الجزيرة:
2025-12-14@04:18:20 GMT

الخليج بين حجرَي رحى

تاريخ النشر: 22nd, June 2025 GMT

الخليج بين حجرَي رحى

الرحى أداة أو آلة تقليدية قديمة لطحن الحبوب، وتتكون من حجرين مستديرين يوضع أحدهما فوق الآخر، ويتم تدوير الحجر العلوي لطحن الحبوب بينهما. تُستخدم الرحى في العديد من الثقافات حول العالم منذ القدم، وربما حتى ساعة الناس هذه، وكانت جزءًا أساسيًا من الحياة الريفية اليومية.

مناسبة الحديث عن الرحى هي الحرب الدائرة الآن حولنا بالخليج، التي لو طالت قليلًا فمن المحتمل أن تتحول لحرب طاحنة.

فهي منذ أن بدأت بالاعتداء الصهيوني على إيران، والطرفان في دفاع وهجوم. يستخدم كل طرف ما لديه من تقنيات وأسلحة دفاعية وهجومية، فيما العالم إلى اليوم يراقب ويدرس العواقب!

لست مختصًا بالتحليلات السياسية ولا العسكرية، فلكل مجال أهله، لكنني ها هنا أروم إلى التركيز على بضع نقاط تهمنا كعرب، لا سيما عرب الخليج، الذين نكاد أو ربما صرنا أشبه بحبوب قمح بين شقي رحى! الاحتلال الصهيوني من جهة، والدولة الإيرانية من جهة أخرى.

هذه الحرب التي لو استمرت بضعة أسابيع أخرى، فلا أستبعد أن تجري علينا سُنّة الطحن في مثل هذه الظروف، قبل عمليات العجن والتشكيل، ما لم يتم تدارك هذا الخطر الذي يكاد أن يتجسد على أرض الواقع الخليجي. النقطة الأولى المزعجة، هي كثرة الانتقادات العربية من هنا وهناك لإيران بسبب عدم وقوفها وحمايتها لغزة مما جرى لها، خاصة بعد أن تبين للعالم قدراتها الصاروخية في هذه الحرب، والتي كانت بعضها كفيلة بردع الصهاينة عن الاستمرار في جرائمهم ضد غزة، لو تم استخدامها في وقتها.

هذه نظرة غاية في السطحية، ذلك أن اللوم يجب ألا يقع في مثل هذا الوقت العصيب، ثم إنّ اللوم يجب ألا يكون من نصيب إيران وحدها، وهي الأكثر دعمًا لحماس وفصائل المقاومة الفلسطينية من غيرها، بل يجب أن يمتد ليشمل كافة القوى العربية الكبيرة التي تتفاخر بعددها وعتادها العسكري، وهي لم تتحرك قِيد أنملة لنصرة غزة فحسب، بل انقلبت بوصلات بعضها فصارت أدوات تحمي النظام الصهيوني الفاشي بشكل أذهل العالم المنتفض ضد الصهاينة!

إعلان

إذن وقبل أن يزداد لوم وانتقاد إيران لأنها لم تستخدم قواها الصاروخية ضد الصهاينة في غزة، لِمَ لا يقوم المنتقدون بالمثل مع قوى عربية وإسلامية تملك ما تملك إيران من عتاد وأسلحة وأنظمة عسكرية متنوعة؟

النقطة الثانية المزعجة، لم يكتفِ بعض العرب بانتقاد إيران، بل يفضلون الاحتلال الصهيوني العنصري عليها في هذه الحرب. وهذا الفعل، بما فيه من ضيق أفق وسطحية، هو أيضًا سذاجة في الفكر. فكيف يتم تفضيل جسم غريب على المنطقة برمتها، صنعه الغرب الاستعماري ليضمن استمرارية مصالحه، على قَدَر جغرافي تاريخي يتمثل في الدولة الإيرانية؟! لا يمكن لعاقل وبقليل منطق وموضوعية أن يساوي بين غريب هجين استئصالي، جاء من وراء البحار إلى فلسطين، وبين جار مسلم ضارب بجذوره بالمنطقة منذ آلاف السنين.

إيران، وإن اختلفنا معها مذهبيًا وسياسيًا في مناطق ومجالات معينة، إلا أنها ضمن دائرة الأمة الكبيرة، ولا يمكن أن يؤخذ مئة مليون إيراني بجريرة أو أخطاء سياسيين، أو أنظمة حاكمة متعاقبة على هذه الدولة، وما تتبناها من مذاهب أو عقائد أو أفكار، والتي غالبًا لا تدوم.

إيران منذ عهد الفاروق عمر- رضي الله عنه- حاضرة إسلامية متقدمة، كان لها تأثيرها الإيجابي في الحضارة الإٍسلامية. وعلى رغم أن علاقاتها منذ قيام الدولة الصفوية فيها أصبحت في حالة مد وجَزْر مع دول الجوار الجغرافي، إلا أنها تظل كيانًا مسلمًا متنوع الأعراق والمذاهب، له مواقفه التاريخية من قضايا المسلمين المتنوعة بصورة وأخرى، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تفضيل محتل غريب، على هذا الجار المسلم، وإن جار علينا بعض الوقت.

الاحتلال الصهيوني خلية سرطانية زرعها الغرب على يد الاحتلال البريطاني، كما يعلم الجميع، ثم تولت رعايته بعدها الولايات المتحدة. هذا النظام في كل الأحوال لا يمكن أن يتعايش مع الوسط العربي المسلم، مهما قامت الأنظمة الحاكمة، رغبة أو رهبة، بالتواصل معها وتطبيع العلاقات.

استثمار اللحظة التاريخية

الوقوف مع إيران في هذه الحرب، رغم كل الخلافات السياسية معها لدى دول الخليج تحديدًا، خير من الحياد، فإن هزيمة إيران تعني تغول الصهاينة في المنطقة وفعل ما يشاؤون دون رقيب أو حسيب، وليس من شك في أن هزيمة إيران ستفتح شهيتهم لتكرار التجربة مع قوى إسلامية أخرى، وباكستان هي القوة التالية ثم تركيا، فيما بقية العرب وللأسف، خارج حسابات أولئك الصهاينة، إذ ليس من حاجة لبذل كثير جهد في كسرهم أو ترويضهم، أو هكذا هم في مخيلتهم ومخيلة من يقف وراءهم.

ولا أظن أن تلك الصورة جاءت من فراغ، بل من الوضع البائس الذي عليه أمة العرب منذ خروج الاستعمار من المنطقة، إذ هي من بؤس إلى ما هو أشد بؤسًا.

أما هزيمة الصهاينة وكسرهم وخروجهم من الحرب دون تحقيق ما يرومون إليه، فهو تعزيز للمقاومة الباسلة في غزة، وإزالة للصورة الذهنية التي تم زرعها في العقلية العربية ووجدانها، من أن كيان هؤلاء المحتلين صلب لا يتزعزع ولا ينهزم، وتعزيز للحراك العالمي النشط الآن ضدهم.

أما الخليج العربي فيجب ألا يكون حبوب رحى، ولا أن يترك الحبل لكل من هب ودب أن يقوده إلى حيثما شاء. وهو وقد جاوز الأربعين من عمره قد بلغ أشده، يجب ألا يعيش على الهامش يشاهد ما يجري على مساحته، أو يتورط في خيارات وحروب الآخرين.

إعلان

الحرب الدائرة الآن، ربما تكون فرصة لدول الخليج لإزالة ما أثاره الاصطفاف مع بغداد في الحرب العراقية الإيرانية من ضغائن لدى طهران. مثل هذه الفرص التاريخية لا تتكرر. ولذلك يجب استثمارها بشكل حكيم لرسم قواعد جديدة للتعامل مع القوى المختلفة بالمنطقة، أو إن صح وجاز لنا التعبير، لم لا يكون هذا الخليج هو نفسه قوة معتبرة، له كلمته وتأثيره على مسرح الأحداث؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات هذه الحرب یجب ألا لا یمکن

إقرأ أيضاً:

دراسة: شبه الجزيرة الإيبيرية تتحرّك في اتجاه عقارب الساعة بفعل تصادم الصفائح التكتونية

توصلت دراسة جيولوجية حديثة إلى أن شبه الجزيرة الإيبيرية (التي تضم إسبانيا والبرتغال) تدور ببطء في اتجاه عقارب الساعة نتيجة التفاعل بين صفيحتي أوراسيا وأفريقيا التكتونيتين.

يوضح الباحث الرئيسي، أسيير ماداريتا من جامعة الباسك، هذه الظاهرة بقوله: "كل عام تتحرك صفائح أوراسيا وأفريقيا نحو بعضها البعض بمعدل 4-6 ملم. الحد الفاصل بين الصفائح حول المحيط الأطلسي والجزائر واضح جدًا، بينما في جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية يكون الحد أكثر ضبابية وتعقيدًا."

كيف تحدث الحركة؟

في منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط، تُظهر البيانات الجديدة من الأقمار الصناعية والرصد الزلزالي أن الضغوط الناتجة عن تصادم الصفائح لا تتوزع بالتساوي.

ويشرح ماداريتا دور "قوس جبل طارق" الحاسم في هذه العملية: "في شرق مضيق جبل طارق، تمتص قشرة القوس التشوه الناتج عن تصادم الصفائح، مما يمنع نقل الضغوط إلى إيبيريا. أما غرب المضيق، فيحدث التصادم المباشر.. ونعتقد أن ذلك قد يؤثر على الضغوط المرسلة إلى جنوب غرب إيبيريا، بدفع شبه الجزيرة من الجنوب الغربي وجعلها تدور باتجاه عقارب الساعة."

Related باحثون يابانيون يطوّرون نظامًا ذكياً للتنبؤ بالزلازلبعد تسونامي المحيط الهادئ.. هذه هي أقوى 10 زلازل مسجّلة في التاريخبعيداً عن حدود الصفائح التكتونية.. علماء يكشفون سر النشاط البركاني في المحيطات الأهمية العملية للبحث

تكمن أهمية هذه النتائج في تطبيقاتها العملية لتقييم المخاطر الزلزالية. كما يبين ماداريتا فائدة البيانات الجديدة: "مع البيانات الجديدة يمكننا تحديد مكان الصدوع النشطة، وفهم نوعية الطيات والصدوع، وحركة هذه الصدوع، وأنواع الزلازل التي قد تسببها وحجمها المحتمل."

وفي هذا السياق، يعمل فريقه على تطوير قاعدة بيانات للصدوع النشطة، حيث يشير إلى أن "على الرغم من عملنا المكثف، هناك مجالات تحتاج لمزيد من الدراسة، مثل غرب قوس جبل طارق.. لإجراء أعمال جيولوجية وجيوفيزيائية دقيقة."

تحدي البيانات في الرصد الجيولوجي

يذكر الباحث التحدي الكامن في القياسات الجيولوجية، قائلاً: "البيانات القديمة لا تعكس سوى نافذة صغيرة على التطور الجيولوجي، إذ تعود بيانات الزلازل الدقيقة إلى عام 1980، وبيانات الأقمار الصناعية الدقيقة إلى عام 1999، بينما تُقاس التغيرات الجيوديناميكية بالملايين من السنين." ومع ذلك، تؤكد الدراسة أن الرصد المستمر يعزز دقة النماذج المستقبلية لفهم حركة الأرض.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • أخضر تحت 23 يستعد للقاء الإمارات في نصف نهائي كأس الخليج
  • بمشاركة النني وإبراهيم عادل.. الجزيرة يودّع كأس الإمارات أمام الوحدة
  • لؤلؤة الخليج كما عرفتها
  • أسئلة النزاعات المسلحة بأفريقيا في منتدى مركز الجزيرة للدراسات
  • سلة الاتحاد تحقق الفوز في اول لقاءاته على الجزيرة بنتيجة 80 -74
  • الملف الأسود لتمويل الحرب والتجنيد.. إيران تنقل مصانعها من سوريا لليمن وتوسع شبكات التهريب لإغراق دول المنطقة بالمخدرات
  • «المؤتمر السوداني» يحذر من انهيار كامل لمشروع الجزيرة
  • دراسة: شبه الجزيرة الإيبيرية تتحرّك في اتجاه عقارب الساعة بفعل تصادم الصفائح التكتونية
  • العراق يواجه قطر في نصف نهائي كأس الخليج تحت 23 عاما
  • اليوم.. مواجهتان حاسمتان في ختام دور المجموعات لكأس الخليج تحت 23 عاماً