التفاعلات النووية شريان حياة النجوم
تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT
في أعماق الكون حيث النجوم أقرب من مجرد نقاط لامعة تزين السماء وتلهم الشعراء؛ يعلو الصخب، وترتفع درجات الحرارة لحد لا يمكن للبشر الاقتراب منه، أو حتى تخيله. النجوم- التي تصطف في السماء في أنماط متنوعة حسبما يتصوره الإنسان، والتي تنير دروبه في الظلام- تخفي تفاعلات هائلة، وانفجارات كبيرة يصبح الاقتراب منها ولو بالمركبات الفضائية غير المأهولة ضربا من الخيال.
الاندماج النووي: المبادئ الأساسية
يمكن القول: إن المفاهيم السائدة على الأرض لا تحاكي بدرجة كبيرة ما هو موجود في الفضاء؛ فهناك اختلاف كبير بين التفاعلات النووية التي تحدث في النجوم وبين التفاعلات الكيميائية التي تحدث على الأرض. إذ إنها لا تعتمد على ترتيب الإلكترونات حول النوى، بل تحدث على مستوى النواة نفسها. وأهم ما يميز هذه التفاعلات النووية:
أولا: أنها تطلق طاقة هائلة لكل وحدة كتلة، تفوق بملايين المرات الطاقة الناتجة عن التفاعلات الكيميائية.
ثانيا: تكون قادرة على إنتاج وتكوين عناصر جديدة؛ نتيجة للتغيرات في عدد البروتونات والنيوترونات في النواة؛ إذ إن العناصر التي نعرفها اليوم في الأرض تشكلت نتيجة التفاعلات التي حدثت- ولا تزال- في النجوم. فمن المعروف مثلاً أن ما على الأرض من حديد لم يتشكل فيها، ولا يمكنه أن يتشكل في نواة الأرض بسبب الحرارة العالية التي يتطلبها إنتاج هذا العنصر، وهي درجة لا تتوفر إلا في النجوم الكبيرة.
ثالثا: تتميز بخضوعها لقوى الطبيعة الأساسية: مثل القوى الكهرومغناطيسية، والقوة النووية القوية والضعيفة، وقوى الجاذبية.
ويمكن تصنيف التفاعلات النووية في النجوم إلى نوعين رئيسين:
1. تفاعلات اندماج خفيفة: تحدث في النجوم التي تعادل كتلتها كتلة الشمس، وتشمل هذه التفاعلات اندماج الهيدروجين؛ لتكوين الهيليوم، وهذه تحتاج إلى درجات حرارة لا تتعدى 15 مليون كلفن، وهو ما توفره نواة الشمس والنجوم الشبيهة بها.
2. تفاعلات اندماج ثقيلة: تحدث في النجوم متوسطة الكتلة والنجوم العملاقة (كتلة النجم تتناسب عكسياً مع عمره؛ إذ إن النجوم الكبيرة في الحجم تكون دورة حياتها قصيرة)، وتشمل تفاعلات اندماج أكثر مثل تفاعلات اندماج الهيليوم؛ لتكوين الكربون، ثم الأكسجين، فالعناصر الأثقل وصولا إلى عنصر الحديد. ولحدوث هذا النوع من التفاعلات نحتاج إلى درجات حرارة عالية تفوق 20 مليون كلفن.
إن فهم التفاعلات النووية في النجوم أمر محوري في علم الفيزياء الفلكية، وفهم تطور الكون من لحظة الانفجار العظيم وصولا إلى يومنا هذا؛ فمن خلاله يمكن تفسير تكوين المجرات،
ونشأة المواد التي تشكل الكون المرصود، وهي مفتاح لفك لغز أصل المادة وتطورها.
ولادة النجوم وبدء التفاعلات النووية:
تولد النجوم من سحب جزيئية عملاقة في الأماكن الباردة من المجرات والذي تقدر درجة الحرارة فيه بحوالي 20 درجة مئوية تحت الصفر. وتتكون معظمها من الهدروجين والهيليوم، بالإضافة إلى كميات صغيرة من العناصر الثقيلة مثل: الكربون، والنيتروجين، والأكسجين. تبدأ عملية ولادة النجم باقتراب الذرات في السحابة من بعضها البعض بشكل بطيء؛ بسب انخفاض درجة الحرارة ما يؤدي إلى اندماج ذرتين من الهيدروجين لإنتاج جزيء الهيدروجين. ونتيجة لانخفاض الحرارة، وزيادة الكثافة؛ فإن قوة الجاذبية تعمل على تجميع المادة معا بالتغلب على الضغط داخل السحب. ومع ازدياد قوة الجذب في المناطق الأعلى كثافة داخل السحابة تتكون بؤر تكون أماكن خصبة لتكون النجوم (أ.د علاء الدين فؤاد وآخرون، 2001). وبشكل عام؛ فإن السحابة الواحدة يمكن أن تحتوي على مادة كتلتها أكثر من مليون كتلة شمسية. (Danker20l4). واستمرار انكماش السحابة، وتزايد الكثافة، والضغط العالي في المركز يؤدي إلى ارتفاع في درجة الحرارة إلى أن تصل إلى 107 كلفن، وهي الحرارة اللازمة لبدء التفاعلات النووية في لب النجم. ويرتبط حدوث الاندماج النووي في نواة النجم بتوافر شرطين رئيسين:
درجة حرارة عالية جداً: في مركز الشمس تصل إلى حوالي 15 مليون كلفن.
ضغط كثيف: نتيجة الجاذبية الهائلة للكتلة النجمية، ما يجبر النوى الذرية على الاقتراب رغم التنافر الكهربائي بينهما.
تفاعل سلسلة البروتون-بروتون: هي إحدى مجموعتين معروفتين من تفاعلات الاندماج النووي التي تُحوّل النجوم من خلالها الهيدروجين إلى الهيليوم. يُعد هذا التفاعل هو السائد في النجوم ذات الكتل الأقل من كتلة الشمس أو المساوية لها. وبصورة عامة؛ لا يمكن أن يحدث اندماج البروتون- بروتون إلا إذا كانت الطاقة الحركية -أي درجة الحرارة- للبروتونات عالية بما يكفي لتخطي التنافر الكهروستاتيكي المتبادل بينها. في الشمس تُعد الأحداث التي تُنتِج الديوتيريوم نادرة. والنتيجة الأكثر شيوعًا لتفاعلات البروتون-بروتون داخل النجم هي تكوّن ثنائيات البروتون، والتي تتحلل تقريبًا على الفور إلى بروتونين. ونظرًا لأن تحويل الهيدروجين إلى هيليوم يحدث ببطء؛ فإن الحسابات تُشير إلى أن اكتمال هذا التحول في نواة الشمس يحتاج إلى أكثر من عشرة مليارات سنة. يبلغ متوسط عمر البروتون في نواة الشمس حوالي 9 مليارات سنة قبل أن يندمج بنجاح مع بروتون آخر. ومع نهاية هذا التفاعل يُنتج نواة واحدة من الهيليوم-4، ويُطلق طاقة قدرها حوالي 26.7 ميغا إلكترون فولت، تُوزع بين جسيمات النيوترينو، والفوتونات، والطاقة الحركية للنواتج.
وهناك ثلاثة أقسام فرعية لهذا التفاعل:
بروتون – بروتون (׀): وهو السائد في درجات حرارة مشابهة لدرجات الحرارة في النجوم المقاربة والمساوية للشمس في الكتلة والتي تعادل 15 مليون كلفن تقريبا.
بروتون – بروتون ( ׀׀ ): وهو سائد في النجوم متوسطة وكبيرة الحجم عند درجات حرارة تقارب 14 إلى 23 مليون كلفن.
بروتون – بروتون (׀׀׀): ورغم ندرته إلى أنه يكون عادة في النجوم فائقة الكتلة أي أن كتلتها تفوق كتلة الشمس بمئات أو آلاف المرات.
دورة الكربون والنيتروجين والأكسجين (CNO):
هي سلسلة من تفاعلات الاندماج النووي تحدث عادة في النجوم التي تزيد كتلتها عن كتلة شمسية بمقدار 1.3 فأكثر. ورغم وجودها بنسب ضئيلة جداً في النجوم التي تعادل كتلة الشمس إلا أنها لا تعتبر المصدر الرئيسي للطاقة فيها، فهي تعتمد بدرجة شبه كامله على تفاعل البروتون - بروتون. والسبب في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى أن فاعلية هذه التفاعلات تزداد بزيادة الكتلة، ودرجة الحرارة في لب النجم؛ ففي النجوم التي تفوق كتلتها كتلة الشمس تتجاوز درجات الحرارة في المركز الـ20 مليون كلفن، وهي الدرجة اللازمة لبدء هذا النوع من التفاعلات في حين أن درجات الحرارة في نجوم التسلسل الرئيسي لا تتعدى 15 مليون كلفن. وتكمن أهمية هذا النوع من التفاعل في الطاقة الناتجة التي تغذي النجوم الكبيرة، وتحافظ على الاستقرار والتوازن في النجوم. كما أنها تسهم في التطور البنائي والحراري لها. وتعتبر (النيوترينوهات) عالية الطاقة الناتجة من هذا التفاعل عامل يساعد العلماء بشكل كبير في فهم باطن النجم، ودراسة تطوره، ومعرفة المراحل المختلفة التي تمر بها النجوم الكبيرة وبالتالي فهم أعمق للكون.
تطور النجوم والمستعرات العظمى:
في النجوم المتوسطة والنجوم العملاقة تستمر تفاعلات الاندماج النووي؛ بحيث تتشكل عناصر جديدة في قلب النجوم، وفق التسلسل التالي:
الهيليوم كربون أكسجين نيون مغنيسيوم سيليكون حديد
تُسهم نواتج التفاعلات النووية داخل النجوم في إثراء الوسط بين النجمي (Interstellar medium) بالعناصر الثقيلة التي تُصبح لاحقًا المادة الخام لتشكل نجوم وأجرام جديدة. لكن مع وصول النجم إلى مرحلة اندماج الحديد تتوقف عملية إنتاج الطاقة. إذ إن الحديد يتميز بأنه العنصر ذو الطاقة الرابطة الأعلى لكل نوية، ولا يمكن استخراج طاقة منه عبر الاندماج. هذا الانهيار في إنتاج الطاقة يؤدي إلى فقدان التوازن بين ضغط الإشعاع والجاذبية، ما يُفضي إلى انهيار لب النجم وانفجاره في مستعر أعظم مطلقًا عناصر جديدة إلى الفضاء تُشارك بدورها في دورات تشكل النجوم لاحقًا. وتؤدي الطاقة الهائلة الناتجة من لحظة الانفجار إلى تكوين عناصر أثقل مثل الذهب واليورانيوم عبر الالتقاط السريع للنيوترونات (r-process). ويتحول النجم بعد هذا الانفجار إلى ثقب أسود أو إلى نجم نيوتروني حسب الكتلة المتبقية من النجم.
إن التطور الهائل الذي يحدث للنجوم من بداية نشأتها حتى الوصول إلى مرحلة الوفاة كمستعرات عظمى لم يكن ليحدث لولا التفاعلات النووية التي تحدث في اللب؛ فهي المحرك الأساسي لهذا التطور، وهي المصنع الذي يغذي كوننا بالعناصر، ويعيد تدويرها مرة أخرى؛ لتعيد تشكيل الأجيال التالية من النجوم والكواكب من الغبار الذي تخلفه النجوم عند انفجارها، وهي مفتاح فهمنا لبداية هذا الكون وتطوره.
د. إسحاق بن يحيى بن خلفان الشعيلي رئيس مجلس إدارة الجمعية العمانية للفلك والفضاء
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاندماج النووی فی النجوم التی درجات الحرارة درجة الحرارة درجات حرارة هذا التفاعل الحرارة فی کتلة الشمس على الأرض تحدث فی لا یمکن فی نواة إلى أن التی ت
إقرأ أيضاً:
النجم الكوري سون يدعو إلى التبرع للفلسطينيين في غزة (شاهد)
شارك نجم كرة القدم الكوري الجنوبي سون هيونغ مين، في رسالة مصوّرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني، دعا من خلالها إلى التبرع لصالح الأسر المتضررة من المجاعة في قطاع غزة، بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي (WFP).
وفي الفيديو الذي ظهر فيه متحدثًا بالكورية، قال سون: "في فلسطين، تعاني العديد من العائلات والأطفال من الجوع الشديد"، مشيرًا إلى أن "مساعدات برنامج الأغذية العالمي تشكّل طوق نجاة لا يُقدّر بثمن للعديد من الأسر".
وأكد اللاعب، الذي يشغل منصب سفير للنوايا الحسنة لدى البرنامج، التزامه بمكافحة الجوع حول العالم، وأضاف: "في المناطق التي تعاني من أشد النقص في الحصص الغذائية، يمكن لوجبة دافئة أن تنقذ الأرواح".
واختتم سون رسالته بالدعوة إلى التبرع، قائلًا: "أفضل هدية يمكننا تقديمها هي الطعام. تبرعوا الآن من فضلكم".
يشار إلى أن عشرات الأطفال والنساء استشهدوا بسبب المجاعة التي ضربت قطاع غزة، بعد فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارا قاتلا على القطاع.
فيديو مؤثر جدا يظهر أطفالا ونساء في غزة يصرخون من الجوع والعطش.. المذيع يقول إن طفلة توفيت بسبب الجفاف الشديد. الفيديو يحوي نداءات للمساعدة من الأهالي ويعرض الوضع الإنساني الكارثي في القطاع.
????️: https://t.co/X9UFTUR4ON