أورد مرسوم نشر الأحد في الجريدة الرسمية أن فرنسا ستزيد من تسهيلات الوصول إلى أرشيفها المتصل بحرب الجزائر، بحيث تسمح بالاطّلاع على الملفات المتعلّقة بقاصرين، في خطوة كان يطالب بها مؤرخون وعائلات.

بعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مارس/آذار 2021 تسهيل الوصول إلى الأرشيف السري، فتحت فرنسا في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه أرشيفها المتعلق بالقضايا القانونية وتحقيقات الشرطة في الجزائر خلال حربها، والممتد بين الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954 و31 ديسمبر/كانون الأول 1966.

لكن عمليًا يبقى الوصول إلى هذه الوثاثق "صعبًا جدًا" بالنسبة للعائلات والباحثين، حسب ما كتب المؤرخ مارك أندريه في صحيفة "لوموند" في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

ملفات القاصرين

وإحدى العقبات الرئيسية أمام الاطلاع على الأرشيف تتعلّق بعدم فتح الملفات المتعلقة بمَن تقلّ أعمارهم عن 21 عامًا بسبب التشريعات حينذاك، وهي ملفات كانت لا تزال مشمولة بفترة سرية الأرشيف البالغة مئة عام. وتسبّب هذا القيد، إضافة إلى العديد من القيود الأخرى، بـ"إغلاق غالبية الملفات"، وفق المؤرخ.

وأضاف في نصّه في صحيفة لوموند "تؤدّي هذه الإدارة البيروقراطية إلى تجاهل واقع حرب خاضها شباب. وينطبق هذا أيضًا على المهاجرين الجزائريين إلى فرنسا والمقاومين والشبكات الحضرية والسجون، حيث كانت أعمار العديد من الانفصاليين ومؤيديهم والمتمردين والمجنّدين تناهز 20 عامًا عند انضمامهم" على حد تعبيره.

وتابع أندريه، الذي تناولت وسائل إعلام جزائرية انتقاداته، "كانوا بالغين بما يكفي في تلك الفترة لتُقطع رؤوسهم، لكنهم أصبحوا اليوم قاصرين بما يكفي لتُقصى ملفاتهم من الاستثناء العام"، بحسب قوله.

يلغي المرسوم الجديد بتاريخ 25 أغسطس/آب 2023، والذي نُشر الأحد، الاستثناء الذي يطال الملفات المتعلقة بقاصرين.

غير أن الملفات التي ينتهك نشرها "خصوصية الحياة الجنسية للأشخاص أو سلامة الأشخاص المذكورة أسماؤهم أو الذين يمكن التعرّف عليهم بسهولة وشاركوا في أنشطة استخباراتية"، تبقى سرّية.

الاستعمار وإرث ذاكرة

ويندرج هذا التسهيل الجديد في إطار سياسة تهدئة اعتمدها ماكرون خلال ولايته الأولى، بعد توصيات تضمنها تقرير للمؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا حول صراع الذاكرة بين الجزائر وفرنسا المستعمر السابق.

ومسألة اعتذار فرنسا عن ماضيها الاستعماري في الجزائر (1830-1962) هي في صميم العلاقات الثنائية والتوترات المتكررة بين البلدين. وفي 2020 تلقت الجزائر بفتور تقريرا أعدّه المؤرّخ الفرنسي ستورا بناء على تكليف من ماكرون، دعا فيه إلى القيام بسلسلة مبادرات من أجل تحقيق المصالحة بين البلدين.

وخلا التقرير من أي توصية بتقديم اعتذار أو بإبداء الندم، وهو ما تطالب به الجزائر باستمرار، ويقول مؤرخون جزائريون إن التقرير الفرنسي بشأن الذاكرة تعبير عن نظرة استعلائية في تعاطي فرنسا مع تاريخها الاحتلالي في الجزائر.

ورأى أستاذ التاريخ في جامعة الجزائر محسن لحسن زغيدي في تصريح سابق للجزيرة أن تقرير ستورا "يكرس فكرة التبعية والوصاية، وأسطورة الإمبراطورية الفرنسية التي تأمر فتطاع".

وضاعف ماكرون المبادرات في ملف الذاكرة، معترفا بمسؤولية الجيش الفرنسي في مقتل عالم الرياضيات موريس أودين والمحامي الوطني علي بومنجل خلال "معركة الجزائر" عام 1957، ومنددا بـ"جرائم لا مبرر لها" ارتكبها الجيش الفرنسي خلال المذبحة التي تعرض لها المتظاهرون الجزائريون في باريس في 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961.

لكن الاعتذارات التي تنتظرها الجزائر عن استعمارها لم تأتِ قط، وذلك ما أحبط مبادرات ماكرون وزاد سوء التفاهم بين الجانبين.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

العلاقات الجزائرية- الفرنسية على صفيح ساخن

منذ استقلال الجزائر عن فرنسا عام ١٩٦٢، تمر العلاقات بين البلدين بالازدهار حينا، وبتوتر العلاقات وفتورها حينا آخر، وقد ظلت حكومتا كل من فرنسا والجزائر منذ تلك الحقبة بالقيام بمحاولة ترميم العلاقات الثنائية بين البلدين، ومحاولة الأخذ بها نحو التطوير وتبادل العلاقات كافة بين البلدين، وبالرغم من ذلك فقد توترت العلاقات بين البلدين منذ العام ١٩٢١، وصولاً إلى توترها خلال الأشهر الأخيرة، إذ عادت العلاقات إلي تصعيد الخلافات بين البلدين مجدداً، بالرغم من مساعي بعض الرموز الفاعلة لإعادة العلاقات المتأزمة إلى طبيعتها إلا أن العلاقات قد تفاقمت ووصلت مؤخراً إلى حد اعتبار الجزائر بعض العاملين بالسفارة الفرنسية بالجزائر أشخاصا غير مرغوب فيهم، وألزمتهم بمغادرة الأراضي الجزائرية، وذلك رداً على تجاوز السلطات الفرنسية وعلى رأسها وزير الداخلية اليميني المتطرف برونو ريتايو الذي أهان دبلوماسيا جزائريا بفرنسا، ووضعه في الحبس الاحتياطي، دون إخبار السلطات الجزائرية، ناهيك عن تعرض أبناء الجالية الجزائرية بفرنسا للكثير من المضايقات ومنها القيام بترحيل بعض الجزائريين الخارجين على القانون، ورفض الجزائر استلامهم وترحيلهم مرة أخرى إلى فرنسا، إضافة إلى صعوبة حصول الجزائريين على التأشيرات، مع سعي الحكومة الفرنسية إلى مراجعة القوانين الفرنسية، ومنها اتفاقية الهجرة الموقعة بين البلدين عام ١٩٦٨، والتي كانت تمنح بموجبها أبناء الجزائريين المقيمين بفرنسا امتيازات كبيرة دون غيرها من الجاليات الأخرى، ومقابل ذلك فإن الجزائر كانت قد استخدمت الضغط التجاري والاقتصادي وشراكات الغاز على فرنسا، مما أدى إلى تصعيد سياسي ورسمي لا ينبأ بعودة العلاقات لطبيعتها في المستقبل القريب، ما جعل فرنسا تستخدم ملف الهجرة كورقة ضغط من جانبها على الجزائر، وفي هذا الصدد يرى الخبراء والمحللون بأن تأزم العلاقات عميق بين البلدين لوجود خلافات وملفات شائكة لم يتمكن البلدان من مواجهتها وحلها، ومنها دعم فرنسا لخطة الحكم الذاتي المغربي للصحراء الغربية "البوليساريو" والتي أدت إلى غضب الجزائر واحتجاجها، وقيامها بسحب سفيرها في فرنسا في ٣٠ يونيو للعام الماضي ٢٠٢٤، إضافة إلى ملف الهجرة الذي تستخدمه فرنسا كورقة ضغط على الجزائر في ظل وجود حكومة يمينية، إذ ترى الجزائر أنها مستهدفة من قوى اليمين المتطرف بفرنسا، وتلوح باتخاذ إجراءات تصاعدية مضادة تجاه فرنسا، ومنها تراجع الاستثمارات والشراكات الاقتصادية بين البلدين، وتأجيل الرئيس الجزائري عبد الحميد تبون زيارته إلى فرنسا أكثر من مرة، ومن المشاكل التصعيدية بين البلدين اعتماد البرلمان الفرنسي عام ٢٠٠٥ قانوناً يمجد الاستعمار الفرنسي في إفريقيا، ورفض الحكومات الفرنسية المتعاقبة تقديم اعتذار رسمي للجزائر بسبب المرحلة الاستعمارية وجرائمها البشعة ضد الشعب الجزائري، والتي جعلت الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال ولايته الأولى يعلن بأن استعمار فرنسا للجزائر كان جريمة ضد الإنسانية، ورغم ذلك يظل ملف الذاكرة التاريخية وجرائم فرنسا في الجزائر، وعدم تسليم الجزائر رفات وجماجم الثوار الجزائريين الموجودين بفرنسا، ناهيك عن تداعيات التجارب النووية الفرنسية الخطيرة في صحراء الجزائر، منذ عام ١٩٦٠ وحتى عام ١٩٦٦، والتي اشتملت علي تجارب أسلحة دمار شامل نووية و كيميائية وصواريخ باليستية، معرضة الجزائر لأخطار كارثية، ما دفع الجزائر بمطالبة فرنسا دوماً بالاعتذار عن فظائعها، وبمطالبتها بدفع التعويضات للقتلى والمصابين والمشوهين، ومطالبة فرنسا أيضاً بالكشف عن مواقع دفن النفايات الذرية، والمساعدة في علاجها، بسبب الأضرار الكارثية المستمرة على الأرض والإنسان والبيئة المحيطة، وداعية فرنسا أيضاً لتحمل مسئولياتها الأخلاقية والقانونية المتعلقة بالتجارب والنفايات المشعة التي مكنت فرنسا من تصنيع القنبلة النووية في فبراير عام ١٩٦٠.

وبالرغم من تصاعد وتشنج العلاقات بين البلدين، وأحقية الجزائر في المطالبة بحقوقها التاريخية، والحفاظ على مصالح الجالية الجزائرية بفرنسا، فإن الرئيس الفرنسي ماكرون لا يزال يعلن من حين لآخر بدعوته وانفتاحه على عودة العلاقات لطبيعتها، وبترحيبه بزيارة الرئيس تبون إلى فرنسا، إضافة إلى قيام وفد من أعضاء البرلمان الفرنسي ومجلس الشيوخ، وبخاصة قيادات أحزاب اليسار بزيارة مؤخراً إلى الجزائر من أجل تهدئة الأوضاع بين البلدين، والدعوة إلى عودتها لطبيعتها، والبحث عن تسوية سلمية لتلك الأزمة المتفاقمة، حفاظاً على العلاقات التاريخية بين البلدين.

مقالات مشابهة

  • كوكايين ماكرون يثير ضجة كبيرة.. والإليزية يصدر بيانا عاجلا
  • حكيمي يتوج بجائزة أفضل لاعب إفريقي في الدوري الفرنسي
  • بعد قرار الترحيل.. فرنسا تتوعد الجزائر بـ"رد قوي"
  • الجزائر تقرر طرد المزيد من الموظفين الفرنسيين
  • تنطلق من الرياض.. ما هي الدول والملفات التي تتضمنها زيارة ترامب للخليج؟
  • حساب الخارجية الأمريكية بالعربية يغرّد عن زيارة ترامب للشرق الأوسط وأبرز الملفات التي ستناقش
  • وزير الخارجية الفرنسي يهدد بفرض عقوبات جديدة على حكام الجزائر
  • العلاقات الجزائرية- الفرنسية على صفيح ساخن
  • وزير الخارجية الفرنسي: العلاقات مع الجزائر لا تزال في حالة جمود تام
  • ماكرون: نرفض أي تنازلات من جانب كييف ونؤكد تضامننا معها