البعد الأخلاقي في مسيرة الابتكار الإنساني (3- 3)
تاريخ النشر: 14th, June 2025 GMT
عبيدلي العبيدلي **
الأطر الأخلاقية الدولية التي تضمن احترام حقوق الإنسان أثناء تطوير التكنولوجيا الجديدة المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان :(UNGPs) بوصف كونها قادرة على أن تحدد مسؤوليات الشركات والحكومات لضمان احترام حقوق الإنسان في العمليات كافة. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: كونه الوثيقة الدولية المرجعية الأساسية لكل السياسات والممارسات، بما فيها تلك التي تنحصر تأثيراتها في المحيطين المحلي أو الإقليمي.
اتفاقية مجلس أوروبا الإطارية بشأن الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان: فهي أول صك دولي، رسمي، متفق عليه، وملزم قانونيًا لضمان توافق أنشطة الذكاء الاصطناعي مع حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون. توصية اليونسكو بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي: فهي التي وضعت معايير عالمية لضمان أن تطور التكنولوجيا يتم وفق ضوابط أخلاقية متينة، راسخة، مع احترام الكرامة وحقوق الإنسان. المعايير الوطنية والاستراتيجيات الرقمية: نماذج مختارة من الاستراتيجيات الوطنية التي تدمج حقوق الإنسان في جميع مراحل تطوير التكنولوجيا. التمسك بالقيم الأخلاقية والمجتمعة كي تصبح دافعًا لتعزيز الإبداع بدلاً من عرقلته تعزيز الثقة والقبول المجتمعي: ينال الابتكار الأخلاقي قبولاً أوسع، يعزز ثقة المجتمع والمستثمرين، ما يفتح آفاقاً أوسع للنمو والتوسع. توسيع قاعدة الأفكار: إشراك فئات متنوعة، لكن متجانسة فكريًا ومجتمعيًا، وأخذ القيم الأخلاقية في الاعتبار، يفتح المجال لأفكار جديدة أكثر شمولية وابتكاراً. تحفيز حلول مستدامة: التركيز على الأثر الاجتماعي والبيئي يقود إلى ابتكارات تخدم المجتمع على المدى الطويل، ولا يقاصر دورها فقط على تحقيق العائد الربحي السريع. بناء سمعة إيجابية: تكتسب المؤسسات التي تلتزم بالأخلاقيات سمعة حسنة قوية تجذب المواهب والشركاء والعملاء. تحويل التحديات الأخلاقية إلى فرص ابتكارية: معالجة المشكلات الأخلاقية (مثل الخصوصية أو الشمولية) يدفع لتطوير تقنيات ومنتجات جديدة تلبي هذه الاحتياجات.
وكما تؤكد الخبرات الدولية، فإن احترام الحقوق والحريات "يمكن أن يكون محفزاً لابتكار أوسع نطاقًا ... ويفتح آفاقاً جديدة لابتكارات وتقدم أكبر وأكثر عمقاً وإنسانية".
ولا بج هنا من تقييم حقوق الإنسان والمعايير الأخلاقية الدولية، من أجل إشراك عموم المجتمع وأصحاب المصلحة، على نحو خاص لتبني ثقافة أخلاقية راسخة، تشكل في مجموعها حزمة عناصر تضمن أن الابتكار لا ينتهك كرامة الإنسان، بل يكون قوة دافعة للإبداع والتقدم المستدام من أجل، تحقيق الأهداف التي تصب في إطار ربط خطوات الإبتكار القائم على مكونات الذكاء الاصطناعي التي تضمن:
احترام تقنيات تحترم حقوق الإنسان في إطارها التشريعي العام كي يتسنى لها منع انتهاك كرامة الأفراد. تكريس القيم والمقاييس الأخلاقية التي تساعد الجهات المعنية على تقييم أخطار وفوائد مشروعات الابتكاري بشكل فعال إشراك المجتمع وأصحاب المصلحة في وضع معايير أخلاقية للمشروعات والمنتجات الابتكارية. التقيد بالأطر الدولية التي تضمن احترام حقوق الإنسان أثناء تطوير التكنولوجيا الحديثة. تعزز قيم ومقاييس التمسك بالقيم الأخلاقية من في عمليات بناء وتشغيل المشروعات الابتكارية بدلاً من عرقلتهاخلاصة
في ضوء كل ما تقدم، يتضح أن الابتكار الأخلاقي هو السبيل الأمثل، والأكثر فعالية، لتحقيق التنمية المستدامة، والتقدم الحقيقي في المجتمعات. فالتمسك بالقيم الأخلاقية في كل مراحل الابتكار — من الفكرة إلى التطبيق، والإنتاج، بل وحتى الترويج يضمن أن تكون النتائج عادلة، وشاملة، وتحترم كرامة الإنسان وحقوقه. إن تقييم الأثر الأخلاقي، وإشراك المجتمع وأصحاب المصلحة، والالتزام بالأطر الدولية لحقوق الإنسان، كلها أدوات عملية تجعل من الابتكار قوة إيجابية تعزز الثقة، وتدفع نحو حلول تخدم الجميع.
على سبيل المثال، في مجال الذكاء الاصطناعي، تلتزم كبرى الشركات التقنية اليوم بمبادئ "الذكاء الاصطناعي المسؤول"، الذي يضمن عدم التمييز، وحماية الخصوصية، وشفافية الخوارزميات، ما عزز ثقة المستخدمين وفتح آفاقًا جديدة للتطبيقات النافعة في الصحة والتعليم والبيئة. وفي قطاع الصحة، أدى الالتزام بأخلاقيات البحث العلمي إلى تطوير لقاحات وأدوية تراعي موافقة المرضى وحقوقهم، ما ساهم في إنقاذ ملايين الأرواح وبناء جسور ثقة بين العلماء والمجتمع.
أما في مجال الاقتصاد البرتقالي وريادة الأعمال الاجتماعية، فإن المشاريع التي توازن بين الابتكار والقيم الأخلاقية — مثل الشركات التي تنتج منتجات صديقة للبيئة أو تدعم المجتمعات المحلية — تحقق نجاحًا مستدامًا وتترك أثرًا إيجابيًا طويل الأمد. فمثلاً، منصات التعليم المفتوح (MOOCs) التي تتيح محتوى علميًا مجانيًا للجميع، تمثل ابتكارًا أخلاقيًا يحقق العدالة في الوصول إلى المعرفة ويعزز فرص التنمية في المجتمعات الأقل حظًا.
من جهة أخرى، من الطبيعي أن يؤدي تجاهل البعد الأخلاقي في الابتكار إلى نتائج كارثية، مثل انتهاك الخصوصية، أو نشر خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل، أو تعميق الفجوة الرقمية بين المجتمعات. لذا، فإن التمسك بالقيم الأخلاقية لا يعوق الإبداع، بل يوجهه نحو أهداف أسمى، ويمنحه الشرعية والقبول المجتمعي، ويحول التحديات الأخلاقية إلى فرص لتطوير حلول مبتكرة تراعي الإنسان والبيئة معًا.
في النهاية، الابتكار والأخلاق هما جناحان لا غنى لأحدهما عن الآخر في رحلة بناء مستقبل أكثر عدالة واستدامة وازدهارًا. وكلما تعمق التفاعل بينهما، زادت قدرة المجتمعات على تحويل الأفكار الجديدة إلى واقع أفضل للجميع.
ومن الطبيعي، والمتوقع أيضا، أن شهد مسير استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي في صناعيات ومشروعات الابتكار، صراعًا متوازيًا بين قوى الشر بأنانيتها الجشعة، وقوى الخير بطموحاتها المشروعة حربَا غير معهودة بحكم شدة شراستها، وسعة دائرة انتشارها.
وكل ما يتمناه الصالحون من القوم أن يكون الانتصار من نصيب قوى الخير.
** خبير إعلامي
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تحركات مصرية وأفريقية لربط قضايا حقوق الإنسان بالسياسات المناخية
شارك المجلس القومي لحقوق الإنسان في الاجتماع الذي عقدته الشبكة الإفريقية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (NANHRI) عبر تقنية الزووم، والذي خُصص لمناقشة دور المؤسسات الوطنية في مواجهة التغيرات المناخية وتأثيراتها على حقوق الإنسان.
جاء ذلك في إطار التحضير لمذكرة قانونية استشارية ستُقدَّم إلى المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بشأن الالتزامات الإيجابية للدول الإفريقية في هذا السياق.
ومثّل المجلس خلال الاجتماع نهاد أبو القمصان عضو المجلس، والتي أكدت أن المجلس يضطلع بدور فاعل في ربط قضايا حقوق الإنسان بالسياسات المناخية، مشيرة إلى أن هذه المشاركة تأتي امتدادًا لحضور مصر في المحافل الإقليمية والدولية ذات الصلة، وفي مقدمتها استضافة الدولة لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ COP27، وما تبع ذلك من اعتماد الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، التي تمثل إطارًا شاملًا يوازن بين اعتبارات التنمية المستدامة وحماية الفئات الهشة من آثار التغيرات البيئية.
وأضافت أن المجلس يضع في صميم أولوياته تعزيز الحقوق البيئية كجزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان، وأنه سيشارك في مؤتمر المناخ القادم ضمن جهوده المتواصلة في هذا المجال الحيوي، مؤكدة أن التصدي لتأثيرات التغير المناخي يستدعي تنسيقًا فعّالًا بين المؤسسات الوطنية المعنية، والعمل على تطوير السياسات العامة والتشريعات الكفيلة بضمان الحماية الشاملة للفئات الأكثر تأثرًا وعلى رأسهم النساء، الأطفال، كبار السن، وذوو الإعاقة.
وأوضحت أن الاجتماع تناول آليات التعاون بين المؤسسات الأعضاء في شبكة NANHRI من أجل إعداد مذكرة قانونية استشارية (Amicus Curiae Brief) ستُقدَّم إلى المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، بناءً على طلبها لإبداء الرأي بشأن التزامات الدول الإفريقية في حماية الحقوق الأساسية في ظل أزمة المناخ، مشيرة إلى أن الأمانة العامة للمجلس تلقت في هذا الإطار نموذجًا استرشاديًا لتجميع المعلومات حول الأطر القانونية، والسياسات البيئية، والتدابير المعتمدة لحماية الفئات الضعيفة.
وأكدت "أبو القمصان"، أن المجلس بدأ بالفعل العمل على مراجعة وتعبئة النموذج وفقًا للواقع الوطني، بما يتضمن تقديم بيانات دقيقة حول التشريعات والسياسات ذات الصلة، وعرض الأمثلة على التدخلات الإيجابية والتحديات القائمة، بالإضافة إلى اقتراح توصيات قابلة للتنفيذ تعكس التجربة المصرية، وتُسهم في إثراء المذكرة القانونية الإفريقية الجماعية.
وشددت "أبو القمصان"، أن هذه المشاركة تمثل محطة مهمة لنقل الرؤية المصرية إلى المنصة الإفريقية، وإبراز التقدم المحرز على صعيد التفاعل مع قضايا المناخ من منظور حقوقي، مؤكدة أن المجلس سيعمل على التنسيق مع الجهات الحكومية وغير الحكومية ذات الصلة، وعلى رأسها وزارة البيئة، وزارة التضامن الاجتماعي، والمجلس القومي للمرأة، لضمان شمول الرد وتكامله.
ويأتي ذلك في سياق استعدادات المجلس للمشاركة في الدورة الثلاثين لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP30)، المقرر عقده في البرازيل عام 2025، بما يعكس حرص المجلس على التفاعل المبكر مع مخرجات الأجندة المناخية ، والمساهمة في صياغة رؤية موحدة تُعزز حضور القضايا الحقوقية في المناقشات المناخية العالمية.