12 أغسطس، 2025

بغداد/المسلة: تأتي زيارة أمين مجلس الأمن القومي الإيراني إلى العراق ولبنان في لحظة إقليمية حرجة، حيث تتقاطع الملفات الأمنية والسياسية مع مسار المفاوضات المحتملة بين طهران وواشنطن، وسط تحولات متسارعة في الخريطة الجيوسياسية.

وتبدو الزيارة بمثابة تحرك استراتيجي مزدوج الأهداف، يحمل في طياته رسائل موجهة للداخل الإيراني كما للبيئة الإقليمية، في محاولة لتثبيت مواقع النفوذ وبناء تفاهمات تمنع الانزلاق نحو فوضى شاملة.

وتعكس الجولة إدراكاً إيرانياً بأن مسار الأحداث في المنطقة بات يتطلب إعادة قراءة معمقة، خاصة في ظل تصاعد التهديدات الإسرائيلية وتنامي محاولات إعادة رسم موازين القوى.

ومن هنا، تطرح طهران خطاباً يقوم على تعزيز التعاون الإقليمي، باعتباره الوسيلة الأنجع لتجنب الانفجار الأمني، مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام جولات لاحقة تشمل دولاً أخرى لإحكام نسج شبكة تحالفات قادرة على امتصاص الضغوط.

وفي العراق، تندرج المحادثات في إطار ربط الأمن القومي الإيراني بموقع بغداد المحوري، حيث يُنظر إلى العراق كخط دفاع متقدم ورئة اقتصادية لا غنى عنها، في وقت يشكل فيه الحشد الشعبي جزءاً أساسياً من هذه المعادلة، وسط جدل داخلي حول تشريعاته وتوجهاته. وهنا، يتضح أن طهران تراهن على تثبيت حضورها في المعادلة العراقية بما يكفل استمرار دور بغداد كحائط صد أمام أي تمدد أميركي.

أما في لبنان، فتقع الزيارة في قلب الجدل الدائر حول حصر السلاح بيد الدولة، وهو ملف تحاول إيران التأثير في توقيت معالجته بما يمنحها فسحة زمنية لإعادة ترتيب أوراقها التفاوضية مع واشنطن. ورغم إدراكها لصعوبة تغيير القرار المبدئي، فإن الرهان ينصب على تمديد مهلة التنفيذ، بما يسمح بإيجاد تفاهمات أكثر انسجاماً مع موازين القوى الراهنة.

وتأتي هذه التحركات في بيئة إقليمية مثقلة بمحاولات إضعاف مراكز القوة، حيث تواصل إسرائيل استهداف البنية الدفاعية في سوريا، وتوسيع نطاق عملياتها الجوية وصولاً إلى العمق العراقي والإيراني. وفي مواجهة ذلك، تعمل طهران على بلورة مقاربة توازن بين الضغط السياسي والمبادرة الدبلوماسية، لإبقاء المبادرة بيدها ومنع خصومها من فرض وقائع نهائية على الأرض.

وبين تصاعد المخاطر وإمكانية فتح نوافذ تفاهم جديدة، تتحرك إيران عبر هذه الزيارة لتؤكد أن المشهد الإقليمي لا يزال قابلاً لإعادة التشكيل، وأن المسافة بين الميدان وطاولة التفاوض قد تختصر أحياناً في رحلة واحدة عبر عواصم المنطقة.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

ما سبب التناقض الإيراني حيال ممر ترامب؟ خبراء يجيبون

طهران- عقب تأكيد مستشار المرشد الإيراني الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي أن بلاده ستمنع إنشاء الممر الأميركي في القوقاز "سواء بالتعاون مع روسيا أو بدونها"، أثارت تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان حول "مراعاة جميع مطالب إيران بشأن الممر" علامة استفهام عن سبب التناقض في المواقف الإيرانية.

وبعد مرور نحو شهرين على اعتراف ولايتي بأن طهران "أفشلت مشروع إقامة ممر زنغزور لربط أذربيجان بنخجوان عبر الأراضي الأرمينية"، جدد موقف بلاده من الممر الذي اعتبره "تهديدا لأمن المنطقة ويغير خريطتها الجيوسياسية".

مؤكدا -في مقابلة مع وكالة "تسنيم" الإيرانية- أن هذا الممر لن يتحول إلى طريق يملكه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بل سيكون "مقبرة لمرتزقته" علی حد تعبيره.

وبعد يوم من تصريحات ولايتي، قال الرئيس الإيراني بزشكيان إنه تمت مراعاة جميع مطالب إيران بشأن ممر زنغزور بما في ذلك وحدة الأراضي وعدم إغلاق الطريق نحو أوروبا، مضيفا في حديث للصحفيين أن موضوع ممر زنغزور "ليس كما تم تضخيمه في الأخبار، فجميع الأطراف راعت مطالب إيران بشأنه، وقلقنا الوحيد هو أن شركة أميركية تريد إنشاء هذا الممر".

ممر زنغزور التابع لأرمينيا يفصل بين أراضي أذربيجان ومقاطعة نخجوان الأذرية المتمتعة بالحكم الذاتي (الجزيرة)تزامن مشبوه

وفور الإعلان عن توقيع أذربيجان وأرمينيا اتفاق سلام برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، توقفت الأوساط الإيرانية أمام تزامن انعقاد القمة الأذربيجانية والأرمينية والأميركية وإقرار الحكومة الإسرائيلية احتلال كامل قطاع غزة وكذلك مصادقة الحكومة اللبنانية على نزع سلاح حزب الله، وتداعيات تلك الإجراءات على أمن الشرق الأوسط القوقاز والمصالح الإيرانية فيهما.

في غضون ذلك، كتبت صحيفة "جمهوري إسلامي" المعتدلة أنه "ليس من الصدفة أن تتزامن 3 إجراءات في منطقتي الشرق الأوسط والقوقاز -في يوم واحد- تصب كلها في صالح الولايات المتحدة وكيان الاحتلال، وأن هذه الأحداث الثلاثة من تدبير المخططين الأميركيين والصهاينة، وجميعها تمثل ضررا لشعوب المنطقة وخيانة للمسلمين".

إعلان

من ناحيته، يعتقد الرئيس الأسبق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه أنه تم تهميش مطالب إيران وملاحظاتها بشأن ممر زنغزور في اتفاق السلام بين باكو ويريفان.

أرمينيا وأذربيجان توقعان في واشنطن اتفاقية سلام بوساطة أمريكية، تنهي ٣٥ عاما من القتال بين البلدين | تقرير: ناصر الحسيني#الأخبار pic.twitter.com/Jyyf2mDHOj

— قناة الجزيرة (@AJArabic) August 9, 2025

تحد استعماري

وفي حديث للجزيرة نت، يضيف فلاحت بيشه أن ممر زنغزور الذي تحول اسمه إلى طريق ترامب من شأنه أن يكون تحديا استعماريا مستمرا في حال عدم معالجة اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا مخاوف وقضايا مهمة منها موضوع الحدود البرية بين إيران وأرمينيا، والجغرافيا السياسية للمنطقة، وكذلك الحضور الأميركي في القوقاز الجنوبي.

وفي ظل التوتر المتواصل بين واشنطن وطهران، فإن الحضور الأميركي بالقرب من الحدود الإيرانية من شأنه أن يتحول إلى تحد حقيقي واستعماري، وفق النائب السابق بالبرلمان الإيراني الذي يعتبر دور روسيا في هذه القضية موضع تساؤل، مما يرجح أن تضحي موسكو بالمصالح الإيرانية لصالح أولوياتها الإستراتيجية مثل حرب أوكرانيا.

وخلص فلاحت بيشه إلى أن الحدود المشتركة بين إيران وأرمينيا تمثل طريقا فريدا للجمهورية الإسلامية نحو أوروبا، مما يجعل من قطع هذه الحدود جراء مد طريق ترامب انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة وقد يثير ذلك ردود فعل قوية من جانب إيران كونه سيفسر بطهران انتهاكا لوحدة الأراضي الوطنية.

تفادي التصعيد

من ناحيته، يلمس الباحث السياسي حميد آصفي -في حديثه للجزيرة نت- تناقضا في تصريحات المسؤولين الإيرانيين حيال ما يمسى طريق ترامب. إذ تهدد شريحة بإفشاله بينما ترى الأوساط الحكومية أن الاتفاق بين باكو ويريفان يراعي جميع مطالب طهران، واصفا الحديث الرسمي عن استمرار المحادثات في منطقة القوقاز "مؤشرا على عدم حسم القضايا العالقة بالنسبة لطهران".

ورأى آصفي أن الرعاية الأميركية لممر زنغزور تأتي في سياق المخطط الرامي إلى تهميش إيران من شبكة الممرات الدولية، مضيفا أن طهران فشلت في استثمار هذا الممر الإستراتيجي والذي كان يمكن أن يربطها بأسواق أوروبا والقوقاز وشرق آسيا.

وختم بالقول إن تصريحات الحكومة حول مراعاة اتفاق القوقاز جميع المطالب الإيرانية "دبلوماسية ترمي لتفادي المزيد من التوتر لا سيما مع الجانب الأميركي"، مؤكدا أن التقديرات الإيرانية الرسمية ترجح اندلاع حرب خلال المرحلة المقبلة مع إسرائيل وأنها لا تريد تشتيت طاقاتها على حدودها الشمالية الغربية.

بزشكيان قال إنه تمت مراعاة جميع مطالب إيران بشأن الممر (رويترز)تناقض المواقف

من جانبه، يرجع الباحث السياسي صلاح الدين خديو التناقض في المواقف الإيرانية حيال طريق ترامب جنوبي القوقاز إلى التحوّل الطارئ في سياستها الخارجية، موضحا أن تصريحات ولايتي نابعة من موقف طهران الثابت إزاء أي حضور غربي على تخوم حدودها بما يهدد مصالحها وأمنها القومي، في حين أن موقف الحكومة ينم عن تنسيق دبلوماسي بين طهران ويريفان.

إعلان

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى الباحث الإيراني أن اتفاق السلام في القوقاز يعارض الطموحات التركية المطالبة بالأساس بسيطرة كاملة للجانب الأذربيجاني على ممر زنغزور، معتبرا السياسة الأرمينية بإشراك الجانب الأميركي -اقتصاديا- في الممر الجديد تأتي لاحتواء تلك الطموح، وأنه يرجح أن يكون التنسيق الأمني بين يريفان وطهران يمضي على قدم وساق.

ورأى خديو أن أوراق الحكومة الإيرانية لمنع إنشاء طريق ترامب "محدودة" في التوقيت الراهن، مما يحثها على التركيز على النصف الممتلئ من الكأس وغض البصر عن الجوانب الغامضة في الملف، مع تفعيل دبلوماسيتها للمساهمة الاقتصادية في المشروع من خلال المشاركة في الشركة متعددة الأطراف التي ستقوم بعمليات إنشاء طريق ترامب، مستبعدا أن تقوم طهران بعملية عسكرية لمنع إنشاء الممر.

مقالات مشابهة

  • لاريجاني في بغداد وبيروت بين حصر السلاح وتثبيت النفوذ
  • من بغداد إلى بيروت.. لاريجاني و خرائط جديدة لمحور الممانعة
  • ما سبب التناقض الإيراني حيال ممر ترامب؟ خبراء يجيبون
  • أمين مجلس الأمن القومي الإيراني يزور العراق ولبنان
  • معهد غربي يتحدث عن علاقة بين الانتخابات والجفاف بالعراق
  • رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران يزور العراق ولبنان
  • لاريجاني إلى بغداد لتوقيع اتفاقية أمنية
  • تركيا تؤكد مضي اتفاق إطلاق الدفعات المائية إلى العراق
  • تقرير أمريكي:قانون الحشد الشعبي الإيراني يهدد سيادة العراق