بينما يحاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إضعاف النظام الإيراني تجنبا لفوضى عارمة قد تجتاح المنطقة حال إسقاطه، فإنه يضع الخيار الثاني كبديل في حال لم يتمكن من تحقيق أهدافه على ما يبدو.

فما زال ترامب يستخدم تصريحات متناقضة بشأن مستقبل التعامل مع طهران، وهي طريقة يحاول من خلالها تعقيد قدرة الإيرانيين على اتخاذ القرار، كما يقول محللون سياسيون يرون أن الدبلوماسية بين البلدين تواجه لحظة صعبة.

ففي حين لم يتوقف ترامب لحظة عن تأكيد تدمير البرنامج النووي الإيراني بل ومحوه من خلال الضربات التي أمر بها الشهر الماضي، فإنه أيضا يتحدث عن مفاوضات قد تكون قريبة مع الإيرانيين ويقول إنه يريد لهم الازدهار والسلام.

لكن الإيرانيين الذين تحدثوا عن إمكانية التفاوض مع الولايات المتحدة مجددا لم يعطوا خطوطا واضحة ولا مواعيد محددة لهذا التفاوض، الذي ترفضه كتل إيرانية وازنة بعدما شارك الأميركيون في قصف منشآت بلادهم النووية، كما يقول أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة طهران الدكتور حسن أحمديان.

لحظة حقيقة

وقد أشارت صحيفة "واشنطن بوست" الأحد الماضي إلى أن الإيرانيين "يرسلون إشارات بأنهم قد يكونون مستعدين لاستئناف المفاوضات النووية لكن بشروط خاصة".

ونقلت الصحيفة عن السفير الأميركي السابق لدى تل أبيب، دانيال شابيرو، أن ترامب ونتنياهو "يواجهان لحظة حقيقية من الاحتمالات، ونأمل أن يغتنما الفرصة".

غير أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، تعرض لانتقادات حادة من الصحف المحلية عندما تحدث -أمس الاثنين- عن استعداد بلاده للتفاوض.

ويرى أحمديان أن هذه الانتقادات تؤكد أن إيران "تتحدث عن المفاوضات كفكرة عامة، لكنها لم ترسل إشارات حقيقية على نيتها العودة للتفاوض الذي أصبح جدوله معقدا ومتشعبا على نحو لا تقبله العقلية الإيرانية".

فالرئيس الأميركي يحاول جلب طهران إلى ما يعتبره سلاما في المنطقة ويتحدث عن تطبيع سياسي واقتصادي معها، لكن أحمديان يعتقد أن الهدف النهائي هو جعل إيران بلدا منزوع القوة والنفوذ، ويقول إن الإيرانيين "لن يتفاوضوا على هذين الأمرين اللذين أوقفا حربا حضارية كانت تستهدف تدميرها بشكل كامل".

إعلان

وعلى هذا الأساس، يرى أحمديان أن إيران لا تعلن مغادرة طاولة الدبلوماسية نهائيا لكنها في الوقت نفسه تطلب ضمانات وجدولا واضحا يضمن لها الاحتفاظ بقوتها وعدم شن حرب جديدة عليها بينما هي تخوض المفاوضات.

وما يزيد من تمسك إيران بهذا المطلب أن المواجهة العسكرية الأخيرة أكدت أن واشنطن هي صاحبة قرار الحرب وليست إسرائيل، كما يقول أحمديان.

وقال ترامب للصحفيين إن الولايات المتحدة حددت موعدا للتفاوض مع إيران، وإنه حريص على تخفيف العقوبات المفروضة على إيران حتى تتمكن من إعادة بناء اقتصادها. كما قال مبعوثه للمنطقة ستيف ويتكوف إن اجتماعا سيعقد خلال الأسبوع المقبل تقريبا.

كما قالت طهران إنها تلقت رسائل أميركية بالرغبة في التفاوض، وإن أولويتها إنهاء العقوبات والتعاون الاقتصادي مع واشنطن.

لكن "وول ستريت جورنال" نقلت عن مسؤولين إسرائيليين هذا الأسبوع أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية) سيحاول الحصول من ترامب على حرية تحركه عسكريا ضد طهران في حال حاولت استئناف تخصيب اليورانيوم.

إدارة الصراع

واستنادا لهذه المؤشرات المتناقضة، يعتقد الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات الدكتور لقاء مكي أن ترامب يحاول إضعاف النظام الإيراني والاستثمار في هذا الضعف اقتصاديا وسياسيا، لأنه يعرف أن إسقاطه سينتهي بفوضى عارمة في المنطقة تريدها إسرائيل.

غير أن هذه الفوضى التي يحاول ترامب تجنبها لن تمنعه من السعي لإسقاط النظام الإيراني في حال رفض الانصياع لمطالبه؛ لأن الولايات المتحدة تحاول إدارة الصراع مع إيران وليس التوصل لهدنة معها، كما يقول مكي.

وقد نقلت "فايننشال تايمز" عن مسؤول أميركي سابق أمس الاثنين أن ترامب يحاول الظهور بمظهر الرئيس الذي حقق الاستقرار في الشرق الأوسط لكن ما يريده يتطلب جمع إسرائيل وإيران وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) على طاولة واحدة.

وترى الصحيفة أن بعض تصورات ترامب كانت ارتجالية ولم تحقق أي نجاح، ونقلت عن دينيس روس، الذي شغل مناصب رفيعة في قضايا الشرق الأوسط في إدارات جمهورية وديمقراطية، أن الرئيس الأميركي "لا يمتلك إستراتيجية متكاملة، لكنه يستغل ما فعلته إسرائيل عسكريا".

ولعل هذا ما جعل الإيرانيين حريصين على حصر العداء في إسرائيل دون الولايات المتحدة وذلك لأنهم لا يريدون إغضاب ترامب ويحاولون تهيئة الداخل للتفاوض مع البلد الذي قصف منشآتهم النووية قبل أسابيع قليلة، كما يقول مكي.

فالنظام الإيراني يتسم بالبراغماتية وتقديم التنازلات التكتيكية من أجل العودة للمسار الأول مستقبلا، وفق مكي، الذي لفت إلى أن البراغماتية قد تكون مضرة في بعض الأحيان.

واتفق أحمديان مع فكرة سعي إيران للفصل بين الولايات المتحدة وإسرائيل ومحاولة استغلال التفاوض لتوسيع هوة الخلاف بينهما، لكنه يصف هذا السلوك بـ"الساذج"، ويقول إنه "لن يحقق أي مكاسب".

نجاح وحيد وسط الفشل

لكن هناك من يعتقد أن ترامب يريد التوصل لاتفاق ما مع إيران لتعويض فشله في أوكرانيا وقطاع غزة، ومن هؤلاء مسؤول الاتصالات السابق في البيت الأبيض مارك فايفل، الذي يقر بأحقية الإيرانيين بطلب ضمانات قبل أي تفاوض.

إعلان

ويتمثل التحدي الأكبر لهذه المفاوضات التي يحاول ترامب إحياءها في أن إيران حصلت على ضمانات سابقة بعدم تحرك إسرائيل ضد منشآتها النووية ثم وجدت نفسها في مواجهة ضربة مفاجئة شاركت فيها أميركا نفسها.

ولم ينكر فايفل تضرر قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم بعد الضربة الأميركية، لكنه قال إنهم قادرون على استئناف العمل مجددا وهذا ما يجعل ترامب راغبا في التفاوض لمنع هذا التحرك مستقبلا.

لكن هدف ترامب النهائي والمتمثل في دمج إيران في النظام السياسي والاقتصادي العالمي على غرار سوريا، يعني أنه يحاول تدجينها في نهاية المطاف، ومن هنا يمكن القول إن قرار الإيرانيين النهائي قد يكون مرتبطا بموقف روسيا والصين تحديدا من أي حرب مستقبلية، لأن تخلي الصين تحديدا عنهم يعني أن عليهم القبول بالمعروض عليهم الآن.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة النظام الإیرانی کما یقول أن ترامب

إقرأ أيضاً:

ويتكوف خلال لقاء ترامب ونتنياهو: الاجتماع مع الإيرانيين سيحدث سريعا جدا وقد يتم الأسبوع المقبل

واشنطن – أكد المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف ليل الاثنين الثلاثاء، إن الاجتماع مع الإيرانيين بخصوص المفاوضات حول الملف النووي سيحدث سريعا جدا، لافتا إلى أن ذلك يمكن أن يتم في الأسبوع المقبل.

في تصريحاتٍ له في البيت الأبيض خلال استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على العشاء بحضور مسؤولين من الجانبين، شبّه ترامب قراره بضرب المواقع النووية الإيرانية بقرار هاري ترومان بإلقاء القنبلة الذرية على اليابان خلال الحرب العالمية الثانية.

وأضاف ترامب: “إذا عدنا بالزمن إلى الوراء، لوجدنا أن ذلك ذكّر الناس بحدثٍ آخر. وصورة هاري ترومان الآن في الردهة، في مكانٍ جميل، في الردهة حيث كان من المفترض أن تكون، لكن ذلك أوقف الكثير من القتال، وهذا أوقف الكثير من القتال”.

وقال ترامب إن “إيران تريد التفاوض وسنفعل كل ما في وسعنا لإبقائها خالية من الأسلحة النووية”، متوجها إلى ويتكوف بالسؤال عن موعد اللقاء بالإيرانيين، بيرد الأخير بأن ذلك سيحدث سريعا جدا، وقد يتم الأسبوع المقبل أو نحو ذلك.

كما صرح ترامب بالقول: “لا أستطيع أن أتخيل أن الولايات المتحدة بحاجة إلى استخدام القوة العسكرية ضد إيران مرة أخرى”، مشيدا بالضربات الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية.

وقال الرئيس الأمريكي أيضا: “طيارونا تدربوا طيلة 20 عاما على ضرب إيران ولكن لم يسمح لهم أي رئيس قبلي بفعل ذلك”.

وأعرب ترامب عن آماله بأن تكون الحرب مع إيران قد انتهت، مشيرا إلى اعتقاده بأن الإيرانيين يريدون اللقاء لصنع السلام. كما أشار إلى أن “الإيرانيين يريدون التوصل إلى حل”.

وأوضح الرئيس الأمريكي أنه “يود رفع العقوبات عن إيران في الوقت المناسب”، لافتا إلى أنه سيتم عقد اجتماع مع إيران وسيرون ماذا سيحدث.

من جهته، رأى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن ما أسماه “انتصارهم على إيران”، كان “تاريخيا وغير وجه الشرق الأوسط”، لافتا إلى أن “هناك فرص تاريخية لتوسيع اتفاقات أبراهام”.

 

المصدر: وكالات

مقالات مشابهة

  • كيف طاردت إسرائيل العلماء النوويين الإيرانيين وقتلتهم؟
  • ماذا قال مبعوث ترامب عن المفاوضات بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟
  • إسرائيل تستعد لأضخم ضربة داخل إيران.. ماذا كشف وزير الدفاع؟
  • ويتكوف: الاجتماع مع الإيرانيين بشأن المفاوضات حول الملف النووي قد يتم الأسبوع المقبل
  • أكسيوس: إسرائيل تستعد لاحتمال شن عمليات عسكرية جديدة ضد إيران
  • ويتكوف خلال لقاء ترامب ونتنياهو: الاجتماع مع الإيرانيين سيحدث سريعا جدا وقد يتم الأسبوع المقبل
  • خلال زيارته إلى أميركا... ماذا سيطلب نتنياهو من ترامب بشأن لبنان وإيران؟
  • هل تقوم إسرائيل بضرب إيران مجددا؟
  • من يشعل جولة الحسم بين إسرائيل وإيران؟