اتهمت جبهة الخلاص الوطني في تونس نظام الرئيس قيس سعيّد بـ”نسف التجربة الديمقراطية الناشئة” والعودة بالبلاد إلى “مربع الاستبداد”، وذلك في بيان أصدرته الخميس 24 يوليو 2025 بمناسبة الذكرى الثامنة والستين لإعلان الجمهورية.

وجددت الجبهة في بيان لها اليوم في الذكرى 68 لعيد الجمهورية "تأكيدها رفض الانقلاب على الشرعية وذلك بالتزامن مع مرور 4 سنوات على إعلان إجراءات 25 تموز/ يوليو 2021 والتي تعتبرها الجبهة وأغلب الأحزاب والشخصيات السياسية في تونس "انقلابا"، مؤكدة أن "الانقلاب نسف التجربة الديمقراطية، وعاد بالبلاد إلى مربع الاستبداد".



ومنذ أربعة أعوام اتخذ الرئيس قيس سعيد عدة إجراءات اعتبرها استثنائية ورأتها المعارضة انقلابا تم بمقتضاها غلق مقر البرلمان وتجميد أعماله ورفع الحصانة على نوابه مع حل حكومة هشام المشيشي، وأتبعها لاحقا بعدة قرارات أخرى تمثلت في حل عدة هيئات دستورية، وتعليق العمل بدستور 2014، وإجراء انتخابات مبكرة مع قانون انتخابي جديد وملاحقات قضائية واسعة جدا في صفوف المعارضين.


"استبداد ولكن النضال مستمر"
وقالت جبهة "الخلاص" إن "الانقلاب نسف التجربة الناشئة وعاد بتونس إلى مربع الاستبداد وخنق كل مقومات الحياة السياسية الديمقراطية وانتهك الحريات العامة والفردية وحقوق الإنسان والتعددية، ودمر أسس النظام الجمهوري والتداول السلمي على السلطة".

وعبرت عن "انشغالها العميق لما وصلت إليه البلاد منذ حصول الانقلاب من تأزم في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية عبر تعدد المحاكمات الزجرية التي تفتقر إلى أبسط مقومات المحاكمة العادلة، وإصدار أحكام جائرة بلغت في العديد منها عشرات السنوات سجنا بحق العديد من المعارضين السياسيين والنشطاء الحقوقيين والإعلاميين ورجال الأعمال".

وأكدت في بيان الخميس "تمسكها بالنضال الديمقراطي من أجل استعادة المسار الديمقراطي، وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، وإيقاف المحاكمات السياسية، وتنظيم حوار وطني بين كل القوى المتمسكة بأهداف الثورة وبمقومات الديمقراطية وأسس النظام الجمهوري، وذلك من خلال حوار جامع غير مشروط من أجل إنقاذ تونس".

هذا ودعت "كل أطراف المعارضة الوطنية التونسية إلى تحمل مسؤولياتها وتجاوز الخلافات الحزبية والفئوية والمنطلقات الإيديولوجية الجامدة من أجل إنقاذ تونس والخروج بها من نفق الاستبداد والحكم الفردي واستعادة الحياة الديموقراطية".


"فشل ذريع"
وفي قراءة للوضع في البلاد بعد مرور 4 سنوات على إعلان قرارات 25 تموز/ يوليو قالت الناشطة السياسية شيماء عيسى"هذه السنوات فضحت انقلاب أو ما يسمى بالإجراءات الاستثنائية، والتي أصبحت أبدية بمفعول الدستور الذي كتب في الغرف المظلمة ولا يمثل إلا صاحبه وفسخ الدستور الذي كان مكسبا وطنيا لكل التونسيين".

ورأت شيماء عيسى في حديث خاص لـ "عربي21"، أن السنوات الأربع الماضية "كان عنوانها الفشل والاعتباط المغلف بالكذب والبروباغندا، وفشل على جميع الأصعدة"، مشيرة إلى أن "الأرقام وحدها تتكلم عن الفشل واللاكفاءة وتحطيم كل شيء".

وأضافت: "تم تحطيم الاقتصاد والتنمية ذلك هو الخطاب الشعبوي الذي لا يعرف سوى التخوين والشيطنة، وإحداث الانقسام بالمجتمع وصفر إنجاز والكثير من الكذب والوعود والعهود الزائفة".
وتعيش تونس منذ سنوات متتالية في أزمة سياسية حادة انقسم فيها التوصيف بين معارضة ترى فيها انقلابا وبين سلطة تعتبرها تصحيحا للمسار، انقسام أثر بشكل لافت على الحياة العامة وخاصة اقتصاديا واجتماعيا، حيث تفاقم الوضع للأسوأ.

وما زاد الأمر تعقيدا توسع المحاكمات والاعتقالات لسياسيين ورجال أعمال وصحفيين ولنشطاء، وكل من ينتقد الوضع والنظام، ما جعل المنظمات الحقوقية وطنيا وخارجيا تطلق صيحة فزع وتصف الوضع الحقوقي بالخطير جدا وعودة الدكتاتورية.

اعتقالات تطال مختلف العائلات السياسية

ومن المفارقات اللافتة في المشهد التونسي اليوم، أن الاعتقالات السياسية لم تقتصر على تيار بعينه، بل طالت شخصيات من مختلف العائلات الفكرية والسياسية، بما في ذلك إسلاميون ويساريون ونقابيون وإعلاميون.

فمن التيار الإسلامي، يقبع في السجون راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، وعلي العريض رئيس الحكومة الأسبق، وسعيد الفرجاني، إضافة إلى عدد من قيادات الحركة ونشطائها الجهويين.

أما من اليساريين، فقد طالت الاعتقالات وجوهًا بارزة في المعارضة مثل: جوهرة بن مبارك، أستاذ القانون الدستوري والناشط في "مواطنون ضد الانقلاب"، عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري، رضا بلحاج الوزير السابق والقيادي السابق في نداء تونس، وغازي الشواشي الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي، إلى جانب آخرين من المحامين والنشطاء المنخرطين في مواجهة مسار 25 يوليو.

وترى جبهة الخلاص أن هذا التنوّع في استهداف المعارضين يعكس حقيقة أن الأزمة القائمة ليست صراعًا أيديولوجيًا بين السلطة والإسلاميين فحسب، بل هي أزمة منظومة حريات وحقوق تُهدَّد في جوهرها، وتمس كل من يعبّر عن رأي مستقل أو معارض خارج الأطر الرسمية.

من هي جبهة الخلاص؟

تأسست جبهة الخلاص الوطني سنة 2022، وتضم طيفًا من الشخصيات السياسية والمدنية الرافضة لقرارات قيس سعيّد، من بينها حركة النهضة، حزب الأمل، حزب قلب تونس، وائتلاف “مواطنون ضد الانقلاب”. وقد شكّلت الجبهة أحد أبرز أطر المعارضة خلال السنوات الماضية، ونظمت عدة تحركات احتجاجية، وتولت الدفاع عن المعتقلين السياسيين، فيما يواجه قادتها أنفسهم قضايا أمام القضاء.

دعوة للتظاهر في ذكرى "الجمهورية" كادت أن تتعثر قبل أن تُستدرك بتعبئة جديدة

تزامن صدور البيان مع الذكرى السنوية لإعلان الجمهورية، والتي سعت بعض قوى المعارضة لإحيائها بتحرك احتجاجي يوم 25 يوليو الجاري. ورغم أن الدعوة الأولية لم تلقَ استجابة واسعة في بداياتها، بسبب تحفظات عدد من مكونات اليسار والنقابات الرافضة للمشاركة في تحركات تكون فيها حركة النهضة طرفًا بارزًا، فإن المشهد سرعان ما تغير بعد أن بادر الحزب الجمهوري إلى إصدار دعوة تعبئة تحت شعار: "من أجل الحرية والكرامة... لنلتقِ في شارع الثورة ".

دعا الحزب الجمهوري جميع التونسيات والتونسيين إلى المشاركة بكثافة في المسيرة الاحتجاجية التي ستُنظم يوم الجمعة 25 جويلية 2025، انطلاقًا من أمام نصب ابن خلدون بشارع الحبيب بورقيبة، للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات الذين يقبعون ظلمًا في سجون الانقلاب.

وجدد الحزب تأكيده على ضرورة تنسيق الجهود بين مختلف القوى المناهضة للاستبداد، محذرًا من أن استمرار التشتّت لا يخدم سوى منظومة الحكم الفردي.



وعقب هذه الدعوة، سارعت جبهة الخلاص الوطني إلى إصدار بيان تعبئة جديد في 23 يوليو 2025، دعت فيه أنصارها وأصدقاءها إلى المشاركة في التظاهرة، والتي تنظّمها تنسيقية عائلات المساجين السياسيين، دعمًا لحرية التعبير واستقلال القضاء، وللمطالبة بإطلاق سراح كافة المساجين السياسيين ووقف التتبعات الجائرة بحقهم.



ويعكس هذا التفاعل بين مكونات المعارضة محاولة لتجاوز التردد والانقسام، واستعادة التنسيق الميداني رغم ما يشوبه من خلافات، في مواجهة ما تصفه المعارضة بـ"الحكم الفردي وسياسات القمع".

دعوة لحوار وطني شامل

وأكدت جبهة الخلاص تمسكها بـ "النضال الديمقراطي" من أجل "استعادة المسار الدستوري وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، ووقف المحاكمات، وتنظيم حوار وطني جامع غير مشروط بين مختلف القوى السياسية المؤمنة بأهداف الثورة".

كما دعت جميع أطراف المعارضة إلى "تحمّل مسؤولياتها، وتجاوز الحسابات الفئوية والإيديولوجية، لإنقاذ تونس من نفق الحكم الفردي".

تضامن مع غزة وإدانة للتخاذل العربي

وفي ختام بيانها، الذي حمل توقيع رئيس الجبهة، أحمد نجيب الشابي، عبّرت الجبهة عن "دعمها الكامل لصمود أهل غزة في وجه الإبادة الجماعية"، مستنكرة ما اعتبرته "تخاذلًا عربيًا وإسلاميًا رسميًا، وصمتًا دوليًا عن جرائم الحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي".

وختم البيان بشعارين لافتين: "عاشت تونس حرة أبد الدهرين"، "عاشت المقاومة الفلسطينية الباسلة".


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية جبهة الخلاص تونس سعيد الإنقلاب مظاهرات تونس سعيد جبهة الخلاص المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جبهة الخلاص من أجل

إقرأ أيضاً:

القضاء يحسم ملف التآمر.. كيف سيتفاعل المشهد السياسي التونسي؟

قال أحمد الهمامي، الناطق الرسمي باسم تحالف أحرار في تونس، إن الأحكام القضائية التي صدرت في قضايا ما يُعرف بملف "التآمر على أمن الدولة" كانت متوقعة، خصوصًا بعد صدور الحكم الابتدائي ضد من وصفهم بـ"المتآمرين على أمن الدولة وأمن مواطنيها وتعاملهم مع جهات أجنبية"

وأوضح خلال مداخله هاتفيه على شاشة القاهرة الإخبارية ، أن هذه الوقائع "مثبتة عليهم"، مضيفًا أن الجدل الدائر حول كونها محاكمات سياسية "لا يستند إلى الواقع".

وأضاف الهمامي، أن ما يردده البعض بشأن "توجيه سياسي للقضية" غير صحيح، مشددًا على أن القضاة في تونس "لا يحكمون بالسياسة، بل بالأدلة والوقائع والمضبوطات".

وأشار إلى أن الأحكام الابتدائية تراوحت بين أربع سنوات و66 سنة سجنًا، قبل أن تصدر محكمة الاستئناف أحكامًا جديدة شملت "إضافة عقوبات للبعض، والحكم بعدم سماع الدعوى لآخرين" وهو ما يثبت –بحسب وصفه– أن القضاء ينظر في الملفات "وفقًا للحقيقة القانونية لا الهوى السياسي".

وأكد الهمامي أن من صدرت بحقهم الأحكام "أصبحوا نهائيًا مجرمين في حق الشعب التونسي قبل أن يكونوا مجرمين في حق أنفسهم" معتبرًا أنهم "وضعوا أنفسهم تحت ذمة جهات أجنبية" وفق ما ورد في ملفاتهم.

وقال إن الادعاء بأن النظام في تونس "يقمع أو يصادر الحريات" لا يتماشى مع الواقع، لأن هؤلاء –على حد وصفه– "يتظاهرون منذ 25 جويلية 2021 وحتى اليوم في الشوارع وفي مختلف المناطق، ويتحدثون في وسائل إعلام داخلية ودولية بكل حرية".

وأشار الهمامي إلى أن هؤلاء المتهمين لديهم أيضًا "مسيرة جديدة غدًا"، كما كانت لهم مسيرات قبل أيام قليلة، وجميعها –كما قال– "تجري تحت حماية أمنية توفرها وزارة الداخلية التونسية".

وشدد على أن هذه الوقائع تنفي تمامًا فكرة وجود تضييق على الحريات وأن القضية لا علاقة لها بالقمع بل بجرائم مثبتة بالأدلة.

وختم الهمامي بالتأكيد على أن بعض المحجوزات التي ضُبطت لدى أحد المتهمين تتضمن مخططًا مكتوبًا بخط اليد يبدأ من الألف وينتهي بالياء، وهو ما يعد –بحسب تعبيره– دليلًا قاطعًا على وجود نوايا تنفيذ أعمال تهدد أمن الدولة.

طباعة شارك تونس الأحكام القضائية القاهرة الإخبارية

مقالات مشابهة

  • طارق صالح: التباينات السياسية طبيعية وهدفنا المشترك اليمن واستعادة الدولة
  • فيلم جندي الصفيح.. جدلية الخلاص من الصدمة بدخول دوّامة جديدة
  • بن دغر في رسالة للرئيس: الوضع في حضرموت خطير ويجب التدخل بشكل عاجل
  • زعيم المعارضة الإسرائيلية يرفض منح نتنياهو عفوا رئاسيا قبل اعتزاله الحياة السياسية
  • أحمد جمعة الزعابي: ذكرى حاضرة في أرجاء الوطن
  • إلى أين تتجه أزمة تونس في ظل تمسك سعيد بملاحقة معارضيه؟
  • الشرع في حلب لإحياء ذكرى معركة الإطاحة بالأسد
  • في ذكرى ردع العدوان الشرع يزور حلب
  • الشرع: سنعيد بناء سوريا.. وحلب كانت منفذ المعارضة إلى البلاد
  • القضاء يحسم ملف التآمر.. كيف سيتفاعل المشهد السياسي التونسي؟