عـن طفولـة الفلسطينييـن وعـن الشـوك أيضـا
تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT
لماذا يسارع الكاتب الفلسطيني إلى كتابة طفولته بتفاصيلها البسيطة؟ لماذا يبدو متحمسا لذلك? لم أقرأ لفلسطيني أدبا، إلا وكان أول سؤالي له: جيد ما قرأت لك، لكن متى ستكتب طفولتك؟ فيجيب على الفور، أنا أكتبها بالفعل، أكاد أنهيها، فعل ذلك محمود شقير وخليل سكاكيني وإبراهيم جوهر وإبراهيم نصر الله وايميل حبييي ومريد برغوثي وإسماعيل وتمام شموط وفدوى طوقان ومحمد علي طه وفيصل حوراني وآخرين كثيرين.
الكتاب الذي بين يديّ هو للكاتب والمثقف المقدسي جميل سلحوت، (أشواك البراري) صادر عن مكتبة كل شيء بحيفا بقطع متوسط و200 صفحة تقريبا، على الغلاف الأخير، يكتب السلحوت: (وأستطيع القول أنني وغالبية أبناء جيلي قد عشنا رغما عن سنن الطبيعة فقد كانت نسبة الوفيات في الأطفال مرتفعة جدا ومع ذلك عشنا لنكون شهودا على واقع لا خيارات لنا فيه). وكتب فيصل حوراني عن سبب كتابته لمذكرات الطفولة:( أدركت أن ما عشته لم يكن مجرد ذكريات خاصة، كان جزءا من تاريخ أمة تحاول أن تتذكر ذاتها في وجه المحو). أما الشاعر مريد برغوثي فكتب :( أنا لم أكتب مذكرات طفولتي لكي أحكي عن نفسي بل لأقول للقارئ هكذا كنا نعيش وهكذا انتزعت البلاد من أرواحنا قبل أن تنزع من أيدينا).
في كتابات الأدباء والمفكرين الأوروبيين يبدو سبب كتابة المذكرات مغايرا تماما لسبب الفلسطيني، كتب الروائي الأمريكي هنري مللر 1989- 1980 مذكراته على شكل روايات مشهورة في العشرينيات، من القرن الماضي، كتبها ليس لدرء محاولة محو وطمس من غازي أجنبي، بل بحثا عن جوهر فكرة الزمن، كان السؤال الوجودي هو سبب هذا الاهتمام عند الكاتب الغربي غالبا، ونتذكر مثالا أوضح وهو تجربة الروائي الفرنسي مارسيل بروست وهو يكتب( الزمن الضائع) ليس تثبيتا لذاكرة مهددة بالقتل والإلغاء، بل تأملا لفكرة الزمن واستمتاعا بنبش كنز ضائع اسمه الطفولة.
في كتابه (أشواك البراري)، يعود جميل السلحوت إلى أول الطفولة، في قرية السواحرة، قضاء القدس، وهو المولود عام 1949 وسياق هذه الطفولة معروف جدا، كان قد مضى عام واحد على احتلال فلسطين، والحرب ما زالت مستمرة، كيف يمكن أن نتخيل هذا السياق؟. يكتب السلحوت: (لم يكن في طفولتنا ما يسر القلب فآباؤنا الذين عاصروا نهاية العصر العثماني وما صاحبه من جهل ومظالم عانوا الأمرين في طفولتهم، في نهاية الحرب الكونية، حتى وقعوا تحت الاحتلال البريطاني، الذي حاول تجميل اسمه انتدابا بدل احتلال وهكذا كان آباؤنا ضحية هم الآخرين، لواقع فرض عليهم، فلم يعيشوا طفولتهم وشبابهم، ولا حتى شيخوختهم).
ثمة سيرة غيرية إذن يكتبها السلحوت في كتابه، هي سيرة طفولة آبائه وأجداده، سيرة ليست تفصيلية بالتأكيد كما سيرته لكنها تظهر حجم مأساة شعبه التي يتقاسمها الأجيال، وكأن قدر الفلسطيني أن يعيش طفولة مدمرة.
في الكتاب، عناوين، يبدأها السلحون بـ: قبل الدخول، والجذور والتهريب بين الأردن وفلسطين وزواج البدل والأقارب والتعليم وأيام في حياة الوالدين والختان وولائم المعلمين ويوم دراسي طويل والجوع كافر والفتّاحة مرة أخرى وأنا والسينما ومحاربة الدبابير وحصة الرياضة والى المعهد العلمي الإسلامي والعمل غير المأجور ومعركة السموع والمظاهرات، وعديد من العناوين التي تتبلور فيها مرحل طفولته.
يتحدث السلحوت عن ولادته : أنجبتني أمي بعد 11 شهرا من ولادتها لشقيقي، إبراهيم، وهذا يعني أني ولدت في الثلث الأول من شهر مارس 1949، أنجبتني أمي التي كانت حردانة، في مغارة (بثغرة قصاب) حين كان والداها يسكنان في خشبيتين، مسقوفتين، بألواح الزينكو، أمام حاجب حجري، حفر فيه جدي لأمي كهفا له مدخل طويل منحدر كرقبة جمل، هرم).
في فصل آخر يتحدث السلحوت عن تعليم البنات:( تأخر تعليم بنات قرية السواحرة كثيرا عن تعليم الأولاد، ففي حين بدأ تعليم الأولاد في أواخر العشرينيات من القرن العشرين، افتتحت عام 1944 أول مدرسة للبنات).
هكذا يساهم الكاتب المقدسي جميل السلحوت في كتابة شهادته على واقع الطفولة الفلسطينية بكامل أشواكها ليس من مدخل رفاهية تأمل فكرة الزمن، بل دفاعا عن وجوده وهويته.
جميل السلحوت
مواليد جبل المكبر عام 1949 حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية، عمل مدرسا للغة العربية واعتقل مرارا على يد الاحتلال وخضع لإقامات جبرية
عمل في الصحافة سنوات طويلة، عضو مؤسس لاتحاد الكتاب الفلسطينيين، فاز عام 1918 بجائزة القدس للثقافة والإبداع.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
بناء العقول يبدأ من الطفولة.. نائب: الحضانات بالمساجد نقلة تربوية تُعزز الهوية والانتماء
أشاد النائب يحيى إسماعيل، عضو مجلس الشيوخ، بمبادرة وزارتي الأوقاف والتربية والتعليم بشأن إنشاء حضانات تعليمية داخل المساجد، معتبرًا إياها خطوة استراتيجية في طريق بناء الإنسان المصري من جذوره، وتعزيز القيم الوطنية والأخلاقية منذ الصغر.
وقال النائب يحيى اسماعيل، في تصريح خاص لـ"صدى البلد": “هذه المبادرة ليست مجرد تعاون بين وزارتين، بل هي رؤية متكاملة تنم عن وعي الدولة بأهمية تكوين شخصية الطفل المصري من خلال بيئة تجمع بين العلم والدين، وبين القيم والهوية".
وأضاف: "المساجد كانت ولا تزال مراكز إشعاع ثقافي وتربوي، واستثمارها اليوم لتقديم خدمات التعليم المبكر يُعد توظيفًا رشيدًا لمقدرات الدولة في خدمة المجتمع، خاصة في القرى والمناطق النائية التي تفتقر لدور حضانة مؤهلة".
وأكد النائب يحيى إسماعيل أن هذه الخطوة تعكس بُعدًا اجتماعيًا وإنسانيًا عميقًا، حيث سيتمكن أولياء الأمور من إلحاق أطفالهم بحضانات آمنة ومجانية أو منخفضة التكلفة، داخل بيئة مألوفة وموثوق بها.
وشدد على ضرورة مواكبة هذا المشروع؛ بخطة تدريب وتأهيل للمعلمين، وتجهيز المساجد بما يلائم احتياجات الطفولة المبكرة، مع الالتزام الكامل بضوابط احترام قدسية المسجد وتنظيم استخداماته.
واختتم إسماعيل تصريحه قائلًا إن "بناء العقول يبدأ من الطفولة، وغرس القيم في هذه المرحلة هو الضمان الحقيقي لمجتمع أكثر تماسكًا ووعيًا، والحضانات بالمساجد تمثل بداية حقيقية لهذا المسار الوطني النبيل".