تقليص المساعدات يفاقم أزمة اليمن الإنسانية
تاريخ النشر: 21st, June 2025 GMT
قلصت الأمم المتحدة خططها لتقديم الدعم الإنساني في اليمن خلال السنوات الأخيرة، كما تضاءل حجم الدعم الذي يقدمه المانحون الدوليون لهذا البلد بشكل كبير، خاصة خلال العامين الماضيين، الأمر الذي يهدد بعواقب جسيمة قد يتعرض لها السكان الأكثر ضعفاً في البلاد.
ويأتي ذلك رغم استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي لملايين اليمنيين.
وبعد أن كان حجم خطط الأمم المتحدة السنوية يتجاوز 4 مليارات دولار عام 2019 لتقديم الدعم لأكثر من 21 مليون شخص من أصل أكثر من 24 مليونا هم بحاجة للحصول على المساعدات، وضعت الخطة الأممية للعام الحالي في هدفها تقديم الدعم لـ10.5 ملايين شخص، بموازنة 2.5 مليار دولار. لكنها حتى منتصف العام، لم تتلق سوى 10.7 ملايين دولار من التمويل المطلوب من المانحين الدوليين.
وقال مكتب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن إن التراجع الكبير في التمويل أجبر المنظمة على صياغة خطة طارئة تركّز على الأولويات القصوى من أجل مواصلة إنقاذ الأرواح.
وأضاف المكتب في إجابة عن أسئلة من الجزيرة نت أن الخطة المعدّلة تدعو لتوفير مبلغ 1.4 مليار دولار للوصول إلى 8.8 ملايين شخص من الفئات الأشد ضعفًا، مقارنة بالخطة الأصلية التي استهدفت 11.2 مليون شخص بتمويل قدره 2.4 مليار دولار.
حجم الأزمة
قالت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية جويس مسويا إن أكثر من 17 مليون شخص في اليمن يعانون من جوع حاد، وهو ما يقارب نصف سكان البلاد، مشيرة إلى أن سوء التغذية يؤثر على 1.3 مليون حامل ومرضعة، إضافة إلى 2.3 مليون طفل دون سن الخامسة.
وأضافت مسويا في إحاطة خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في اليمن الشهر الجاري أنه "من دون دعم إنساني مستدام، قد ينتهي الأمر بنحو 6 ملايين شخص آخرين إلى مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي".
وكانت 116 وكالة بالأمم المتحدة ومنظمات إغاثية دولية ومحلية يمنية قالت -في بيان مشترك أصدرته في مايو/أيار الماضي- إن اليمنيين يواجهون "ما يمكن أن يكون أصعب عام بالنسبة لهم حتى الآن".
وقد انعكس استمرار الانقسام النقدي والتدهور الاقتصادي في اليمن على الوضع المعيشي لملايين الأشخاص الذين تأثروا بشكل مباشر بفقدان العملة المحلية في مناطق سيطرة الحكومة لأكثر من نصف قيمتها خلال عامين ونصف العام، مما أدى لارتفاع أسعار السلع ومشتقات الوقود، إذ زادت تكلفة سلة الغذاء بنسبة 33% خلال عام.
نقص المساعدات
ومع استمرار تخفيضات المانحين رغم تقليص الأمم المتحدة خطتها الطارئة في اليمن للعام الحالي، تحذر المنظمة الدولية من أنه إذا لم تلب المتطلبات التمويلية العاجلة فستدهور حالة الأمن الغذائي في جميع أنحاء اليمن، وسيعاني ما يقرب من 6 ملايين شخص إضافي من مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي، كما سيفقد حوالي 400 ألف من صغار المزارعين الضعفاء مصدرهم الرئيسي للغذاء والدخل على الفور.
وأشارت الأمم المتحدة إلى أن جزءًا كبيرًا من النظام الصحي في اليمن سيقترب من الانهيار من دون التمويل اللازم، وسيتوقف 771 مرفقًا صحيًا عن العمل، مما يعني أن 6.9 ملايين شخص لن يتلقوا خدمات الرعاية الصحية الأولية والثانوية المنقذة للحياة، كما ستتعرض القدرة على الاستجابة لمنع تفشي الأمراض والأزمات البيئية لعراقيل صعبة، مما يؤدي إلى زيادة الأمراض والوفيات التي يمكن تجنبها.
وبدأت تأثيرات نقص تقديم المساعدات تظهر جليًا، وقال تقرير صادر عن 6 وكالات أممية ودولية إن أكثر من 88 ألف طفل دون سن الخامسة دخلوا المستشفيات نتيجة سوء التغذية الحاد الوخيم، خلال الفترة من يناير/كانون الثاني وحتى أبريل/نيسان من العام الجاري.
ويرى مدير مركز قرار للدراسات الإنسانية سليم خالد أن الأزمة الإنسانية في اليمن تُعد واحدة من أكثر الأزمات تعقيداً من حيث الحجم والمدة والتحديات التشغيلية، مشيراً إلى أن العملية الإنسانية تواجه تأثيرات مختلفة ومركبة على مستوى جميع القطاعات الرسمية والأهلية مع تراجع التمويل الدولي.
وقال خالد -في حديث للجزيرة نت- إن عدداً من المنظمات المحلية التي تعتمد على الشراكات والتمويل من المنظمات الدولية أغلقت أبوابها بسبب تراجع التمويل، مما يمثل ضربة قاسية للقدرة المحلية على الاستجابة للاحتياجات، ويقلل من الوصول إلى المناطق المتضررة.
وأشار مدير مركز قرار إلى أن التدخلات الإنسانية التي لا تشرف عليها وكالات الأمم المتحدة ليست أحسن حالاً، فقد شهدت كثير من المنظمات المحلية تقليصاً كبيراً في مشاريعها بسبب تراجع التمويلات القادمة من الجاليات اليمنية في الخارج أو من الهيئات الخيرية والإغاثية العربية.
تناقص التمويل
ويتضح من خلال بيانات الأمم المتحدة أن نسبة تمويل العمليات الإنسانية في اليمن كانت مرتفعة خلال الأعوام الماضية التي كانت تشهد ذروة المعارك، إذ حصلت خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2019 على تمويل مرتفع بنسبة تقترب من 87% من أصل نحو 4.2 مليارات دولار طلبتها الأمم المتحدة.
وقال مكتب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية باليمن للجزيرة نت إن أبرز عوامل نقص التمويل قرار بعض الجهات المانحة الرئيسية، بما في ذلك قرار الوكالة الأميركية للتنمية الدولية "يو إس إيه آي دي" (USAID) تعليق أو تقليص تمويلها، إضافة إلى التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي، إلى جانب تعدد الأزمات الإنسانية بأماكن أخرى مثل أوكرانيا وجنوب السودان وغزة.
وكانت الولايات المتحدة مانحاً رئيسياً للعمليات الإنسانية في اليمن خلال السنوات الماضية، إذ قدمت بمفردها نصف قيمة التمويل الذي حصلت عليها خطة الأمم المتحدة عام 2024، عبر برنامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وأمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب -فور توليه المنصب مجددا في يناير/كانون الثاني الماضي- بإيقاف المساعدات الخارجية للوكالة الأميركية، الأمر الذي حرم اليمن من جزء من المساعدات.
وحسب بيانات المكتب الأممي الإنساني باليمن بين عامي 2021 و2024، ذهبت أكثر من نصف نفقات خطط الاستجابة الإنسانية تلك الفترة على توفير الغذاء الآمن والمنقذ لحياة الأسر الأكثر ضعفاً، بمتوسط بلغ 54% من إجمالي المساعدات.
وأنفقت الأمم المتحدة -خلال الأعوام الأربعة الماضية- ما نسبته أكثر من 10% من خططها لتقديم التغذية للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية والحوامل والمرضعات، بينما خصصت نحو 9% من مساعداتها لصالح القطاع الصحي الذي تأثر بشكل كبير بسبب عقد من الصراع في البلاد.
وقد تفرقت المساعدات الأخرى لقطاعات أخرى مثل التعليم والنازحين وتقديم المأوى والمواد غير الغذائية، وآليات الاستجابة السريعة، والخدمات لصالح اللاجئين والمهاجرين، وكذلك المياه والصرف الصحي والنظافة الشخصية، إضافة إلى تقديم مساعدات نقدية.
ودفعت تخفيضات المانحين منظمة اليونيسيف لإيقاف مشروع التحويلات النقدية الطارئة، والذي استفادت منه أكثر من مليون و400 ألف أسرة يمنية خلال الفترة من 2017 وحتى أواخر 2024، بعد 19 دورة صرف.
وقال مسؤول الإعلام بمكتب اليونيسيف في اليمن كمال الوزيزة للجزيرة نت إن هناك مشروعاً آخر يجري الإعداد له حالياً يستهدف تقديم الدعم لنحو 500 ألف أسرة من الأسر الأشد فقراً، مشيراً إلى أن المشروع الجديد سيشمل جميع المديريات في اليمن.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن الأمم المتحدة مساعدات الأزمة اليمنية الإنسانیة فی الیمن الأمم المتحدة تقدیم الدعم ملایین شخص أکثر من إلى أن
إقرأ أيضاً:
الإغلاق الحكومي الأمريكي يفاقم أزمة الوظائف ويكشف ضعف الجهاز الفيدرالي
واشنطن"أ.ف.ب": مرّت على مارك، الموظف الحكومي منذ أكثر من 20 عاما عدة إغلاقات حكومية في الماضي، إذ فشل الكونجرس مرارا في الاتفاق على الموازنة ليُجبَر بالتالي العديد من الموظفين الفدراليين على الحصول على إجازة موقتة غير مدفوعة.
لكن الإغلاق الحالي سيكون الأخير بالنسبة الى مارك الذي رفض الكشف عن اسمه الكامل، بعدما قرر الاستقالة من وظيفته الحكومية.
يرى الموظف الخمسيني صاحب الخبرة الطويلة أن الإغلاق مختلف هذه المرة، منتقدا مساعي إدارة الرئيس دونالد ترامب لما قال إنه "تحقير الموظفين الفدراليين والتقليل من قيمة مواصفاتهم لإظهار أنهم لا يستحقون الخدمة الفدرالية، وهو أمر لا يشبه أي تجربة سابقة لي كموظف فدرالي".
يأتي الإغلاق الأخير بعدما استهدف إيلون ماسك الذي كان حليفا لترامب، في وقت سابق هذا العام القوة العاملة الفدرالية فأقال آلاف الموظفين بتفويض من البيت الأبيض.
وغالبا ما يتحدّث ترامب باستخفاف عن البيروقراطية الحكومية المتضخمة وغير الفعالة، بحسب قوله.
ويبحث مارك الذي كان يتولى مسألة التمويل المخصص للمتاحف عن وظيفة جديدة حاليا.
ويقول "أعتقد أن هناك فرصا أكبر خارج الحكومة الفدرالية حاليا لخدمة بلادنا".
بدأ الإغلاق يوم الأول من أكتوبر عندما فشل الجمهوريون والديموقراطيون في الاتفاق على خطة إنفاق موقتة تحافظ على التمويل الحكومي.
أما بالنسبة إلى الموظفين الحكوميين الذين يعتبرون أساسيين ولا يمكن منحهم إجازة، على غرار العاملين في مجال مراقبة الطيران، فسيواصلون عملهم من دون أن يحصلوا على أجورهم.
لكن مئات الآلاف سواهم يجبرون على أخذ إجازات غير مدفوعة.
ويقول مارك الذي حضر للتو ندوة للتطوير الوظيفي لأمثاله ممن أصبح لديهم فجأة كثير من وقت الفراغ "إنه شعور فظيع".
ويشير موظف حكومي آخر يعمل في "مكتب الإحصاء" أحيل على إجازة غير مدفوعة ويدعى يوهان هرنانديز، إلى أنه يتبنى مقاربة تقوم على مواجهة "كل يوم على حدة".
أما نيكول غارسيا التي توقف عملها في وزارة الخارجية، فتشير إلى أنها تشعر بالإحباط حيال الإغلاق وإن كان ذلك يعني أنه بات لديها الوقت الكافي لإيصال ابنها إلى المدرسة.
من جهة اخرى، نجح موظف آخر أحيل على إجازة غير مدفوعة أيضا، يعمل في إدارة الأعمال التجارية الصغيرة، في إقناع مصرفه بتجميد أقساط الرهن العقاري التابع له.
ويؤكد الموظف الذي لم يرغب في أن يتم الكشف عن اسمه على غرار كثيرين غيره ممن تحدّثت إليهم فرانس برس، أن العمل في وظيفة حكومية بات أمرا صعبا منذ عاد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير.
وتباهى مدير "مكتب الإدارة والميزانية" التابع للبيت الأبيض راسل فوت الذي يشار إلى أنه يقف وراء التحرّك لخفض عدد الموظفين الفدراليين، بأنه تسبب "بصدمات نفسية" في أوساط الموظفين الحكوميين.
وأقال ماسك أعدادا كبيرة من الموظفين عندما ترأس ما أُطلق عليه "إدارة الكفاءة الحكومية" في وقت سابق هذا العام.
وتم تشجيع موظفين آخرين على المغادرة أو كانوا يعملون في هيئات أُغلقت بالكامل على غرار الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
ومع الإغلاق حاليا، تواجه القوة العاملة الفدرالية الأمريكية فصلا جديدا من عمليات التسريح التي قال البيت الأبيض إنها بدأت بالفعل.
وتم تسريح إميلي أبراهام، وهي دبلوماسية عملت في السعودية وإندونيسيا وجمهورية الدومينيكان، خلال الصيف، لكن كان من المفترض أن تتقاضى رواتبها حتى نوفمبر.
ونتيجة الإغلاق، لن تحصل على الرواتب بانتظار خسارة وظيفتها في وضع وصفته بأنه "إجازة مزدوجة".
وتعلق "إضافة إلى أنني لا أعمل، أصبحت الآن لا أتلقى أجرا أيضا".
وتضيف "لدي ثلاث بنات وقرض علي سداده. لدي سيارة، كل هذه الأمور ينبغي علي الاهتمام بها. أنا في مرحلة حيث لدي استعداد للقيام بأي عمل".
وتلفت إلى أن سوق التوظيف في واشنطن تعاني ضغطا نتيجة الأعداد الكبيرة من الموظفين الحكوميين الذين تم تسريحهم.
وتقول "أعرف عددا من كبار الدبلوماسيين السابقين الذين يقودون سيارات أوبر أو ليفت بينما يبحثون عن وظيفة".