من أين تأتي الأندية التركية بهذه الأموال الطائلة؟
تاريخ النشر: 10th, August 2025 GMT
تساءل الكثير من متابعي كرة القدم الأوروبية، عن أسباب الصفقات الرنانة التي أبرمتها أندية الدوري التركي هذا الصيف على وجه الخصوص، وفي السنوات القليلة الماضية بوجه عام، بدخول غالطة سراي وغريمه فناربخشة في سباق لتحطيم الأرقام القياسية على مستوى الشراء، بدأت الصيف الماضي بانضمام يوسف النصيري من إشبيلية الأندلسي إلى فناربخشة بتوصية من المدرب الأسطورة جوزيه مورينيو، في صفقة كبدت خزينة النادي التابع لاسطنبول أكثر من 20 مليوناً، واكتملت هذا الصيف، بالقنبلة التي فجرها حامل لقب الدوري والكأس غالطة سراي، بخطف هداف الكالتشيو السابق وأفضل لاعب في أفريقيا العام قبل الماضي فيكتور أوسيمين، في صفقة أحدثت هزة في سوق الانتقالات الصيفية، والأمر لا يتعلق برسوم التحويل الضخمة، التي تخطت عتبة الـ75 مليون يورو، منها 40 مليونا كدفعة أولى، بالإضافة إلى 35 مليونا أخرى موزعة على دفعات حتى نهاية العام المقبل، وأيضا 10% من أرباح بيعه في المستقبل، بل أيضا لجرأة النادي التركي وقدرته على مقارعة عتاولة وأثرياء دوري روشن السعودي، وفي مقدمتهم الزعيم الهلالي، الذي عرض تقريبا نفس المبلغ، نظير نقل المهاجم النيجيري إلى كتيبة المدرب سيموني إنزاغي، لكن المحاولة باءت بالفشل قبل وبعد مشاركة الفريق في مونديال الأندية، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام الصحف والمواقع الرياضية العالمية لتسليط الضوء على المصدر الرئيسي لتمويل الأندية التركية في الصفقات الأخيرة المدوية، وفي هذا التقرير، سنستعرض معا أسباب الطفرة الكبيرة في تعاقدات أحفاد العثمانيين ومدى استدامة هذه الظاهرة لفترة طويلة.
لغز الديون
في مارس/آذار الماضي، قالت صحيفة «تركيا توداي» في تقرير خاص، إن ديون الأندية المحلية لدى البنوك وصلت بالفعل إلى مستويات مثيرة للقلق، وتحديدا 729 مليون يورو لموسم 2023-2024، بالتزامن مع إعلان تقرير «المشهد المالي والاستثماري للأندية الأوروبية»، الذي كشف عن انخفاض صافي حقوق الملكية إلى 766 مليون يورو، كأعلى انخفاض في الدوريات الأوروبية، في وقت كانت تنفق فيه الأندية ما مجموعه 472 مليونا رواتب على المؤسسات، منها 405 ملايين على بند رواتب اللاعبين، وهو ما يمثل 76% من إجمالي الإيرادات، ما جعل تركيا ثالث أعلى دولة في القارة العجوز في هذه الفئة، بعد بلجيكا 86% واليونان 98%، متجاوزة بشكل كبير نسبة الأجور إلى الإيرادات التي يوصي بها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) والبالغة 70%، لكن ما يصب في مصلحة الدوري والأندية في تركيا، أنها تحتل المرتبة العاشرة بين أقوى 10 اقتصادات في كروية في أوروبا، بميزانية كانت تُقدر بنحو 534 مليوناً، مدعومة بما يلامس الـ90 مليوناً من مبيعات تذاكر حضور المباريات، و75 مليوناً من إيرادات البث، لكن الشيء المثير للدهشة والاستغراب، أنه على مستوى الأرباح، تحتل الأتدية التركية المرتبة الثالثة عشرة، بحصيلة إيرادات بلغت 61 مليوناً، والجديد انتعاش خزائن الأندية من مبيعات السلع في المتاجر الرسمية، بوصول أرباح ناد مثل فناربخشة من بيع السلع والمنتجات إلى 39% من الأرباح السنوية، وتبعه حامل اللقب بنسبة بلغت 34% ثم بشكتاش بنسبة 29%، ما ضاعف من جرأة وشجاعة الأندية التركية في الارتقاء بجودة ومستوى ونوعية الصفقات، بعد سنوات طويلة انحصرت خلالها خيارات الأندية على أنصاف النجوم والعواجيز والمطرودين من جنة كرة القدم الأوروبية، ما تعتبر خطوة لا يستهان بها، لتحويل الدوري التركي إلى بديل إستراتيجي لهذه النوعية من اللاعبين في أوروبا، والإشارة إلى الأسماء التي تبحث عن استعادة بريقها بدون مغادرة القارة العجوز، بدلا من الذهاب إلى دوري روشن السعودي أو الميجر ليغ الأمريكي.
روشن أوروبا
صحيح هذا الصيف يبدو مختلفا للأندية التركية، بعد استقطاب أسماء بحجم لاعب بايرن ميونيخ ومانشستر سيتي الأسبق ليروي ساني، وزميل كريستيانو رونالدو في هجوم النصر، جون دوران، ورابع مونديال العالم سفيان أمرابط، وتامي أبراهام، والبرشلوني السابق نيلسون سيميدو وغيرها من الصفقات التي عادة تجذب أنظار أندية القمة في الدوري السعودي وبدرجة أقل أثرياء الدوري الأمريكي، لكن وكالة الأنباء الفرنسية، أشارت في تقرير سابق، إلى أن نوايا الأندية التركية في مزاحمة نظيرتها السعودية والأمريكية، بدأت قبل عامين، وتحديدا في خضم الهجرة الجماعية للعديد من النجوم والمشاهير في الدوريات الأوروبية الكبرى إلى جنة كرة القدم الجديدة في الشرق الأوسط، على غرار ذهاب رياض محرز وروبرتو فيرمينو وإدوارد ميندي إلى الأهلي، وكريم بنزيمة ونغولو كانتي إلى الاتحاد، وساديو ماني برفقة صاروخ ماديرا في هجوم العالمي، ونيمار وألكسندر ميتروفيتش وياسين بونو والبقية، في تلك الفترة كانت الأندية الكبرى في تركيا تتسابق في تدعيم صفوفها بصفقات تندرج تحت مسمى «من العيار الثقيل»، أبرزهم وأكثرهم شهرة في تلك الفترة، ويلفريد زاها وماورو إيكاردي وحكيم زياش، وكانت المرة الأولى التي يتخطى فيه حجم إنفاق الرباعي الكبير في البلاد غالطة سراي وفناربخشة وبشكتاش وطرابزون سبور، حاجز الـ120 مليون يورو، وآنذاك، أقر نائب رئيس غالطة سراي إردن تيمور، بأن الخطة كانت تقتضي التوقيع مع عدد أكبر من هذه النوعية من اللاعبين العالميين، لكنهم اصطدموا بموجة التضخم غير المسبوقة التي أحدثتها الأندية السعودية في ميركاتو 2023، قائلا: «كانت فترة انتقالات شديدة التنافسية، ولسوء الحظ تضاعف متوسط أسعار اللاعبين مرتين، لذا اضطررنا لتغيير استراتيجيتنا، لأننا كان لدينا حد أقصى للإنفاق، واضطررنا للجوء إلى التعاقد مع لاعبين أحرار»، مثل زاها، الذي جاء بعد انتهاء عقده مع نسور كريستال بالاس، واستعارة حكيم زياش وتانغي ندومبيلي من تشلسي وتوتنهام على التوالي، في نفس الوقت تعاقد فناربخشة مع لاعب مانشستر يونايتد السابق فريد وأليكس تشامبرلين إلى بشتكاش ونيكولاس بيبي إلى طرابزون بعد انتهاء عقده مع آرسنال، ما تسبب في ما وُصف بـ«موجة كارثية» أدت في النهاية إلى تراجع ميزانية هذه الأندية، مع ذلك لم تظهر أي مؤشرات على تباطؤ الأندية في محاولاتها للتعاقد مع لاعبين بهذه الشهرة والقيمة.
العملة والدعم
وفقا للخبير الاقتصادي كريم أكباس، وهو مؤلف كتاب عن مالية كرة القدم التركية، فإن ديون الأندية الأربعة الكبرى تجاوز بالفعل حاجز المليار يورو، وهذا يرجع للفجوة الكبيرة بين دخل الأندية وحجم رواتب نجوم الصف الأول، وهي السردية التي أيدها مواطنه الصحافي ألب أولاغاي، الذي توقف كثيرا عند الأجور الباهظة للاعبين، التي تضطر الأندية لدفعها بالعملة الأجنبية، بالتزامن مع وصول العملة المحلية لأقل مستوياتها على الإطلاق منذ بداية الألفية الجديدة، ووفقا للأخير، أثر بشكل مباشر على عائدات الأندية من البث التلفزيوني، لكن كلمة السر التي اجتمع عليها الخبير والصحافي، أن هذا النوع من الصفقات أشبه بالهدايا من الحكومة للأندية وجماهيرها المتحمسة، والتي بدورها تزيد من ضغوطها على إدارات الأندية للتوقيع مع لاعبين من الطراز العالمي، ويكمن دور الدولة، في ما تُعرف بـ«اتفاقية اتحاد البنوك»، التي تهدف في المقام الأول لمعالجة المشاكل المالية لبعض الأندية في البلاد، حيث تتيح هذه الاتفاقية إعادة هيكلة الديون ضمن خطة محددة، يتم تنسيقها من اتحاد بنوك تركيا، منها لتقليل مخاطر تخلف الأندية عن سداد ديونها، مع ضمان أكبر مستوى ممكن من الاستقرار المالي، لمساعدة الأندية على تحقيق هيكل مالي مستدام، على شكل تقسيم الديون المستحقة على الأندية على فترات أطول ودفعات أقل، وبفائدة تكاد لا تذكر، لكن كل ما سبق لا يتم إلا من خلال التزام الأندية بقواعد انضباط مالي معينة، مثل إشراف البنوك على نظام الوضع المالي وتنفيذ خطط القروض، ما يعتبره الكثير من النقاد والمتابعين، أشبه بالسلاح ذي الحدين، على اعتبار أن هذا النظام، من الناحية النظرية سيوفر بعض الإعفاءات المؤقتة للأندية، وأيضا سيسهل تحصيل الديون على البنوك بجانب الاستقرار المالي للأندية، لكن في المقابل يشجع الأندية على الاقتراض المستمر، وهو ما قد يصعب على الأندية تحقيق الاستقلال المالي المطلوب على المدى الطويل، خاصة إذا قامت الحكومة أو اتحاد البنوك بتغيير الاستراتيجية في تسهيل القروض، معها قد ينقلب حلم تحويل الدوري التركي إلى بديل أوروبي لدوري روشن، أو كما هي مخطط أن يصبح واجهة لجذب نجوم الكرة الأوروبية والعالمية، إلى أزمة مالية غير مسبوقة، وربما ما هو أبعد من ذلك، أن تعلن بعض الأندية الكبرى إفلاسها، حتى بعد الظاهرة الجديدة، التي استهلها فناربخشة ببيع حصة 4.8% في شركة النادي لمستثمر مؤسسي أجنبي بسعر 46.10 جنيه إسترليني للسهم، في محاولة جادة لتأمين مصادر دخل إضافية للفريق، بجانب دور الرعاة، الذين يغطون جزءا لا يستهان به من رواتب النجوم الكبار، والسؤال الآن: هل يا ترى ستنجح خطة تحويل الدوري التركي إلى البديل والمنافس الأول للدوريات الأوروبية الخمسة الكبرى؟ أم ستستيقظ الأندية الأربعة الكبرى على كابوس وأزمة مالية طاحنة للتخلص من الديون المثقلة؟
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: الأندیة الترکیة الدوری الترکی الأندیة على ملیون یورو غالطة سرای کرة القدم
إقرأ أيضاً:
أبرز المواقف الأوروبية الرافضة لخطة إسرائيل احتلال مدينة غزة
كما أعلنت فرنسا وبلجيكا وهولندا وألمانيا مواقف متشددة، في وقت يدرس فيه صندوق الثروة النرويجي إجراءات بشأن استثماراته في إسرائيل. هذا ويتوقع أن يعقد مجلس الأمن اليوم السبت جلسة لبحث تطورات الحرب على غزة.
تقرير: أحمد جرار
9/8/2025-|آخر تحديث: 01:27 (توقيت مكة)