دمية لابوبو تثير هوسا عالميا ودهشة على المنصات
تاريخ النشر: 5th, June 2025 GMT
وتوصف الدمية بأنها تجمع بين عيون واسعة وأذنين مدببتين وابتسامة مليئة بأسنان حادة وملامح تمزج بين شكل القرد وتعبيرات البراءة، لتصبح إحدى أبرز الظواهر الاستهلاكية المثيرة للجدل في العصر الحديث.
وتحولت هذه الدمية البسيطة إلى مصدر هوس جماعي دفع المستهلكين حول العالم إلى سلوكيات استهلاكية متطرفة، حيث يقف الآلاف في طوابير طويلة وينامون في الشوارع للحصول عليها.
بل وصل الأمر إلى حدوث مشاجرات وصراخ في المراكز التجارية الكبرى مع كل إصدار جديد منها، مما يعكس المدى الذي وصل إليه الهوس بهذه الدمية التي تحولت إلى ظاهرة استهلاكية عالمية.
وواكب هذا الهوس الاستهلاكي ارتفاع جنوني في أسعار الدمية، حيث تنفد باستمرار من المتاجر بسبب الإقبال الكثيف عليها، سواء في المتاجر التقليدية أو عبر الإنترنت.
وبعد أن كان سعرها لا يتجاوز عشرات الدولارات وصل سعر بعض نسخها المحدودة والنادرة على موقع إيباي إلى 7 آلاف دولار، مما يؤكد تحولها من مجرد لعبة أطفال إلى سلعة استثمارية حقيقية.
وقد أدى هذا الارتفاع الخيالي في القيمة إلى ظهور أنشطة تجارية مشبوهة، حيث ضبطت الجمارك الصينية 462 دمية منها كان المقرر تهريبها لإعادة بيعها بهدف الربح السريع، مما يشير إلى تكوّن سوق سوداء حول هذه الدمية البسيطة.
إعلانويعزى جزء كبير من هذا النجاح الاستثنائي إلى تأثير المشاهير ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث يستخدم المعجبون الدمية إكسسوارا فاخرا للحقائب تقليدا لليسا عضوة مجموعة الكيبوب بلاكبينك التي حولتها إلى ترند عالمي، قبل أن تتبعها نجمات عالميات، مما أضفى عليها هالة من الأناقة والرقي.
سر الرغبة في الشراء
ويرجع خبراء التسويق سبب هذه الرغبة الجامحة في شراء الدمية إلى عنصر المفاجأة المدروس، حيث يشتري المستهلك علبة مغلقة دون أن يعرف أيا من دمى لابوبو موجودة داخلها.
يضاف إلى ذلك وجود إصدارات نادرة جدا منها، بالإضافة إلى التأثير القوي للمشاهير ووسائل التواصل الاجتماعي في خلق حالة الهوس الجماعي هذه.
وتكشف القصة وراء إنشاء هذه الدمية عن تطور مثير للاهتمام، حيث ابتكرها الفنان كاسينغ لونغ مستوحيا إياها من الأساطير الإسكندنافية، وقدمها للمرة الأولى عام 2015 ضمن سلسلة كتب مصورة بعنوان "ثلاثية الوحوش".
وفي ذلك الوقت لم تحظ لابوبو بأي شعبية تذكر، ولم تكن تنبئ بالنجاح الساحق الذي ستحققه لاحقا.
الانطلاقة الحقيقية لهذه الظاهرة جاءت عام 2019 عندما عقد لونغ شراكة إستراتيجية مع شركة بوب مارت الصينية التي تخصصت في تحويل لابوبو إلى دمية تباع داخل صناديق مفاجئة مصممة بعناية فائقة.
ظاهرة اجتماعية
واتفق مغردون في حلقة (2025/6/5) من برنامج "شبكات" على أن الدمية أصبحت ظاهرة اجتماعية حقيقية تعكس قوة التسويق الحديث وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي في خلق الترندات، وإن اختلفوا في تقييم قيمتها الفعلية ومبررات انتشارها الواسع.
ووفقا للمغردة رنا، فإن "دمية لابوبو أسوأ هدية شفتها، شكلها كأنها وحش صغير"، وأكملت متسائلة باستنكار "وين الجمال بس؟".
وفي السياق ذاته، انتقدت الناشطة هيوش بحدة أكبر ما وصفته بالاستهلاك الأعمى، حيث تساءلت "شفيكم يا بشر؟ تراها دمية وتعلقونها بشنطة بعد! فوق إنها خايسة، لا فائدة لها ولا معنى"، وحذرت من خطورة "الركض وراء كل ترند".
إعلانفي المقابل، حلل الناشط محمد الظاهرة من منظور تسويقي بحت، مؤكدا أن لابوبو مو بس دمية، هي خدعة تسويقية ذكية تدمج الندرة مع الفضول، وتلعب على أوتار الترند، وتحول لعبة أطفال إلى سلعة استثمارية للكبار والصغار.
وأكد هشام على هذا التوجه بموقف براغماتي واضح، حيث صرح بأنه مع أي حاجة تجيب فلوس ومع أي مخ بيفكر، مشيدا بالشركة الصينية التي "عملت شغل حلو" من الناحية التجارية.
وبفضل هذا الإقبال تضاعفت أرباح شركة "بوب مارت" الصينية المصنعة لدمية لابوبو، وقفزت إيراداتها السنوية بنسبة 107%، لتصل إلى نحو 1.8 مليار دولار تمثل مبيعات لابوبو منها 23%، أي 419 مليون دولار.
الصادق البديري5/6/2025المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
المعجزة الصينية.. و"نظرية القط"
صدق المفكر الفرنسي الشهير "أندريه مالرو" حين قال يومًا عن الصين إنه "بلد صبور جدًّا.. وخاسر من يدخل معه اختبار الصبر"، فيما قال "شواين لاي" رئيس وزراء الصين الأسبق للزعيم الراحل جمال عبد الناصر خلال زيارته للقاهرة عام 1963م.. عبارة أشبه بالنبوءة: "عندما نسبق الغرب ونتخطاه، فإننا سنحول مركز الثقل في العالم، ونعيده إلى الشرق".
ويبدو أن "المعجزة الصينية" قد أوشكت على التحقق، وهي نتاج لخطة منهجية نابعة من فكر الزعيم الصيني الأسبق "دينج شياو بينج" (1904- 1997م)، والذي أعلن في عام 1978م، انفتاح الصين على العالم صائغًا أحد أكبر قصص النجاح في نهايات القرن العشرين، وهي القصة التي نرى فصولها شاخصًة أمامنا حتى اللحظة، حيث تنبأ هذا الرجل أن الصين ستكون القوة العظمى بالعالم بعد 50 عامًا.
ولكي يصل "دينج" إلى مبتغاه، فقد انتهج نظريًة شهيرة عُرفت بـ"نظرية القط"، وهي نظرية اقتصادية براجماتية مفادها "لا يهم إن كان القط أسود أو أبيض، إن اصطاد فأرًا فهو قط جيد"، وتهدف هذه النظرية إلى التأكيد على أن الاقتصاد المخطط والسوق ليسا أداتين متعارضتين، بل يمكن أن تتعايشا، وأن الاقتصاد المخطط يمكن أن يستعير جوانب من اقتصاد السوق لتحقيق التنمية الاقتصادية، وهو ما شكل أساس سياسات "الإصلاح والانفتاح" في الصين. ومن الناحية الفكرية، لا ترفض "نظرية القط" النظرية الماركسية اللينينية، أو "الماوية"- نسبًة إلى "ما وتسي تونج"- ولكنها تتكيف مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية المُعاصرة في الصين.
واستلهامًا من سياسة "لينين" الاقتصادية الجديدة، شجعت "نظرية دينج" على بناء الاشتراكية داخل الصين من خلال جعلها تستوعب بعض "الخصائص الصينية"، والتي استرشدت في الأصل بسياسة الإصلاح الاقتصادي بالصين بهدف التحسين الذاتي والتنمية للنظام الاشتراكي، ولم تقترح نظريته تحسين، أو تطوير النظام الاقتصادي المغلق في الصين، بل اتجهت إلى الإطاحة بالنظام الاقتصادي القائم واستبداله بنظام أكثر انفتاحًا. كما رأى "دينج" أن الاستقرار الداخلي عامل مهم في التنمية الاقتصادية، حيث قال: "الصين في الحاجة الماسة إلى الاستقرار.. وبدون بيئة مُستقرة، لا يمكننا تحقيق أي شيء، بل ربما نخسر ما اكتسبناه".
ومن وجهة نظر "دينج"، كانت المهمة التي تواجهها القيادة الصينية ذات شقين: تعزيز تحديث الاقتصاد الصيني- الحفاظ على الوحدة الأيديولوجية للحزب الشيوعي، وسيطرته خلال الإصلاحات الصعبة التي يتطلبها التحديث.
وقد رأى "دينج" أنه: "فقط من خلال التطوير المستمر للقوى الإنتاجية يمكن لأي بلد أن يصبح قويًا، ومزدهرًا تدريجيًا، مع ارتفاع مستوى المعيشة". كذلك رأى أنه من أجل تحقيق الاشتراكية، وسد الفجوة بين الصين والرأسمالية الغربية، فإنه يتعين على الصين استيعاب بعض عناصر السوق، وأبعاد الرأسمالية في اقتصادها، غير أن تطبيق ذلك يجب أن يكون من خلال الدولة، وهذه المبادئ- في رأي "دينج"- سَمحت بتفسير أكثر ليبرالية لتحديث الصين إلى دولة اشتراكية نموذجية، وهذه الأبعاد تشمل خصائص السوق مثل: التخطيط والإنتاج والتوزيع والتي يمكن تفسيرها على أنها اشتراكية بالأساس.
ومن المبادئ الأساسية في فكر "دينج" ومدرسته، اتخاذ موقف رافض للغاية ضد أي شكل من أشكال "عبادة الفرد" التي تجلت في الصين خلال حُكم "ماو تسي تونج"، والاتحاد السوفيتي تحت حُكم "ستالين"، كما تُقلل النظرية من شأن تركيز "الماويين" على الصراع الطبقي على أساس أن هذا الصراع من شأنه أن يصبح عائقًا أمام التنمية الاقتصادية، وبموجب هذا الرأي، فإن التمسك بفكر "ماو تسي تونج" لا يعني التقليد الأعمى لأفعاله.
وأخيرًا.. فقد لعبت "نظرية القط" دورًا حاسمًا في تحويل الصين من "اقتصاد التخطيط المركزي" الذي كانت تُسيطر عليه الدولة بالكامل سابقًا إلى "اقتصاد السوق الاشتراكي"، مما أدى إلى زيادة سريعة في النمو الاقتصادي داخل البلاد، مما أدى إلى تحقيق "المعجزة الاقتصادية الصينية".