أمة بلا معركة… وقضية بلا ظهير!
تاريخ النشر: 16th, August 2025 GMT
فلسطين لم تكن يوما ضحية الاحتلال وحده، بل كانت وما زالت ضحية تواطؤ عربي رسمي ممتد، تارة بالصمت، وتارة بالتماهي مع المشاريع الاستعمارية، وأخرى بالمشاركة المباشرة في أضعاف القضية وتصفيتها.
التاريخ مليء بالشواهد التي لا يتسع المقام لسردها، لكنها حاضرة في الذاكرة الفلسطينية، منذ النكبة وحتى اليوم لعبت أنظمة عربية دورا محوريا مكّن المشروع الصهيوني من تثبيت أقدامه وتوسيع خططه، دول كانت يوما في طليعة المواجهة تحولت إلى بوابة للتطبيع، وممرا الزاميا لوساطات تنتهي دوما بتكريس واقع الاحتلال، وأخرى ربطت مصيرها الأمني به، وباتت علاقاتها الأمنية والاقتصادية معه اعمق من أي وقت مضى.
منذ اللحظة التي منح فيها العرب الغطاء السياسي للغرب لتقسيم المنطقة، كانت ملامح التخلي عن فلسطين قد بدأت، والنكبة ثم النكسة لم تكن أحداثا معزولة، بل نتيجة تفاهمات سرية وعلنية، وبمرور الوقت تقلصت مساحة الفعل العربي، حتى باتت أنظمة عربية ترى في الاحتلال ضمانا لاستقرارها، فتعاملت معه كحليف، لا عدو.
ولا يمكن إعفاء قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من مسؤوليتها عن هذا الواقع، يوم أخرجت قضية فلسطين من إطارها الأوسع، وجعلتها قضية فلسطينية محضة، فأعفت الأنظمة من مسؤوليتها التاريخية، وأتاحت لها التذرع بان “الصراع” شأن فلسطيني خالص، تحول جاء بدفع مباشر من عواصم عربية سعت للتخلص من عبء المواجهة، فداعبت أحلام الطامحين بدويلة وسجادة حمراء ومسميات، فوقعوا في فخ اعد لهم بإحكام، فعزلت القضية عن عمقها الاستراتيجي، ومنحت العرب مخرجا مريحا للتنصل من التزاماتهم، واتاح للاحتلال مواجه شعب محاصر بلا ظهير حقيقي. ثم رأينا دول اختارت ان تكون راس الحربة عبر التطبيع، وبينما كانت غزة تحرق، وأطفالها يموتون جوعا أو تحت الركام، كانت تمنح الاحتلال شرعية سياسية واقتصادية وأمنية، مسار لم يكن وليد ضعف مؤقت، بل استراتيجية طويلة الأمد، بدأت بتقسيم فلسطين، ثم كرست مع كل هزيمة عربية في حروب وهمية، وتعمقت بتحالفات أمنية واقتصادية برعاية أمريكية، فتحولت فلسطين إلى ملف ثانوي يقايض مقابل حماية الأنظمة، وتدفق الاستثمارات والسلاح الذي لم يُستخدم يوما الا لقتل العرب.
العدوان على غزة كان اختبارا فاضحا لهذه الحقائق، فحرب الإبادة والتجويع مرت أمام أعين عواصم العرب دون ان تحرك فيهم نخوة أو حمية، وجاءت الردود ببيانات وقمم بلا قرارات أو نتائج، وما مواصلة توقيع الصفقات الكبرى والأضخم في تاريخ التعاون الاقتصادي مع الاحتلال في ذروة العدوان الا دليلا إضافيا على رداءة الواقع العربي.
بالمقابل، فالشعوب العربية على النقيض تماما، ترفض التطبيع وتعتبره خيانة، لكن بين وعي الشارع وإرادة الحاكم فجوة تدار بالقمع، خشية ان تتحول الميادين إلى أدوات ضغط، فالعدوان كشف حجم الشراكة غير المعلنة؛ من إغلاق المعابر، إلى الإغاثة الوهمية، والتنسيق الأمني المباشر، ما جعل بعض العواصم جزءا أصيلا من منظومة الحصار، حتى وان حاولت تغليف ذلك بذرائع السيادة أو التوازنات.
خرج المشهد من الغرف المغلقة إلى العلن؛ إعلام ترفرف، اتفاقيات، وعلاقات دبلوماسية، يوم كانت غزة تتعرض للإبادة، والقدس تهود، والضفة تغرق في وحل الاستيطان، فلو فتحت المعابر بلا قيود، أو أوقف النفط عن مصانع الغرب، وجمدت الاستثمارات والاتفاقيات، لوجد الاحتلال نفسه في عزلة، لكنها خطوات تصطدم بإرادة سياسية غائبة أو منقادة للغرب.
وباستمرار هذا النهج، فالخطر لا يقتصر على فلسطين وحدها، لان المشروع الصهيوني لا يقف عند حدود فلسطين، ونجاحه في فرض التطبيع الكامل يعني إعادة رسم خريطة النفوذ والهوية في العالم العربي، والغرب يقرأ هذا الصمت كضوء اخضر للمضي في مخططاته، ويرى ان الأنظمة التي تصمت اليوم ستتنازل أكثر في الغد، فالتاريخ يعلمنا ان من يبيع القدس سيبيع عواصم أخرى.
ومع ذلك، ما زالت هناك فرصة لتغيير المسار ان توافرت الإرادة، فالقدس وغزة وجنين ليست مجرد جغرافيا فلسطينية، بل مفاتيح لصورة المنطقة ومستقبلها، وفلسطين لا تحتاج لعبارات تضامن موسمية، بل إلى قرارات جريئة تربط مصير المنطقة بمستقبل القدس، وتجعل من الحقوق العربية في فلسطين بنودا غير قابلة للمساومة، اما دون ذلك، فان أي ثناء على مواقف العرب لن يكون الا غطاء إضافيا لاستمرار حرب الإبادة.
* كاتب فلسطيني
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
"إسرائيل الكبرى" تُفجِّر موجة إدانات عربية.. ومصر تطلب توضيحات
◄ نتنياهو يقول إنه يشعر بأنه في "مهمة تاريخية وروحانية"
الرؤية- غرفة الأخبار
أدانت السعودية وقطر والأردن ومصر والجامعة العربية، تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن ما يسميه "رؤية إسرائيل الكبرى"، ووصفتها بأنها اعتداء على سيادة دول عربية.
وقالت الخارجية السعودية، في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية "واس"، إن المملكة تدين بأشد العبارات "التصريحات الصادرة عن رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي حيال ما يسمى رؤية إسرائيل الكبرى"، وترفض رفضا تاما "الأفكار والمشاريع الاستيطانية والتوسعية التي تتبناها سلطات الاحتلال".
وأكدت على "الحق التاريخي والقانوني للشعب الفلسطيني الشقيق بإقامة دولته المستقلة"، وحذرت المجتمع الدولي من "إمعان الاحتلال الإسرائيلي في الانتهاكات الصارخة، التي تقوض أسس الشرعية الدولية، وتعتدي بشكل سافر على سيادة الدول، وتهدد الأمن والسلم إقليميا وعالميا".
وأعربت دولة قطر عن "إدانتها واستنكارها لتصريحات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بشأن ما يسمى برؤية إسرائيل الكبرى"، وفقا لبيان للخارجية القطرية، التي رأت أن هذا يعد "امتدادا لنهج الاحتلال القائم على الغطرسة وتأجيج الأزمات والصراعات والتعدي السافر على سيادة الدول والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية".
وأكدت الخارجية القطرية أن "الادعاءات الإسرائيلية الزائفة والتصريحات التحريضية العبثية لن تنتقص من الحقوق المشروعة للدول والشعوب العربية".
وشدد البيان على "ضرورة تضامن المجتمع الدولي لمواجهة هذه الاستفزازات التي تعرض المنطقة للمزيد من العنف والفوضى".
من جانبها، وصفت الخارجية الأردنية تصريحات نتنياهو بأنها "تصعيد استفزازي خطير وتهديد لسيادة الدول ومخالفة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة".
وأكد الناطق باسم الوزارة سفيان القضاة -في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية "بترا"- أن المملكة ترفض رفضا مطلقا هذه "التصريحات التحريضية".
وشدد القضاة على أن "هذه الأوهام العبثية التي تعكسها تصريحات المسؤولين الإسرائيليين لن تنال من الأردن والدول العربية، ولا تنتقص من الحقوق المشروعة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني".
وأضاف أن "هذه التصريحات والممارسات تعكس الوضع المأزوم للحكومة الإسرائيلية، وتتزامن مع عزلتها دوليا في ظل استمرار عدوانها على غزة والضفة الغربية المحتلتين".
كما دعا القضاة إلى اتخاذ موقف دولي واضح لإدانة هذه التصريحات و"التحذير من عواقبها الوخيمة على أمن المنطقة واستقرارها ومحاسبة مطلقيها".
أما الخارجية المصرية، فقالت في بيان إنها "تدين ما أثير ببعض وسائل الإعلام الإسرائيلية حول ما يسمى بإسرائيل الكبرى وطالبت بإيضاحات لذلك في ظل ما يعكسه هذا الأمر من إثارة لعدم الاستقرار وتوجه رافض لتبني خيار السلام بالمنطقة والإصرار على التصعيد".
وأضافت الوزارة أن هذا التوجه "يتعارض مع تطلعات الأطراف الإقليمية والدولية المحبة للسلام والراغبة في تحقيق الأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة".
وأكدت أنه "لا سبيل لتحقيق السلام إلا من خلال العودة إلى المفاوضات وإنهاء الحرب على غزة وصولا لإقامة دولة فلسطينية على خطوط الرابع من يونيو (حزيران) 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".
بدورها، أدانت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بأشد العبارات تصريحات نتنياهو "بشأن اقتطاع أجزاء من أقاليم دول عربية ذات سيادة، توطئة لإقامة ما سماه رؤية إسرائيل الكبرى".
وقالت الأمانة العامة في بيان إن هذه التصريحات "بمثابة استباحة لسيادة دول عربية، ومحاولة لتقويض الأمن والاستقرار في المنطقة، وتمثل تهديدا خطيرا للأمن القومي العربي الجماعي، وتحديا سافرا للقانون الدولي ومبادئ الشرعية الدولية".
وأضافت أنها "تعكس نوايا توسعية وعدوانية لا يمكن القبول بها أو التسامح معها، وتكشف العقلية المتطرفة الغارقة في أوهام استعمارية".
ودعا البيان المجتمع الدولي -ممثلا في مجلس الأمن- إلى "الاضطلاع بمسؤوليته والتصدي بكل قوة لهذه التصريحات المتطرفة التي تزعزع الاستقرار وتزيد مستوى الكراهية والرفض الإقليمي لدولة الاحتلال".
وقال نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة- خلال مقابلة مع قناة "آي 24" الإسرائيلية، أمس الثلاثاء، "أشعر أنني في مهمة تاريخية وروحانية، وأنا مرتبط عاطفيا برؤية إسرائيل الكبرى".
ويأتي حديث نتنياهو مع استمرار حرب الإبادة والتجويع الإسرائيلية في قطاع غزة، وفي سياق خطاب متصاعد لليمين المتطرف الإسرائيلي يدعو إلى التوسع والضم وصولا إلى إنشاء "إسرائيل الكبرى" التي تمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات، وفق معتقداتهم.