فيما يجوع الفلسطينيون.. ثمة معركة جديدة في إسرائيل
تاريخ النشر: 16th, August 2025 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
لم تفرِّق موجة الحرارة العاتية التي اجتاحت منطقتنا هذا الأسبوع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن فيما يختبئ الإسرائيليون في منازلهم ومكاتبهم وسياراتهم مكيفة الهواء، فليس بوسع الفلسطينيين المحاصرين في غزة إلا إضافة القيظ والرطوبة إلى كفاحهم من أجل الطعام والشراب والنوم، بينما هم في خوف دائم من الموت.
أغلب الإسرائيليين محصنون تحصينا ذاتيا من الأهوال التي يلاقيها الفلسطينيون في غزة. إذ تقول لهم الحكومة والإعلام الرئيسي إنه لا وجود لتجويع، فما الأمر إلا دعاية من حماس وأخبار ملفقة من أعداء للسامية في الإعلام الغربي، ومن ثم فما من أزمة أخلاقية. وهكذا، بعد قرابة عامين من القتال، تبدو الحياة في تل أبيب شبيهة بأيام الاحتفالات اللانهائية في فترة ما قبل الحرب. إذ تغص الشواطئ والمطاعم بالناس وينشغل مطار بن جوريون بالراحلين في إجازات صيفية إلى اليونان. وتفوق البيانات الاقتصادية الإسرائيلية التوقعات. وتقتصر المشاعر المناهضة للحرب على الخوف من محنة الرهائن الإسرائيليين في أنفاق حماس، وتراجع الدافع إلى معاودة الانضمام إلى قوائم الاحتياط وتزايد حالات اضطراب ما بعد الصدمة والانتحار في الجيش. ومع ذلك، يبدو أن أغلب الإسرائيليين بمن فيهم من غلاة منتقدي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مستعدون لإعطائه تفويضا مطلقا بالاستمرار في معاقبة غزة.
ويتيح هذا الرضا لنتنياهو أن يركز انتباهه على عالمه المفضل، عالم ألاعيب السلطة السياسية والتلاعب الإعلامي. وتتمثل غايته الحالية في إخضاع الجيش، إذ تعطيه الحرب المستمرة فرصة غير مسبوقة.
نظرة عامة: على مدار مسيرته السياسية الطويلة المضطربة، كان منافسو رئيس الوزراء الإسرائيلي الأساسيون هم قادة سابقون في الجيش. فبقيادتهم لأكثر مؤسسات البلد احتراما، باتوا يجسدون المؤسسة الليبرالية القديمة في البلد التي تعهد نتنياهو بسحقها ليستبدل بها نخبة جديدة تتألف من أنصاره المتدينين والمحافظين اجتماعيا.
وقد حاربهم نتنياهو جميعا ابتداء من إسحاق رابين في التسعينيات وغيره من العسكريين البارزين من أمثال ارييل شارون وإيهود باراك وقيادات عسكرية من أمثال بيني جاتس وجادي أيزنكوت، وسلِم منهم جميعا. لكن في بلد يخوض حربا مستمرة، فإن سيطرة الجيش السياسية أمر أساسي للقيادة، فتعرض نتنياهو لقيد الفيتو العملي الذي يملكه الجيش الإسرائيلي ومجتمع المخابرات على اتخاذ القرار في شؤون الحرب والسلم.
ثم كانت هجمة حماس في السابع من أكتوبر سنة 2023 التي أخفقت الأجهزة العسكرية والمخابراتية في توقعها واحتوائها في الوقت المناسب. وكانت تلك الهجمة في نظر أغلب الإسرائيليين أسوأ الكوارث في تاريخ البلد. لكن ليس بالنسبة لنتنياهو، الذي استشعر فيها فرصة غير مسبوقة لتعزيز سلطته وتنحية منافسيه العتيدين. فألقى باللوم كله على كبار قيادات الجيش والمخابرات وحال دون إجراء تحقيق مستقل. وفيما الحرب ماضية، مضى تطهير قيادات الأمن واحدا تلو الآخر، ليوضع بدلا منهم بعض الموالين لرئيس الوزراء. واستطاع نتنياهو بالتطهير أن ينسج القصة معطيا لنفسه فضل الخطوات الناجحة التي اتخذت ضد حزب الله وإيران بل وفي سقوط نظام الأسد الحاكم في سوريا.
ولكن الثناء على الذات لم يكن كافيا لتحويل الجيش إلى فصيل من عبدة نتنياهو. ولم يكن بوسع نتنياهو إلا أن ينظر بحسد إلى شريكه السياسي القيادي اليميني المتطرف إيتامار بن جفير الذي جعل الشرطة الإسرائيلية ميلشيا خاصة من خلال التلاعب في عملية تعيين كبار قياداتها. في مارس، قام نتنياهو بخطوة للسيطرة على الكرياه، وهي النظير الإسرائيلي للبنتاجون، في وسط تل أبيب بترشيح الفريق إيال زامير رئيسا جديدا لأركان الجيش. وزامير قائد دبابات عريض المنكبين عمل مساعدا عسكريا لرئيس الوزراء قبل عقد، وهو على دراية كبيرة برئيسه السابق ودائرته المقربة. وقد أثنى عليه اليمينيون من الساسة ومستخدمي منصة «إكس» قائلين إنه قائد «هجومي» قادر على إلحاق الهزيمة بحماس خلافا لسلفه تعيس الحظ هيرتس هاليفي الذي احتمل عبء فشل السابع من أكتوبر. وكان من المتوقع على نطاق واسع أن يحافظ على الإعفاء من التجنيد للمتشددين الأرثوذكس معفيا نتنياهو من هذا اللغم السياسي.
في أول الأمر، كان زامير يسارع إلى التكيف. ففي الثامن عشر من مارس، انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار قصير العمر مع حماس، مشددة هجماتها وموقفة بشكل مؤقت تدفق الغذاء والمساعدات الإنسانية إلى غزة. وفي مايو، أطلق الجيش عملية أخرى لـ«القضاء على حماس» وبدا متناغما مع هدف نتنياهو واليمين المعلن، وهو التطهير العرقي لغزة بنقل أهلها البالغ عددهم مليوني نسمة إلى جيوب محاصرة، لا يكون لها مخرج إلى السفر إلى الخارج.
ثم لم يمض وقت طويل حتى كشف زامير ـ الذي يفترض أنه مقرب من نتنياهو ـ عن أولويات مختلفة. ففي حين أنه لا يبدي شفقة بالفلسطينيين، مضى زامير يتصرف محاكيا النسخة القديمة من رئيسه العازف عن المخاطرات، جاعلا من أمن القوات ـ وسلامة البقية الباقية من الرهائن الإسرائيليين في غزة ـ أولوية على كل ما عداها. والتزم بما التزم به سلفه من تأييد لتجنيد الحريديم، فأصدر الآلاف من مذكرات التجنيد للشباب المتدينين المتشددين. وبحلول أوائل أغسطس، وفي ظل عدم استسلام حماس، تعهد نتنياهو وائتلافه الوزاري اليميني المتطرف باحتلال بقايا الجيوب الفلسطينية ولو على حساب المخاطرة بإيذاء الرهائن. وتلك كانت لحظة تمرد زامير، فقد تردد أنه هدد بالاستقالة إذا ما تم إرغامه على عملية خطيرة من شأنها أن تؤدي إلى احتلال طويل المدى.
وسرعان ما انتهز نتنياهو فرصة التلاعب بالسلطة ممارسا القيادة كعادته من وراء ستار. فوجَّه يائير ـ نجل نتنياهو وزعيم أنصاره ـ الاتهام لزامير بتدبير انقلاب على طريقة انقلابات جمهوريات الموز.
وبلغ الأمر أقصاه في اجتماع ساخن للمجلس الوزاري الأمني في السادس من أغسطس حذر فيه رئيس الأركان من إرسال قوات إلى «فخ» والمخاطرة بحياة الرهائن. وكانت التسوية تتمثل في قرار باحتلال مدينة غزة فقط، وإرغام المليونين من أهلها على النزوح ثم تدميرها، مثلما فعل الجيش الإسرائيلي من قبل في رفح وخان يونس. وتم الاتفاق على مهلة شهرين قبل التنفيذ فترك ذلك فسحة لصفقة تتم في الدقيقة الأخيرة للرهائن في مقابل وقف إطلاق النار.
غير أن صراع السلطة لم يتوقف بعد قرار مجلس الوزراء، إذ واصل وزير الدفاع إسرائيل كاتس ضغطه على زامير ليرضخ أو يرحل. وإذا بالفكرة التي لم يكن يتصورها خيال من قبل، وهي الإطاحة برئيس أركان الجيش بعد أقل من ستة أشهر، في سرعة شبه ستالينية، باتت فكرة طبيعية ومقبولة في المجال العام. والمرشحون المحتملون لخلافته هم الجنرالات «الأكثر هجومية» الملتزمون بطاعة رئيس الوزراء والعمل من أجل تدمير غزة دمارا كاملا.
يجري هذا كله بينما تظل أزمة التجويع في غزة ومعاناة الرهائن في أنفاق حماس قائمتين. في يوم الأحد، تم تنظيم مظاهرة وإضراب كبيرين، للمناداة بإيقاف الحرب وإرجاع الرهائن. ويحظى ذلك بدعم كبير في استطلاعات الرأي التي يتجاهلها نتنياهو. وبدلا من ذلك يضاعف مهمته المزدوجة بتطهير غزة عرقيا وترسيخ سلطته الاستبدادية في إسرائيل. وهكذا، في انعطافة مفاجئة، جعل الفريق زامير نفسه قائدا غير متوقع لمعارضة كلا القرارين، تماما شأن منافسي نتنياهو العسكريين القدامى.
وكدأبه، يحلو لنتنياهو أن يبقي الخيارات مفتوحة له، ولا يترك لخصومه غير خيارات صعبة، فيروي قصصا مختلفة، كثيرة التناقضات، لمختلف الناس. فيتجادل الخبراء الإسرائيليون في ما لو أنه يريد إنهاء الحرب، أم أن يتوصل إلى اتفاقية جزئية، أم أن يستمر في صراع بسيط قليل التكلفة. والواضح يقتصر على أمرين: رئيس الوزراء يعاني من نهم مستمر للسلطة وطول البقاء في منصبه، وحصيلة القتلى في غزة من جراء القصف وسوء التغذية في ازدياد مستمر، بينما يواصل الإسرائيليون الإشاحة بأنظارهم عن ذلك.
ألوف بن رئيس تحرير صحيفة هاآرتس
عن الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: رئیس الوزراء فی غزة من أجل
إقرأ أيضاً:
الجيش الإسرائيلي يعلن القضاء على قيادي في حماس
أعلن الجيش الإسرائيلي، الجمعة، عن مقتل رئيس دائرة السيطرة العسكرية التابعة لحركة حماس، ناصر موسى، وذلك في عملية مشتركة للجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك) في منطقة خان يونس جنوبي قطاع غزة في 9 أغسطس الجاري.
وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن موسى مسؤول عن إعداد وتدريب عناصر كتيبة رفح الذين خططوا ونفذوا عمليات ضد قوات الجيش الإسرائيلي ومدنيين إسرائيليين خلال الحرب، وفقا لصحيفة "يديعوت إحرنوت" الإسرائيلية.
ووفقا للتقرير، يعد موسى من المقربين لقائد كتيبة رفح محمد شبانة الذي كان قد تم تصفيته في مايو الماضي، كما تولى عدة مناصب داخل الكتيبة ، من بينها ضابط استخبارات عسكرية ورئيس منظومة المراقبة.
يشار إلى أن الحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة ردا على هجوم حماس في أكتوبر 2023 أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وتدمير جزء كبير من القطاع ودفعت سكانه البالغ عددهم حوالي مليوني فلسطيني نحو المجاعة.