالتالي فإنّ الآخر في حياتك ليس “خياراً”، إنما هو مكوّنٌ جادَت به الهُوية الجَمعية على الطبيعة البشرية. وتابَع مداخلته مُوضّحاً أنّ أصالة الاختلاف مُتأتّية من وجوده المُحايث للأشياء والمعاني، وبذلك يُصبح الحوار حقيقةً كالاختلاف تماماً، فكلاهما يُشكّلان حقيقتَين فلسفيّتين لا تنفصمان. وقد رسّمت الأخلاقية الفلسفية هذا المسار، وهو يستوي بمنزلة الأساس الحاضن للمعيّة الإنسانية. كما لا يكتسب الاعتقاد الأخلاقي قوّة، إذا لم يحمل في ذاته بذُور الكونية، ويتّجه في مقاصديته إلى العُمومية والشمول، وإذا لم تُيسِّر الدولة بِدورها التشريعات والقِيم التي تصون هذه الاعتقادات.

هل يتغيّر الحاضر لمجرّد الدعوة الفلسفية إلى التفاهُم؟

وختم الباحث مداخلته بسؤال: إلى أيّ حدّ تتوعّى المجتمعات العربية – ولبنان تحديداً – هذه الأخلاقية؟ فرغم أنّه على المستوى الخطابي، يُصادفنا كثيرٌ من هذه التشديدات، لكنّ حراراتها سرعان ما تبرد، عند تضارب المصالح بين هذه المكوّنات التي ما زالت تخاف من بعضها، في ظلّ تشبُّعها من ثقافة الاقتداء والتشابُه.

“هل تستطيع الفلسفة أن تُغيِّر المجتمعات الإنسانية، وأن تُساهم في معرفة كيفية العيش معاً؟”، كان هذا عنوان المُداخلة الثانية التي قدّمتها الباحثة مارلين كنعان، والتي انطلقت فيها من كتاب “الخطاب الفلسفي”، الذي صدر مُؤخّراً للمُفكّر الفرنسي ميشال فوكو، وكان قد كتبه في الستينيات. تُنبّه كنعان إلى ما يُميّز هذا الكتاب من جَعْل الفلسفة مشدودةً إلى مسائل اللحظة، ومن بين هذه المسائل: مفهوم التعدّدية.

لكن أمام ما يعجّ به العالَم من خصوصيات مُتعلّقة بالعِرق والإثنية والهوية والدين والثقافة وسوى ذلك، تساءلت الباحثة: هل يَفترض مفهومُ العيش مع الآخَر، تنكُّر المرء لخصوصيته، خاصة أنّ التعاون والتنافُس مع الآخر هُما في أصل الاجتماع الإنساني؟

وحسب الباحثة، فإنّ كانط، وفي إطار حديثه عن الواجب الأخلاقي، تناول مفهوم الغَيرية وضرورة مُعاملة الآخَر/ المُختلِف معاملةً سامية، تتعيّن فيها حرّيتي الذاتية التي تقف عند حدود حرّيته، حتّى وإنْ نظر هذا الآخَر إليّ نظرةَ إدانة تُبطِل حرّيتي، وتُعطِّل كياني، كما عند سارتر، الذي جعله “جحيماً”. عِلماً أن فلاسفة آخرين قالوا بعكس ذلك، أي بإمكانية التفاعُل الإيجابي مع الآخر بعيداً عن النزاعات. وهذا ما شدّد عليه أيضاً الفيلسوف الألماني هابرماس في دعوته إلى التواصُل والانفتاح على الآخرين.

مقولة “العيش معاً” منتعشة فقط على المستوى الخطابي

بعد هذا العرض، انتقلت الباحثة إلى سؤال آخر: كيف يُمكن ترجمة هذه الأفكار واقعياً؟ وهل يتغيّر الحاضر لمجرّد الدعوة الفلسفية إلى التفاهُم؟ وفي سياق سعيها لتقديم إجابة، أكّدت أنه لا يُوجد إجماع حول مهمّة الفلسفة، هذا صحيحٌ، لكنّ موضوعة “العيش معاً” ستبقى المدى الحيوي لها، لأنّ كلّ إشكاليات الفلسفة موسومة بالحضور الدائم للآخرين، فالحبّ، والعار، والسعادة، وسواها، كلّ تلك المشاعر لا أعرفها لو كنت أعيش بمفردي.

كما نظرت المُحاضِرة في أفكار الفيلسوف الألماني كارل ماركس، وتناولت ما نادى به حول انتهاء زمن التنظير الفلسفي، وأنه حان زمن التغيير، مُنبّهةً إلى أن سُبل التغيير التي تنبثق من الواقع قد تُهدّد بدورها التعايُش القائم. وختمت بأنه لمّا كانت الفلسفة تُعلّم الموازنة بين الكلمات، بما هي وسيلة أولى للتعبير والتفكير، فإنّ هذا يُسعفنا أكثر للتمييز بين كلمات مثل الوطن، والأمة، والقومية…

أما الباحثة نايلة أبي نادر، فقدّمت ورقتها الموسومة بـ”العيش معاً على محكّ السؤال”، وفيها تناولت أهمية تأكيد قيمة التحاوُر الإنساني، وإنْ كان الواقع يسود فيه العنف والنزاع. أما في سياق لُبناني، فإنّ مقولة العيش المُشترك قد ظلّت حاضرة في عمليات التفكُّر بكيفية إدارة الاجتماع السياسي في البلاد. ورغم أنّ هناك فيضاً في الكتابات عن هذا الموضوع، بقيت صورة الواقع تقول عكس ذلك، فأين يكمُن النقص؟

تتمثّل أُولى الإجابات عن هذا السؤال، وفقاً للباحثة، بعدم الوقوف النقدي على طريقة فَهْم مقولة التعايُش، التي يجب أن ترتكز على الشفافية والموضوعية، والابتعاد عن تأويل كلّ طرف لمفهوم تقبّل الآخر على نحوٍ ينسجم مع مصالحه وخلفياته الفكرية. فما يُصرِّح به في العلن معظم الزعماء والقادة، لا ينسجم مع مسلكياتهم، أو أحاديثهم المنقولة عن مجالسهم الخاصة. وهذا يُغذّي، بشكل أو بآخر، المواقف والآراء المتطرّفة، ويعزل الاعتدال.

لزوم الابتعاد عن التأويلات المصلحية لمفهوم تقبّل الآخر

وتتتبّع الباحثة الكمّ الكبير من النصوص الصادرة عن الأُمم المتّحدة، التي تُنادي بحماية حقوق الإنسان بشتّى الوسائل المُتاحَة، مع ذلك، فإنّ النزاعات بين البشر ما زالت تستفحل، وتطبع صورة ما نراه يومياً، وهنا نُلاحظ الهوّة الفاصلة بين النص والتطبيق، حيث يكفي أن نفتح شاشة التلفاز، حتى تنفجر بوجهنا مشهديات التقاتُل. في المقابل تُخصّص هذه المنظمة من الأيام ما تُخصّص للاحتفال بـ”السلام”، و”التسامُح”، و”حقوق الإنسان”، و”التقارُب بين الأديان”، و”القضاء على التمييز العنصري”. وهذا يجعلنا اليوم لا نتوخّى الكثير ممّا يصدر عنها من بيانات ومؤتمرات. وختمت الباحثة مداخلتها بمقولة فيلسوف الأنوار الفرنسي مونتسكيو “يبدأ انهيار الحكومات بانهيار المبادئ التي أُسِّست عليها”.

“الفلسفة والعيش معاً: المعية في عالم مشترك”، عنوان الورقة الختامية في الندوة، والتي قدّمها الباحث عفيف عثمان، الذي بدأ حديثه بمقولة كانط “ولمّا كان سطحُ الأرض دائرياً، فقد استحال على الناس أن ينتشروا انتشاراً لا حدّ له، فكان لا بدّ أن يلتقوا ويُجاوروا بعضهم بعضاً، فالأصل أنّ الأرض مشاعٌ بينهم”. أمّا سياسياً فأشار الباحث إلى حدث راهن مُتمثّل في الغزو الروسي لأوكرانيا، والاختلال الناجم عنه في الوضعية السياسية العالمية.

ثم انتقل إلى بَسْط القول في ما نادت به الفيلسوفة الألمانية حنا أرندت، في كتابها “الوضع البشري”، حول مفهوم الحياة العمَلية، حيث يكون الفعل هو أساس العالَم، ويتجاوز عدم التسامُح واللامبالاة، من خلال الاهتمام والعناية بالآخرين، والمحكّ لكلّ هذه القيم والأفكار هو الوسط الاجتماعي، أولاً وأخيراً. وعلى المستوى العربي، يخطر، حسب عثمان، اسمُ المفكّر التونسي فتحي التريكي، الذي قدّم مقاربته الخاصة عن التعدّدية الفلسفية، وعن مصطلح “التثاقُف”، متطلّعاً إلى الكشف من خلال هذا المصطلح عن التوافُق بين التنوّع الثقافي وتأثيراته في العيش معاً، رابطاً إيّاه بحالة كونية مُؤسِّسة لتواصلية الإنسان، لدرجة اعتبر فيها أنّ التثاقف هو ما يجعل العالَم مُمكناً، وذلك من خلال “تضافر الثقافات”.

المصدر: الوحدة نيوز

كلمات دلالية: الامم المتحدة الجزائر الحديدة السودان الصين العالم العربي العدوان العدوان على اليمن المجلس السياسي الأعلى المجلس السياسي الاعلى الوحدة نيوز الولايات المتحدة الامريكية اليمن امريكا ايران تونس روسيا سوريا صنعاء عاصم السادة عبدالعزيز بن حبتور عبدالله صبري فلسطين لبنان ليفربول مجلس الشورى مجلس الوزراء مصر نبيل الصوفي العیش معا الآخ ر التی ت

إقرأ أيضاً:

“بوعلام صنصال” أمام مجلس قضاء الجزائر يوم 24 جوان المقبل

أجّلت الغرفة الجزائية العاشرة، لدى مجلس قضاء الجزائر اليوم الثلاثاء، محاكمة الكاتب الجزائري المتهم الموقوف “بوعلام صنصال” إلى جلسة 24 جوان المقبل.

وتم ملاحقة صنصال قضائيا، بتهم تتعلق بجنحة المساس بوحدة الوطن، إهانة هيئة نظامية. بالإضافة كذلك إلى القيام بممارسات من شأنها الإضرار بالإقتصاد الوطني، وحيازة فيديوهات ومنشورات تهدد الأمن والإستقرار الوطني، الاهانة والقذف الموجّه ضد الجيش الوطني الشعبي، الترويج عمدا لأخبار كاذبة من شأنها المساس بالنظام العمومي والأمن العام. وحيازة وعرض لأنظار الجمهور منشورات وأوراق وفيديوهات من شأنها المساس بالوحدة الوطنية.

وقائع القضية

وتأتي محاكمة المتهم “بوعلام صنصال” ، بعدما استأنفت نيابة الجمهورية لدى محكمة دار البيضاء في الحكم الابتدائي الذي أصدرته ذات الهيئة القضائية. والذي قضى بإدانته في جلسة علنية بـ5 سنوات حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 500 ألف دج.

كما استأنف في نفس الظرف المكاني والزماني المتهم “بوعلام صنصال” الحكم الصادر في حقه. إلى جانب الوكيل القضائي للخزينة العمومية الذي كان في الجلسة الأولى قد أعلن تأسيسه في القضية. وطالب بحفظ الحقوق وهو ما جاء في مضمون الحكم في الدعوى المدنية.

وخلال جلسة المحاكمة أنكر “بوعلام صنصال” بشدة التهم والوقائع المنسوبة إليه، وأكد أمام القاضي في معرض تصريحاته، أن ما صدر منه من تصريحات لم تكن له نية الإساءة إلى السيادة الوطنية أو مؤسسات الدولة.

وأضاف “صنصال” أن ما صدر منه جاء في إطار التعبير عن آرائه الشخصية لا أكثر. مقرا في نفس الوقت بحيازته ملفات وفيديوهات تمس بالنظام العام وأمن الجزائر.

وحين واجهته القاضي بالرسائل التي أرسلها إلى السفير الفرنسي تتضمن إهانة للجيش والمؤسسات الحكومية، علق المتهم بشأنها ” بأنها رسائل عادية بين صديقين لا غير!. كما بدا المتهم ” صنصال بوعلام ” في الجلسة مرتاحا، في كامل صحته الجسدية، حيث أجاب على أسئلة القاضي بأريحيّة وبكل تلقائية، مثله مثل غيره من المتهمين المتابعين في ملفات أخرى.

والجدير بالذكر أن الكاتب الجزائري “بوعلام صنصال ” تم توقيفه شهر نوفمبر من عام 2024، من طرف مصالح الأمن المختصة، بمطار هواري بومدين فور وصوله إلى أرض الوطن في زيارة عائلية. وهذا بعد تصريحات أدلى بها لمجلة فرنسية المعروفة بمواقفها اليمينية المتطرفة، حيث تبنّى فيها موقفا معاديا للجزائر. حاولت بعض الأطراف المتكالبة والحاقدة على الجزائر، ركوب الموجة في الوقت بدل الضائع. بغرض نفث سمومها، والترويج لادّعاءات زائفة.

غير أن القضاء الجزائري، حسم القضية بتطبيق قوانين الجمهورية، ليثبت أمام العالم أن الجزائر دولة قائمة بأركانها ومؤسساتها السيّاديّة تحاكم بالمرافعة. وليس بالانتقام وترفع راية الحق فوق كل اعتبار.

مقالات مشابهة

  • أطباء بلا حدود: المساعدات القليلة التي سمحت “إسرائيل” بدخولها غزة مجرد ستار لتجنب اتهامها بالتجويع
  • “سقيا الماء”.. مبادرة لحفر بئر مياه شرب تغذي كل أحياء الصنمين بريف درعا
  • أمسية شعرية استثنائية في القاهرة: “مؤانسة” بين يحيى فضل الله وقاسم أبو زيد
  • “بوعلام صنصال” أمام مجلس قضاء الجزائر يوم 24 جوان المقبل
  • “مشروع القضارف انظف مدينة” .. ثلاثة مسارات أساسية
  • المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية كرّم الوزير خوري بحضور نصار
  • شاهد بالفيديو.. “كيكل” يتعهد بإنهاء الأزمة والذهاب للمناطق التي تنطلق منها “مسيرات” المليشيا
  • مضوي: “الفوز أمام بسكرة لم يكن سهلا ونطمح للحاق بمقدمة الترتيب”
  • إدارة المولودية تحذّر من “الويكلو” أمام اتحاد العاصمة
  • “عام المجتمع”.. وادي الحلو نموذج للتلاحم بين القيادة والشعب