لجريدة عمان:
2025-08-03@07:32:03 GMT

حوار الحضارات في ظل الصراع

تاريخ النشر: 14th, June 2025 GMT

في عام 2024 تقدمت جمهورية الصين الشعبية بطلب إلى الأمم المتحدة بشأن اعتماد العاشر من يونيو من كل عام يوما دوليا للحوار بين الحضارات، بتأييد من أكثر من ثمانين دولة مثَّلت أعضاء المنظمة؛ لما للحوار من أهمية قصوى في ظل الصراعات التي يشهدها العالم اليوم، وحالات عدم الاستقرار التي أصبحت تتعاظم في زمن حلَّت فيه القوة محلَّ الحوار والسلام والتفاهم.

إن هذه الدعوة إلى تخصيص يوم للحوار بين شعوب العالم وأُمَمه تؤكد أهمية حماية كرامة الإنسان وحقوقه؛ فالحوار يعزِّز قيمة التنوُّع الثقافي، وقدرته على بناء مجتمعات يسودها الاحترام والتفاهم، وتقدير مفاهيم الأديان والمعتقدات والفكر الإنساني وقيمه؛ لأنه ينبني على التشاور المشترك، والتفاعل الثقافي، والقدرة على التكيُّف مع الآخر باعتباره فكرا له إنسانيته، واستقلاليته المعرفية.

ولهذا؛ فإن حوار الحضارات يقدِّم نفسه باعتباره مجالا للتكيُّف مع الأفكار المخالفة، والتعامل مع التنوُّع الثقافي والديني وحتى السياسي؛ فالتنوُّع إحدى النعم التي تعبِر عن أهمية التواصل الحضاري بين الشعوب والمجتمعات، والتبادل المعرفي على كافة المستويات الاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية. إن الحوار يشكل بنية أساسية لمواجهة التحديات خاصة في العصر الحالي الذي تزداد فيه الصراعات سيما على المستوى السياسي والاقتصادي. وبالتالي؛ فإن بناء جسور من العلاقات الإنسانية الدولية، وترسيخها بالانسجام والترابط سيولِّدان وعيا على المستوى المحلي والدولي بالقيمة المرجعية للحوار في ظل تلك الأزمات.

يؤسِّس الحوار بيئة تنموية قادرة على تحسين العيش في المجتمعات، وتنمية الابتكار من خلال التبادلات التقنية، والاستثمار الدولي المشترك، والاستفادة من الموارد الطبيعية، والخبرات البشرية المهارة، الأمر الذي يُسهم مباشرة في تطوير آفاق التنمية المجتمعية، ويساعد على تحقيق الأهداف الوطنية للبلدان؛ فالحوار يتجلى في العديد من التبادلات والتعاونات التعليمية، والثقافية، والاقتصادية، وغيرها من المجالات التي تدعم الانسجام بين شعوب العالم، ومجالات الترابط والتواصل.

وعلى الرغم من أهمية الحوار في ظل الانفتاح، والتسارع المعرفي؛ إلاَّ أن العالم يعيش مجموعة من المفارقات على المستوى العالمي من حيث التطورات الهائلة المرتبطة بالثورة التقنية والمعلوماتية، والتطورات في اقتصاديات المعرفة، والطاقات البديلة والدعوات الدولية إلى الحفاظ على البيئة وحمايتها، وتوحيد الأسواق العالمية، وتجاوز الحدود وغيرها. ومن جهة أخرى سنجد ذلك التصدُّع الفكري المتطرِّف، وصراعات القوى العسكرية والاقتصادية التي تزداد تفاقما كلما تعاظمت المصالح المتضادة، وتوحدَّت القوى الكبرى الغاشمة ضد القوى المستضعفة.

فهذه التناقضات على المستوى العالمي - أو فلنقل: الاتجاهات المتقابلة في الرؤى - تقدِّم تبريرا أساسيا لأهمية الحوار، والدعوة إلى السلام والتفاهم والنقاش؛ لإيجاد حلول تحمي حقوق الإنسانية، وتدعم تنمية المجتمعات ورفاهها. فالحوار يربط بين شعوب العالم، ويُسهم في تحقيق الأهداف التنموية الوطنية والعالمية، ويجسِّد منهج التوسط، والتوازن، والاعتراف بالمجتمع الدولي القائم على العدالة.

إن الصراعات السياسية والاقتصادية التي يعيشها العالم اليوم لا تكشف عن وعي المجتمعات والأمم بأهمية الحوار الحضاري، ولا تنم عن العقلانية التي يفترض أن يتحلى بها عالم القرن الحادي والعشرين في ظل التطورات التقنية والإمكانات المعرفية التي يتميَّز بها، وقدرة دول العالم على تبني مفاهيم تطويرية لمجتمعاتها قائمة على التبادل والتفاهم، وتجاوز آثار الإيديولوجيات المتطرِّفة، إلاَّ أنه في الواقع أن العالم بدأ يعج بالتحديات الناشئة عن التطرُّف الديني والسياسي والاقتصادي الذي يجب على المجتمعات مواجهته من خلال ترسيخ مبادئ الحوار، وقيم المساواة والعدالة لأفراد المجتمع.

ولقد رسَّخت عُمان مبادئ الحوار منذ قديم الأزل وها هي اليوم تسعى جاهدة من خلال العديد من المبادرات والمواقف الإنسانية الراسخة القائمة على الدعوة إلى الحوار والتفاهم والسلام ومبادئ التعايش؛ إذ حرصت على بناء جسور من علاقات الأخوة والصداقة بينها وبين دول العالم، وعزَّزت التعاونات الدولية من خلال مذكرات التفاهم، والاتفاقيات الدولية، والزيارات السلطانية التي تمثِّل نموذجا أصيلا من نماذج ذلك الحوار الذي يكشف الوعي الحكيم بأهمية تأصيل الحوار، وترسيخ التبادلات المشتركة القائمة على الاحترام، والدعوة إلى الاستقرار العالمي الداعم لتنمية المجتمعات ورفاه الشعوب.

إن عُمان من بين تلك الدول التي عُرفت بحكمتها، ودعوتها إلى السلام والإخاء، وما تقدمه من جهود سواء على مستوى معرض رسالة الإسلام الذي ينشر الوعي بالقيم الإنسانية، أو المعارض الثقافية والسياحية ، أو ما تقوم به سفينة شباب عمان باعتبارها رمزا إنسانيا داعيا إلى الحوار والسلام والتعايش، أو تلك المشاركات الفاعلة في المنظمات والمؤتمرات الإقليمية والعالمية ، أو ما يقوم به الإعلام العماني من برامج وثائقيات متنوِّعة متخصصة في الحوار الثقافي، والتعايش الفكري والحضاري، إضافة إلى جهود الدبلوماسيات الخارجية، وما تقدمه في سبيل تعزيز آفاق التعاون، والتبادل المشترك، والتأكيد على مبادئ الحوار والتفاهم بما يخدم الشعوب.

ولعل ما تبديه عُمان من مواقف راسخة ومبادئ ثابتة إزاء القضايا الإقليمية والدولية، والتأكيد على أهمية حماية كرامة الإنسان وحماية حقوقه المشروعة، واحدة من الأُسس التي تتبناها في ظل تباين العديد من المواقف القائمة على المصالح، خاصة والعالم يمر بحالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي جعلت الكثير من دول العالم من حالة من الارتباك، غير أن عُمان لم تحد عن مبادئها الراسخة التي استمدتها من يقينها الحضاري القائم على الفكر الثاقب، والثقة، والحكمة المستلهمة من هُويتها الوطنية الضاربة في القِدم.

فالحوار يُعدُّ أرضية مشتركة للعالم يتصدى من خلاله للكثير من التحديات العصيِّة الملحة، فمتى وِجد الحوار والنقاش انفتحت أبواب من التفاهم والتعايش والعدالة؛ إذ يُعزِّز السلم الذي ينشده العالم سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي. فهناك صراعات وحروب عسكرية واقتصادية وتقنية، وتوترات قائمة على الانغلاق والتطرُّف أبادت شعوبا، ودمَّرت مجتمعات، وأخرى تعج بالمجاعات والأوبئة والفقر. إنها حروب وصراعات لا منتصر فيها سوى الدمار والخراب، وتشرُّد الشعوب، وهذا ما نجده بوضوح في فلسطين، وسوريا، والسودان، حتى في أوكرانيا، ودول إفريقيا، وغيرها من دول العالم الواقعة تحت وطأة الصراعات والحروب.

فما أحوجنا اليوم للحوار الحضاري بين شعوب العالم، الحوار الذي تدعو إليه عُمان وغيرها من الدول الحكيمة التي تقدِّم المصلحة الإنسانية فوق المصالح كلها، وتجعل من حماية كرامة الإنسان وجوهره أصلا وغاية لا تحيد عنها. فكيف احتفل العالم احتفاله الأول باليوم العالمي للحوار الحضاري بينما هناك شعوب تُقتل، وأخرى تُشرَّد، وثالثة تفتك بها الأوبئة؟!

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بین شعوب العالم على المستوى دول العالم من خلال

إقرأ أيضاً:

تكليفات وتنقلات بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وأجهزة عدة مدن .. تفاصيل

أصدر المهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، قرارا بحركة تكليفات وتنقلات بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وأجهزة عدة مدن، وذلك في ضوء ظروف العمل ومتطلباته في المرحلة الحالية.

ونص القرار على أن يتولى المهندس، مصطفى سعيد أحمد، العمل رئيسا لجهاز تنمية مدينة أسوان الجديدة ومشرفاً على أجهزة مدن توشكى الجديدة / طيبة الجديدة / قنا الجديدة / غرب قنا )، و عبد الوهاب محمد عباس موصلي، الإشراف على الشئون العقارية بأجهزة مدن الساحل الشمالي الغربي، ويكون مقر عمله القطاع الثاني للساحل الشمالي الغربي، والمهندس طارق جمال الدين محمد، العمل رئيسا لجهاز تنمية مدينة الصالحية الجديدة، والمهندس أشرف أحمد محمد السماليجي، العمل رئيسا لجهاز تنمية مدينة بورسعيد الجديدة"سلام" ومشرفا على مدينة غرب بورسعيد. 

وزارة الإسكان تطلق تقرير متابعة تنفيذ الخطة الحضرية الجديدةوزير الإسكان يتفقد مشروع التجمع العمراني "صوارى" بمنطقة غرب كارفور بالإسكندريةالإسكان: إطلاق التقرير الوطني الطوعي الثاني لمتابعة الخطة الحضرية الجديدة

كما نص القرار على أن يتولى المهندس أيمن رشاد عبد الحميد، العمل رئيسا لجهاز تنمية مدينة سوهاج الجديدة، والمهندس أحمد ابراهيم أنور، العمل رئيسا لجهاز تنمية مدينة النوبارية الجديدة، والمهندس خالد نايف عبد العزيز، العمل رئيسا لجهاز تنمية مدينة ١٥ مايو، والمهندس محمد عبد العزيز محمد عامر، العمل رئيسا لجهاز تنمية مدينة سفنكس الجديدة، والمهندس شريف عبد البديع محمد، العمل رئيسا لجهاز تنمية مدينة الفيوم الجديدة ومشرفا على مدينة الفشن الجديدة.


وتضمن القرار أن يتولى  المهندس محمد متولی صابر، العمل رئيسا لجهاز تنمية مدينة أسيوط الجديدة، والمهندس  ياسر عبدالله رمضان، العمل رئيسا لجهاز تنمية مدينة قنا الجديدة، والمهندس محمد أحمد زكريا عبد الحفيظ، العمل رئيسا لجهاز تنمية مدينة رشيد الجديدة ومشرفا على منطقة غرب كارفور، والمهندس على محمد سعد على، الإشراف على جهاز تنمية مدينة الفيوم الجديدة ويكون مقر عمله جهاز المدينة.

كما نص قرار المهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان، على أن يتولى المهندس السيد إبراهيم محمد أمين، العمل رئيسا لجهاز تنمية مدينة بدر، والمهندس محمد محمود الشربيني الغمراوي، العمل رئيسا لجهاز تنمية مدينة برج العرب الجديدة، والمهندس السيد أحمد محمود محمد همام، العمل رئيسا لجهاز تنمية مدينة المنصورة الجديدة، والمهندس أيمن محمد عبدالتواب منصور ، مشرفا على  أعمال مشروعات الضبعة ويكون مقر عمله الضبعة.

طباعة شارك وزارة الاسكان المهندس شريف الشربيني اخبار مصر مال واعمال المدن الجديدة مدينة توشكي الجديدة الساحل الشمالي الغربي مدبنة بورسعيد الجديدة

مقالات مشابهة

  • أولوية الصلاة تشعل حربا عجيبة بين كمبوديا وتايلند
  • حركة تكليفات وتنقلات بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وأجهزة عدة مدن
  • حوار ثقافي حول الملحن المصري كمال الطويل في المنتدى الاجتماعي بدمشق
  • واكوا الجراب على العقاب
  • تكليفات وتنقلات بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وأجهزة عدة مدن .. تفاصيل
  • البزري يعلن تأهل صيدا في مسابقة عاصمة المدن المتوسطية للحوار الثقافي
  • فارسين شاهين: لا حوار مع حماس ووقف الحرب مسؤولية دولية تقودها واشنطن
  • كيف تصنع الشاشات اكتئابا جماعيا؟
  • ما تأثير وجود حكومتين على الصراع العسكري في السودان؟
  • قيادي بفتح: من لا يشكر مصر لا يفهم طبيعة الصراع ولا يقدّر التضحيات