في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة، تبرز الحاجة إلى إعادة صياغة العلاقات والتحالفات بما يتماشى مع التحديات الجيوسياسية التي تواجهها المنطقة، خاصة بعد تعقيد الملفات الإقليمية وتصاعد التهديدات الأمنية والاقتصادية. وفي هذا السياق، يبرز الحديث مجددًا عن إمكانية تقارب مصري- إيراني، ليس بوصفه ترفًا دبلوماسيًا، بل كضرورة استراتيجية تفرضها لحظة تاريخية فارقة.

محاولة تطويق الدور المصري

منذ سنوات، تتعرض مصر لمحاولات منظمة لتقزيم دورها الإقليمي، عبر تشتيت جهودها في أزمات داخلية اقتصادية واجتماعية، وفرض ضغوط من الشرق والغرب، بالتوازي مع محاولات إزاحتها من ملفات محورية في المنطقة. وقد بدا ذلك واضحًا في تعاطي بعض القوى الإقليمية، وعلى رأسها تركيا، التي رغم خطابها المتغير مؤخرًا، كانت في فترات سابقة تحاول ملء الفراغ الناجم عن انكفاء مصر عن ملفات محورية كسوريا وليبيا وشرق المتوسط.

لكن التحولات الأخيرة في لهجة أنقرة، والتقارب الملحوظ في ملفات الطاقة والمصالح المشتركة، يكشفان عن إدراك تركي متأخر بأن تجاهل مصر لم يعد ممكنًا، وأن أي صيغة إقليمية مستقرة تستلزم وجود القاهرة كشريك أساسي.

إيران.. من خصم إلى شريك في التوازن.. ؟

أما إيران، الدولة التي ظلت علاقتها بالقاهرة مجمدة منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، فإنها تقف اليوم أمام لحظة مراجعة تاريخية، تدرك فيها حاجتها لتفاهمات إقليمية كبرى لكسر عزلتها وتطويق النفوذ الإسرائيلي المتزايد في جوارها العربي.

ورغم التباينات الأيديولوجية والملفات الشائكة بين البلدين، فإن وجود أرضية مشتركة للتفاهم ليس أمرًا مستحيلًا، بل ضرورة إقليمية عاجلة. فإيران، وخصوصًا في ظل الضغوط الأمريكية والعقوبات، تدرك أن مصر ليست مجرد دولة عربية، بل لاعب متزن يمكن أن يعيد صياغة التوازنات بعيدًا عن سياسة المحاور.

من جهة أخرى، لا يمكن إغفال البعد الإنساني والسياسي في موقف مصر التاريخي من قضية الشاه بعد الثورة الإيرانية، حين استقبلت القاهرة أسرة الشاه كموقف إنساني يعكس أخلاقيات الدولة المصرية، رغم الخلاف السياسي. واليوم، وبعد أربعة عقود، يمكن لهذا الموقف أن يكون مدخلًا لفتح صفحة جديدة قوامها الندية والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

نحو مثلث استراتيجي: مصر - تركيا - إيران، ،

في ضوء ما سبق، يمكن التفكير بصوت عالٍ في بلورة مثلث استراتيجي في المنطقة، قائم على تفاهمات غير عدائية بين مصر وتركيا وإيران، يحقق نوعًا من التوازن الجيوسياسي أمام القوى الكبرى، ويمنح شعوب المنطقة فرصة للالتقاط، بعيدًا عن الاستقطابات الحادة.،

هذا المثلث لا يقوم على تحالفات إيديولوجية، بل على منطق المصالح المشتركة وعدم التدخل، واحترام السيادة، والعمل المشترك في قضايا الإقليم، وعلى رأسها فلسطين، والأمن في الخليج، وإعادة الإعمار في سوريا واليمن.

"مصر.. حجر الزاوية""

إن مصر، رغم التحديات الداخلية والضغوط الخارجية، لا تزال حجر الزاوية في أي معادلة استراتيجية في الشرق الأوسط. والتقارب المصري- الإيراني ليس تهديدًا لمحور الخليج، بل يمكن أن يكون عامل توازن، بشرط أن يُبنى على الشفافية والوضوح، ويُدار بعقل الدولة العميقة في القاهرة التي تدرك جيدًا تعقيدات المشهد وخرائط التهديد.، ،

لقد سقطت مشاريع الهيمنة الإقليمية، ولم يعد بإمكان طرف واحد فرض تصوراته أو التمدد على حساب الآخرين. والتاريخ يعلمنا أن القوة لا تصمد طويلًا دون تفاهمات راسخة. وفي هذا السياق، فإن انفتاح القاهرة على طهران - بشروط مصرية واضحة- قد يكون خطوة في طريق استعادة التوازن الإقليمي، بعد سنوات من الفوضى والحروب بالوكالة.، !!

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية، !!

[email protected].. .

المصدر: الأسبوع

إقرأ أيضاً:

مصر وإيران تبحثان قضايا المنطقة .. دعم فلسطيني ولبناني وتسوية نووية مرتقبة

استقبل د. بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة، اليوم الإثنين، عباس عراقجي وزير خارجية إيران، حيث أجرى الوزيران مشاورات سياسية تناولت العلاقات الثنائية وتطورات الأوضاع فى غزة وسوريا ولبنان، فضلاً عن أمن الملاحة فى البحر الأحمر وتطورات المفاوضات الأمريكية - الإيرانية.

وصرح السفير تميم خلاف المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية أن المشاورات تناولت التطورات فى قطاع غزة، حيث استعرض الوزير عبد العاطى الجهود الحثيثة التى تبذلها مصر، بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة، لاستئناف اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ونفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وحشد الدعم الدولى للاعتراف بالدولة الفلسطينية استناداً لحل الدولتين.  

كما تناولت المشاورات التطورات في لبنان الشقيق، حيث أكد الوزير عبد العاطي على مواصلة مصر تقديم كافة أوجه الدعم للبنان وحكومته ومؤسساته الوطنية، معرباً عن رفض مصر المساس بسيادة لبنان وسلامة أراضيه، وضرورة تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية والانسحاب الفوري غير المنقوص للقوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، وتطبيق القرار ١٧٠١ من جانب كل الأطراف دون انتقائية.

وفيما يتعلق بالتطورات في سوريا، أكد الوزير عبد العاطي حرص مصر على دعم الشعب السوري الشقيق، واحترام سيادة ووحدة وسلامة الأراضي السورية، وأن تكون سوريا مصدر استقرار في المنطقة، مؤكدا ضرورة تدشين عملية سياسية جامعة تضم كافة مكونات وأطياف المجتمع السوري لتجاوز هذه المرحلة الدقيقة. 

وتناولت المشاورات التطورات في البحر الأحمر، حيث أكد وزير الخارجية المصرى على ضرورة حماية حرية الملاحة بالبحر الأحمر، وأهمية استعادة الهدوء بالإقليم، مرحباً بالانعكاسات الإيجابية المأمولة للإتفاق الاخير باليمن مع الولايات المتحدة على أمن الملاحة البحرية وحركة التجارة الدولية. 

وأضاف المتحدث الرسمى أن الوزير عبد العاطى استمع من نظيره الايرانى إلى تقييمه بشأن نتائج جولات المفاوضات الخمس بين الولايات المتحدة وايران حول البرنامج النووى الايرانى، معرباً عن التطلع بأن تُكلل تلك المفاوضات بالنجاح، بما يؤدي إلى التوصل إلى تسوية سلمية شاملة ومستدامة تسهم في نزع فتيل التوتر وتحقيق التهدئة وتجنيب المنطقة التصعيد وعدم الاستقرار.

طباعة شارك مصر ايران وزير الخارجية وزير الخارجية الايراني

مقالات مشابهة

  • أمريكا توافق على انضمام إيران لتخصيب اليورانيوم خارج أراضيها والمملكة مرشحة كمركز إقليمي
  • 350 مليار دولار حجم الإنفاق السياحي في الشرق الأوسط بحلول عام 2030
  • الشرق الأوسط بين المطرقة والسندان: حين تُمسك واشنطن وتل أبيب بخيوط اللعبة
  • ترامب يعيد تشكيل اللعبة في الشرق الأوسط: المفاتيح لِمَن؟
  • أحمد موسىى: مصر مصرة على نزع السلاح النووي الإسرائيلي
  • مصر وإيران تبحثان قضايا المنطقة .. دعم فلسطيني ولبناني وتسوية نووية مرتقبة
  • المياه النيابية: العراق يتعرض إلى شحة مياه بسبب إيران وتركيا والسوداني ” ملتهي بولايته الثانية”
  • خالد صديق: مشروع حدائق تلال الفسطاط من أكبر المشاريع في الشرق الأوسط وأفريقيا
  • إيران تعيد تموضع نفسها لمواجهة صعود إسرائيل وتركيا