استيراد الغاز من تركمانستان يشعل جدلاً اقتصادياً في العراق
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
أغسطس 29, 2023آخر تحديث: أغسطس 29, 2023
المستقلة/- أثار توقيع الحكومة العراقية مذكرة تفاهم لاستيراد الغاز من تركمانستان بهدف تحسين الطاقة الكهربائية، جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية، ولا سيما في ظل تحذيرات من ارتفاع تكاليف إتمام البنية اللازمة للاستيراد، بينما يتم إهدار الغاز العراقي المصاحب لاستخراج النفط والذي يمكن الاعتماد عليه حال استغلاله.
ووفق بيان لوزارة النفط العراقية، الخميس الماضي، جرى الاتفاق مبدئياً مع تركمانستان على استيراد كميات من الغاز لتلبية جزء من احتياجات محطات الطاقة الكهربائية.
وارتفع استهلاك العراق من الغاز الطبيعي إلى 18.9 مليار متر مكعب خلال العام الماضي، مقابل 16.8 مليار متر مكعب في 2020، حيث يعاني العراق من عدم كفاية إنتاجه لتلبية الطلب المتزايد محلياً بسبب اعتماده الكلي في تغذية محطات توليد الطاقة الكهربائية، ما يدفعه إلى الاعتماد على الاستيراد. وسجل إنتاج الغاز 9.4 مليارات متر مكعب في 2022، مقابل 9.1 مليارات متر مكعب في العام السابق له، وفق بيانات رسمية.
ويرى مختصون في قطاع الطاقة، أن التوجه نحو استيراد الغاز من تركمانستان يعد بمثابة مجازفة اقتصادية، إذ سيتسبب في هدر كبير للأموال، بخاصة أنّ العراق يعاني من عجز كبير في موازنته، واختلال في هيكل ميزانه التجاري.
وقال الخبير في مجال الطاقة، كوفند شيرواني، في تصريح لصحيفة “العربي الجديد” تابعته المستقلة، إنّ الاتفاق المبدئي مع تركمانستان لا يحتوي على أي جدوى اقتصادية إيجابية تجاه العراق، وإن عملية إنشاء شبكة خطوط نقل الغاز سوف تستغرق بحدود عامين على الأقل، وتحتاج إلى أموال طائلة بمليارات الدولارات.
وأشار شيرواني، إلى صعوبة توفير هذه الأموال في ظل العجز المالي الذي تعاني منه موازنة الدولة، الذي تتجاوز قيمته 50 مليار دولار، لافتاً إلى أنّ العراق يخطط للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من الغاز المحلي خلال خمس سنوات مقبلة، ومن الصعب جداً هدر الأموال في إنشاء الخطوط لفترة قصيرة من الزمن.
ولفت إلى أن العراق يحرق سنوياً بحدود 18 مليار قدم مكعبة من الغاز المصاحب لاستخراج النفط، ومن الضروري جداً العمل على استثمار هذا الغاز بالشكل الأمثل، بخاصة أنّ العراق وقع على مشاريع جديدة لفصل الغاز عن النفط، آخرها مشروع مع شركة توتال الفرنسية وأخرى مع شركات أميركية، حيث تمتلك الدولة احتياطيات تتجاوز 122 تريليون قدم مكعبة.
بدوره، يرى الباحث الاقتصادي، أحمد عبد الله، أن الخطوة الأنسب للعراق في هذه المرحلة تتمثل في توجهه نحو استيراد الغاز من قطر أو الجزائر، بدلاً من التوجه شرقاً والاعتماد على الأراضي الإيرانية التي تواجه مشاكل الحظر الدولي، أو عبر الأراضي التركية التي تشهد هي الأخرى مشاكل دبلوماسية تتعلق بالمياه من جهة وأنبوب نفط جيهان من جهة أخرى، ومن الصعب المجازفة بمد هذه الخطوط عبر أراضيها.
ويقول عبد الله لـ”العربي الجديد” إن الغاز القطري يعد الأنسب والأجدى اقتصادياً بالنسبة للعراق، حيث قرب المسافة الجغرافية، وإمكانية نقل الغاز عن طريق السفن عبر الخليج العربي باتجاه البصرة، بدلاً من صرف الأموال الطائلة على مد أنابيب بمسافات طويلة تستخدم لفترة مؤقتة.
ويضيف أن “خطوة نقل غاز تركمانستان إلى العراق عبر الأراضي الإيرانية ستواجه العديد من التحديات، بخاصة أنّ تركيا كانت قد طلبت من إيران السماح بمد أنبوب نقل الغاز عبر أراضيها في وقت سابق، وقوبل هذا الطلب بالرفض”.
ويشير عبد الله إلى أنّ إيران هي الأخرى لن تسمح بمد الأنبوب، إلّا إذا دفع العراق أجوراً إضافية لها لتأمين أنبوب النقل والسماح بمروره عبر أراضيها، وهذه تعتبر مشكلة أخرى تضاف لمشكلة صرف الأموال الطائلة لإنشاء الأنبوب.
يتابع أنّ الحكومة العراقية وضعت البلد في مأزق خطير، باعتمادها على الغاز المستورد، على الرغم من توفر كلّ الإمكانات اللازمة لتوليد الطاقة الكهربائية محلياً، إذ يمتلك العراق كميات كبيرة من احتياطيات الغاز، فضلاً عن إمكانية توفير الكهرباء من خلال الطاقة المتجددة والنظيفة عبر الرياح والطاقة الشمسية.
ويضيف أنّ “هناك أطرافاً تعمل لمصالح وأجندات خارجية، تحاول إبقاء العراق على ما هو عليه، وأن يبقى الاعتماد الكلي على الغاز المستورد، إن لم يكن من إيران فعبر أراضيها”.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: الطاقة الکهربائیة استیراد الغاز من عبر أراضیها من الغاز متر مکعب
إقرأ أيضاً:
العراق في الطريق إلى التحوّل المصرفي من النفط إلى رأس المال
بقلم : الحقوقية انوار داود الخفاجي ..
في تصريح لافت، أعلنت بعثة الأمم المتحدة في العراق أن البلاد تمتلك مقوّمات تؤهلها للتحوّل إلى قوة مصرفية داخليًا وخارجيًا خلال السنوات المقبلة، إذا ما أُحسن استثمار الفرص والإمكانات المتاحة. في بلد لطالما ارتبط اقتصاده بالنفط، يأتي هذا التحوّل المحتمل كفرصة تاريخية لتأسيس اقتصاد متنوع ومستدام يُعيد صياغة موقع العراق في النظام المالي الإقليمي والدولي.
لطالما شكّل القطاع المصرفي العراقي واحدة من أكثر الحلقات ضعفًا في بنية الاقتصاد الوطني، نتيجة عقود من الحروب والعقوبات والفساد وسوء الإدارة. إلا أن التطورات الأخيرة، المتمثلة في تبني إصلاحات مصرفية، والاتجاه نحو الشمول المالي، وربط البنوك العراقية بشبكات دولية، تفتح الباب أمام تحوّل نوعي غير مسبوق. الأمم المتحدة ترى في العراق قدرة كامنة تجعله مركزًا ماليًا إقليميًا، خاصة مع توافر السيولة، ووجود احتياطات نقدية كبيرة، وموقع جغرافي استراتيجي بين أسواق الخليج وتركيا وإيران.
التحوّل إلى قوة مصرفية لا يعني فقط تحديث البنية التحتية للبنوك، بل يشمل بناء نظام مالي متكامل يتسم بالشفافية، والكفاءة، والثقة، ويجذب رؤوس الأموال والاستثمارات. إذا نجح العراق في ترسيخ ثقافة مصرفية حديثة تقوم على الشمول المالي، والرقمنة، والامتثال للمعايير الدولية، فإن ذلك سيُعيد رسم خريطة الاقتصاد الوطني. سيتحول الدينار العراقي إلى عملة أكثر ثقة، وستُصبح البنوك أدوات استثمار حقيقية، وليس فقط خزائن أموال.
أما من حيث الفائدة الاقتصادية، فإن تطور القطاع المصرفي سيخلق مناخًا ملائمًا للاستثمار المحلي والأجنبي، ويوفر القروض والدعم المالي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تُعد العمود الفقري لأي اقتصاد منتج. هذا يعني تنشيط السوق، وتحريك عجلة الصناعة والزراعة والتجارة، بعيدًا عن الاعتماد المفرط على عائدات النفط.
ولن يكون المواطن العراقي بعيدًا عن هذا التحوّل. فكلما تطور القطاع المصرفي، زادت فرص حصول الأفراد على خدمات مالية ميسرة، من القروض إلى بطاقات الدفع، ومن حسابات التوفير إلى التأمينات والاستثمار. كما ستنعكس هذه الإصلاحات على الاستقرار المالي والأسعار، وتُساهم في تقليص الاقتصاد الموازي الذي يُثقل كاهل الدولة والمواطن على حد سواء.
لكي يتحقق هذا السيناريو الواعد، لا بد من إرادة سياسية حقيقية تدعم استقلالية البنك المركزي، وتُشجّع على تطوير الموارد البشرية في القطاع المصرفي، وتُحارب الفساد المالي بكل حزم. فالثقة هي حجر الأساس في بناء أي قوة مصرفية، والثقة لا تُشترى، بل تُكتسب عبر الالتزام، والشفافية، والنتائج الملموسة.
ختاما إذا نجح العراق في هذا المسار، لن يكون مجرد بلد مصدر للنفط، بل مركزًا ماليًا نابضًا في قلب الشرق الأوسط. هو التحوّل الذي يحتاجه الاقتصاد، ويستحقه المواطن، وتنتظره الأجيال القادمة.
انوار داود الخفاجي