القدس المحتلة- رغم العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي وصفه حقوقيون بـ"الإبادة الجماعية"، لم توقف المحكمة العليا الإسرائيلية أي عملية عسكرية، ولم تتدخل لفرض قيود على سلوك الجيش، بل وفرت له، بحسب محللين حقوقيين، غطاءً قانونيا يشرعن الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين.

ومنذ بداية الحرب، رفضت المحكمة العليا جميع الالتماسات الطارئة التي طالبت بوقف القصف العشوائي، وتوفير ممرات آمنة، وإدخال المساعدات الإنسانية، كما تجاهلت عشرات القضايا التي وثقتها منظمات حقوقية، بما فيها تقارير للأمم المتحدة، تتحدث عن استهداف المدنيين، ومنشآت طبية، ومخيمات نزوح.

وكشفت صحيفة "هآرتس" في تقرير مشترك للصحفيين نير حسون وحين معانيت، عن دور المحكمة العليا الإسرائيلية في منح الغطاء القانوني لممارسات الحكومة الإسرائيلية في قطاع غزة، منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر.

ووفقا للتقرير، فقد صدّقت المحكمة العليا على 18 طلبا قدمتها الحكومة الإسرائيلية لتأجيل النظر في التماسات تتعلق بمنع زيارة مندوبي الصليب الأحمر للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

وأيدت المحكمة جميع الممارسات التي تنفذها الحكومة في غزة، بما فيها تجويع السكان، ومنع العلاج الطبي، وإخفاء الأشخاص، وهي ممارسات وصفتها منظمات دولية بجرائم حرب.

المحكمة العليا الإسرائيلية تشرعن، حسب تقرير مشترك لصحفيين إسرائيليين، للإبادة والتهجير القسري في غزة (غيتي) قرارات صادمة

وصدرت قرارات المحكمة عن هيئة قضائية ثلاثية، ترأسها رئيس المحكمة يتسحاق عميت، ونائبه نوعام سولبرغ، وعضوة المحكمة دافنا باراك – إيرز. ووفق التقرير، فإن هذه الهيئة امتنعت عن التدخل أو النظر في الالتماسات الحقوقية، مما اعتبر بمثابة منح "ضوء أخضر ساطع" لحكومة الاحتلال بمواصلة سياسة الإبادة والتهجير القسري (الترانسفير) في غزة.

إعلان

وأكد التقرير، أن المحكمة العليا، التي لطالما لعبت دورا في شرعنة الاحتلال الإسرائيلي، قد بلغت في هذا السياق مرحلة غير مسبوقة من التماهي مع الحكومة والجيش، إذ لم تكتف بمنح الشرعية بل أصبحت تمجد الجيش وتدعمه.

ومنذ اندلاع الحرب على غزة، فاجأت المحكمة العليا حتى أكثر القانونيين تشككا، بعدما امتنعت مرارا عن مساءلة الدولة أو إيقاف إجراءات تخالف بشكل صارخ القانونين الإسرائيلي والدولي.

يرى بعضهم في هذا الانحياز استمرارا لاتجاه بدأ قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بينما يعتبره آخرون تحوّلا جذريا في تاريخ المحكمة. لكن الجميع متفق على أمر واحد: حقوق الفلسطينيين لم تعد تجد حماية في أعلى سلطة قضائية بإسرائيل.

تقول المحامية أوسنات كوهين ليفشيتز من منظمة "غيشا-مسلك": "للمحكمة العليا تاريخ في إضفاء الشرعية على الاحتلال، لكن ما نراه اليوم غير مسبوق، في وقت تحذر فيه محكمة لاهاي والأمم المتحدة من كارثة إنسانية، تمنح المحكمة الإسرائيلية غطاء قانونيا كاملا للجيش وتغني مديحا له".

ويرى البروفيسور باراك ميدينا من الجامعة "العبرية" بالقدس أن المحكمة، في تعاملها مع الفلسطينيين، تتبنى فعليا مبادئ "الانقلاب القضائي" رغم أنها لم تقر بعد. ويؤكد أن نهجها تغير كليا، متجاهلا انتهاكات صارخة، مثل استهداف المدنيين، الاعتقال دون محاكمة، منع المساعدات، واحتجاز الجثث كورقة مساومة.

طاقم القضاة في إحدى جلسات المحكمة العليا الإسرائيلية (الجزيرة) رفض الالتماسات

وخلال الحرب، تقدمت منظمات حقوقية عدة بالتماسات إلى المحكمة العليا تطالبها بالتدخل لوقف الانتهاكات الجسيمة بحق سكان غزة، إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل. ففي كل مرة، اصطدم الملتمسون برفض قاطع دون مبررات مقنعة.

مِن هذه المحاولات، سعي منظمات لفرض زيارات الصليب الأحمر إلى السجون، وطلب جمعية الصحفيين الأجانب دخول غزة لتغطية الأحداث، كما يحدث في معظم مناطق النزاع في العالم. رفض الالتماس الأول، وتأجل النظر في الثاني رغم مرور تسعة أشهر عليه، دون قرار واضح.

إعلان

كما قدمت منظمات مثل "أطباء لحقوق الإنسان" ومركز "حماية الفرد" التماسا لإلزام الدولة بإنشاء آلية لإخلاء المصابين والمرضى، وسط تدمير شبه كامل للمرافق الطبية ومنع دخول المستلزمات العلاجية.

ورغم تعهد النيابة العامة الإسرائيلية بتنظيم هذه الآلية، اكتفى القضاة بالوعد ورفضوا إبقاء الالتماس مفتوحا لمتابعة التنفيذ، لتغلق القضية دون ضمانات.

الشريعة اليهودية

من أبرز قرارات المحكمة العليا منذ بدء الحرب، رفضها الالتماس المقدم ضد سياسة تجويع سكان غزة، ما اعتبره قانونيون مؤشرا خطِرا على انهيار المنظومة القضائية.

في مارس/آذار 2025، تقدمت خمس منظمات حقوقية بالتماس يطالب السماح بإدخال المساعدات الإنسانية دون عوائق، وسط تصاعد أزمة الغذاء في القطاع. رغم خطورة الوضع، تباطأت المحكمة في البت بالطلب، ومنحت الدولة وقتًا إضافيًا لتقديم ردودها.

وفي الوقت الذي كانت المناقشات مستمرة، أغلقت إسرائيل المعابر بالكامل في 2 مارس/آذار، وامتنعت عن إدخال الغذاء والدواء. ومع ذلك، تجاهل القضاة التطورات وأصدروا في 27 مارس/آذار حكما اعتمد على وقائع سابقة للإغلاق، متبنين رواية الدولة بعدم وجود قيود أو نقص، رغم الأدلة المتزايدة على العكس.

عبّر المحامي مايكل سفارد عن صدمته من قرار المحكمة العليا بشأن تجويع سكان غزة، منتقدا تبرير القاضي يتسحاق عميت الذي تجاهل الواقع على الأرض، وامتنع عن إدانة واضحة لانتهاك القانون الدولي.

لكن الصدمة الكبرى جاءت من القاضي دافيد مينتس، الذي أرفق بالحكم مداخلة مطولة عن قوانين الحرب في الشريعة اليهودية. تحدث مينتس عن "حروب الإبادة" في التقاليد الدينية، مستشهدا بنصوص تدعو إلى إبادة كاملة في بعض أنواع الحروب، رغم إقراره أن الحرب الحالية لا تندرج في هذه الفئات، بل تعد "حرب وصية" للدفاع عن إسرائيل.

إعلان

تطرق أيضا إلى مواقف حاخامات وفقهاء يهود، مثل موسى بن ميمون، الذي أوصى بترك ممر للهروب خلال الحصار، لكنه أشار إلى وجود آراء تبرر استخدام التجويع في ظروف محددة. هذه الإضافات الدينية، رغم عدم ارتباطها المباشر بالقضية القانونية، أثارت استياء واسعا لدى مقدمي الالتماس.

شرعنة الإبادة

مع استمرار العدوان على غزة، تتزايد المخاوف من غياب رادع قانوني داخلي يوقف ممارسات توصف دوليًا بجرائم ضد الإنسانية.

وأصدر مركز مدى الكرمل في حيفا ورقة تحليلية بعنوان "منظومة القضاء الإسرائيلية في ظل حرب الإبادة"، أعدتها الحقوقية ناريمان شحادة زعبي.

وتستعرض الورقة، التي تلقت الجزيرة نت نسخة منها، دور المحكمة العليا الإسرائيلية خلال العدوان على غزة، وتبين كيف قدمت دعما قانونيا لانتهاكات حقوق الفلسطينيين، بل وصلت إلى حد المشاركة في شرعنة سياسات القمع والإبادة.

تركز الدراسة على ثلاثة محاور رئيسية: أوضاع سكان غزة بما فيها منع الإغاثة وتجويع السكان، ملف الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، وقضايا الفلسطينيين في أراضي 48 المتعلقة بتضييق الحريات والملاحقة السياسية.

وترى زعبي، أن المحكمة العليا لم تردع الحكومة، بل دعمت روايتها الأمنية، رغم تعارضها مع القانون الدولي والأنظمة المحلية، مؤكدة أن القضاء الإسرائيلي ليس كيانا مستقلا، بل جزء من المنظومة السياسية ويتأثر باليمين المتطرف الحاكم، مما حوّل المحكمة إلى أداة لشرعنة السياسات القمعية بدلا من حماية الحقوق الأساسية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

دليلك للوصول إلى المحكمة الدستورية العليا.. كيف ترفع دعوى دستورية خطوة بخطوة؟

يتساءل العديد من المتقاضين عن الخطوات القانونية الصحيحة لتقديم دعوى أمام المحكمة الدستورية العليا، باعتبارها الجهة المختصة بالفصل في دستورية القوانين واللوائح. وفي هذا التقرير، يوضح اليوم السابع الإجراءات المنظمة للتقاضي أمام المحكمة وفقًا للقانون.

أولاً: القواعد العامة للتقاضي أمام المحكمة الدستورية العليا

تسري أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية على الدعاوى والطلبات المقدمة للمحكمة الدستورية، مع مراعاة خصوصية اختصاصها، حيث تتولى المحكمة الرقابة على دستورية القوانين واللوائح بعدة آليات أساسية.

 

ثانياً: طريقا الوصول إلى المحكمة – الإحالة والدفع

1- الإحــالة من المحاكم

إذا رأت إحدى المحاكم أو الهيئات القضائية أثناء نظر دعوى ما أن هناك شبهة بعدم دستورية نص قانوني لازم للفصل في النزاع، فإنها توقف الدعوى وتحيل الأوراق مباشرة إلى المحكمة الدستورية العليا دون رسوم.

2- الدفع بعدم الدستورية من الخصوم

إذا دفع أحد الخصوم بعدم دستورية نص قانوني، ورأت المحكمة المنظور أمامها أن الدفع جدي، تؤجل الدعوى وتحدد للخصم مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر لرفع دعواه أمام المحكمة الدستورية.
وإذا لم يلتزم بالمدة، اعتُبر الدفع كأن لم يكن.

ثالثاً: طلبات الفصل في تنازع الاختصاص والتنفيذ
• يحق لأي ذي شأن التقدم إلى المحكمة بطلب تحديد جهة القضاء المختصة في حالة وجود تضارب. ويترتب على تقديم الطلب وقف جميع الدعاوى المرتبطة إلى حين الفصل فيه.
• كما تختص المحكمة بالفصل في تنازع تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين، ويجوز لرئيس المحكمة وقف تنفيذ الحكمين أو أحدهما حتى تُصدر المحكمة قرارها.

رابعاً: طلبات تفسير النصوص التشريعية

يتقدم وزير العدل بطلبات التفسير بناءً على طلب من رئيس الوزراء أو رئيس مجلس النواب أو المجلس الأعلى للهيئات القضائية. ويجب أن يشمل الطلب النص المطلوب تفسيره وما أثاره من خلاف وتوضيح أهميته.

خامساً: شروط صحة الطلبات والدعاوى
• يجب أن تكون صحف الدعاوى والطلبات موقعة من محامٍ مقبول للمرافعة أمام المحكمة الدستورية أو من عضو بهيئة قضايا الدولة بدرجة مستشار.
• يجب إرفاق صورة رسمية من الحكمين محل النزاع أو التناقض، وإلا كان الطلب غير مقبول.

سادساً: إجراءات القيد والإعلان وتبادل المذكرات
• تُقيد الدعاوى والطلبات يوم ورودها في سجلات المحكمة، ويتولى قلم الكتاب إعلان ذوي الشأن خلال 15 يومًا.
• تُعتبر الحكومة طرفًا أصيلاً في جميع المنازعات الدستورية.
• لكل طرف تقديم مذكرة خلال 15 يومًا من استلام الإعلان، ويحق للخصم الرد بمذكرة خلال 15 يومًا أخرى، ثم تعقيب الطرف الأول خلال المدة ذاتها.

سابعاً: دور هيئة المفوضين

بعد انتهاء المدد القانونية، يُعرض الملف على هيئة المفوضين لتحضير الدعوى، ولها:
• الاتصال بالجهات الحكومية للحصول على أوراق إضافية.
• استدعاء ذوي الشأن للاستفسار وطلب مستندات جديدة.
• توقيع غرامة لا تتجاوز 20 جنيهًا على المتسبب في تأجيل الدعوى.

وتودع الهيئة تقريرها المسبب بالمحكمة، ويحدد رئيس المحكمة جلسة نظر الدعوى خلال أسبوع من إيداع التقرير.

ثامناً: جلسات المحكمة ومتطلبات الحضور
• يجب حضور محامٍ مقبول أمام النقض أو الإدارية العليا.
• يجوز للمحكمة الفصل في الدعاوى من دون مرافعة، وإذا رأت ضرورة المرافعة الشفوية تستمع إلى المحامين وممثل هيئة المفوضين.
• لا يحق لأي خصم لم يودع مذكرة مسبقة أن ينيب عنه محامياً في الجلسة.

 

 




مقالات مشابهة

  • زلزال انتخابي في مصر: المحكمة الإدارية العليا تلغي نتائج عشرات الدوائر
  • حصيلة الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة تتجاوز 70 ألف شهيد
  • الوطنية للانتخابات: إلغاء انتخابات مجلس النواب في 29 دائرة أبطلتها المحكمة الإدارية العليا
  • تنسيقية الكورد الفيليين تطالب بتنفيذ قرارات المحكمة حول الإبادة الجماعية
  • فيينا.. متظاهرون ينددون بتمويل دول أوروبية الإبادة في غزة
  • المحكمة الإدارية العليا تلغي انتخابات 47 دائرة 
  • صحة غزة: 70 ألف شهيد منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع
  • 70 ألف شهيد حصيلة جديدة لحرب الإبادة الصيهونية على غزة
  • دليلك للوصول إلى المحكمة الدستورية العليا.. كيف ترفع دعوى دستورية خطوة بخطوة؟
  • أبو الغيط: الحرب على الفلسطينيين الأسوأ منذ 1948 واستمرار الاحتلال يهدد الاستقرار