مصر ضمن الـ10 الكبار اقتصاديا: رؤية إسلامية لنهضة اقتصادية شاملة (2)
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
فلسفة الاقتصاد الإسلامي في عصر التحولات الرقمية
في عالم تتسارع فيه وتيرة التحولات الرقمية بشكل غير مسبوق، وتعيد تقنيات الذكاء الاصطناعي والبلوكتشين (Blockchain) والعملات الرقمية تشكيل خارطة الاقتصاد العالمي، يطرح سؤال محوري: أين يقف الاقتصاد الإسلامي من هذه الثورة التكنولوجية؟ وكيف يمكن للمبادئ الإسلامية العريقة أن تجد مكانها في عصر يهيمن عليه الذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية؟
وبينما تتصارع النماذج الاقتصادية التقليدية مع تحديات الأزمات المالية المتكررة وتزايد التفاوت الاجتماعي، يبرز الاقتصاد الإسلامي كبديل واعد يحمل في طياته حلولا عملية ومرونة تكيفية مذهلة.
وفي ظل سعي مصر الطموح للانضمام إلى مصاف العشرة الكبار اقتصاديا بحلول 2040، تصبح الحاجة ملحة لاستكشاف كيف يمكن للفلسفة الاقتصادية الإسلامية أن تكون المحرك الأساسي لهذا التحول النوعي.
في ظل سعي مصر الطموح للانضمام إلى مصاف العشرة الكبار اقتصاديا بحلول 2040، تصبح الحاجة ملحة لاستكشاف كيف يمكن للفلسفة الاقتصادية الإسلامية أن تكون المحرك الأساسي لهذا التحول النوعي
في هذا المقال، نستكشف الأسس الفلسفية للاقتصاد الإسلامي ومرونته الفريدة في التكيف مع المتغيرات المعاصرة، ونحلل كيف يمكن لهذه المبادئ أن تقدم إجابات مبتكرة على تحديات العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي، لنرسم خارطة طريق واضحة نحو اقتصاد مصري إسلامي رقمي يجمع بين الأصالة والمعاصرة.
الأسس الفلسفية للاقتصاد الإسلامي
يقوم الاقتصاد الإسلامي على منظومة فلسفية متكاملة تتجاوز مجرد كونها نظاما للمعاملات المالية، بل تمثل رؤية شاملة للحياة الاقتصادية تضع الإنسان والعدالة الاجتماعية في المركز. هذه المنظومة ترتكز على أربعة أسس جوهرية تشكل هويتها المميزة.
الأساس الأول: مبدأ الاستخلاف وعمارة الأرض
تنطلق الفلسفة الاقتصادية الإسلامية من مبدأ الاستخلاف المقترن بعمارة الأرض، الذي يضع الإنسان في موقع الأمانة والمسؤولية تجاه الموارد الاقتصادية لتحقيق التنمية والازدهار. يقول الله تعالى: "هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" (هود: 61)، ويقول أيضا: "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ" (فاطر: 39)، مؤكدا أن الهدف من الاستخلاف هو عمارة الأرض وتنميتها. فالثروة في النظر الإسلامي ليست ملكية مطلقة للاستهلاك والاكتناز، بل أمانة يجب توظيفها في التنمية المستدامة وخدمة المجتمع وتحقيق الرفاهية العامة. هذا المبدأ يؤسس لنموذج اقتصادي إنتاجي يتجاوز منطق الربح الفردي المحض إلى الربح المستدام الذي يراعي المصلحة الجماعية ويحقق التنمية الحقيقية للموارد والإمكانيات.
الأساس الثاني: التوازن بين الحقوق الفردية والمصلحة الجماعية
يحقق الاقتصاد الإسلامي معادلة دقيقة بين احترام الحقوق الفردية في الملكية والكسب المشروع، وبين ضمان المصلحة الجماعية للمجتمع. فبينما يكفل الإسلام حق الفرد في التملك والمحافظة على ماله، كما يقول تعالى: "وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاما" (النساء: 5)، يعطي المجتمع حق في أموال الأفراد بقوله سبحانه "وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" (الذاريات: 19)، وبهذا فإنه يضع ضوابط تضمن عدم الإضرار بالمجتمع أو استغلال حاجة الآخرين. هذا التوازن يمنع تضخم النزعة الفردية المطلقة كما في النظام الرأسمالي، ويتجنب إلغاء الحافز الفردي.
الأساس الثالث: التكامل بين البعد المادي والروحي
يتميز الاقتصاد الإسلامي بدمجه الفريد للبعد الروحي مع النشاط الاقتصادي المادي، يقول سبحانه: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ" (القصص: 77). ويُعتبر العمل الاقتصادي الشريف عبادة وجزءا من رسالة الإنسان في الأرض. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده"(البخاري)، مما يضفي قداسة على العمل المنتج. هذا التكامل يخلق دافعية مضاعفة للإنتاج والإتقان، ويضع ضوابط أخلاقية تمنع الاستغلال والفساد الاقتصادي، مما ينتج عنه اقتصاد أكثر استقرارا وأقل عرضة للأزمات المالية.
الأساس الرابع: العدالة التوزيعية والشمول المالي
تشكل العدالة التوزيعية حجر الزاوية في الفلسفة الاقتصادية الإسلامية. من خلال آليات مثل الزكاة والوقف والمشاركة في الأرباح والخسائر، يسعى النظام الإسلامي إلى تحقيق توزيع عادل للثروة ومنع تراكمها في أيدي قلة "كَيْ لا يَكُونَ دُولَة بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ" (الحشر: 7)، وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به" (الحاكم)، هذا المبدأ يضمن الشمول المالي ويحد من التفاوت الطبقي، مما يخلق قاعدة عريضة للنمو الاقتصادي المستدام.
هذه الأسس الفلسفية الأربعة تمنح الاقتصاد الإسلامي خصائص مميزة تجعله أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع التحديات المعاصرة، بما في ذلك التحولات الرقمية الراهنة. فالنظام الذي يضع العدالة والاستدامة في مركزه قادر على استيعاب أي تطور تكنولوجي جديد وتوظيفه لخدمة هذه المبادئ الأساسية.
مرونة الاقتصاد الإسلامي (منهجية التجديد في ضوء الثوابت)
تتجلى عبقرية النظام الاقتصادي الإسلامي في قدرته الفائقة على الجمع بين ثبات المبادئ ومرونة التطبيق، مما يجعله نظاما قادرا على استيعاب كل جديد دون فقدان هويته الأساسية. هذه المرونة ليست مجرد خاصية عارضة، بل منهجية متأصلة في بنية النظام نفسه. وتبدو هذه المرونة في عدة أبعاد، أولها المرونة التشريعية حيث الاجتهاد والقياس في المعاملات المالية
ويقوم النظام الإسلامي على مبدأ "الأصل في المعاملات الإباحة"، وهو مبدأ ثوري يفتح المجال واسعا أمام الابتكار والتطوير في المجال الاقتصادي، ما لم يتعارض مع نص صريح أو مبدأ شرعي ثابت. هذا المبدأ يستند إلى قوله تعالى: "وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ" (الأنعام: 119)، مما يعني أن ما لم يُحرم صراحة فهو مباح. وقد طبق الصحابة والتابعون هذا المبدأ عمليا، فنجد عثمان بن عفان رضي الله عنه يطور أساليب جديدة في إدارة بيت المال، والإمام أبا حنيفة يضع قواعد فقهية مرنة للمعاملات التجارية. هذه السوابق التاريخية تؤكد أن المرونة ليست مجرد ضرورة معاصرة، بل منهج أصيل في التعامل مع المستجدات الاقتصادية.
وثانيها المرونة المقاصدية، حيث تحقيق المصالح وإزالة المشاق، وتستند مرونة النظام الإسلامي إلى نظرية المقاصد الشرعية التي وضع أسسها الإمام الشاطبي، والتي تهدف إلى تحقيق المصالح الحقيقية للإنسان. هذه المقاصد الخمسة (حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال) توفر إطارا مرجعيا مرنا لتقييم أي نظام أو تقنية اقتصادية جديدة. فما يحقق هذه المقاصد ويخدمها يُعتبر مشروعا، وما يناقضها يُرفض.
كما يؤكد القرآن الكريم على مبدأ رفع الحرج: "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" (الحج: 78)، والحديث النبوي: "إن الدين يسر" (البخاري)، مما يفتح المجال أمام إيجاد حلول عملية ومرنة للتحديات الاقتصادية المعاصرة.
وثالثها المرونة التطبيقية، وتجسدت هذه المرونة عمليا في تجارب معاصرة ناجحة، حيث استطاعت دول إسلامية كماليزيا أن تطور نموذجا اقتصاديا إسلاميا حديثا يجمع بين الأصالة والمعاصرة. بدا ذلك في تقديم منتجات مالية مبتكرة تتوافق مع الشريعة وتلبي احتياجات العصر الحديث.
وفي عدة دول إسلامية نجد تطبيقات رائدة للتكنولوجيا المالية الإسلامية، حيث تم تطوير منصات رقمية للتمويل الإسلامي ونظم ذكية لحساب وتوزيع الزكاة. هذه النماذج تؤكد أن المبادئ الإسلامية قادرة على التفاعل الإيجابي مع أحدث التقنيات المالية والرقمية.
ورابعها قاعدة التدرج والتيسير في التحول، حيث يتميز النهج الإسلامي بمبدأ التدرج في التطبيق، كما ظهر في تحريم الربا والخمر على مراحل، مما يتيح للمجتمعات الانتقال التدريجي نحو النظام الإسلامي دون صدمات اقتصادية. ويؤكد ذلك الحديث النبوي: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" (متفق عليه)، مما يعطي مساحة واسعة للتطبيق المرحلي والتدريجي للمبادئ الإسلامية في النظم الاقتصادية المعاصرة.
مساهمات الاقتصاد الإسلامي في مواجهة تحديات العصر الرقمي
يقدم الاقتصاد الإسلامي حلولا عملية لأبرز التحديات التي يواجهها العالم في عصر التحولات الرقمية والذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال منظومة قيمية متكاملة تضع الإنسان في المركز وتحقق التوازن بين التقدم التقني والمسؤولية الأخلاقية، فيعالج أزمة الثقة في الفضاء الرقمي، حيث يعاني العالم الرقمي من تراجع حاد في مستويات الثقة بسبب انتهاكات الخصوصية والتلاعب بالبيانات والاحتيال الإلكتروني.
الاقتصاد الإسلامي يوفر إطارا أخلاقيا صلبا لبناء الثقة الرقمية من خلال عدة مبادئ أساسية، منها الصدق في المعاملات، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الصدق يهدي إلى البر" (متفق عليه)، مؤكدا أن الصدق أساس كل معاملة نافعة، وهذا يشمل الصدق في الإعلانات الرقمية والبيانات المقدمة للمستخدمين. ومنها الأمانة في حفظ البيانات، يقول تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا" (النساء: 58)، مما يوجب حماية البيانات والمعلومات الشخصية كأمانة في أعناق الشركات والمؤسسات. وثالثها الشفافية في الشروط والأحكام، كما يؤكدها قوله صلى الله عليه وسلم: "البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا" (متفق عليه)، مما يوجب الوضوح الكامل في شروط الخدمات الرقمية وحق المستخدم في التراجع. وأخيرا الوفاء بالالتزامات، يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (المائدة: 1)، وهذا يشمل الوفاء بالعقود الرقمية والالتزامات الإلكترونية المتفق عليها.
ومن المساهمات أيضا قيادة الاستدامة في القطاع التقني، حيث تستهلك صناعة التكنولوجيا كميات هائلة من الطاقة وتساهم في التلوث البيئي، بينما يؤسس الإسلام لنموذج التقنية المسؤولة القائم على مبدأ الاستخلاف البيئي. يقول تعالى: "وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا" (الأعراف: 56)، هذا التأسيس الشرعي ينتج منهجية متكاملة للاستدامة التقنية تقوم على ثلاث ركائز: الكفاءة الطاقوية كترجمة لمبدأ عدم الإسراف، والاستخدام الأمثل للموارد تطبيقا لمبدأ الاستفادة الكاملة، والتقنيات التجديدية كتجسيد لمبدأ الإصلاح البيئي.
وفي التطبيق فإن المؤسسات الإسلامية تطور مؤشر الاستدامة الشرعية الذي يقيس الأثر البيئي للتقنيات وفق معايير شرعية دقيقة، مستندة لقاعدة لا ضرر ولا ضرار. هذا المؤشر لا يكتفي بمنع الضرر، بل يوجب تحقيق النفع البيئي كشرط للاستثمار، والنتيجة ظهور نموذج التكنولوجيا التجديدية الإسلامية الذي يتجاوز مفهوم التقنية النظيفة إلى التقنية المُصلحة التي تساهم في إعادة توازن النظم البيئية، محققة التوافق العميق بين التقدم التقني والمسؤولية الخلقية تجاه الأرض.
ومنها أيضا تطوير الذكاء الاصطناعي الأخلاقي، حيث يواجه الذكاء الاصطناعي تحديات أخلاقية كبيرة، أهمها خمس تحديات خطيرة يقدم الاقتصاد الإسلامي حلولا جذرية لها من خلال منظومة قيمية متكاملة، أولها معالجة التحيز والتمييز في خوارزميات التوظيف والقروض والرعاية الصحية والعدالة الجنائية التي تفضل فئات معينة على حساب أخرى. يقول تعالى: "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ" (المائدة: 8)، مما يوجب بناء خوارزميات عادلة تعامل جميع المستخدمين بإنصاف مطلق. وثانيها كسر الصندوق الأسود وإنهاء غموض قرارات الذكاء الاصطناعي. ومبدأ الصدق في المعاملات يوجب الشفافية الكاملة في آليات اتخاذ القرار، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الصدق يهدي إلى البر" (متفق عليه)، مما يتطلب وضوح الآليات والمعايير المستخدمة في اتخاذ القرارات المؤثرة على حياة الناس. وثالثها حماية الخصوصية ومنع استغلال البيانات الشخصية. يقول تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا" (النساء: 58)، فالبيانات الشخصية أمانة يجب حفظها وعدم استغلالها. ورابعها منع التلاعب النفسي والإدمان الرقمي من خلال تطبيق قاعدة لا ضرر ولا ضرار، مما يمنع تصميم التطبيقات بطرق تسبب الإدمان أو تضر بالصحة النفسية. وخامسها إقرار المساءلة والمسؤولية عن قرارات الذكاء الاصطناعي. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" (متفق عليه)، مما يوجب تحديد المسؤوليات الواضحة في النظم الذكية.
الاقتصاد التشاركي بديلا عن النموذج الربوي
يكشف تحليل الأزمات المالية المتكررة عن عيب جوهري في النموذج الربوي وهو انفصال العائد عن المخاطرة، فالمؤسسات المالية التقليدية تحصل على فوائد ثابتة مضمونة بغض النظر عن نجاح أو فشل المشاريع الممولة، بينما يتحمل المقترضون كامل المخاطر وحدهم. هذا الخلل الهيكلي يؤدي إلى تراكم المخاطر النظامية وعدم استقرار الدورات الاقتصادية.
الاقتصاد الإسلامي يطرح نموذجا مغايرا تماما، يقوم على ربط العائد بالمخاطرة ربطا حقيقيا، من خلال قاعدة الغنم بالغرم التي تؤسس لمبدأ أن من يتحمل المخاطر يستحق العوائد، بينما قاعدة الخراج بالضمان تؤكد أن من يضمن الأصل يستحق أرباحه. وبالتالي تشارك المؤسسات الممولة في أرباح وخسائر المشاريع الفعلية، مما يخلق حوافز طبيعية للاستثمار المدروس وتجنب المخاطر المفرطة.
هذا التحول من الإقراض بفائدة إلى الشراكة في النتائج يعيد هيكلة العلاقة بين رأس المال والمشاريع، مؤسسات التمويل الإسلامية تصبح شريكا حقيقيا في نجاح الأعمال وليس مجرد مقرض محمي من المخاطر، مما يحفزها على تقديم الدعم الاستشاري والمتابعة الفعلية بدلا من الاكتفاء بجمع الفوائد.
كما يمنع هذا النموذج استغلال الأزمات المالية الشخصية، حيث لا توجد فوائد مركبة تتراكم على المتعثرين، بل مشاركة حقيقية في الصعوبات والحلول.
والنتيجة نظام مالي أكثر استقرارا وعدالة، يحقق النمو الاقتصادي دون المخاطر النظامية المصاحبة للنموذج الربوي، ويضمن توزيعا أعدل للثروة والمخاطر في المجتمع.
يقدم الاقتصاد الإسلامي في عصر التحولات الرقمية نموذجا متكاملا يجمع بين الأصالة والمعاصرة، حيث تشكل أسسه الفلسفية إطارا مرنا قادرا على استيعاب أحدث التطورات التقنية دون فقدان هويته أو تنازل عن مبادئه
وفي الختام، يقدم الاقتصاد الإسلامي في عصر التحولات الرقمية نموذجا متكاملا يجمع بين الأصالة والمعاصرة، حيث تشكل أسسه الفلسفية إطارا مرنا قادرا على استيعاب أحدث التطورات التقنية دون فقدان هويته أو تنازل عن مبادئه.
وبينما تواجه النظم الاقتصادية التقليدية أزمات متلاحقة في العصر الرقمي، يبرز الاقتصاد الإسلامي كبديل حقيقي يعالج جذور المشاكل وليس مجرد أعراضها. فمن خلال آليات الثقة المبنية على الصدق والأمانة، والعدالة التوزيعية القائمة على التكافل، والاستدامة البيئية المؤسسة على مبدأ عدم الإفساد، والتمويل الأخلاقي الخالي من الربا والمضاربة، يوفر هذا النموذج حلولا جوهرية لتحديات الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي.
إن المرونة الفقهية والقدرة على التجديد ضمن الثوابت الشرعية تجعل من الاقتصاد الإسلامي ليس فقط نظاما قادرا على مواكبة المستقبل، بل رائدا في تشكيله نحو عالم أكثر عدالة وإنسانية، حيث تخدم التكنولوجيا الإنسان وليس العكس، وحيث يتحقق التقدم المادي في انسجام تام مع القيم الروحية والأخلاقية.
مصادر إثرائية:
1- الغزالي، أبو حامد (ت: 505هـ) إحياء علوم الدين- كتاب آداب الكسب والمعاش دار المعرفة، بيروت.
2- ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم (ت 728هـ) السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، مكتبة ابن تيمية، القاهرة.
3- الشاطبي، إبراهيم بن موسى (ت: 790هـ) الموافقات في أصول الشريعة"- كتاب المقاصد دار ابن عفان، السعودية.
4- Dawood, H.M., et al. (2022), "Business Trends & Challenges in Islamic FinTech: A Systematic Literature Review" PMC - National Center for Biotechnology Information.
5- صخري، عبد الوهاب وبن علي، سمية (2022) "استراتيجيات التحول نحو الاقتصاد الإسلامي الرقمي: ماليزيا أنموذجا" المجلة الجزائرية للدراسات والأبحاث.
6- Alamm, M.S., Zahid, Z., Nipa, N.N., & Khalil, I. (2025) "Harnessing FinTech and Islamic Finance for Climate Resilience" Humanities and Social Sciences.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الاقتصاد مصر التنمية مصر اقتصاد اسلام تنمية قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء مدونات مدونات قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات تكنولوجيا مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة تكنولوجيا اقتصاد مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة یقول الرسول صلى الله علیه وسلم الاقتصادیة الإسلامیة الاقتصاد الإسلامی فی الذکاء الاصطناعی النظام الإسلامی فی المعاملات العصر الرقمی على استیعاب یقول تعالى هذا المبدأ قادرا على متفق علیه على مبدأ من خلال
إقرأ أيضاً:
كتاب «أسرار الصراع السياسي في السودان».. رؤية تحليلية لجذور الأزمة السياسية السودانية
أصدرت دار النخبة للنشر والطباعة والتوزيع، كتاب «أسرار الصراع السياسي في السودان 1986-2016» للسياسي السوداني مبارك المهدي، والذي يوثق من خلال هذا الكتاب أهم وأخطر المحطات التي مرَّ بها النظام الديمقراطي والظروف السياسية والاقتصادية التي سبقت انقلاب الإنقاذ، وهي محطات مهمة لفهم الأرضية الاقتصادية الهشَّة التي خلَّفها نظام نميري وتأسست عليها الديمقراطية الثالثة بعد ثورة رجب/ أبريل، وكيف استغلت القوى الحديثة العقائدية في اليسار واليمين تلك الظروف للانقضاض على الديمقراطية التي تتباكى عليها اليوم.
أسرار الصراع السياسي في السودانيستعرض المؤلف في المقدمة مراحل عرض الكتاب لأسرار الصراع السياسي في السودان، قائلًا: «بعد هذه المحطات وثق الكتاب لمرحلة تأسيس المعارضة الخارجية والعمل الدبلوماسي والنضال المسلح في مواجهة نظام الإنقاذ في العشر سنوات الأولى من عمره من عام 1989 وإلى نهاية عام 1999 ثم تواصل التوثيق لمرحلة المصالحة والتسوية السياسية مع نظام الإنقاذ والتي بدأت في جنيف في مايو 1999 بين السيد الصادق المهدي والدكتور حسن الترابي- رحمه الله- وتواصلت باتفاق إعلان المبادئ في جيبوتي بين الرئيس عمر البشير والسيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة تحت رعاية الرئيسين الجيبوتي إسماعيل عمر قيلي والإثيوبي ملس زيناوي في نوفمبر 1999 وقد مهرته أنا عن حزب الأمة ومهره الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل وزير الخارجية آنذاك عن الحكومة، وقد توج الاتفاق بعودتنا إلى السودان في أبريل عام 2000 وكانت من أهم نتائجه رفع الحظر عن الأحزاب السياسية وعودة التعددية الحزبية».
أحداث مهمة وثق لها كتاب الصراع السياسي في السودانأعقبت تلك الفترة أحداث مهمة وثق لها الكتاب، وقد شملت التفاوض السري في الخرطوم والاتفاق الشامل بين حزب الأمة والمؤتمر الوطني، ثم مرحلة الصراع والانقسام في حزب الأمة وما تمخض عنها من مشاركة في الحكومة، ثم العودة للمعارضة، ثم امتد التوثيق لمحاولات وجهود الوحدة وجمع الشمل في حزب الأمة والصراع السياسي حتى تاريخه، الكتاب ملحق به كثير من الوثائق المهمة التي تؤكد ما وثقنا له من هذه الحقبة التاريخية الهامة.
ويسرد الكاتب في المقدمة بعض الشخصيات التي تناولها الكتاب، قائلًا: «تناول التوثيق الكثير من الشخصيات والرموز القيادية الهامة ودورها في الأحداث سالباً أو موجباً، ولكنه التوثيق، فإننا لم نقصد قطعاً التقليل من رموزنا وقياداتنا الوطنية، وإن استشف البعض ذلك من سياق الأحداث وظن أننا فعلنا بقصد التقليل من مقاماتهم فإننا نعتذر لهم مقدماً ولهم العتبى حتى يرضوا».
ويضيف: «لقد تناولنا في هذا التوثيق كثيراً الحسيب النسيب السيد محمد عثمان الميرغني لدوره المحوري في فترة رئاسته للتجمع الوطني الديمقراطي، ولكننا نكن له- على المستوى الشخصي- كل تقدير واحترام، ونقدر ونثمن له نضاله معنا وسهره في الاجتماعات حتى الفجر وتواضعه الجم خلال الاجتماعات».
ويسطرد الكاتب باقي الرموز التي وثقها الكتاب: «كذلك تناولنا السيد الصادق المهدي في هذا التوثيق بذات الموضوعية ونحن نحفظ له عشرة النضال المشترك الطويلة، حيث زاملناه منذ عام 1974 ونحن طلبة، وتعلمنا منه الكثير من العبر والدروس في السياسة والفكر، فإن قسونا عليه في سياق الأحداث فالبتأكد أنه التوثيق لا أكثر، وأننا لا نحمل له في نفوسنا إلا الذكرى الطيبة، ونسأل الله أن يهدينا ويهديه إلى ما ينفع وطننا وكياننا وحزبنا. أيضاً تناول التوثيق أعزاء لنا اختارهم المولى إلى جواره: الإخوة المناضلون دكتور عزالدين علي عامر، والأخ التجاني الطيب بابكر الذي كان رغم شراسة الصراع بيننا وفارق السن إلا أنه كان صديقاً محبباً إلى قلبي، كذلك الرجل الخلوق الفريق أول فتحي أحمد علي- عليهم جميعاً الرحمة».
أما الدكتور الراحل جون قرنق دي مبيور- رحمه الله-، فيوصفه الكاتب، قائلًا: «فقد كان صديقاً ودوداً وزعيماً ذو عبقرية فذة، كانت له قدرات تنظيمية وطاقة ذهنية لا ينكرها إلا جاحد، لقد كانت للرجل رؤيته وطموحاته التي قد لا نتفق معه عليها كلها، لكن للحقيقة فقد أصاب الرجل نجاحات كبيرة، ولكنه أخفق من وجهة نظرنا لأنه أسس فكرته ورؤيته للسودان الجديد على قراءة خاطئة للتركيبة السودانية المعقدة، فلم يدرك عمق وتأثير الثقافة الإسلامية العربية على المجتمعات والقبائل الأكثر أفريقية في شمال السودان، وبذلك ساهم في تدمير النسيج الاجتماعي في دارفور وجنوب كردفان بإشعال حرب أهلية دون قصد قوامها عصبية قبلية وإثنية وعنوانها صراع الهامش والمركز وبناء السودان الجديد، كما لم ينجح في توحيد قبائل جنوب السودان حول انتماء مشترك بل ظلت وحدتهم فقط في مواجهة الجلابة في شمال السودان، لذلك انفجرت الحرب القبلية في الجنوب في أول منعطف صراع حول السلطة والثروة التي طالما جعلها محور صراعه مع شمال السودان».
تفكيك أسرار الصراع السياسي في السودانفي ختام الكتاب، يعرض الكاتب خلاصة آرائه حول جذور الصراع السياسي في السودان، محددًا عددًا من العوامل التي يرى أنها أسهمت في تعقيد المشهد السياسي وتعطيل نمو الدولة.
يرى الكاتب أن الممارسة السياسية في السودان شهدت تراجعًا ملحوظًا منذ الجيل الذي أعقب آباء الاستقلال، واستمر هذا التدهور في الأجيال اللاحقة بوتيرة متسارعة، كما أن الأنظمة الشمولية أسهمت في كبح تطور الأحزاب السياسية، إذ مارست القمع وكبت الحريات، ونقلت إلى الأحزاب عدوى الاعتماد على الحشد الجماهيري بدلًا من التنظيم المؤسسي.
يشير الكاتب أيضًا إلى أن النخب المثقفة، سواء داخل الأحزاب العقائدية أو خارجها، نصّبت نفسها وصية على الشعب دون تفويض ديمقراطي، مدفوعة بطموحاتها الخاصة نحو الحكم، وقد ساهمت سياسات الإقصاء والتأميم والمصادرة التي مارستها بعض الأنظمة - خاصة في فترة حكم اليسار والقوميين العرب - في ضرب التماسك القومي للدولة.
ويؤكد الكاتب أن التحالفات السياسية، سواء داخل الحكومة أو المعارضة، كثيرًا ما أثبتت فشلها بسبب تفشي الغيرة الشخصية والصراعات الداخلية والحسابات السياسية الضيقة، أما ما يُعرف بشعارات «التهميش» و«قوى الهامش»، فقد استُخدمت - بحسب الكاتب - كمدخل من قبل نخب الهامش للوصول إلى السلطة، من خلال تعبئة المشاعر الشعبية واستغلال قضايا المناطق المهمشة، دون أن ينعكس ذلك فعليًا على تحسين أوضاعهم بعد الوصول إلى الحكم.
اقرأ أيضاًأسعار تبدأ من 5 جنيهات.. 75 دار نشر تُشارك في الدورة العاشرة من معرض الإسكندرية للكتاب
اليوم.. وزير الثقافة يفتتح الدورة العاشرة من معرض الإسكندرية للكتاب
«حكايات من قلب مصر» ضمن فعاليات ندوة بالغربية لتدريب الشباب على كتابة القصة