من مخازن الخيانة إلى مصانع الردع .. اليمن يستعيد سلاحه بإيمانه
تاريخ النشر: 26th, July 2025 GMT
في الوقت الذي كانت فيه دول العدوان ، تراهن على إخضاع اليمن خلال أسابيع من بدء عدوانها في مارس 2015، كان الواقع يتشكل بصورة مختلفة تمامًا، إذ تحوّل الحصار والتدمير الممنهج إلى حافز تاريخي دفع بالشعب اليمني، تحت قيادة “المسيرة القرآنية”، إلى تبني خيار استراتيجي غير مسبوق، يتمثل في بناء قوة عسكرية مستقلة قادرة على الردع، ومبنية على أسس إيمانية وثقافية عميقة.
يمانيون/ تقرير/ طارق الحمامي
هذا التقرير يرصد المسار التصاعدي لهذا التطور العسكري النوعي، ويكشف كيف استطاعت اليمن رغم العدوان والحصار والقيود الخانقة والمواجهة غير المتكافئة، أن تُعيد صياغة قدراتها الدفاعية من تحت الصفر، لتصل إلى مستوى متقدم من التصنيع الحربي المحلي شمل الصواريخ الباليستية، الطائرات المسيّرة، الدفاعات الجوية، والتسليح البحري المتطور، وصولاً إلى امتلاك تقنيات فرط صوتية بتقنيات لا تمتلكها دول متقدمة .
ولا يقتصر التقرير على الجانب الفني والعسكري، بل يتناول الأبعاد الفكرية والثقافية والدينية التي شكّلت روح هذا المشروع الجهادي تحت عنوان السيادة والاستقلال، من خلال توضيح الدور المحوري للقيادة الثورية ممثلةً بالسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله)، التي ربطت امتلاك أدوات الردع بمفهوم قرآني للكرامة والسيادة، لا كخيار تكتيكي مؤقت، بل كضرورة استراتيجية دائمة.
كما يُسلّط الضوء على الخلفية التاريخية التي سبقت هذا التحول، بدءًا من التآمر الأمريكي مع النظام السابق لتجريد اليمن من قدراته الدفاعية، مرورًا بالعدوان الذي استهدف كل بنية عسكرية، وصولًا إلى مرحلة التحدي التي رفعت شعار ’’لن يُحمى هذا الوطن إلا بسواعد أبنائه وإيمانهم الراسخ’’ .
وتكمن أهمية هذا التقرير في أنه لا يوثّق فقط تجربة استثنائية في تاريخ الصراع المعاصر، بل يقدّم نموذجًا جديدًا في التفكير الاستراتيجي، حيث تتقاطع العقيدة مع التقنية، والثقافة مع الإرادة، والسيادة مع الاكتفاء العسكري الذاتي.
القيادة الثورية ومشروع بناء القوة الرادعة .. الرؤية، التخطيط، التنفيذ
منذ اللحظة الأولى للعدوان، ظهر بشكل جلي أن المشروع الذي تحمله القيادة الثورية اليمنية، ممثلة بالسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله)، لم يكن مشروع صمود مؤقت أو رد فعل انفعالي، بل مشروع تحرري شامل يبدأ من الإيمان وينتهي بامتلاك أسباب القوة والردع.
لقد قدّمت القيادة الثورية نموذجًا استثنائيًا في الوعي الاستراتيجي، حيث أدارت المعركة وفق رؤية متكاملة تقوم على امتلاك أدوات الردع كفريضة إيمانية، وضرورة سيادية، وشرط من شروط البقاء والكرامة، وهو ناتج عن وعي مبكر بطبيعة المعركة وأبعادها منذ اللحظات الأولى للعدوان في مارس 2015، حيث خاطب السيد القائد الشعب اليمني بلغة واضحة وصادقة، إن هذه الحرب ليست مجرد خلاف سياسي، بل عدوان خارجي أمريكي إسرائيلي تُنفّذه أدوات إقليمية بهدف إخضاع اليمن وسلب قراره وثروته وهويته ، هذا الوعي بالعدوان كأداة استعمارية، دفع بالقيادة الثورية إلى عدم الرهان على التسويات الدولية أو التدخلات الأممية، بل إلى بناء معادلة ردع ذاتية، تعتمد على تحفيز العقول الوطنية، والتحرر من التبعية ودمج الوعي القرآني بالبناء العسكري.
خلفية تاريخية .. المؤامرة الأمريكية مع النظام السابق وتدمير قدرات الدفاع الجوي والصواريخ
شهد اليمن قبل العدوان تآمرًا ممنهجًا أتاح للقوى الأجنبية، عبر أدوات النظام العميل ، تفكيك قدراته الدفاعية وتدميرها ، خصوصًا الدفاع الجوي والصواريخ الباليستية، وقد شكّل هذا العامل أحد أهم دوافع إعادة بناء القوة العسكرية الذاتية ، ومع تدمير ما تبقى من البنية العسكرية خلال العدوان، اتجهت قيادة المسيرة القرآنية إلى خيار استراتيجي يعتمد على التصنيع الذاتي، لتخرج من تحت الركام منظومات عسكرية محلية الصنع، شملت الصواريخ، الطائرات المسيّرة، والسلاح البحري، وأثبتت فاعليتها في ميادين القتال.
التحول من الدفاع إلى الردع
تحوّلت اليمن من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الردع، مع تطوير منظومات قادرة على الوصول إلى عمق دول العدوان، ما غيّر معادلات الاشتباك، وصولاً إلى ترسّخ معادلة جديدة ’’إذا ضُرب اليمن، فالرد قادم لا محالة’’
لم يكن هذا التحول العسكري اليمني في زمن المسيرة القرآنية مجرد تطور في نوعية السلاح، بل كان تحولًا جذريًا في العقيدة القتالية والاستراتيجية العسكرية، فقد انتقل اليمن من موقع المتلقي لضربات العدوان إلى موقع الفاعل والمبادر، حيث أصبحت قواته المسلحة قوة ردع إقليمي حقيقية، فرضت حضورها في البر والجو والبحر، وغيّرت قواعد الاشتباك بشكل غير مسبوق في المنطقة ، ففي السنوات الأولى من العدوان، ركزت القوات اليمنية على الصمود والدفاع، واعتمدت على أساليب محدودة مثل الكمائن والقصف المحلي، وعمليات المباغتة للعدو لكن ما لبثت أن بدأت منظومات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة بالظهور، بدقة متزايدة ومدى أطول وتأثير نوعي .
وتبنّت القوات المسلحة اليمنية، بإشراف القيادة الثورية، مفهوم توازن الردع كمرحلة استراتيجية في المواجهة، تم خلالها تنفيذ سلسلة عمليات عسكرية نوعية، بدأت بعملية توازن الردع الأول (2019)، استهدف حقل الشيبة في العمق السعودي، وهو أحد أكبر حقول النفط في المملكة، ثم توازن الردع الثاني والثالث (2019–2020) والتي طالت مطارات عسكرية وقواعد جوية ومصافي نفطية، مما أحدث ارتباكًا اقتصاديًا وإعلاميًا داخل السعودية، وصولاً إلى توازن الردع السابع والثامن، والتي شملت استهدافات دقيقة على مناطق حساسة في الرياض وأبو ظبي، بأسلحة محلية الصنع بالكامل، مبيّنةً تطور سلاح الجو المسيّر والصواريخ المجنّحة والباليستية ، وهذه العمليات كانت جزءًا من استراتيجية ردع مركّبة تُرسل رسالة مفادها أن الرد بالمثل وبشكل مدروس سيستمر ما دام العدوان قائمًا، ومن التحولات اللافتة كذلك دخول سلاح البحرية اليمنية إلى معادلة الردع بقوة وفعالية،وقد أثبت هذا الردع البحري فعاليته في عمليات السيطرة على خطوط الملاحة الحيوية، خصوصًا في ضرب السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي أو الداعمة للعدوان ضمن عمليات نصرة غزة، وكذا عمليات استهداف سفن أمريكية وبريطانية في عرض البحر، ضمن معركة السيادة على المياه الإقليمية اليمنية والدفاع عن قضايا الأمة.
وأبرز ما في هذه المرحلة أن العمليات لم تقتصر على محيط اليمن، بل طالت مناطق تبعد آلاف الكيلومترات، معلنةً دخول اليمن في مرحلة الردع العابر للحدود.
دعم المقاومة الفلسطينية .. الردع التضامني
في تحول نوعي آخر، ربطت القوات المسلحة اليمنية بين المشروع التحرري المحلي والمقاومة الإقليمية، حيث أُعلن رسميًا دخول اليمن في معركة دعم غزة ضد العدو الإسرائيلي، بعد بدء العدوان الصهيوني في أكتوبر 2023.
وكانت أبرز نتائج هذا الردع التضامني، استهداف سفن العدو الإسرائيلي في البحر الأحمر وخليج عدن، ما أدى إلى توقف عدد كبير من الشركات العالمية عن التعامل مع الموانئ الإسرائيلية، واستهداف مواقع عسكرية للعدو في إيلات ومناطق أخرى، بصواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيّرة، وذلك رغم الجغرافيا الواسعة والتعقيد العملياتي، ما أدى إلى نجاح القوات المسلحة اليمنية من كسر الحصار المفروض على غزة معنويًا واستراتيجيًا، مما جعل اليمن في صدارة الدول التي أحدثت فارقًا حقيقيًا في ميدان المعركة خارج حدود فلسطين.
اليوم، لم تعد معادلة اليمن قائمة على مجرد الردع لردّ العدوان، بل توسعت نحو فرض الإرادة السياسية والعسكرية في البحر الأحمر وباب المندب ومحيط الجزيرة العربية، وقد أصبح اليمن قادرًا على منع مرور السفن المعادية دون إذنه، وتهديد القواعد العسكرية الأجنبية في المنطقة، وإرسال رسائل استراتيجية للعالم بأن القرار العسكري والسيادي يصدر من صنعاء، لا من الرياض أو واشنطن أو العدو الصهيوني.
الصناعات العسكرية النوعية .. من الصواريخ الباليستية إلى التقنيات الفرط صوتية
شهدت الصناعات العسكرية اليمنية تطورًا نوعيًا غير مسبوق في تاريخ البلاد، رغم الحصار ونقص الموارد، هذا التطور شمل ثلاثة محاور رئيسية:
الصواريخ الباليستية .. تم تطوير سلسلة من الصواريخ ذات مدى ودقة عالية، منها ما يطال العمق السعودي والإماراتي، ومنها ما يتمتع بقدرات تفجيرية متطورة وتكنولوجيا توجيه متقدمة.
الطائرات المسيّرة .. برزت الطائرات المسيّرة اليمنية كعنصر حاسم في المواجهة، بقدرات استطلاعية وهجومية دقيقة، قادرة على تنفيذ عمليات نوعية تجاوزت الدفاعات الجوية المعادية.
السلاح البحري .. تمكنت القوات اليمنية من إنتاج منظومات بحرية فعّالة، تشمل صواريخ بحر-بحر وألغام بحرية ذكية وزوارق هجومية مسيّرة، مما ضاعف من خطر استهداف الممرات والموانئ المعادية.
القدرات الفرط صوتية .. وفي تطور نوعي وغير متوقع، كشفت القوات المسلحة عن امتلاكها تقنيات فرط صوتية ودخلت الخدمة في عمليات الاسناد لغزة ، وهو ما يشير إلى قفزة تكنولوجية تؤهل اليمن لتجاوز حتى بعض الدول الكبرى في هذا المجال من حيث التأثير الاستراتيجي، خاصة في ظل اعتماد أساليب تصنيع غير تقليدية تراعي ظروف الحرب والحصار، هذا التطور النوعي لم يكن فقط مكسبًا عسكريًا، بل رسّخ مفهوم ’’الاكتفاء الدفاعي السيادي’’ كركيزة لبناء الدولة الحرة والمستقلة.
الأبعاد الدينية والثقافية للتطوير النوعي في سلاح الردع على ضوء فكر المسيرة القرآنية
في ظل الحصار والعدوان ، لم يكن بناء القوة العسكرية اليمنية مجرد استجابة لتهديدات وجودية، بل جاء كترجمة عملية لرؤية قرآنية متكاملة بلورتها ’’المسيرة القرآنية’’ بقيادة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله)، حيث تَحوّل الردع العسكري إلى فريضة دينية، وواجب ثقافي وأخلاقي تجاه الأمة.
الردع كجزء من العقيدة القرآنية .. استندت المسيرة القرآنية إلى آيات قرآنية واضحة في صياغة موقفها من القوة، أبرزها قوله تعالى: (وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدوّ الله وعدوّكم) – [الأنفال: 60].
فهذه الآية لم تُقدّم القوة كخيار، بل كفريضة تعبّدية تستهدف حماية الأمة وردع المعتدي، ومن هنا انطلقت القيادة الثورية نحو بناء قوة ردع قائمة على الوعي الإيماني والعقيدة القتالية القرآنية.
الثقافة الجهادية كمحرّك علمي .. في الوقت الذي كان العدوان والحصار يراهن على تجويع الإرادة اليمنية وكسر عزيمتها، حوّلت المسيرة القرآنية هذا العدوان والحصار إلى حافز ثقافي لتبني مفاهيم الاكتفاء الذاتي، والإبداع تحت الضغط، والعمل بجدّ من منطلق المسؤولية الدينية، فلم تعد الكوادر العسكرية والعلمية تعمل بدافع المهنة أو التكليف الوظيفي، بل انطلقت من وعي قرآني يعتبر الدفاع عن الأمة مسؤولية إيمانية وجهادًا في سبيل الله، هذا الوعي هو ما صنع الإصرار على تطوير الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة ومنظومات الدفاع الجوي رغم الحصار الخانق.
رفض التبعية كقضية إيمانية .. أحد المفاهيم المركزية في توجه المسيرة القرآنية هو أن التبعية العسكرية والسياسية للعدو ليست فقط عارًا وطنيًا، بل خيانة دينية، فامتلاك القوة والاعتماد على النفس أصبحا من شروط الانتماء الحق إلى الأمة الإسلامية، خصوصًا في ظل واقع تتعرض فيه الشعوب المسلمة للعدوان والسيطرة.
تسخير الطاقات الوطنية وفق منهجية قرآنية .. القيادة الثورية وضعت رؤية عملية لتأهيل الكوادر وفق قيم قرآنية ، الإخلاص، الإتقان، العمل الجماعي، الإنفاق في سبيل الله، واحترام العلم كوسيلة للتمكين، فكانت الورش والمصانع العسكرية تتحوّل إلى ساحات جهاد فكري وعملي، يعكف فيها المهندسون والمبرمجون والفنيون على تصميم منظومات الردع بنفس الحماس الذي ينطلق به المجاهد إلى الجبهة.
الردع كرُكن في مشروع الدولة القرآنية المستقلة .. في فكر المسيرة القرآنية ، لا يمكن بناء دولة مستقلة دون امتلاك وسائل الدفاع الذاتي، ومن هنا، أصبح تطوير سلاح الردع جزءًا من مشروع الدولة القرآنية، التي لا تقبل الخضوع أو الارتهان، بل تسعى لإقامة العدل ورفع الظلم في الداخل والخارج، فالطائرات المسيّرة لم تكن فقط أدوات عسكرية، بل رسائل سياسية وثقافية تقول للعالم أن اليمن الذي أرادوه ساحةً للهيمنة، بات قادرًا على صنع المعادلة.
بهذا، يتضح أن البعد الديني والثقافي لفكر المسيرة القرآنية لم يكن مجرد خلفية نظرية، بل الركيزة الأساسية التي أنتجت هذا التطوير النوعي في سلاح الردع اليمني، وجعلت من إرادة البناء والتمكين قوة لا تُقهر، برغم الحصار والدمار.
دلالات الصعود العسكري اليمني على المستوى الإقليمي والدولي
يشكّل التحول العسكري النوعي في اليمن، في ظل قيادة المسيرة القرآنية، حدثًا استثنائيًا على مستوى الإقليم والعالم، ليس فقط من حيث النتائج العسكرية، بل من حيث ما يحمله من دلالات استراتيجية تهزّ موازين القوى التقليدية، وتعيد رسم خرائط الهيمنة والردع والسيادة.
هذا الصعود لم يأتِ في فراغ، بل جاء في سياقٍ إقليمي يُهيمن عليه النفوذ الأمريكي، وتفوق العدو الإسرائيلي، والتبعية الخليجية، وهو ما يجعل من التجربة اليمنية ظاهرة غير قابلة للتجاهل في الحسابات الدولية، والتي تمكنت من كسر احتكار الردع في المنطقة والتي كانت محصورة في محور الهيمنة الغربية (أمريكا وإسرائيل ومن خلفهما الأنظمة الخليجية والدول المطبعة) ، لكن اليمن، في ظل المسيرة القرآنية، كان محورًا صاعدًا يتميز بأنه يمنح الردع طابعًا شعبيًا نابع من إرادة شعب وثورة ، ومستقل في قراره السياسي والعسكري، وغير مرتبط بمعاهدات أو مظلات دولية، وينتمي لمدرسة قرآنية فكرية تبني قوتها كواجب ديني، وهذا الكسر للاحتكار يعني أن الردع لم يعد حكرًا على الدول العظمى أو حتى على الدول الغنية أو القوية تقنيًا، بل بات ممكنًا للشعوب المؤمنة التي تمتلك الإرادة والبوصلة.
خاتمةتحوّل العدوان من تهديد وجودي إلى فرصة استراتيجية لإعادة بناء اليمن من منظور مستقل وقرآني، وكانت القيادة الثورية، وعلى رأسها السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله)، حجر الزاوية في هذا التحوّل التاريخي الذي جعل من اليمن رقمًا صعبًا في معادلات المنطقة، ونموذجًا للمقاومة السيادية.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: القائد عبدالملک بدر الدین الحوثی الصواریخ البالیستیة المسیرة القرآنیة العدو الإسرائیلی القیادة الثوریة القوات المسلحة توازن الردع یحفظه الله ل العدوان الیمن من ت القوات لم یکن
إقرأ أيضاً:
خليل الحية: طوفان الأقصى كسر الردع الإسرائيلي وأعاد القضية الفلسطينية إلى الصدارة
#سواليف
قال رئيس حركة المقاومة الإسلامية ( #حماس ) في قطاع #غزة #خليل_الحية إن الذكرى الثامنة والثلاثين لانطلاقة الحركة تحلّ في ظل واقع سياسي وميداني مختلف تمر به #القضية_الفلسطينية، وفي مرحلة تتسم بتحولات كبرى، مؤكداً أن الحركة تبذل كل جهد ممكن من أجل توظيف هذه المتغيرات في مصلحة الشعب الفلسطيني واستعادة حقوقه الوطنية المشروعة.
وأوضح الحية، في كلمة ألقاها بمناسبة ذكرى الانطلاقة التي توافق 14 ديسمبر/كانون الأول، أن الشعب الفلسطيني يعيش أياماً بالغة الصعوبة ومعاناة قاسية نتيجة العدوان الإسرائيلي وحرب الإبادة الجماعية المتواصلة على قطاع غزة، مشيراً إلى ارتقاء أكثر من سبعين ألف شهيد من الرجال والنساء والأطفال، الذين قال إنهم لم ترحمهم “قذائف الحقد والإجرام الصهيوني”.
وأضاف أن من بين آخر الشهداء القائد في المقاومة رائد سعد “أبو معاذ” وإخوانه الذين كانوا برفقته، واصفاً إياه بـ”القائد المجاهد العابد الزاهد” الذي نذر حياته لدينه ووطنه، وعاش مطارَداً من الاحتلال الإسرائيلي لعشرات السنين.
مقالات ذات صلة الجمعة .. إغلاقات وتحويلات مرورية في العقبة / تفاصيل 2025/11/30وفي ما يتصل بالضفة الغربية المحتلة، أكد الحية أن الفلسطينيين هناك يتعرضون لحملة إرهاب ممنهجة، تتكامل فيها السياسات العسكرية للاحتلال مع اعتداءات المستوطنين، من خلال شبكة خانقة من الحواجز والأبواب الحديدية التي تقطع أوصال المدن والقرى، إلى جانب القتل والاعتقال ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وعمليات التهجير القسري.
القدس واللاجئون
وفي القدس المحتلة، قال الحية إن المسجد الأقصى “يئنّ في قلب هذه المعاناة”، ويتعرض لاستهداف مباشر لهويته وقدسيته، محذراً من مخاطر التهويد والتقسيم الزماني الذي قال إنه بات أمراً واقعاً، في ظل الاقتحامات اليومية التي ينفذها مئات المستوطنين المتطرفين، وأدائهم طقوساً دينية داخل باحاته، في مسعى لفرض تقسيم مكاني للمسجد.
وتطرق إلى أوضاع الفلسطينيين في أراضي عام 1948، مؤكداً أنهم يعانون الاحتلال والعنصرية والقمع ومصادرة الأراضي وهدم المنازل، إلا أنهم يواصلون الصمود ويحافظون على هويتهم الوطنية، مشدداً على أنهم “جزء أصيل من شعبنا وقضيته الوطنية”.
كما تناول أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في المنافي والشتات، مشيراً إلى أن سكان مخيمات اللجوء يعيشون فصولاً خاصة من المعاناة والعوز والحنين، إلى جانب محاولات طمس الهوية والاستهداف المباشر، مستشهداً بمجزرة الملعب في مخيم عين الحلوة في لبنان، التي أسفرت عن استشهاد 13 فتى.
نتائج الحرب وتحولات المشهد
وأكد الحية أن مقاومة الشعب الفلسطيني لا تزال حيّة، وأن قيادتها ثابتة وصلبة، وقد تمكنت من الصمود في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية، مشيراً إلى أن ذلك أثبت أن الاحتلال يمكن هزيمته، وأن تحرير فلسطين ممكن إذا ما استند إلى التخطيط الدقيق والعمل المتواصل وتوحيد الجهود.
واستعرض جملة من النتائج الاستراتيجية التي قال إن المقاومة الفلسطينية حققتها، وفي مقدمتها كسر “أسطورة الردع الاستراتيجي” وادعاءات التفوق الأمني الإسرائيلي، معتبراً أن عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول شكّلت نموذجاً لما يمكن أن يحدث إذا تضافرت جهود الأمة في مواجهة الاحتلال.
وأضاف أن من بين هذه النتائج التقدم في عزل إسرائيل دولياً، وتقديم قادتها وجنودها إلى المحاكم الدولية، وفضح صورتها أمام الرأي العام العالمي باعتبارها “كياناً إرهابياً يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة”.
وأشار أيضاً إلى انهيار الرواية الصهيونية التي سادت لعقود، وتغير المزاج الشعبي العالمي، ولا سيما لدى النخب الصاعدة، تجاه طبيعة العلاقة مع إسرائيل وأخلاقية مواصلة دعمها.
ولفت إلى أن الحرب أدت كذلك إلى تعقيد وتراجع مشروع التطبيع الذي سعى الاحتلال من خلاله إلى تجاوز حقوق الشعب الفلسطيني وتعزيز هيمنته السياسية والاقتصادية والأمنية، خصوصاً بعد ارتكابه جرائم إبادة جماعية وعدوانه على دول المنطقة، وحديث قادته عن ما يسمى “إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات”.
وأكد أن من نتائج الحرب أيضاً استعادة القضية الفلسطينية لمكانتها الطبيعية بعد سنوات من التراجع، وصعود مشروع المقاومة وبرنامجها على طريق التحرير والعودة، وتحوله إلى أمل للشعوب العربية والإسلامية.
وتحدث الحية عن “سقوط مفهوم الحدود الآمنة” لإسرائيل، في ظل تعرضها للرد على عدوانها من غزة ولبنان واليمن وإيران والعراق، معتبراً أنه لم تعد هناك حصانة للكيان أو لمواقعه العسكرية، إضافة إلى إحداث شرخ داخل المجتمع الإسرائيلي وزعزعة الثقة بقيادته السياسية والعسكرية والأمنية، وبدء نقاش داخلي حول مستقبل هذا الكيان ووجوده.
أولويات المرحلة ووقف الحرب
وفي سياق متصل، قال الحية إن قيادة حركة حماس اعتمدت جملة من أولويات العمل للمرحلة المقبلة، في ضوء الواقع الذي تعيشه القضية الفلسطينية، لمواجهة التحديات والمخاطر المحيطة بها والتعامل مع الفرص المتاحة.
وأوضح أن في مقدمة هذه الأولويات الاستمرار في خطوات وقف الحرب، ولا سيما استكمال المرحلة الأولى من الاتفاق، بما يشمل إدخال المساعدات والمعدات اللازمة لإعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية والبنى التحتية، وفتح معبر رفح في الاتجاهين، إضافة إلى الانتقال إلى المرحلة الثانية التي تهدف إلى الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة والبدء في مشاريع الإعمار.
وأكد أن حركة حماس والفصائل الفلسطينية متمسكة بالاتفاق وتعمل على إنفاذه، مشدداً في الوقت نفسه على رفض “كل مظاهر الوصاية أو الانتداب على الشعب الفلسطيني”، والالتزام بما تم التوافق عليه مع الفصائل بشأن القضايا الواردة في رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب.
وبيّن أن مهمة “مجلس السلام” يجب أن تقتصر على رعاية تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، والتمويل، والإشراف على إعادة إعمار قطاع غزة.
ودعا إلى تشكيل لجنة تكنوقراط من مستقلين فلسطينيين لإدارة القطاع بشكل فوري، مؤكداً جاهزية الحركة لتسليمها كامل المهام والمسؤوليات وتسهيل عملها في جميع المجالات.
وفي ما يتعلق بالقوات الدولية، شدد الحية على أن دورها يجب أن يقتصر على حفظ وقف إطلاق النار والفصل بين الجانبين على حدود قطاع غزة مع أراضي عام 1948، دون أي تدخل في الشؤون الداخلية للقطاع.
وأكد أن المقاومة وسلاحها حق مشروع كفلته القوانين الدولية للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، وهو حق مرتبط بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، مشيراً إلى انفتاح الحركة على دراسة أي مقترحات تحافظ على هذا الحق، شريطة ضمان تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية.
الإغاثة والوحدة الوطنية
وأشار الحية إلى أن من أولويات المرحلة أيضاً التحرك المكثف على صعيد الإغاثة، وإنهاء معاناة سكان قطاع غزة، والعمل على توفير مقومات الحياة الكريمة، ووضع حد للأزمات الإنسانية الناتجة عن حرب الإبادة، محذراً من تكرار الكوارث الإنسانية كما حدث خلال المنخفض الجوي الأخير.
وقال إن غزة تعيش “كرباً عظيماً” في ظل الحصار وركام المنازل ونقص الغذاء وبرد الشتاء، داعياً الأمة والعالم إلى تحرك عاجل للاستجابة لنداءات الإغاثة والتخفيف من معاناة السكان.
وحذر من أن استمرار الخروقات الإسرائيلية للاتفاق وعرقلة إدخال المساعدات ومواصلة عمليات التدمير والقتل والاغتيال يهدد بانهيار الاتفاق، داعياً الوسطاء، ولا سيما الإدارة الأميركية بصفتها “الضامن الأساسي”، إلى إلزام إسرائيل باحترام الاتفاق وتنفيذه.
وفي الشأن الداخلي الفلسطيني، شدد الحية على أهمية العمل المشترك مع القوى والفصائل الفلسطينية لتحقيق الوحدة الوطنية، وبناء مرجعية وطنية جامعة، داعياً حركة فتح والسلطة الفلسطينية إلى التوافق على برنامج وطني مشترك، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية والمشروع الوطني، وتفعيل الحياة السياسية عبر الانتخابات.
كما دعا إلى توسيع التحرك الإقليمي والدولي لكسب التأييد للقضية الفلسطينية، وتفعيل الجهد الإعلامي لفضح الجرائم الإسرائيلية، وملاحقة قادة الاحتلال أمام المحاكم الدولية، وعزل إسرائيل سياسياً.
وأكد أن قضية الأسرى تمثل أولوية مركزية لدى الحركة وفصائل المقاومة، إلى جانب العمل على تحسين أوضاعهم الإنسانية وإنهاء الانتهاكات بحقهم وصولاً إلى تحريرهم.
استذكار الشهداء
وفي ختام كلمته، استذكر الحية شهداء الشعب الفلسطيني وقادة الحركة منذ التأسيس، وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين، إلى جانب قادة معركة “طوفان الأقصى” ومن بينهم إسماعيل هنية وصالح العاروري ويحيى السنوار ومحمد الضيف، إضافة إلى شهداء الفصائل الفلسطينية.
كما استذكر قادة فلسطينيين آخرين، من بينهم ياسر عرفات وفتحي الشقاقي وأبو علي مصطفى وعمر القاسم، إلى جانب شهداء من دول عربية وإسلامية قال إن دماءهم امتزجت بدماء الفلسطينيين.
وأعرب عن شكره للدول والجهات التي ساندت الفلسطينيين سياسياً وإنسانياً، مؤكداً في ختام حديثه أن حركة حماس ستبقى وفية لنهج المقاومة وتحرير فلسطين، وماضية على العهد الذي قطعه قادتها الشهداء “دون تغيير أو تبديل”.