شراكة أمنية مع الاتحاد الأوروبي.. هل بدأت كندا مرحلة جديدة؟
تاريخ النشر: 26th, June 2025 GMT
ألبرتا- في خطوة قد تعيد تشكيل السياسة الخارجية الكندية، ومحاولة الخروج من عباءة الجارة الجنوبية، وقّعت كندا والاتحاد الأوروبي اتفاقية شراكة أمنية ودفاعية خلال قمة للاتحاد الأوروبي في بروكسل، لتكون هذه الخطوة بداية لتنفيذ طموح أوتاوا لتقليص هيمنة واشنطن على تجارتها وأمنها، وسط علاقات متوترة مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نتيجة فرض التعريفات الجمركية وتكرار الحديث عن ضم كندا للولايات المتحدة.
وتهدف الاتفاقية إلى توسيع التعاون العسكري، وتفتح الباب لكندا للمشاركة في برنامج تسليح أوروبي كبير يُعرف باسم "إعادة تسليح أوروبا"، كما شملت الاتفاقية تعاونًا أكبر في دعم أوكرانيا، وتحسين حركة الجيش الكندي في أوروبا، وتعاون بحري في مناطق مثل المحيطين الهادئ والهندي، إضافة إلى مواضيع مثل الأمن الإلكتروني، ومكافحة التدخلات الخارجية والمعلومات المضللة، وسياسات الفضاء.
وقال رئيس الوزراء مارك كارني، إن كندا تسعى إلى تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة في التجارة والأمن، ولذلك تبني علاقات جديدة مع شركاء موثوقين، مضيفاً أن المستقبل لا يقتصر على الحديث عن الضرائب، بل يشمل أيضًا التعاون الدفاعي والصناعي بين دول حلف الشمال الأطلسي(الناتو).
وعمّا إذا كانت الاتفاقية تمثل بداية تحول في السياسة الخارجية الكندية، يرى يحيى اللهيب، الأستاذ المشارك في كلية العمل الاجتماعي بجامعة كالغاري، أن كندا تسعى بهذا التوجه إلى تعزيز استقلالها عن جارتها الولايات المتحدة.
ومع ذلك، يعتقد اللهيب، أن البديل من الاعتماد على أميركا لا يتمثل في إعطاء الأولوية لحلف الناتو أو الانخراط في سباق التسلح كهدف أساسي، معتبرا هذه الخطوة محاولة لتنويع مصادر الاقتصاد الكندي، والخروج من عباءة أميركا دون إغضاب الرئيس الأميركي.
ويضيف اللهيب، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، أن مارك كارني، بهذه الاتفاقية، ركز على الاستثمار في قطاعي الدفاع والأمن، لتسريع الخروج من الأزمة الاقتصادية من جهة، وتعزيز مكانة كندا لتأخذ دورًا فاعلًا في تشكيل نظام عالمي جديد من جهة أخرى. ويرى أن هذا النظام بدأ يتشكل من خلال التفاعلات بين العالم العربي وأوروبا، وبين روسيا والصين وتحالفات أخرى تسعى إلى التحرر من هيمنة الغرب على النظام الدولي.
إعلان
خطوة لمعالجة التحديات
من جانبه، أثنى الدكتور عاطف قبرصي، أستاذ الاقتصاد في جامعة ماكماستر، على الخطوة، قائلا إنها تهدف إلى تنويع الشراكات التجارية والإستراتيجية، وفتح أسواق جديدة، والتقليل من الاعتماد المفرط على السوق الأميركية، الذي بلغت نسبته 90% من حجم الصادرات والواردات، واصفا إياها بالجيدة نحو معالجة التحديات القائمة.
وأشار قبرصي، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، إلى أن التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي على كندا عرضّت الأسواق الكندية للخطر، ما يؤثر مباشرة على حياة المواطنين. وأضاف أن كندا والاتحاد الأوروبي، بصفتهما متضررين من قرارات الرئيس الأميركي، اتفقا على تعزيز التعاون الاقتصادي وتقليل اعتمادهما على السوق الأميركية، تفاديًا لمزيد من المخاطر والأزمات.
وأكد قبرصي، أن كندا وأوروبا تمتلكان الإمكانيات اللازمة لتطوير مصالحهما المشتركة، مع الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة وإرضائها، مضيفا أن كندا ترى في أوروبا البديل الأنسب والأكثر صدقيّة من أميركا التي نكثت وعودها وتملصت من التزاماتها الدولية، بينما ترى أوروبا في كندا شريكًا إستراتيجيًا، كونها ثانيَ أكبر بلد في العالم من حيث المساحة، ولديها موارد وإمكانيات وفيرة.
من جهته، اعتبر الدكتور أسامة قاضي، المستشار الاقتصادي، أن الاتفاقية تمثل صحوة لكندا بعد فترة طويلة من الركود الاقتصادي وتدني كفاءة أنظمتها الاقتصادية، نتيجة اعتمادها المفرط على سوق دولية واحدة، حيث أدى هذا الاعتماد إلى إضعاف قدرة السوق الكندية على تطوير أدواتها التجارية والاقتصادية.
وأضاف قاضي، في تصريح لـ"الجزيرة نت"، أن التعريفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على كندا شكلت فرصة إيجابية، وكأنها "صفعة" ضرورية لإيقاظ الاقتصاد الكندي من سباته، مؤكدًا مقولة "رب ضارة نافعة".
وأشار إلى أن كندا بدأت تسير على الطريق الصحيح بفتح أسواق جديدة مع الاتحاد الأوروبي، داعيا إلى عدم التوقف عند هذا الحد، بل مواصلة السعي نحو شراكات وأسواق أخرى لتنشيط الاقتصاد.
وأكد قاضي أن كندا تمتلك موارد وثروات وفيرة تؤهلها لإبرام صفقات تجارية مع دول العالم، بعيدًا عن الاعتماد على السوق الأميركية، موضحا أن هذه الخطوة ستسهم في دفع عجلة الاقتصاد، وخلق فرص عمل، وتقليل معدل البطالة. وأشار إلى أن الاقتصاد الكندي الحالي يعاني من ضعف في توفير فرص عمل مستدامة، مستشهدًا بغياب علامة تجارية كندية لصناعة السيارات، رغم أن كندا تنتج سيارات للولايات المتحدة، لكن حقوق الإنتاج والتصنيع تعود للأخيرة.
وفي سياق منفصل، حذر اللهيب من أن الفوائد الاقتصادية لهذه الاتفاقية قد تكون قصيرة الأمد، حيث تتطلب استثمارات ضخمة في خبرات غير متوفرة حاليًا. ويشير إلى أن ذلك قد يترتب عليه تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية، قد تؤثر على التركيبة الاجتماعية والسياسية لكندا لمواكبة متطلبات هذا الاقتصاد الجديد، مؤكداً أن البديل الأكثر جدوى يكمن في الاستفادة من إمكانيات كندا والخبرات المتوافرة فيها، من خلال تنويع الاقتصاد في إطار العولمة.
إعلانتمثل الاتفاقية تحولاً إستراتيجياً لكندا نحو تنويع شراكاتها الأمنية والاقتصادية، مع الإبقاء على التزاماتها تجاه حلف الناتو، كما تعكس رغبتها في إعادة تعريف دورها الإقليمي والدولي، لكن يبقى السؤال قائماً، هل ستؤدي هذه الخطوة وما يليها من خطوات قادمة إلى استغناء عن الجارة الجنوبية، أم أنها مجرد محاولة لإعادة التوازن في العلاقات الدولية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة الرئیس الأمیرکی هذه الخطوة أن کندا إلى أن
إقرأ أيضاً:
كندا تصعّد دفاعاتها بـ 9 مليارات دولار.. خطة طموحة لدعم الناتو وتحديث الجيش
أعلن رئيس الوزراء الكندي مارك كارني عن إطلاق حزمة إنفاق عسكري جديدة بقيمة 9 مليارات دولار كندي للعام 2025، في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز قدرات الجيش الكندي وتحقيق الهدف الذي حدده حلف شمال الأطلسي (الناتو) للإنفاق الدفاعي، والذي يساوي 2% من الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء.
كما كشف كارني عن خطة طموحة لزيادة الإنفاق الدفاعي ليصل إلى 5% بحلول عام 2035، ما يعكس توجه كندا نحو تصعيد دورها العسكري ضمن التحالفات الدولية.
تعزيز الرواتب وتحديث المعدات
تركز الحزمة الجديدة على تحسين الظروف المعيشية للعسكريين، من خلال زيادة رواتب الجنود بنسبة تصل إلى 20% خاصة للرتب الأدنى، حيث تم تخصيص ملياري دولار كندي خصيصًا لرفع أجور العسكريين، وهو تحرك يأتي ضمن استراتيجية لجذب الكفاءات والحفاظ على الجاهزية القتالية للقوات المسلحة.
بالإضافة إلى ذلك، تشمل الخطة استثمارات كبيرة في تحديث المركبات القتالية والطائرات المسيرة، وتطوير أنظمة دفاعية متقدمة، بهدف تعزيز قدرة الجيش الكندي على التعامل مع التهديدات المتزايدة والمتغيرة بسرعة في المشهد الأمني العالمي.
رد فعل على التحديات العالمية
أوضح كارني أن النظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية يمر بمرحلة ضغوط وتحديات متزايدة، مؤكداً أن كندا لن تأخذ أمنها كأمر مفروغ منه.
وأشار إلى تراجع المساهمة الأمريكية التقليدية في الأمن العالمي، ما يفرض على كندا زيادة دورها ومسؤولياتها في تعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. يأتي هذا الإعلان في سياق التوترات المتصاعدة حول العالم، وخصوصًا في ظل ارتفاع التحديات الأمنية التي تواجهها منطقة شمال الأطلسي ومحيطها.
تماشياً مع أهداف الناتو
تسعى كندا من خلال هذه الحزمة إلى الالتزام الكامل بالتزاماتها تجاه الناتو، والمساهمة بشكل فاعل في تعزيز القدرات الدفاعية للحلف.
ويأتي ذلك في وقت يعيد فيه أعضاء الحلف تقييم استراتيجياتهم الدفاعية في مواجهة التهديدات المتجددة مثل الهجمات السيبرانية، والصراعات الإقليمية، والتهديدات الإرهابية. كما تعكس الحزمة رغبة كندا في الحفاظ على مكانتها كشريك عسكري موثوق وقوي ضمن التحالف الدولي.
الاتحاد الأوروبي يوافق على صرف 3.2 مليار يورو إضافية لأوكرانيا ضمن برنامج الدعم المالي
أقر مجلس الاتحاد الأوروبي صرف الدفعة الرابعة من المساعدات المالية لأوكرانيا، بقيمة تتجاوز 3.2 مليار يورو، ضمن برنامج “Ukraine Facility” المخصص لدعم التعافي وإعادة الإعمار في البلاد للفترة من 2024 إلى 2027.
القرار جاء بعد تقييم إيجابي لتنفيذ أوكرانيا لسلسلة من الإصلاحات المتفق عليها مع الاتحاد الأوروبي، رغم أن المبلغ المعتمد يقل بمليار يورو عن القيمة المخطط لها سابقاً، نتيجة عدم استكمال كييف كافة الإصلاحات المطلوبة، ومع ذلك، فإن المبلغ النهائي يفوق 3.05 مليار يورو التي حصلت على موافقة مبدئية من سفراء دول الاتحاد.
وبرنامج “Ukraine Facility” يهدف إلى تقديم ما يصل إلى 50 مليار يورو لأوكرانيا على شكل منح وقروض، تُصرف تدريجياً وفقاً للتقدم في تنفيذ الإصلاحات وخطط الاستثمار المدرجة ضمن “خطة أوكرانيا”.
يُذكر أن الاتحاد الأوروبي كان قد وافق في مارس الماضي على حزمة إضافية بقيمة 3.5 مليار يورو، في إطار برنامج مساعدات بقيمة إجمالية تبلغ 20 مليار يورو أُعلن عنها العام الماضي.