حين يُستخدم القانون لردع الضعفاء، وتُستدعى الأخلاق لتبرير القصف لا لوقفه، فإن القوة وحدها تصبح القيمة العليا التي تُحرّك القرار الدولي. العدوان الإسرائيلي ـ الأمريكي على إيران لم يكن سوى تأكيد إضافي لهذه الحقيقة التي كانت الدول الغربية تتهرب من الإقرار بها: لا القانون يُلزم الأقوياء، ولا المبادئ تحكم مسار الأحداث.
ولا تحتاج هذه الحقيقة أن تختبئ خلف بلاغة الكلمات، يقولها الغرب اليوم بكل وضوح. هذا ما نقرأه بوضوح في تصريح المستشار الألماني الذي قال بلا مواربة: «لا أرى سببًا لانتقاد ما فعلته إسرائيل أو الولايات المتحدة» مستدعيا ـ من دون أي مساءلة ـ مقولة إن «إيران كانت تقترب من إنتاج السلاح النووي». وفي بروكسل، ذهب الأمين العام لحلف الناتو إلى ما هو أبعد، مؤكدا أن الضربات «لا تنتهك القانون الدولي»! ما يُفترض أنه القانون الإنساني ذاته الذي خُلق لحماية المدنيين، بات يُعلَّق حين يتعلق الأمر بـ«الحلفاء». القانون الذي يُطبَّق على خصوم موسكو، يُجمَّد تماما حين يكون الضحية خصما لواشنطن أو تل أبيب.
من الصعب فهم أي قانون دولي يستند إليه المستشار الألماني، فالقانون كما نعرفه يُدين العدوان، لا يبرره، خصوصا حين يهدد حياة ملايين بالخطر النووي.
والواضح أننا لسنا أمام مجرد اختلاف في تأويل المادة القانونية، ولكن أمام انهيار منهجي في منظومة الشرعية الدولية نفسها. لا يمكن فهم هذا الانسياق الأوروبي وراء ضربة قررها دونالد ترامب ـ بكل تاريخه في تقويض الاتفاق النووي وإشعال التوترات ـ إلا بوصفه إخفاقا أخلاقيا وسياسيا مزدوجا؛ إذ إن القبول بالحل العسكري لم يكن ضرورة أمنية عاجلة. كانت أمام العالم فرصة حقيقية للدبلوماسية، وفرصة حقيقية للوساطة، وبعضها كان يجري فعليا في سلطنة عمان حيث كانت تقدم بديلا حضاريا لثقافة الإنذار والحرب، وكان يمكن البناء على هذا النموذج لو لم يُجهض بقرار منفرد يحكمه منطق الغلبة لا الحوار.. وكأن الغرب لا يريد أن يتعلم من تاريخه، من أفغانستان إلى العراق، حيث لم تنتج القوة إلا الفوضى.
يختزل هذا النوع من التفكير السياسة الدولية في منطق الثقة والريبة، ويتجاهل كل ما نادت به أوروبا نفسها لعقود من أجل بناء نظام أمن جماعي، واحترام القانون الدولي، ودعم الحلول المتعدّدة الأطراف.. لكنّ النزعة الغربوية نسفت كل ذلك وجعلت الغرب يسيرون خلف مقاتلات أمريكية، تاركين المقاربات السلمية على قارعة الطريق.
الأسوأ من الحرب ليس فقط دمارها، بل حين تصبح قدرًا يُدار ولا يُناقش، حتمية تتصرف على هديها الأمم، كألا بديل لها. لكن الحرب ليست قدَرًا. هي لحظة انهيار للعقل السياسي، وللمسؤولية الأخلاقية. وإذا استمر هذا النهج، حيث يُشرعن العنف ويُختزل القانون إلى موقف سياسي، فلن نواجه فقط شرقًا أوسط هشًا، بل عالمًا بلا شرعية، وبلا عدالة، وبلا صوت يقول: كفى.
كفى للانصياع الأعمى. كفى للقتل باسم القيم. كفى لتحويل الإنسان إلى رقم في نشرات الأخبار.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
طهران: القوة البحرية للجيش الإيراني ركيزة أساسية لتوسيع العلاقات مع دول العالم
أكد نائب قائد القوة البحرية الاستراتيجية للجيش الإيراني الأدميرال فرامرز بماني، أن القوة البحرية للجيش الإيراني تعد ركيزة أساسية للدبلوماسية البحرية وتعزيز التفاعل بين إيران ودول العالم المختلفة.
جاء ذلك على هامش الاجتماع الدولي لفريق العمل المعني بالإجراءات الإنسانية والاستجابة للكوارث الطبيعية «HADR»، المنعقد في مدينة نوشهر بإيران، حسبما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا» اليوم السبت.
وأشار بماني إلى الأداء والإنجازات التي حققتها القوة البحرية في مجال الدبلوماسية البحرية، من خلال مشاركتها الفاعلة في المبادرات الدولية والتعاون الإقليمي.
وأضاف: «إن القوة البحرية تعمل كوزارة خارجية متنقلة في العلاقات الدولية، وتؤدي دورا حيويا وحاسما في بناء الجسور الدبلوماسية البحرية وتوطيد العلاقات مع الدول الأخرى».
ورأى أن عقد هذا الاجتماع سنويا مع دول منطقة المحيط الهندي يعد نموذجا واضحا على هذه الجهود، منوها إلى الاستجابة الإيجابية والرضا الكبير من الدول المشاركة.
وتطرق إلى التعاون الإقليمي ومشاركة القوة البحرية الإيرانية في اجتماعات بحر قزوين، قائلا: «شاركنا بشكل فعال في اجتماع الدول المطلة على بحر قزوين، ووقعنا وثيقة استراتيجية مهمة للتعاون المشترك، إضافة إلى تنظيم مناورات بحرية مشتركة، ما يعكس التزامنا بتعزيز الأمن والتعاون الإقليمي».
وشدد على مواصلة القوة البحرية للجيش الإيراني، بالاعتماد على خبرتها وقدراتها وإرادتها، تطوير التعاون والدبلوماسية البحرية، معربا عن أمله في أن تشهد هذه العلاقات في المستقبل توسعا وتعزيزا أكبر.
يشار إلى أن الاجتماع الدولي لفريق العمل المعني بالإجراءات الإنسانية والاستجابة للكوارث الطبيعية، عقد اليوم تحت شعار «معا من أجل السلامة والأمن البحري»، في جامعة الإمام الخميني «ره» للعلوم البحرية التابعة للقوة البحرية للجيش في نوشهر، بمشاركة ممثلين من باكستان وسريلانكا والهند والإمارات وإندونيسيا والصين، كما شاركت قطر وميانمار وفرنسا وبنجلادش والمملكة العربية السعودية عبر الاتصال المرئي.
اقرأ أيضاًرئيس إيران أمام الأمم المتحدة: غارات أمريكا وإسرائيل «خيانة للدبلوماسية».. وطهران ستنهض أقوى بوحدتها
«بزشكيان» يوجه الشكر للرئيس السيسى على دوره فى تيسير المفاوضات بين طهران والوكالة الذرية
طهران تحذر من عواقب وخيمة بعد عقوبات الترويكا الأوروبية.. وواشنطن ترحب