عربي21:
2025-07-27@07:14:56 GMT

الفوارق الجوهرية بين الثورة والانقلاب

تاريخ النشر: 25th, July 2025 GMT

ونحن في خضم شهر تموز/ يوليو المعروف عربيا بشهر الانقلابات أو الثورات حسب رؤية الرائي، يصعب على البعض تمييز الفوارق بين حالة الثورة وحالة الانقلاب، وقد اختلط عليهم الأمر بسبب تشابه مظاهر الغضب والمروق في الحالتين، يدفعهم في ذلك قوة منطق الدعاية التي تخلقها الفئة المنتصرة، مضافا إليها بعض العوارض والشواهد الطبيعية أو المصطنعة التي تجعل الأمر عندهم ملتبسا.



هناك تعريفات كثيرة للثورة تتفق جميعها في توجهها نحو السلطة وأنها غالبا ما تقترن بعمل عنيف، منها أنها حالة اندفاع جماهيري غاضب من أجل إجراء تغيير أساسي في السلطة، ومنها أنها عملية تغيير قسري كامل لجميع المؤسسات والسلطات الحكومية في النظام لتحقيق طموحات تغيير النظام السياسي.

وفي المقابل، يعرف معجم أوكسفورد الانقلاب بأنه تَغْيير مُفاجِئ في نِظام الحُكْم يقوم به في العادة بَعض رجال الجيش، بينما يعرفه المعجم الفرنسي بأنه محاولة غير قانونية وعلنية من قِبل منظمة عسكرية أو نخب حكومية أخرى لإزاحة القيادة القائمة.

وأخبرتنا تجارب السابقين أن الثورة عمل خطير يقدم عليه ثائرون يعون أنهم قد يفقدون حريتهم أو أرواحهم ثمنا لها، لكنهم أقدموا عليها لأنهم وصلوا لحالة من القناعة واليقين بأن عواقب السكون أخطر عليهم من عواقب الثورة. وعلّمتنا أن الثورة حالة احتجاج مقصدها المباشر تغيير السلطة، ولذلك فهي تتجه دائما من الأسفل حيث القاعدة الشعبية نحو الأعلى بغية تغيير قمة الهرم السياسي، فيما أن الانقلاب هو عادة يأتي من داخل قمة هذا الهرم ذاته حيث تتمركز السلطة، وينطلق من المراكز القوية فيه لنقاطها الأضعف.

ومن أهم نتائج الثورة هي أنها تقلب الأوضاع السياسية رأسا على عقب بطريقة يستشعرها الناس وتعود عليهم مردوداتها السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها، أما الانقلاب فعادة ما يقود لنفس الأوضاع التي كانت عليه أثناء النظام السابق وربما تقود لما هو أسوأ.

الثورة عادة تقوم ضد النظم غير المنتخبة، أو تلك المنتخبة بشكل صوري لا يعبر عن الواقع، أما في الانقلاب فتكون الحكومات المدنية عادة صيدا سهلا يغري أصحاب السلطة على الانقلاب عليها لكونها لا تملك مقومات حماية ذاتية، وفي أحيان أخرى يغريهم الانقلاب على حكم مستبد وصل لمرحلة متأخرة من الترهل والتراخي بسبب طول فترة حكمه، ويغريهم أيضا الانقلاب على حاكم مستبد وصل استبداده مرحلة لا يمكن تحملها بحيث تهدد قسوته بإسقاط النظام والدولة برمتها، هنا تتدخل أطراف من السلطة لإجراء عملية جراحية لتحسين شروط الاستبداد بما يحافظ على بقاء سلطتهم وبقاء الدولة، وقد يتحقق معها الحد الأدنى من الحرية الشخصية.

السلطة وأدواتها

ويتبقى هنا تعريف السلطة التي يمكن حصرها إجمالا في أدوات القوة والنفاذ عامة، وفي من يملكها أو بيده زمام توجيهها خاصة، وبذلك التوصيف يصبح سهلا فهم أن الجيش والمخابرات والشرطة والقضاء هم المقصودون بالسلطة، وقد تنضم إليهم عدة مراكز تأثير ممن يرتدون ملابس مدنية من رجال إعلام وأعمال ودين وفن، وهم الذين يتقوون بالسلطة ويقوونها في ذات الوقت.

ويجدر التنويه إلى أن هؤلاء عادة ما يكونوا الأكثر تضررا من حالة الثورة لكونهم الحلقة الأضعف من حلقات السلطة، وغالبا ما يحقق غضب الثائرين فيهم غايته بسهولة، فيتم تحييدهم في اللحظة الأولى، وكثيرا ما يلجأون إلى التحول السريع لدعم السلطة الجديدة، فيما الحلقات العليا من السلطة قد منحتها خبراتها وعلاقاتها التي كونتها إبان سطوتها الهرب إلى رعاتها في الخارج، وذلك على اعتقاد سائد في العالم الثالث بأنه لا يوجد استبداد في بلد ما دون أن يكون له رعاة خارجيون نافذون، وهؤلاء هم الذين رأت فيهم تلك السلطة المستبدة أن الولاء لهم والاحتماء بهم أفضل لها من الولاء والاحتماء بالشعب، وذلك لأنها تدرك أنها تحقق مصالح هؤلاء الذين في الخارج، في حين أن مصلحة شعبها في غيابها.

حديث حول المشروعية

وفي الحديث عن مشروعية الثورة هناك محددات تجعلنا نميز بينها وبين الانقلاب، منها الوعي، سواء في الدوافع أو الإجراءات أو الغايات، والذي في حال افتقاده سيحولها إلى عمل فوضوي يمكن الاستبداد ولا ينتزعه.

والثورة هي عمل ملحّ، بمعنى أن هناك تعبيرا عن حاجة جماهيرية حقيقية ماسة لها، وهي عمل غاضب مدفوع بتأثير ألم مادي ومعنوي لدى الثائرين وليست مجرد نزهة ورفاهية.

أما الانقلاب فإجمالا لا توجد أي مشروعية له لأنه عمل غير قانوني أو دستوري وغير أخلاقي أيضا، لكن هناك حالة واحدة يمكن تقبله فيها وذلك حينما يكون عدم وقوعه سيقوض إرادة الشعب، بمعنى أن السلطة التي سيقع ضدها الانقلاب سلطة أصلا لم يخترها الشعب، أو أن الشعب اختارها وأعطاها فرصتها الدستورية كاملة، ثم بعد انتهاء مدتها القانونية خالفت القواعد وأرادت القفز نحو الحكم المطلق دون رغبة ناخبيها، يصبح في هذه الحالة الانقلاب صيانة للديمقراطية والدستور وليس تخطيا له.

عموما، متى احترمت الدساتير.. انتهت ظاهرة الثورة والانقلاب.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الانقلابات الثورة تغيير انقلاب ثورة ديمقراطية شرعية تغيير قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

معتقلون في تونس يطلقون دعوة للحوار والإصلاح السياسي والدستوري

أطلق معتقلو ما يعرف بملف"التآمر1" في تونس، من داخل زنزانتهم وعبر بيان للرأي العام، مبادرة تدعو لحوار وطني للإصلاح واستكمال اللقاءات التشاورية لزعماء المعارضة، والتي كانوا قد انطلقوا فيها قبل اعتقالهم.

وجاءت الدعوة من المحامي غازي الشواشي، وعضو جبهة "الخلاص" أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، والناشط السياسي خيام التركي والمحامي عصام الشابي والمناضل والمفكر عبد الحميد الجلاصي والسياسي والمحامي رضا بالحاج، وجميع هؤلاء يقبعون بالسجون منذ شباط/ فبراير 2023 بعد اعتقالهم بتهمة التآمر لتصدر منذ أشهر أحكام سجنية ضدهم بعشرات السنوات.

وقال المعتقلون السياسيون إنّ "عملنا يظل منقوصا حيث تمكنت سلطة الانقلاب من تعطيل المشاورات التي أطلقناها بداية عام 2023، لذلك يحدونا الأمل القوي في أن نرى القوى الوطنية تستأنف ما بدأناه من تشاور جامع بين كل مكونات الطيف السياسي والمدني ينتهي إلى عقد مؤتمر وطني للإصلاح واستعادة الديمقراطية والشرعية الدستورية".

وتابع البيان: "إننا نرى في روح المبادرة التي أعلنت عنها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية خطوة في الاتجاه الصحيح نتمنى أن تتظافر جهود مختلف القوى الوطنية لإنجاحها وتحويلها إلى محطة متقدمة على طريق استعادة الديمقراطية".



وكانت الرابطة والمنتدى قد تقدموا في أيار/ مايو الماضي بمبادرة المؤتمر الوطني للحقوق والحريات ومن أجل الدولة الديمقراطية، وقالت المنظمتان إنّ الهدف الأول من وراء هذا المؤتمر هو "تجميع قوى الرفض والمعارضة للاستبداد والتفكير في إيجاد آليات عمل جماعية ومتضامنة ودائمة"، غير أن المبادرة لاقت انتقادا كبيرا خاصة بعد إقصاء حركة النهضة منها.

وفي بيان الدعوة لاستكمال المشاورات، أكد المعتقلون أن سبب تواجدهم في السجن هو تنظيم لقاءات تشاورية لزعماء المعارضة قصد التداول في ما آلت اليه الأوضاع منذ انقلاب 25 تموز/ يوليو 2021، واقتراح إصلاحات سياسية واقتصادية ضمن خارطة طريق تخرج البلاد من الأزمة الحادة التي تردت إليها، ما أثار الذعر لدى السلطة السياسية التي سارعت بإطلاق حملة اعتقالات شملت العديد من الوجوه التي تصدرت المشهد السياسي".

واعتبر المعتقلون في دعوتهم لاستكمال الحوار الوطني والإصلاح السياسي أنّ "سلطة الانقلاب نمر من ورق، خلا سجلها من أي إنجاز على مد السنوات الأربع من عمرها، سوى تدمير المؤسسات ومحاصرة الحريات والارتداد عن مكتسبات الشعب التونسي على طريق الانتقال الديمقراطي".

وختموا قائلين: "أملنا ألّا تعود علينا ذكرى الانقلاب المشؤومة إلا وقد عادت إلى كافة أبناء الشعب التونسي حريتهم وكرامتهم، وفتحت في وجههم أبواب المشاركة الفعالة في الحياة العامة من خلال مؤسسات ديمقراطية منتخبة".

يشار إلى أن اليوم الجمعة هو موعد الذكرى الرابعة لإعلان إجراءات وقرارات قيس سعيد الاستثنائية، والتي اعتمدها طبقا للفصل 80، وتضمنت حل برلمان انتخابات 2019، مع رفع الحصانة على جميع نوابه وإقالة رئيس الحكومة حينها هشام المشيشي، ثم تبعها بعدة قرارات أخرى أبرزها حل هيئات دستورية والمجلس الأعلى للقضاء وتعليق العمل بدستور 2014 والحكم عبر المرسوم 117،ليقرر إثر ذلك الاستفتاء على دستور جديد سنة 2022، ضمن له صلاحيات واسعة ومطلقة للحكم فبات من برلماني إلى رئاسي.

مقالات مشابهة

  • الرسائل الواضحة والمهمة التي بعث بها الأستاذ أحمد هارون
  • المشيشي يشن هجوما لاذعا على سعيد ويدعو إلى مقاومة الانقلاب
  • إسرائيل تعمل على تغيير النظام القانوني الذي يحكم الضفة الغربية لتسريع الضم
  • احتجاجات بتونس في الذكرى الرابعة لقرارات 25 يوليو.. ودعوات لإسقاط الانقلاب
  • معتقلون في تونس يطلقون دعوة للحوار والإصلاح السياسي والدستوري
  • طغيان الحجر.. كيف استخدم نظام الأسد العمارة لإحكام قبضته على سوريا؟
  • ناطق الحكومة: غداً يوم يُسجل في ملاحم الخالدين ويُثبت اليمانيين للعالم أنهم جمرة الثورة التي لا تنطفئ
  • في ذكرى 25 يوليو.. جبهة الخلاص تتهم سعيّد بـتدمير الدولة والتعددية
  • متى ينتهي فصل الصيف وتتراجع درجات الحرارة؟