"الحرب لم تعد بالبندقية فقط، بل بالفكرة"، ربما تدرك إسرائيل هذه القاعدة أكثر من أي كيان آخر، ولذلك وضعت خطة طويلة الأمد لاجتياح العقول قبل الأوطان. فمنذ إعلانها عام 1948، وهي لا تكتفي بالتوسع الجغرافي، بل تتقن التمدد الناعم داخل المجتمعات. وبعد هزيمتها في حرب أكتوبر،اويمكن ان نوصفها بهزيمتها الوحيدة والكبرى في الشرق الأوسط،  تحوّلت استراتيجيتها من المواجهة المباشرة إلى إنهاك الخصوم من الداخل، عبر أدوات أقل صخبًا وأكثر تأثيرًا.


في مساء عادي، قد لا يدرك كثيرون أن ما يشاهدونه، أو ما ينتشر في الشارع من مواد مخدرة، هو جزء من مخطط محكم لبناء بيئة منهكة نفسيًا وثقافيًا. انتشرت خلال العقد الأخير أنواع جديدة من المخدرات مثل الكبتاجون والهيدرو، مواد رخيصة وسهلة الصنع، ويُعتقد أن خطوط إنتاجها تمتد إلى جهات مرتبطة بإسرائيل أو تمر عبر أراضيها. الهدف واضح: ضرب وعي الأجيال، تمزيق الإدراك، وتفكيك المجتمعات بهدوء.
ثم يأتي الفن، المنصة التي ما دام كانت ساحة ناعمة للصراع. عبر محتوى موجه على منصات مثل نتفليكس، شاركت إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر في إنتاج أعمال تُجمّل صورتها، وتُظهرها كدولة الحرية والديمقراطية، مقابل تشويه صورة العرب، وخصوصًا الفلسطينيين، مع تمرير ثقافات دخيلة مثل الشذوذ وتزييف الحقائق التاريخية. عمل فني واحد قد يترك تأثيرًا أقوى من خطاب سياسي طويل، وهذا ما تفهمه إسرائيل جيدًا.
ولم تكتفِ بذلك، بل وجدت في مواقع التواصل الاجتماعي فرصة ذهبية لتسويق روايتها. حسابات ناطقة بالعربية بدأت في ضخ محتوى يُظهر إسرائيل كدولة متقدمة تحب السلام، وينشر صورًا لأطباء إسرائيليين ينقذون أطفالًا، أو جنود يوزعون الحلوى، أو حتى وصفات أكل وموسيقى مشتركة مع العرب. كل ذلك لصناعة وهم أن إسرائيل دولة “عادية”، يمكن أن تكون صديقة، وأن العداء معها مجرد إرث قديم يجب مراجعته. التسويق الناعم للعدو، بلغة مألوفة وبوجوه مبتسمة، كان ولا يزال من أخطر ما فعلته تل أبيب خلال العقد الأخير.
وما قبل اندلاع الحرب الأخيرة في غزة، كانت إسرائيل تُسرّع من خطوات التطبيع مع عدة دول عربية، وتُرتب علنًا لاتفاقيات تجارية وأمنية وسياحية تُنهي مرحلة العداء. كانت تسعى لتقديم نفسها كـ”شريك طبيعي” في المنطقة، يملك مفاتيح التكنولوجيا والسلام. لكن فجأة، اندلعت الحرب. ومع توالي الأحداث، بدأ يظهر أن توقيتها لم يكن محض صدفة، بل حلقة في مسلسل مرسوم بدقة. فكلما اقتربت من الوصول لمرحلة “القبول الكامل”، اشتعلت مواجهة تُعيد تشكيل الصورة وتُعيد خلط الأوراق، لكن ضمن إطار مخطط لا عشوائية فيه. حرب غزة الأخيرة لم تكن رد فعل، بل خطوة محسوبة ضمن مشروع الهيمنة على المنطقة نفسيًا وعسكريًا وسياسيًا.
المثال الأوضح على هذا التسلل الناعم كان مسلسل “طهران”، إنتاج درامي يعرض قصة عميلة موساد تتسلل إلى إيران. ورغم أنه يبدو مجرد عمل فني، إلا أن تسلسل الأحداث، وطبيعة المهام، تتطابق بشكل مدهش مع عمليات وقعت فعلًا داخل إيران خلال السنوات الأخيرة. هنا لا يكون العمل مجرد دراما، بل شفرة استخباراتية، ورسالة موجهة ومسبقة التوقيت.
نحن أمام مشروع لم يعد نظريًا، بل قائم، يستهدف لا الجيوش، بل العقول. والمجتمعات التي لا تملك وعيًا حقيقيًا ولا درعًا ثقافيًا ستسقط دون أن تطلق فيها رصاصة واحدة، ومصر حتى اليوم صامدة بفضل أجهزتها الاستخباراتية ويقظتها، لكن المعركة ما زالت طويلة، والعدو أكثر دهاءً مما يبدو.

المصدر: بوابة الفجر

إقرأ أيضاً:

محمد عبد الجواد يكتب: وضاقت عليهم الأرض بما رحبت !!

إنه الله يمهل الظالم ويمنحه الفرصة للتوبة والعودة إلى طريق الصواب من جديد ويصبر عليه طويلا لكنه حينما يتمادى في ظلمه وتجبره، ولا يوجد في قوس الصبر منفذ له يأخذه أخذ عزيز مقتدر ليحاسبه بقسوة على كل ما ارتكبه من جرائم وآثام وظلم وعلو وبطش وسفك دماء . 
هذا هو الوضع الحالي لإسرائيل وقيادتها  الموتورة التي تفننت في القتل والترهيب والتدمير وهدم المنازل والحصار والتجويع والتشربد، ولم تفرق بين طفل بريء وامرأة ثكلى وشاب يحلم بمستقبل يحقق فيه أحلامه وشيخ يسأل الله حسن الخاتمة لحياته.
إسرائيل الآن تعيش حالة من الهلع والخوف والرعب والفزع والهروب من فوق الأرض للاختباء تحت الأرض، مثل الصراصير في مواسير الصرف الصحي؛ لأنها كيان يضم شعبا مفككا ومنحلا وغير متجانس ومتناقض يعيش على وهم القوة وابتزاز العالم لذلك فالشماتة في كل ما يحدث لإسرائيل الآن واجب على كل مسلم أو من كان لديه ذرة من إنسانية؛ لأن إسرائيل فجرت وتجبرت على الفلسطينيين الأبرياء العزل وحركت آلات القتل الفتاكة في ترسانتها العسكرية ومارس الاحتلال ضدهم أبشع أنواع الظلم والبطش والتنكيل والقتل والتعذيب والحصار والتجويع ودمرت منازلهم وأجبرتهم على التشرد والنزوح من مكان إلى مكان وسط ظروف إنسانية بالغة السوء وصمت دولي مطبق تفوق على صمت القبور وكأن العالم مات ضميره ونزعت منه الرحمة وماتت بداخله الإنسانية وشيعها إلى مثواها الأخير، ولم يحرك ساكنا ضد كل ما حدث من جرائم وتنكيل وسفك دماء وكأن الضمير العالمي دخل في مرحلة الغيبوبة أو الموت السريري.
وصدق الله العظيم حين قال في كتابه العزيز: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ . 

فالقيادة الإسرائيلية الغبية ارتكبت أكبر حماقة في تاريخها بالاعتداء الجنوني على إيران واغتالت عددا كبيرا من قياداتها العسكرية والاستخباراتية والعلماء البارزين في المجال النووي، والهجوم على منشأتها العسكرية والنفطية بفعل الخيانة من الداخل وتخيلت أن الأمور ستسير على هواها بلا حساب وكأنها في نزهة كما هو الحال في غزة ولكن تمكنت إيران من لملمة جراحها بسرعة ومعالجة صدمة الضربة العنيفة، وقبل مرور 24 ساعة بدأت ماراثون الثأر من الدولة المارقة والقيادة المجنونة والجيش المتغطرس والشعب المتكبر المتجبر، ووجهت ضربات عنيفة للبنية التحتية والمنشآت النفطية والعسكرية وميناء حيفا ومطار بن جورين وعدة مدن أخرى حولت الصواريخ الإيرانية الفتاكة ليلها إلى نهار بفضل قوة النيران والتفجيرات التي شهدتها هذه المدن وأدخلت الرعب والفرع إلى قلوب 8 ملايين شخص ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ونزحوا إلى الملاجئ التي اكتظت بهم وضاقت عليهم، وأصبحت الدولة العبرية غارقة في الرعب والهلع ولم يعد بها أي مكان آمن وهرب كبار رجال الدولة إلى مخابئ تحت الأرض مثل الجرذان المذعورة وبدأ قادتها يولولون كالحريم ويطلبون العون والمساعدة والمدن من كفيلهم ترامب ودراويشه وتابعيه وخدامه ومريديه؛ للبحث عن طوق نجاة ينقذهم من الغرق في مستنقع انتهازية نتنياهو الباحث عن حماية نفسه وتحصينها من المحاكمة بتهم الفساد والفساد. 
ولأن الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون وكما تدين تدان نجحت صواريخ ومسيرات إيران في تحويل عدد كبير من المباني داخل إسرائيل إلى أطلال وأثر بعد عين في إعادة استنساخ ما فعلته في غزة وتم تسوية أحياء كاملة في تل أبيب وبات يم وحيفا بالأرض وأصبح صوت الانفجارات التي تهز الكيان المغتصب أشبه بمعزوفة موسيقية من سيمفونيات بيتهوفن وشوبر وموتسارت.
سكان إسرائيل المخدوعون بتضليل وخداع حكوماتهم المتعاقبة وجدوا أنفسهم في أول اختبار حقيقي لمواجهة مع جيش نظامي بلا أي حماية من حكومة تتصف بالحماقة والغرور والمجازفة لأنها اعتقدت أن السيطرة دانت لها على الشرق الأوسط بعد ما فعلته في لبنان وغزة وحملة الاغتيالات الممنجهة لقيادة بارزة في حماس وحزب الله وتوهمت أنها ستفعل نفس الأمر مع إيران ناسية أو متناسبة أن إيران دولة وجيش ولا وجه للمقارنة بينها وبين حماس وحزب الله لأنها تمتلك جيش كامل ولديها طائرات وقوة نيران صاروخية أشعلت النار في غالبية المدن الإسرائيلية لأن الطيران هو الذي منح لإسرائيل التفوق على حماس وحزب الله وسوريا واليمن ولولا سلاح الطيران لكانت حماس قد أزالت الدولة العبرية من على الخريطة لو كانت المواجهات معها بالبنادق فقط وبدون الدبابات والطائرات والصواريخ.  
إيران نجحت في الوقوف بندية لإسرائيل وأرعبتها وجعلتها تفقد صوابها وكان الرد الإيراني بمثابة الصدمة لأنه غير متوقع وسيدخل سلة الأطماع الإسرائيلية في ديب فريزر التهدئة حتى إشعار آخر حتى تتضح الرؤية لها من جديد لأن حاليا المشهد ضبابي وغير واضح المعالم وتقوم حكومة الانتهازيين في تل أبيب حاليا بالتوسل إلى الدول الكبرى لاستجداء وقف الحرب أملا في حفظ ماء وجه النتن ياهو حتى إشعار آخر.
وتطبيقا لنصوص القرآن الكريم حينما قال : ((قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ)) فهذا ما يحدث الآن فالقتال الدائر عن بعد بين إيران وإسرائيل زلزل الكيان المغتصب وجعل سكانه من جموع المستوطنين يدخلون في حالة من الصدمة والرعب ويعيشون أسوأ أيام حياتهم منذ نشأة دولة الإحتلال وبدأ الله يعذبهم بأيدي قيادتهم المتهورة وبأيدي المسلمين ليشف صدور قوم مؤمنين وأصبحنا نرى نفس المشاهد المرعبة التي فعلها إجرام الاحتلال في غزة داخل المدن الإسرائيلية وأصبحت صافرات الإنذار تدوي في إسرائيل أكثر من رنين أجراس موبيلات الصهاينة وانقلب السحر على الساحر وأصبح نتنياهو في مرمى نيران الجميع بالداخل والخارج ويتعرض لهجوم ضار من الجميع داخل وخارج إسرائيل ويبدو أنه يكتب السطور الأخيرة في مسيرته السياسية الحافلة بالإجرام والعنف وسيتم قطع يديه الملوثة بدماء الأبرياء. 
إسرائيل انكشف بسرعة أمام الضربات الإيرانية ولكن يبقى السؤال هل تتدخل أمريكا لوقف الحرب وحماية إسرائيل أم تتدخل بالمشاركة في الحرب لضرب إيران وتعجيزها بتدمير كل مقوماتها وقدراتها العسكرية هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.

طباعة شارك إيران إسرائيل غزة

مقالات مشابهة

  • مايا دياب تشعل مواقع التواصل بإطلالة خارجة عن المألوف وتتصدّر تريند جوجل: الفن يلتقي بالجرأة
  • شريف عامر: الحرب الإيرانية الإسرائيلية مؤجلة منذ 30 عامًا.. كانت احتمال وهاجس
  • هل ستكون الحرب الأخيرة؟
  • لحم الغزيين يضاعف صادرات أسلحة دولة الاحتلال
  • محمد عبد الجواد يكتب: وضاقت عليهم الأرض بما رحبت !!
  • إبراهيم الشاذلى يكتب: حين تُقاس المعارك بمدى النَفَس لا بوهج الضربة الأولى
  • د. عصام محمد عبدالقادر يكتب: احذروا الفضاء المفتوح بمزيد من الوعي الصحيح
  • إسعاف الاحتلال: 5 قتلى وأكثر من 100 مصاب جراء الضربة الإيرانية الأخيرة
  • أحمد موسى: لولا أمريكا كانت إسرائيل خلصت من زمان