أثار تضرر مستشفى سوروكا في بئر السبع جنوبي إسرائيل، الذي يُعتبر أكبر مستشفيات المنطقة الجنوبية، جدلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي الإسرائيلية إثر أنباء عن تعرضه للاستهداف الصاروخي من قبل إيران.

ولم يقتصر تأثير هذا الحدث على الأضرار المادية فحسب، بل فتح نقاشا واسعا حول ازدواجية المعايير في التعامل مع استهداف المرافق الطبية، وكشف عن تصدعات عميقة في المجتمع الإسرائيلي.

وكان مسؤولون ووسائل إعلام إسرائيلية قالوا إن أحد الصواريخ الإيرانية أصاب المستشفى، الذي يعمل على إسعاف الجنود المصابين في الحرب على غزة، وأدى الصاروخ لانهيار مبنى كامل من مباني المستشفى، حسب وسائل إعلام إسرائيلية.

واتهمت إسرائيل طهران بتعمّد استهداف المستشفى، وتوعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية– إيران بدفع الثمن، بينما حمّل وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس المرشد الإيراني علي خامنئي المسؤولية، وقال إنه يجب ألا يظل على قيد الحياة.

بيد أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قال إن القصف المذكور استهدف مقر القيادة والاستخبارات الكبرى للجيش الإسرائيلي الواقع قرب مستشفى سوروكا في بئر السبع، وإن الأضرار التي لحقت بالمستشفى سطحية وفي جزء صغير منه، وإن المستشفى كان قد تم إخلاؤه إلى حد كبير في وقت سابق.

منشور ساخر

وأثار منشور ساخر للصحفي الإسرائيلي يسرائيل فري -المعروف بمواقفه الداعمة للفلسطينيين- حول قصف المستشفى على منصة إكس جدلا كبيرا.

واللافت أن فري استخدم نفس الصيغة والأسلوب اللغوي الذي يستخدمه الجيش الإسرائيلي عادة في بياناته عند تبرير استهداف المستشفيات في غزة، لكن الصحفي طبقه هذه المرة على استهداف مستشفى سوروكا الإسرائيلي.

وتكمن قوة هذا المنشور الساخر في أنه استخدم تقنية إظهار التناقض الصارخ في الخطاب الإسرائيلي.

إعلان

فعندما يقرأ الإسرائيليون نفس التبريرات التي اعتادوا سماعها لتبرير قصف مستشفيات غزة، لكن مطبقة على مستشفاهم، فإنهم يدركون فجأة مدى فظاعة هذه التبريرات وعدم منطقيتها.

وفي السياق نفسه، طرح ناشط إسرائيلي آخر تساؤلا جوهريا حول كيفية تبرير الإسرائيليين لاستهداف المستشفيات في غزة، بينما يعتبرونه انتهاكا صارخا لقوانين الحرب عندما تكون المستشفيات المستهدفة إسرائيلية.

ومع تواصل الهجمات الإيرانية، برز وجه آخر عنصري من وجوه الأزمة الإسرائيلية، وهو العنصرية المتجذرة في المجتمع.

فقد كشفت مقابلة على راديو ناس المحلي عن حادثة صادمة تعرضت لها ممرضة فلسطينية من داخل الخط الأخضر، حيث مُنعت من دخول ملجأ لحمايتها من الصواريخ لسبب واحد فقط وهو كونها "عربية".

تمييز مجتمعي

كما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن بُعد آخر للتمييز داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث منع بعض سكان مدينة تل أبيب من دخول الملاجئ الخاصة بسبب لافتة علقت عليها تنص على "نظرا للاكتظاظ الشديد في الملجأ، نطلب من الجيران والمارة التوجه إلى الملاجئ العامة".

وتكرر الأمر ذاته في مدينة بتاح تكفا شرقي تل أبيب، مما يكشف عن وجود نظام طبقي حتى في مواجهة "الخطر المشترك".

ومنذ 18 عاما، تحاصر إسرائيل غزة، وبات نحو 1.5 مليون فلسطيني -من أصل حوالي 2.4 مليون بالقطاع- بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم.

وتشن إسرائيل، بدعم أميركي، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حرب إبادة جماعية بغزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلّفت الإبادة الإسرائيلية نحو 186 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين، بينهم أطفال.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

المستشفيات الميدانية.. آخر الحصون الصحية في غزة الجريحة

في غزة، حيث كانت الحياة تدب في أربعين مستشفى وأكثر من ثمانين مركزًا صحيا، حل الدمار، ومحت الآلة العسكرية الإسرائيلية كلَّ شيء، تاركة خلفها فراغًا صحيا هائلًا أدى إلى خروج المنظومة الصحية عن العمل، واقعٌ مريرٌ برزت معه المشافي الميدانيةُ كطوق نجاة، بديلًا مؤقتًا ومناسبًا للرعاية الصحية في أحوال قاسية يعيشُها سكان غزة.

ومع حاجة المرضى والجرحى الملحة إلى العلاج والرعاية يضطرُّ الأهالي إلى التكيف مع واقعهم المرير، يتلقون خدْماتِهم العلاجية الشحيحة مع تفشي الأمراض ونقص حاد في الأدوية والمستلزمات، كل ذلك نتيجة إغلاق إسرائيل للمعابر، في خطة متقنة تستهدف خنق الحياة في غزة، وتزيد من معاناة الغزيين يومًا بعد يوم.

بين ركام البيوت المهدمة وصدى الصواريخ الذي لا يغيب عن سماء غزة، تنبثق خيام المستشفيات الميدانية كشرايين أمل هشّة تحاول مقاومة الموت الذي يحاصر الأرواح. هذه المساحات المؤقتة، التي نصبت على عجل فوق أراضٍ خاوية أو بين أطلال مدارس مدمرة، باتت الملاذ الأخير للجرحى والمرضى بعد أن انهارت المستشفيات الكبرى تحت نيران الحرب.

خيام طبية

في إحدى هذه الخيام، جلست إيمان أبو ضاحي، 50 عامًا، متكئة على وسادة ممزقة، تحاول التقاط أنفاسها بينما يتصبب العرق من جبينها تحت حرارة الشمس اللاهبة.

تقول بصوت واهن خلال حديثها لـ«عُمان»: «لم يعد أمامنا سوى هذه الخيام، فقد دُمرت المستشفيات التي كنت أراجعها منذ سنوات، واليوم أجد نفسي هنا أبحث عن علاج يخفف من ألم صدري، ويضبط ضغطي المرتفع». عيناها تترقرقان بالدموع وهي تتابع خطوات الممرضين الذين يتنقلون بسرعة بين الأسرة، في مشهد يختصر المعاناة التي تعيشها آلاف العائلات.

تتابع سلمى: «حين جئت وجدت عشرات المرضى ينتظرون، منهم من يفترش الأرض، ومنهم من يستند إلى جدار الخيمة. لا أدوية تكفي، ولا أجهزة تساعدنا على مواجهة المرض». ثم تشير إلى رف خشبي عليه بضع عبوات دواء: «هذه كل ما تبقى من العلاج هنا، ونحن نتقاسمه مثلما نتقاسم الخبز». بين كلماتها صمت ثقيل يقطعه بكاء طفلة صغيرة على السرير المجاور، فيما يكتفي الأطباء بهز رؤوسهم أمام هذا العجز القاسي.

وتضيف وهي تنظر نحو الخارج حيث الدمار يحيط بالمكان: «الحرب لا تقتل بالصواريخ فقط، بل تقتل حين تمنع الدواء، حين يتركني الألم ينتظر الشفاء الذي لا يأتي».

بديل قسري

قبل الحرب كان القطاع يمتلك نحو 40 مستشفى وأكثر من 80 مركزًا صحيًا، تشكل شبكة متكاملة للرعاية الطبية. اليوم، وبعد شهور من القصف، أغلقت معظم هذه المؤسسات أبوابها، إما لأنها دُمّرت، أو لأن القذائف طاردتها حتى شلّت عملها بالكامل. هذا الفراغ القاتل فرض ولادة المستشفيات الميدانية، التي لم تكن خيارًا بل ضرورة فرضتها الظروف المأساوية.

هنا، تحت خيام بسيطة، يحاول الأطباء إعادة ما تبقى من نبض الحياة. يستخدمون أدوات بدائية، يعتمدون على مولدات مهددة بالتوقف في أي لحظة، ويجرون عمليات بسيطة على ضوء الهواتف. كل دقيقة تمضي في هذه الخيام تحمل قصة صراع مع الموت، حيث لا أحد يملك رفاهية الانتظار.

ورغم الدور الحيوي لهذه المستشفيات، فإنها تواجه ذات التحديات التي قضت على سابقاتها: نقص حاد في الدواء، انقطاع الكهرباء والوقود، إغلاق المعابر أمام الإمدادات الطبية والبعثات الإنسانية. إنها حرب أخرى موازية للحرب العسكرية، حرب استنزاف ضد كل محاولة لإنقاذ الأرواح.

صراع مع المستحيل

في المستشفى الميداني التابع للهلال الأحمر الفلسطيني بخان يونس، يتحدث الطبيب محسن زيد بينما يراقب زملاءه يسعفون مصابًا ينزف بشدة: «لدينا الآن 11 مستشفى ميداني تعمل بشكل يومي، لكنها لا تكفي لاستيعاب أعداد الجرحى والمرضى المتزايدة. نفتقر إلى المعدات والأدوية، ومع كل غارة جديدة يزداد العبء فوق طاقتنا».

يشير إلى رفوف شبه فارغة ويضيف لـ«عُمان»: «نحن نقتسم ما تبقى من المسكنات والمحاليل بين المرضى، ونعرف أن الكثيرين قد لا يحصلون على ما ينقذ حياتهم».

في خيمة أخرى، تروي الطبيبة حنين الأسطل مأساة الأيام الأخيرة: «نضطر لإجراء عمليات جراحية بسيطة في ظروف بدائية، أحيانًا نستخدم أدوات معقمة بوسائل يدوية، ونعمل تحت ضوء المصابيح الصغيرة. ومع ذلك، نحاول أن نحافظ على شريان الأمل هذا حيًا، حتى لو كان ضعيفًا». صوتها ينخفض وهي تضيف: «لكن كل شيء هنا مهدد بالتوقف، من المولدات إلى الإمدادات، وحتى نحن الأطباء أصبحنا أهدافًا مباشرة».

تعلو أصوات الأنين من حولها، ويمر ممرض يحمل آخر عبوة من دواء حيوي إلى مريض يحتضر، فيما يحدّق الأطفال بعينين ممتلئتين بالخوف. هذه المشاهد باتت يومية في المستشفيات الميدانية التي تحولت إلى حصون ضعيفة تحارب الموت بأسلحة متهالكة.

رصاص على الأطباء

لم يتوقف الاستهداف الإسرائيلي عند حدود منع الإمدادات، بل امتد ليشمل الأطباء أنفسهم. قبل نحو أسبوعين، اعتقلت قوات الاحتلال الدكتور مروان الهمص، مدير المستشفيات الميدانية في غزة، أثناء توجهه إلى مستشفى الصليب الأحمر غرب خان يونس. لم يعرف أحد وجهته بعد اعتقاله، لكن الجميع أدرك أن الرسالة واضحة: إنقاذ الأرواح بات جريمة في هذه الحرب.

الدكتور منير البرش، مدير عام وزارة الصحة في غزة، علّق بحزن وغضب: «نحمّل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن سلامة الدكتور الهمص». موضحًا: «هذا الاعتقال جزء من استهداف منظم للقطاع الصحي. أكثر من 360 كادرًا طبيًا تم اعتقالهم، وما يزيد عن 1589 شهيدًا من الطواقم الطبية منذ بداية حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة وحتى الآن».

ثم أضاف: «سيارات الإسعاف تُقصف، الأطباء يُقتلون أو يُختطفون أمام أعين المرضى. هذه حرب على الطب، على الحياة نفسها». وكشف البرش تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل الاعتقال: «سيارة الدكتور الهمص تعرضت لقصف مباشر قبل دقائق من اختطافه في محيط منطقة فش فرش في خان يونس، أصيب سائقه واستُشهد مواطنان كانا برفقته، أحدهما صحفي».

صرخة بلا صدى

قبل اعتقاله بأيام، ظهر الدكتور مروان الهمص أمام وسائل الإعلام ليطلق صرخة استغاثة من قلب الأزمة: «فقدنا 60% من مخزون الأدوية، و80% من المستلزمات الطبية. نحن نعيش الساعات الأخيرة من القدرة على إنقاذ الأرواح، وإذا لم تدخل المساعدات فورًا، سيموت أبناء الشعب الفلسطيني بلا علاج ولا دواء».

نداءاته لم تلقَ أي استجابة، ومع اختفائه بات قطاع الإنقاذ الميداني في غزة بلا قائد، والمستشفيات الميدانية معلقة بخيط رفيع فوق هاوية الموت.

اليوم، ما زالت كلمات الهمص عالقة في أذهان كل من سمعها، تذكّر بأن هذه الحرب لا تكتفي بهدم الحجر، بل تستهدف الحياة ذاتها. وبينما يواصل الأطباء الباقون صراعهم المستحيل، تبقى المستشفيات الميدانية آخر حصون الأمل، رغم أن الموت يزحف نحوها من كل اتجاه.

تزداد المخاوف مع مرور الوقت من أن تتحول هذه الخيام الطبية إلى شاهد صامت على مجزرة صحية بطيئة، حيث تتناقص الموارد يومًا بعد يوم، وتبقى أرواح المرضى معلقة بانتظار قرار دولي قد لا يأتي أبدًا، فيما يواصل العالم إدارة ظهره لهذه المأساة الإنسانية الفادحة.

في حرب غزة حيث تحوّلت المشافي إلى ذكرى، باتت الخيام الميدانية الملاذ الأخير للقلوب المكلومة كمشافٍ بديلةٍ، هنا يتصارع الأطباء ببسالة مع شح الإمكانات ومعابر أغلقها القهر؛ ليقدموا جرعات أمل وسط يأس مطبق، وجحيم لا يطاق.

مقالات مشابهة

  • سرايا القدس تعلن استهداف قوات إسرائيلية بقذائف الهاون
  • الاتحاد الأوروبي يهدد الاحتلال الإسرائيلي..هل بدأت نهاية إسرائيل السياسية؟
  • مدى قدرة جيش إسرائيل على بسط سيطرة كاملة في غزة؟.. محلل إسرائيلي يوضح
  • المستشفيات الميدانية.. آخر الحصون الصحية في غزة الجريحة
  • مأساة غزة تفضح النفاق السياسي والإنساني.. فرنسا أنموذجًا
  • كفوا عن النفاق..
  • استهداف عناصر تأمين المساعدات.. سياسة إسرائيلية لتجويع الغزيين و"شيطنة" أي جهد مجتمعي
  • استهداف عناصر تأمين المساعدات.. سياسة إسرائيلية مركّبة لتجويع الغزيين و"شيطنة" أي جهد مجتمعي
  • هل ستحتل إسرائيل قطاع غزة بأكمله؟.. محلل عسكري إسرائيلي يجيب
  • في منطقة البقاع.. إسرائيل تعلن استهداف قيادي في حزب الله