حماية المستهلك في السوق الرقمي
تاريخ النشر: 29th, June 2025 GMT
صالح بن سعيد الحمداني
يشهد العالم تحولًا رقميًا متسارعًا ألقى بظلاله على مختلف نواحي الحياة، وكان من أبرز مظاهره انتشار التجارة الإلكترونية والمنصات الرقمية التي باتت جزءًا لا يتجزأ من النشاط الاقتصادي، ولم تَشذ سلطنة عُمان عن هذا الاتجاه إذ تزايد الإقبال على الشراء عبر الإنترنت وهو ما استدعى ضرورة وجود تنظيم قانوني يُنظم العلاقة بين المستهلك والمنصات الإلكترونية ويكفل حماية حقوق الطرف الأضعف في هذه المعادلة ألا وهو المستهلك.
ولنقف سويا أولاً مع الإطار القانوني لحماية المستهلك في السوق الرقمي العُماني؛ حيث تبنت السلطنة عددًا من التشريعات التي تهدف إلى تنظيم العلاقة التعاقدية عبر الوسائط الإلكترونية ولعل أبرز هذه التشريعات هو قانون المعاملات الإلكترونية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 36/ 2025 بإصدار قانون المعاملات الإلكترونية والذي يُعد المرجع الأساسي لتنظيم البيئة الرقمية من حيث الاعتراف القانوني بالتوقيع الإلكتروني وصحة العقود الإلكترونية ووسائل الإثبات المتعلقة بها.
كما صدر قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بموجب المرسوم السلطاني رقم 12/ 2011، استجابة للتطور السريع في مجال التكنولوجيا وازدياد التحديات والتهديدات المرتبطة باستخدام شبكة الإنترنت وتقنية المعلومات، ويهدف هذا القانون إلى التصدي للجرائم الإلكترونية التي تمس الأمن العام أو النظام العام أو تهدد خصوصية الأفراد ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية.
وقد تضمن القانون أحكامًا صارمة تجرم الأفعال المرتبطة بالدخول غير المشروع إلى الأنظمة الإلكترونية أو التلاعب بالبيانات أو تعطيل المواقع أو إساءة استخدام الوسائل التقنية لأغراض غير مشروعة، كما نص القانون على تجريم أنشطة مثل الاحتيال الإلكتروني وانتهاك خصوصية الأفراد واستخدام البرامج الضارة ونشر المحتوى غير الأخلاقي أو المخل بالآداب العامة.
ويُعد هذا القانون أداة قانونية مهمة لتعزيز الأمن السيبراني في السلطنة، حيث منح الجهات المختصة الصلاحيات اللازمة للتحقيق والملاحقة القضائية لمثل هذه الجرائم، مع فرض عقوبات جنائية تصل في بعض الحالات إلى السجن والغرامات المالية الكبيرة، وفقًا لخطورة الجريمة المرتكبة.
ويؤدي قانون حماية المستهلك الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 66/2014 دورًا محوريًا في تعزيز ثقة المستهلك في السوق حيث ينص على مجموعة من الحقوق الجوهرية التي يتمتع بها المستهلك، مثل الحق في المعرفة والحق في الأمان والحق في الاختيار والحق في التعويض عند وقوع الضرر، وهي حقوق تُطبق أيضًا على المعاملات التجارية الإلكترونية.
ولم تتوقف الجهود التشريعية عند هذا الحد؛ بل أصدرت هيئة حماية المستهلك عددًا من اللوائح والقرارات التنفيذية التي تنظم عمليات البيع الإلكتروني وتُلزم مزودي الخدمات بإفشاء المعلومات الدقيقة عن المنتجات وبيان الأسعار وشروط الضمان وآلية التوصيل والاسترجاع مما يعزز من مستوى الشفافية ويمنع التغرير بالمستهلك.
ولو ركزنا النظر في تنظيم العلاقة بين المستهلك والمنصات الإلكترونية، نجد أن العلاقة بين المستهلك والمنصة الإلكترونية تُعد من العقود المبرمة عن بُعد، وغالبًا ما يغيب عنها التفاوض المباشر أو المعاينة الفعلية للمنتج، مما يزيد من احتمالات الغبن أو الإخلال بالتزامات البائع، وقد حرص المشرّع العُماني على معالجة هذه المسألة من خلال فرض عدد من الالتزامات على مزوّدي الخدمة الإلكترونية.
منها على سبيل الذكر وليس الحصر: أولًا: الإفصاح عن المعلومات حيث نصّت القوانين على ضرورة تقديم معلومات واضحة ومفصلة عن المنتج من حيث السعر وطريقة الاستخدام وتفاصيل الضمان، مما يمكّن المستهلك من اتخاذ قرار مستنير قبل الشراء.
وثانيا: الحق في العدول؛ حيث أقرّ قانون حماية المستهلك في السلطنة بحق المستهلك في العدول عن العقد خلال مدة معينة دون تحمل أي غرامات وهي ميزة أساسية لحماية من لا تتطابق توقعاته مع الواقع بعد استلام المنتج.
وثالث هذه الالتزامات حماية البيانات الشخصية؛ فمع تزايد استخدام البيانات الشخصية للمستهلكين من قبل المنصات الإلكترونية، أصبح من الضروري وضع أطر تشريعية تحمي خصوصية هذه البيانات من الاستغلال غير المشروع وهو ما يُنتظر تعزيزه من خلال تشريع مستقل لحماية البيانات الشخصية.
أما رابع ما يمكن ذكره وسائل التظلم والتقاضي؛ حيث أتاحت السلطنة قنوات إلكترونية لتقديم الشكاوى سواء عبر المنصة الوطنية لحماية المستهلك أو من خلال التطبيقات الذكية بالإضافة إلى إمكانية التقاضي في حال وجود نزاع وهو ما يشكل ضمانة قانونية إضافية.
ومن حيث التحديات القانونية في التجارة الإلكترونية في سلطنة عُمان فرغم وجود هذا الإطار التشريعي إلا أن هناك عددًا من التحديات التي تُواجه التطبيق العملي في السوق الرقمي العُماني ويمكن تلخيص أبرزها فيما يلي:
1. صعوبة تنفيذ الأحكام على المنصات الأجنبية كثير من المنصات التي يتعامل معها المستهلك العُماني تكون خارج السلطنة مما يجعل من الصعب إخضاعها للولاية القضائية العُمانية أو تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، وهو ما يحدّ من فعالية الحماية القانونية.
2. ضعف الثقافة القانونية للمستهلك حيث إنَّ الكثير من المستهلكين يعانون من نقص في الوعي القانوني بحقوقهم في البيئة الرقمية، سواء ما يتعلق بحق العدول أو الضمانات أو آليات تقديم الشكاوى، ما يجعلهم عرضة للاستغلال أو التغرير.
3. تطور التكنولوجيا أسرع من التشريعات حيث نشهد تطور وسائل التجارة الرقمية بشكل يفوق قدرة التشريعات على المواكبة، مثل ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتجارة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والعملات الرقمية، وهي مستجدات لم تُغطَّ بالكامل في التشريع الحالي.
4. التحديات التقنية في الإثبات برغم الاعتراف القانوني بالتوقيع الإلكتروني، إلا أن بعض المسائل التقنية المتعلقة بصحة العقد أو إثبات النية التعاقدية ما تزال محل جدل خصوصًا في حالة النزاعات المعقدة التي تتطلب أدلة رقمية يصعب التحقق من موثوقيتها.
ولِمَا سبق ذكره بشكل مختصر ولم نتوسع فيه بشكل كبير، نتوصل إلى أن حماية المستهلك في السوق الرقمي تُعد من الأولويات التشريعية التي ينبغي تعزيزها باستمرار؛ نظرًا للتحول المتزايد نحو التجارة الإلكترونية وتنامي التحديات المرتبطة بها، ويُعد الإطار القانوني في سلطنة عُمان متقدمًا نسبيًا إلا أن الواقع يفرض ضرورة تحديث التشريعات بما يواكب التطورات التكنولوجية، وتكثيف برامج التوعية القانونية وتفعيل أدوات الرقابة والضبط الإلكتروني، لضمان سوق رقمية عادلة وآمنة لجميع الأطراف.
وفي ظل هذه التطورات.. فإن مسؤولية الحماية لا تقع على عاتق الجهات التشريعية وحدها بل تتطلب تعاونًا بين الجهات الرقابية، والمؤسسات القضائية، والمستهلكين أنفسهم، لبناء بيئة رقمية قائمة على الثقة والشفافية وسيادة القانون.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أخصائية: 4 أعراض للإدمان الرقمي
أوضحت بلقيس الفضلي أخصائية العلاج النفسي السلوكي الإكلينيكي، أعراض «الإدمان الرقمي».
وأضافت، بمداخلة لبرنامج «يا هلا» المذاع على قناة روتانا خليجية، أن تلك الأعراض تشمل، اضرابات وأعراض قلق واكتئاب وعزلة اجتماعية.
وأكملت أخصائية العلاج النفسي، أن الاضطراب الناجم عن الإدمان الرقمي يؤثر على العلاقات الاجتماعية ومستوى العمل والأداء المهني، ولا يعد إدمان النت متحققا حال لم يؤثر على سير العمل، مشيرة إلى أن العبرة في نتائج استخدام الانترنت.
استخدام الإنترنت 7 ساعات يوميًا يُعتبر "إدمان"؛ لكن هناك إدمان سلبي وإدمان إيجابي
بلقيس الفضلي – (أخصائية العلاج النفسي السلوكي الإكلينيكي)@r3aya_sa@jalmuayqil#برنامج_ياهلا #روتانا_خليجية pic.twitter.com/kn6wCCQtGM