غزة - صفا لا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلي تتعمّد استهداف عناصر تأمين المساعدات التي تصل إلى قطاع غزة، في خطوة خطيرة تهدف إلى خلق بيئة من "الفوضى والنهب"، ولضرب أي محاولة للسيطرة المدنية على الوضع الإنساني المتدهور في القطاع. ومع استمرار حرب الإبادة الجماعية على القطاع، ارتكبت قوات الاحتلال مجازر بشعة بحق عناصر تأمين المساعدات، ما أدى لاستشهاد وإصابة المئات منهم.

وتحوَّلت المساعدات الإنسانية، الّتي تمثِّل طوق نجاة لأهالي القطاع المحوّعين، إلى أداة قتل جماعي ومحطة استهداف لفرق تأمينها وحمايتها من النهب، في وقت تُسهل فيه سلطات الاحتلال سرقتها من قبل عصابات منظمة ومرتبطة بأجهزتها الأمنية. ومع تفاقم المجاعة، يواجه 2.4 مليون فلسطيني، غالبيتهم من الأطفال والنساء، خطر الموت جوعًا ومرضًا، بفعل استمرار الاحتلال في استخدام التجويع الجماعي كأداة ضمن جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة منذ 22 شهرًا. وبات أهالي القطاع يعيشون مرحلة المجاعة الكاملة (المرحلة الخامسة) والمجاعة الحادة (المرحلة الرابعة) حسب التصنيف الأممي، وفق تقارير موثقة صادرة عن برنامج الغذاء العالمي ومنظمة "الفاو". وحسب مؤسسات حكومية وحقوقية، فإن معظم شاحنات المساعدات التي دخلت غزة تعرضت للنهب والسطو ضمن فوضى أمنية مفتعلة، تتماشى مع سياسة "هندسة الفوضى والتجويع"، التي يسعى الاحتلال من خلالها لتفكيك المجتمع الفلسطيني وتجريده من مقومات البقاء. سياسة فوضوية مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة يقول إن الاحتلال يواصل استهداف عناصر التأمين في قطاع غزة بشكل متعمّد وممنهج، في إطار سياسة فوضوية هدفها تعطيل أي جهد فلسطيني رسمي أو مجتمعي يُسهم في تأمين قوافل المساعدات وضمان وصولها إلى مستحقيها. ويرى الثوابتة في حديث لوكالة "صفا"، أن هذا السلوك يعكس إصرار الاحتلال على تفكيك منظومة التنظيم الداخلي في القطاع وخلق بيئة فوضى ونهب، تمكّنه من الترويج لعدم وجود شريك فلسطيني موثوق للتعامل مع ملف الإغاثة، مما يخدم مخططاته بإعادة هندسة المشهد الإنساني بما يتوافق مع أجنداته الأمنية والسياسية. واستهداف عناصر التأمين، وفقًا للثوابتة، يُعد جريمة مكتملة الأركان وفق القانون الدولي الإنساني، لما له من تداعيات مباشرة على تعطيل توزيع المساعدات، وخلق حالة من الذعر والفوضى في صفوف المدنيين. ويضيف أن هذه الجريمة تأتي ضمن سياق أوسع من "الهندسة المقصودة للفوضى والتجويع" التي ينتهجها الاحتلال، لضرب أي محاولة للسيطرة المدنية على الوضع الإنساني، وإحلال عصابات النهب وعملائه مكان الجهات المسؤولة، بما يسهّل تمرير عمليات سرقة المساعدات وتشويه صورة المجتمع الفلسطيني. ويؤكد أن الاحتلال يستخدم العملاء واللصوص من أجل سرقة المساعدات والتعدي على حقوق الشعب الفلسطيني، في سلوك يعكس سياسة مركّبة ينتهجها لتجويع الفلسطينيين وتشويه و"شيطنة" أي جهد وطني مسؤول لتأمين الغذاء والدواء. ويوضح أن سلطات الاحتلال تعلن السماح بدخول مساعدات محدودة جدًا للقطاع، لكن في الواقع تسمح بمرورها عبر "مناطق حمراء" تُدار فيها عمليات النهب من قبل عصابات منظمة ومرتبطة بأجهزتها الأمنية". دعاية سياسية ووفقًا للثوابتة، فإن استهداف عناصر التأمين وتسهيل نشاط العصابات دليل واضح على رغبة الاحتلال في كسر أي بنية تنظيمية فلسطينية قادرة على إدارة الأزمة بشكل مسؤول وفعّال. ويتابع "ما يُطلق عليه الاحتلال (ممرات آمنة) ما هي إلا مناطق عسكرية مكشوفة تُستخدم كمصائد للفوضى والنهب". و"هذه الممرات تفتقر لأي ضمانات حقيقية أو إشراف دولي، وتتحول عمليًا إلى ساحات يتعرض فيها المدنيون والعاملون في المجال الإغاثي للاستهداف أو السرقة التي يرعاها وينظمها الاحتلال". يؤكد الثوابتة ويبين أن الهدف الأساسي منها ليس إنقاذ الوضع الإنساني، بل استخدام المساعدات كأداة دعاية سياسية، وإدارة مسرحية خداع للرأي العام العالمي، في حين تُترك غزة تغرق في الجوع والفوضى. ويحتاج القطاع يوميًا، إلى ما لا يقل عن 600 شاحنة إغاثة ووقود لتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية، في ظل انهيار شبه كامل للبنية التحتية واستمرار الحرب. ويحذر الثوابتة من ارتفاع معدلات الوفاة بسبب المجاعة وسوء التغذية في غزة، قائلًا: "هذه التحذيرات ليست مجرد تخوّفات، بل هي توصيف دقيق لحالة كارثية قائمة، لأنه وفق البيانات الطبية الرسمية، غزة دخلت فعليًا مرحلة متقدمة من المجاعة، وهي مرحلة كارثية". ويشير إلى أن آلاف الأطفال يعانون من الهزال الشديد، وسوء التغذية الحاد، والأمراض المصاحبة للجوع المزمن. وينبه إلى أن الموت الجماعي لم يعد احتمالًا، بل واقعًا يوميًا في بعض المناطق، والمسؤولية القانونية تقع بالكامل على الاحتلال الذي يتعمّد منع الغذاء والدواء عن السكان المدنيين. ويؤكد أن معدلات سوء التغذية الحاد وصلت إلى مستويات خطيرة جدًا، وبات الجوع يتهدد أكثر من 40,000 طفل دون سن العام الواحد. وبالتالي، فإن هؤلاء الأطفال يعانون من الهزال وسوء التغذية المزمن، وسط انهيار كامل في منظومة الرعاية الصحية ونقص حاد في حليب الأطفال والمكملات الغذائية. وفق الثوابتة جريمة كبرى ويقول: "نحن لا نُحذّر من مقتلة جماعية قادمة فحسب، بل نُسجّل بالفعل وقوعها بشكل متدرّج، ويزداد اتساعها يوميًا، حيث سجّلت مستشفيات القطاع وفاة 193 فلسطينيًا جراء الجوع وسوء التغذية، بينهم 96 طفلًا، مما يستدعي تدخلًا دوليًا عاجلًا لإنقاذ ما تبقّى من حياة". ويشدد على أن "إسرائيل" تسعى لإعادة تشكيل صورة الواقع الإنساني في غزة بما يخدم أهدافها الاستراتيجية، وذلك عبر الترويج الكاذب بأن المساعدات تصل، بينما تُدار على الأرض عملية منهجية لخلق بيئة فوضوية تُسقط الثقة في الجهات الفلسطينية وتُسلّم ملف الإغاثة إلى عناصر إجرامية. ويبين أن هذه الازدواجية تسعى لتحقيق ثلاثة أهداف هي: تبرئة الاحتلال أمام العالم، وتحميل الشعب الفلسطيني مسؤولية المجاعة، وتبرير استمرار الحصار كضرورة أمنية. ومن وجهة نظره، فإن الترويج الممنهج لدخول المساعدات هو جزء من "بروباغندا الخداع" التي تُخفي وراءها جريمة تجويع كبرى تُنفّذ بدمٍ بارد وعلى مرأى من العالم.

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: تأمين المساعدات استهداف غزة حرب التجويع العدوان على غزة استهداف عناصر وسوء التغذیة

إقرأ أيضاً:

الأزمة في غزة مستمرة.. استهداف طوابير الجوعى يخلف أكثر من 52 قتيلًا

احتشد آلاف الفلسطينيين في منطقة موراغ بخان يونس جنوب قطاع غزة للحصول على المساعدات التي دخلت عن طريق الشاحنات إلى القطاع الذي يعاني من أزمة في الغذاء أدت إلى وفاة العشرات جوعاً ومقتل المئات خلال انتظارهم الحصول على المساعدات. اعلان

وقالت وزارة الصحة في غزة، الثلاثاء، إن 52 شخصاً من طالبي المساعدات قتلوا خلال الأربع وعشرين ساعة الأخيرة وأصيب 352 آخرون، ليرتفع إجمالي القتلى من منتظري المساعدات في غزة إلى 1,568 شخصاً.

ولفتت الوزارة إلى تسجيل ثماني وفيات جديدة نتيجة المجاعة وسوء التغذية، من بينهم طفل و7 بالغين، ليرتفع الإجمالي إلى 188 شخصاً بينهم 94 طفلاً من بدء الحرب، بحسب أرقام الوزارة.

المساعدات غير كافية

وتستمر عشرات الدول العربية والغربية في إدخال المساعدات إلى القطاع سواء جواً عبر إنزالها من الطائرات أو براً عبر الشاحنات.

ورأى برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن إسقاط المساعدات جواً فوق قطاع غزة غير كافٍ على الإطلاق.

وقال الممثل الإقليمي للبرنامج في ألمانيا والنمسا وليختنشتاين، مارتن فريك، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية في برلين، إن "الإسقاط الجوي أشبه في هذا الوضع بضمادات على جروح مفتوحة: مكلف ومحفوف بالمخاطر وتصعب السيطرة عليه".

وأضاف فريك: "في المناطق الإنسانية المكتظة، يصعب توزيع إمدادات الإغاثة الجوية بشكل منظم؛ فخطر الإصابة مرتفع، وتكاليف النقل أعلى بـ34 مرة من تكاليف النقل البري".

واعتبر المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، الاثنين، أنّ "رفض إيصال الغذاء إلى المدنيين يمكن أن يكون بمثابة جريمة حرب، وربما جريمة ضد الإنسانية".

كما أعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، الثلاثاء، أن 95 شاحنة مساعدات فقط دخلت قطاع غزة أمس الاثنين وسط تفاقم الكارثة الإنسانية الناجمة عن التجويع الإسرائيلي الممنهج.

وأشار المكتب إلى أن قطاع غزة "يحتاج يوميا إلى ما لا يقل عن 600 شاحنة إغاثة ووقود لتلبية الحد الأدنى من المتطلبات الصحية والغذائية والخدماتية، وسط انهيار شامل للبنية التحتية واستمرار حرب الإبادة الجماعية".

Related يوميات الجوع في غزة: 8 وفيات جديدة و43% من النساء الحوامل والمرضعات في خطرقبل 20 عاماً انسحبت إسرائيل من غزة.. هل تعود إلى القطاع بقرار من نتنياهو؟خلافات على السطح.. هل تصبح خطة احتلال غزة المسمارَ الجديد في سفينة نتنياهو المترنحة؟

مؤخرا، حذر برنامج الأغذية العالمي من أن "ثلث سكان غزة لم يأكلوا منذ عدة أيام"، واصفا الوضع الإنساني في القطاع بـ"غير المسبوق في مستويات الجوع واليأس".

في المقابل، أعلنت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية (كوغات)، الثلاثاء، أن إسرائيل ستسمح بدخول السلع والبضائع إلى غزة تدريجياً، وبشكل مُراقَب عبر تجار محليين.

نفى نتنياهو مراراً الاتهامات لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة قائلاً إن الجيش الإسرائيلي يتفادى المدنيين ووصفه بـ "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم"، مؤكداً أن الهدف هو حماس.

مرّ أكثر من أسبوع منذ أن أعلنت إسرائيل، تحت ضغط دولي ووسط تزايد مشاهد الأطفال الجائعين، عن هدنات إنسانية محدودة وعمليات إنزال جوي تهدف إلى إيصال المزيد من الغذاء إلى أكثر من مليوني نسمة في غزة. يعتمد سكان القطاع الآن بشكل كبير على المساعدات بعد قرابة 22 شهرًا من الحرب.

ويقول الجيش الإسرائيلي بشكل مستمر بأنه أطلق طلقات تحذيرية فقط، وينفي إطلاق النار على المدنيين.

أزمة تزامناً مع خطط السيطرة

وتستمر الأزمة في القطاع تزامناً مع تقارير لوسائل إعلام إسرائيلية وتصريحات مسؤولين لنية إسرائيل فرض السيطرة الكاملة على القطاع واحتلاله.

وسيعقد نتنياهو اجتماعا لمجلس الوزراء الأمني المصغر هذا الأسبوع لاتخاذ قرار بشأن الخطوات التالية لإسرائيل في غزة بعد انهيار المحادثات غير المباشرة لوقف إطلاق النار مع حركة حماس.

قال المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، يوم السبت الماضي، في أثناء زيارته لإسرائيل إنه يعمل مع الحكومة الإسرائيلية على خطة من شأنها أن تنهي الحرب في غزة فعليا.

كانت محادثات وقف إطلاق النار التي لم تتوج بالنجاح في الدوحة تهدف إلى التوصل إلى اتفاقات بشأن مقترح تدعمه الولايات المتحدة لهدنة مدتها 60 يوما يتم خلالها إرسال المساعدات إلى غزة وإطلاق سراح نصف الرهائن الذين تحتجزهم حماس مقابل الإفراج عن سجناء فلسطينيين مسجونين في إسرائيل.

ودعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى أن تفرض إسرائيل حكماً عسكرياً على غزة قبل ضمها مع إعادة بناء المستوطنات التي أخلتها إسرائيل قبل 20 عاما.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • استهداف عناصر تأمين المساعدات.. سياسة الاحتلال لهندسة التجويع و"شيطنة" أي جهد مجتمعي
  • استهداف عناصر تأمين المساعدات.. سياسة إسرائيلية لتجويع الغزيين و"شيطنة" أي جهد مجتمعي
  • أبو عفش: الوضع الإنساني يتفاقم بشدة في غزة وسط غياب المساعدات الغذائية والطبية
  • الأزمة في غزة مستمرة.. استهداف طوابير الجوعى يخلف أكثر من 52 قتيلًا
  • "الإعلامي الحكومي": الاحتلال يمارس سياسة تجويع ممنهجة ضد غزة
  • الإغاثة الطبية بغزة: إدخال الاحتلال للبضائع دون تنظيم يزيد من هشاشة الوضع الإنساني
  • اعتراضات عسكرية إسرائيلية على استمرار الحرب.. ويتكوف يطرح «خطة بديلة» تتضمن 4 محاور متناقضة
  • زعيم الأقلية في “النواب” الأمريكي: الوضع الإنساني في غزة لا يطاق ويجب زيادة المساعدات فورًا
  • استشهاد وإصابة 12 فلسطينيا في قصف إسرائيلي على فرق تأمين المساعدات