في تعز.. مواقد الحطب تشتعل بدلاً من الغاز والجوع يُحاصر البيوت (تقرير خاص)
تاريخ النشر: 23rd, June 2025 GMT
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ محمد عبدالقادر اليوسفي
تتسع رقعة الأزمات في مدينة تعز، وهذه المرة، لم يكن صوت الرصاص أو هدير المدافع هو ما أيقظ وجع السكان، بل نار أخرى أشعلت المطابخ وأحرقت الجيوب، أزمة غاز الطهو التي عادت بقوة لتكشف هشاشة الخدمات وغياب الرقابة، وتعيد المشهد إلى زمن الطهي بالحطب والكرتون.
وفي ظل غياب رقابة حقيقية وعجز السلطة المحلية عن توفير الحد الأدنى من الخدمات، ارتفعت أسعار أسطوانة الغاز المنزلي إلى أكثر من 10,500 ريال، وسط شح في الكميات وتلاعب بالتوزيع، لتشتعل مشاعر الغضب في أوساط السكان.
وبين طوابير الانتظار الطويلة وأسواق سوداء لا ترحم، يقف المواطن عاجزًا أمام خيارين كلاهما مُر: إما الجوع أو الحطب.
وفيما تسوق الجهات الرسمية روايات مكررة عن “تحديات النقل والتوزيع”، يتصاعد في الشارع صوتٌ آخر، أكثر حدةً ووجعًا، يتحدث عن فسادٍ مستشرٍ ومحسوبيةٍ تطال حتى “أسطوانة الغاز”، ونافذين يجنون الأرباح من أزمة اختنق بها الناس.
يروي المواطنون قصصًا مؤلمة عن أسَرٍ تُضطر للطهو بالحطب أو الكراتين، ومطاعم تغلق أبوابها، وأفران تتوقف عن العمل، في مشهد يُشبه الحرب لكن بأسلحة خدمية.
معاناة يومية بلا حلول
وفي حي وادي القاضي، كانت السيدة نعمة حمود، أم لخمسة أطفال، تحاول إشعال النار بكرتون ممزق جمعته من الشارع. تقول وهي تمسح جبينها المتسخ بالسُخام: “لم يعد لدينا غاز.. لا أستطيع دفع 10,500 ريال للأسطوانة، لجأت إلى الطرق البدائية فقط لأطعم أولادي”.
ليست وحدها. في حي المسبح، يؤكد المواطن قاسم الجرنتي أن الحطب بات عملة متداولة بين الجيران، يتقاسمونه كما يتقاسمون رغيف الخبز.
وفي مطاعم وأسواق المدينة، اضطرت بعض المنشآت للإغلاق مؤقتًا أو رفع أسعار الوجبات، ما ضاعف العبء على المواطنين وسط أزمة اقتصادية خانقة.
الفساد في المشهد
ورغم أن الجهات الرسمية تكرر تبريراتها المعتادة بشأن “صعوبات التوزيع والنقل”، يتهم السكان مسؤولين نافذين بالتلاعب بالكميات وبيعها في السوق السوداء بأسعار تصل إلى 13,000 ريال، وفق روايات عديدة.
وتقول نجوى أحمد، موظفة في قطاع خاص: “أخذت إجازة يومين من عملي لأقف في طابور الغاز.. وعدت دون أي نتيجة، فقط لأجد الجرة تُباع سراً لمن يدفع أكثر”.
وسط تفاقم أزمة الغاز المنزلي في مدينة تعز، تتصاعد تساؤلات المواطنين حول مصير الحصص المقررة للمدينة، والتي يُفترض أن تغطي احتياجات السكان، لكنها لا تصل إلى مستحقيها، وفق شهادات ميدانية تنقل صورة قاتمة عن الفساد والعبث المستشري في عمليات التوزيع.
شريحة واسعة من السكان تحدثوا لـ”يمن مونيتور” عن تلاعب ممنهج في آليات صرف الحصص، واختلالات فادحة تغذي السوق السوداء، وتحوّل مادة الغاز إلى سلعة محكومة بـ”مافيات محلية” تعبث باحتياجات الناس اليومية.
أبو نزار، من سكان حي الجحملية، قال بنبرة يائسة: “عندما تصل شاحنة الغاز إلى الحارة، لا نحصل منها شيئًا. العُقّال والتجار يتقاسمون الكمية في الخفاء، يبيعونها كما يشاؤون. نسمع أن الشحنة وصلت، وفجأة تختفي نصفها”.
شهادات أخرى تؤكد أن عُقّال الأحياء، في بعض المناطق، يتصرفون بالحصة المخصصة بناءً على المحسوبية والعلاقات الشخصية، بل ويبيعونها بسعر مضاعف إلى مطاعم ومحلات “البوفية”، في ظل غياب أي إشراف رسمي أو توثيق.
أحد العاملين السابقين في نقطة توزيع للغاز – فضّل عدم الكشف عن هويته – قال لـ”يمن مونيتور”: “هناك توجيهات غير مكتوبة من بعض المسؤولين بتحويل جزء من الحصة إلى تجار معروفين، يقومون ببيعها لاحقاً في السوق السوداء، لأشخاص محددين”.
وأضاف: “المواطن العادي لا يملك أي وسيلة للحصول على أسطوانة بسعر رسمي، ما لم يكن مرتبطًا بشخص نافذ أو يمتلك وساطة داخل الدوائر الموزعة للغاز”.
ولم تتوقف الشكاوى عند هذا الحد، إذ تشير معلومات إلى أن بعض المحطات والنقاط التابعة لشخصيات متنفذة تُستثنى تمامًا من الرقابة، ويتم تخصيص حصص ثابتة لها، تُدار بطرق خاصة، وتُباع بأسعار تفوق السعر الرسمي بأكثر من الضعف.
وبينما يواجه المواطنون طوابير مذلة، أو يعودون خالي الوفاض من نقاط التوزيع، تنشط سوق موازية لا تخضع للقانون، فيما تقف الجهات المختصة موقف المتفرج، أو تتورط – كما يقول البعض – في إدارة الأزمة بدلاً من حلها.
السلطة في قفص الاتهام.. واحتجاجات تعمّق الغضب
في خضم أزمة الغاز المنزلي المتصاعدة، تبدو السلطة المحلية في محافظة تعز عاجزة أو متقاعسة عن التعاطي الجاد مع معاناة المواطنين، مكتفية بإطلاق وعود متكررة باتت عاجزة عن إقناع الشارع، الذي يواجه طوابير الانتظار ولهيب الأسعار بلا حلول حقيقية.
وفي تصريح خاص لـ”يمن مونيتور”، قال مدير فرع شركة الغاز بتعز، بلال القميري، إن “سبب الأزمة يعود إلى تأخر الكميات نتيجة احتجازها في محافظة مأرب، بالإضافة إلى التحديات الأمنية التي تعرقل عمليات النقل”. وأشار إلى أن “بعض المقطورات بدأت بالوصول إلى المدينة، ما يمهد لانفراج تدريجي في الأزمة”، على حد قوله.
وأضاف القميري في تصريحات أخرى لوسائل إعلام محلية، أن هناك تحركات يقودها المحافظ نبيل شمسان بالتنسيق مع محافظ لحج، للإفراج عن المقطورات المحتجزة في منطقة خور عميرة بمحافظة لحج.
غير أن هذه التصريحات قوبلت بامتعاض شعبي واسع، في ظل غياب أي مؤشرات ميدانية على تحسّن فعلي. المواطنون الذين أنهكتهم الوعود المكررة، يرون أن الواقع يكذّب الروايات الرسمية، فالأزمة تتوسع يومًا بعد آخر، وسط غياب الرقابة، وتغوّل الفساد، واستمرار السوق السوداء.
وفي تطور لافت صباح اليوم الأحد، 22 يونيو، خرجت مسيرة احتجاجية مكونة من شاحنات نقل الغاز المنزلي التابعة لوكلاء تعز، احتجاجًا على استمرار احتجاز مقطوراتهم في لحج. ولا تزال المسيرة معتصمة أمام مبنى السلطة المحلية حتى لحظة إعداد هذا التقرير، في مشهد غير مألوف يعكس حجم الاحتقان.
ويصف الناشط المجتمعي عمر الحكيمي ما يحدث بأنه تواطؤ غير معلن من قبل السلطات، ويقول لـ”يمن مونيتور”: “السلطة المحلية تتعامل مع الأزمة كأمر اعتيادي، وتغض الطرف عن التجاوزات الصارخة. لا توجد رقابة حقيقية على نقاط التوزيع، ولا محاسبة للعقال أو التجار الذين يحتكرون الغاز. نحن أمام سلطة صامتة أو متواطئة”.
وبين الروايات الرسمية التي تتحدث عن حلول مرتقبة، وواقع مأساوي تزداد فيه معاناة الناس، يبدو أن أزمة الغاز في تعز تحولت إلى نموذج مصغر لفشل الإدارة وغياب المساءلة، في مدينة أنهكتها الحرب وتطاردها الأزمات الخدمية من كل اتجاه آخرها أزمة وقبلها أزمة انعدام مياه الشرب.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محليةأنا طالبة علم حصلت معي ظروف صعبة جداً و عجزت اكمل دراستي و أ...
نحن اقوياء لاننا مع الحق وانتم مع الباطل...
محمد عبدالخالق سعيد محمد الوريد مدير بنك ترنس اتلنتيك فليوري...
قيق يا مسؤولي تعز تمخض الجمل فولد فأرة تبا لكم...
المتحاربة عفوًا...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: السلطة المحلیة لـ یمن مونیتور الغاز المنزلی السوق السوداء فی الیمن فی تعز
إقرأ أيضاً:
حضرموت تشتعل غضبًا.. إصابات في تريم إثر حملة عسكرية لفض احتجاجات شعبية
شهدت مديرية تريم بمحافظة حضرموت، الخميس، تصعيدًا أمنيًا خطيرًا، عقب تدخل قوات تابعة للمنطقة العسكرية الأولى الموالية لحزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) لفض احتجاجات شعبية بالقوة، ما أدى إلى إصابة اثنين من المتظاهرين، أحدهما حالته خطيرة، وفقًا لمصادر طبية ومحلية.
وأفادت مصادر محلية وشهود عيان إن قوة عسكرية وأمنية شنت حملة قمع وحشية في دينة تريم بحجة فتح الطريق الدولي الرابط بين محافظتي حضرموت والمهرة، والذي كان مغلقًا منذ أكثر من أسبوع من قبل محتجين يطالبون بتحسين الخدمات وتوفير الكهرباء، في ظل أوضاع اقتصادية خانقة تعيشها البلاد.
وخلال العملية، استخدمت القوات الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي لتفريق المتظاهرين، ما أدى إلى إصابة شابين في منطقتي الصدر والبطن، نقلا على إثرها إلى مستشفى سيئون لتلقي العلاج. كما منعت القوات الصحفيين من تغطية الأحداث، وطُلب منهم مغادرة المكان.
رغم تمكن القوات من إزالة الحواجز التي وضعها المحتجون وأعادت فتح الطريق الدولي أمام حركة شاحنات النقل، إلا ان المتظاهرين واصلوا التجمع والتجمهور وترديد الشعارات المنددة باستخدام العنف، وسط انتشار أمني مكثف لا يزال قائمًا حتى اللحظة تحسبًا لأي تصعيد جديد.
وتأتي هذه التطورات في إطار احتجاجات شعبية واسعة تشهدها مديريات وادي وساحل حضرموت، وعلى رأسها المكلا وسيئون وتريم، تنديدًا بتدهور الأوضاع المعيشية وانقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار، في ظل غياب أي حلول حكومية ملموسة حتى الآن.
وقالت مصادر محلية إن قوات الأمن اعتقلت عددًا من المحتجين خلال الأيام الماضية، في حين أسفرت المواجهات عن وقوع إصابات متفرقة، مما زاد من حدة الغضب الشعبي في المنطقة.
وفي أول رد فعل رسمي، أدانت القيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة حضرموت ما وصفته بـ"الاعتداء السافر والقمع الهمجي" الذي تعرض له أبناء مديرية تريم، محمّلة المنطقة العسكرية الأولى كامل المسؤولية عن ما جرى من إصابات وممارسات وصفتها بـ"الميليشياوية الخارجة عن القانون".
وقالت القيادة، في بيان رسمي، إنها تتابع بقلق بالغ ما يجري في تريم من ممارسات قمعية ضد مواطنين خرجوا للتعبير عن مطالبهم المشروعة، مؤكدة أن القوات استخدمت أسلحة خفيفة ومتوسطة لتفريق المتظاهرين، وفرضت طوقًا أمنيًا خانقًا على المدينة، وصولًا إلى مصادرة ممتلكات بعض المحتجين، بينها دراجة نارية أُخذت بالقوة.
وأكدت قيادة الانتقالي في حضرموت أن "ما يحدث يكشف الوجه الحقيقي لقوات المنطقة العسكرية الأولى التي لا تزال تفرض وجودها غير الشرعي في وادي حضرموت"، مطالبة بـسحب تلك القوات فورًا، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة أمنهم عبر قوات النخبة الحضرمية.
البيان دعا المنظمات الحقوقية المحلية والدولية إلى توثيق الانتهاكات ورفعها للجهات المعنية، مطالبًا بمحاسبة المسؤولين عن القمع والإصابات، ومؤكدًا أن "حق أبناء حضرموت في التظاهر السلمي مكفول، ولا يمكن قمعه بالرصاص أو بالعسكرة".
كما حذرت قيادة الانتقالي من "مغبة استمرار هذه الاستفزازات"، مؤكدة أن "شعب الجنوب لن يقف مكتوف الأيدي أمام الانتهاكات المستمرة"، مجددة دعمها الكامل لأبناء تريم وكل مناطق وادي حضرموت، ومؤكدة أن "النصر والتمكين قادم لا محالة".
وتشير المؤشرات الميدانية إلى أن حضرموت تقف على صفيح ساخن في ظل تصاعد الاحتقان الشعبي، وعجز الحكومة عن تقديم حلول فاعلة، وسط مطالبات واسعة بإعادة هيكلة الملف الأمني في الوادي وتمكين أبناء المحافظة من إدارة شؤونهم بأنفسهم.
ويرى مراقبون أن استمرار هذا النهج في التعامل الأمني مع مطالب الشارع، قد يفجّر موجة احتجاجات أكبر، تتجاوز حدود حضرموت، في ظل تدهور معيشي لم تشهده البلاد منذ سنوات.