نشرت صحيفة "واشنطن بوست"، الأربعاء، مقالا كتبه الصحفي إيشان ثارور حول انعدام فرص انتهاء الحرب الأهلية البشعة في السودان، والتي أودت حتى الآن بحياة آلاف الأشخاص، على المدى القريب.

ومنذ منتصف نيسان/ أبريل، اشتبكت القوات السودانية الموالية للقائد العسكري الأعلى في البلاد، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مع قوات الدعم السريع، وهي فصيل شبه عسكري قوي كان يعمل ذات يوم بتنسيق وثيق مع الجيش.

وتمثل معاركهم صراعا من الطراز القديم بين أمراء الحرب المتنافسين، الذين يتنازعون على النفوذ والسلطة.

وقال معد المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن "الصراع دمر أمة يبلغ عدد سكانها 46 مليون نسمة، حيث أدى إلى مقتل الآلاف من المدنيين، وتشريد ما يقرب من عُشر سكان البلاد وترك الملايين من الجوعى والمحرومين من الرعاية الطبية".

وتابع: قام البرهان بزيارة لمصر استغرقت يوما واحدا، التقى فيها رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي. وأعرب بيان غامض من الحكومة المصرية، المتحالفة بشكل وثيق مع البرهان، عن قلقها واهتمامها بـ"سيادة الدولة السودانية وسلامتها". وكانت رحلة القائد السوداني هي الأولى له خارج البلاد منذ اندلاع الحرب، ومن المتوقع أن يتوقف بعد ذلك في الرياض، العاصمة السعودية.

واتفقت قوات البرهان وقوات الدعم السريع على تسعة اتفاقيات لوقف إطلاق النار على الأقل، وخرقتا تلك الاتفاقات، ولا يبدو أن الهدنة الدائمة معروضة، على الأقل في الوقت الحالي.

وأشار المقال أن "زعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، الحليف السابق للبرهان والذي يلقب بحميدتي، طرح برنامجا من 10 نقاط للسلام من شأنه إنهاء الأعمال العدائية ودمج مقاتليه في كيان واحد. ويتناقض هذا الاقتراح مع الحقائق المروعة على الأرض وعمق العداء بين الفصيلين المتحاربين. ورفض البرهان ذلك على الفور تقريبا".

وقال قائد الجيش أثناء وجوده في مصر: نطلب من العالم أن يأخذ نظرة موضوعية وصحيحة لهذه الحرب. لقد بدأت هذه الحرب من قبل مجموعة أرادت الاستيلاء على السلطة، وفي هذه العملية ارتكبت كل جريمة يمكن أن تخطر على البال.

وفي اليوم السابق، قال البرهان أمام حشد من الجنود السودانيين إنه "لا يوجد وقت للحوار الآن"، ووصف قوات الدعم السريع بأنها قوات "مرتزقة" ارتكبت جريمة "الخيانة".

وتقول جماعات حقوق الإنسان إن كلا الجانبين، وكذلك الميليشيات التابعة لهما، مذنبون بارتكاب جرائم حرب بشعة، فضلا عن أعمال النهب الوحشي.

وأضاف الصحفي: يمكن أن تعود أصول قوات الدعم السريع إلى منظمة الجنجويد شبه العسكرية سيئة السمعة المتهمة بارتكاب فظائع إبادة جماعية قبل عقدين من الزمن في حملات ضد العرقيات غير العربية في منطقة دارفور غرب السودان.

وأشار إلى أنه منذ نيسان/ أبريل، "بدا أن الفصيل وحلفائه أعادوا تمثيل تاريخهم من العنف في ساحات القتال الرئيسية للصراع، من دارفور إلى العاصمة الخرطوم وضواحيها".

وتتهم قوات الدعم السريع بارتكاب مذابح متعددة بحق المدنيين، فضلا عن الاستخدام المنهجي للاغتصاب كسلاح في الحرب. وقد تحقق نشطاء المجتمع المدني بالفعل من عشرات حوادث الاعتداءات الجنسية المروعة والاغتصاب الجماعي، ويخشون أن يكون العدد الحقيقي لمثل هذه الهجمات أكبر بكثير مما تم توثيقه حتى الآن، بحسب ثارور.

ونقل المقال عن رئيسة وحدة مكافحة العنف ضد النساء والأطفال في السودان، سليمة إسحاق، قولها لصحيفة "الغارديان" عن جرائم الاغتصاب إنها "عمل وحشي، بهدف الإهانة والتعدي على الكرامة الإنسانية".

وتابعت إسحاق: في بعض الأحيان يكون ذلك جزءا من استراتيجيتهم. ولإجبار الناس على إخلاء منازلهم، يهددون بالعنف الجنسي ضد النساء".

وأكمل معد المقال: كما أن الجيش السوداني متورط في عدد لا يحصى من الفظائع، بما في ذلك القصف العشوائي والهجمات على المراكز السكانية.

وكانت الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع في مدينة نيالا بجنوب دارفور في الأيام الأخيرة، أودت بحياة ما لا يقل عن 39 شخصا في يوم واحد. وأثارت ضراوة وحجم العنف مقارنات بالصومال الذي انهار وسط صراع مرير في التسعينيات.



وذكر ثارور أن رئيس مجموعة الأزمات الدولية في أفريقيا،موريثي موتيغا، قال لزملائه في وقت سابق من هذا الصيف إن "القيادة على كلا الجانبين ترى أن هذا هو القتال من أجل حياتهم. وهذا يجعل مهمة الدبلوماسية أكثر صعوبة بكثير"، محذرا من أن "خطر انهيار الدولة مرتفع بشكل خاص، وهناك أيضا خطر تسلل الجهاديين، وهذا يشبه ما حصل في الصومال".

وفي الوقت نفسه، تزداد الظروف على الأرض سوءا. ويواجه نحو 20 مليون سوداني انعدام الأمن الغذائي الحاد. ويفتقر حوالي 14 مليون طفل إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك التعليم والرعاية الطبية مثل اللقاحات.

وخرجت نحو 80 بالمئة من المرافق الصحية في السودان عن الخدمة بسبب نقص الإمدادات أو الكهرباء أو كليهما. وقد تم استهداف المستشفيات نفسها من قبل الأطراف المتحاربة. وأثار الوصول الوشيك لموسم الأمطار قلق المراقبين بشأن قدرة البلاد على التعامل مع الفيضانات واسعة النطاق وانتشار الأمراض المنقولة بالمياه، وفقا لكاتب المقال.

ونقل ثارور عن ياسر الأمين، رئيس جمعية الأطباء السودانيين الأمريكيين، التي تقوم بأعمال الإغاثة والخدمات الطبية في السودان إن الصراع "سيخلف كارثة كاملة. سيكون لدينا أطفال يموتون بسبب الملاريا والأمراض التي تتسبب بالإسهال".

وقال الكاتب إن "المجتمع الدولي يكافح من أجل التوصل إلى هدنة دائمة بين البرهان وحميدتي. ويعتبر الجانبان مختلف القوى الإقليمية داعمين ضمنيا مع الإمارات الأكثر ارتباطا بشكل واضح بقوات الدعم السريع".

وأضاف: أدى تشابك الجغرافيا السياسية إلى مزيد من التورط في بلد يعاني منذ فترة طويلة من الانقسامات العرقية وحركات التمرد والحكم العسكري القاسي.

وأردف: بعد الإطاحة بالديكتاتور عمر البشير الذي حكم البلاد لفترة طويلة في عام 2019، عمل البرهان وحميدتي معا لإفشال عملية انتقال ديمقراطي بقيادة مدنية، ونفذا انقلابا فعليا في عام 2021.



ورأى أن "تحركات هذين الأخيرين في ذلك الوقت لقت تسامحا إلى حد كبير من قبل القوى الخارجية، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي ركزت أكثر على احتمال قيام القيادة في الخرطوم بإيجاد نوع من التسوية السياسية مع إسرائيل كجزء من مبادرة اتفاقيات إبراهيم الأوسع".

وبحسب الأمين، لعب هذا الاعتقاد الأمريكي دورا سلبيا هنا، "لأن البرهان وحميدتي كانا ينظران إلى إسرائيل بنفس الطريقة التي ينظران بها إلى الإمارات ومصر، على إنها مجرد دولة أخرى ستساعدنا في الحصول على الدعم الأمريكي".

وتابع  طبيب الأورام المقيم في تكساس: الحكومة المدعومة من المدنيين، والتي لم تدم طويلا، فشلت في أن تكون شاملة حقا، وعانت من ضغوط اقتصادية حادة. وتركت الباب مفتوحا أمام رجال الجيش لتخريب طريق البلاد نحو الديمقراطية".

وأضاف أنه "كان الاعتقاد السائد أن السودانيين سيحظون بمصير مختلف بالمقارنة مع مصر وسوريا وليبيا"، في إشارة إلى الآمال التي سادت البلاد بعد سقوط البشير والطرق التي فشلت فيها الانتفاضات الأخرى المؤيدة للديمقراطية في الدول العربية.


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة السودان البرهان السودان حميدتي البرهان الصراع في السودان صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الدعم السریع فی السودان فی ذلک

إقرأ أيضاً:

الرياض تستنكر الهجوم على مقر الأمم المتحدة.. «الدعم السريع» تجدد الهجمات على كادوقلي

البلاد (الخرطوم)
لليوم الثاني على التوالي، صعّدت قوات الدعم السريع هجماتها الجوية باستخدام طائرات مسيّرة على مدينة كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان، ما أدى إلى حالة من الذعر والهلع بين السكان، في ظل أوضاع إنسانية وأمنية بالغة التعقيد تعيشها المدينة المحاصرة.
وأعلنت مصادر أممية أن بعثة الأمم المتحدة في كادوقلي أجلت، ضحايا الهجوم الذي استهدف أحد مقراتها بطائرة مسيّرة، وذلك عبر مروحية وبمساعدة من الجيش السوداني. وأسفر الهجوم عن مقتل ستة من أفراد القوات البنغلاديشية العاملة ضمن البعثة. وقد أدان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الهجوم «بشدة»، واصفاً إياه بـ«المروع»، ودعا في بيان رسمي جميع أطراف النزاع في السودان إلى الوقف الفوري للأعمال الحربية وحماية المدنيين والمنشآت الدولية.
وأعربت وزارة الخارجية عن إدانة السعودية واستنكارها للهجوم الذي تعرض له مقر للأمم المتحدة في مدينة كادوقلي في السودان. وقالت الوزارة في بيان لها: المملكة تشدد على ضرورة الوقف الفوري للحرب، والحفاظ على وحدة السودان ومؤسساته، وضرورة توفير الحماية للمدنيين وتنفيذ ما تم التوقيع عليه في إعلان جدة (الالتزام بحماية المدنيين في السودان) بتاريخ 11 مايو 2023م.
وتركزت الضربات أمس (الأحد) على الأحياء الشرقية من كادوقلي، متسببة في حالة من الخوف وسط المدنيين، لا سيما في ظل استمرار الحصار، وانقطاع الاتصالات، وانعدام السيولة النقدية بشكل شبه كامل. وذكرت مصادر محلية أن أزمة النقد بلغت مستويات غير مسبوقة، حيث وصلت نسبة الخصم على التحويلات المالية مقابل السيولة إلى نحو 50 في المئة.
وفي تطور موازٍ، شهد محور شمال كردفان تصعيداً لافتاً، إذ كثفت قوات الدعم السريع عمليات الاستهداف على طريق أم روابة–الرهد–الأبيض، الذي يُعد شرياناً حيوياً يربط مدينة الأبيض، عاصمة الولاية، بولاية النيل الأبيض. وأكدت المصادر استهداف شاحنة تجارية أمس بالقرب من مدينة الرهد عبر غارة جوية، في إطار عمليات متواصلة لليوم الخامس على التوالي على امتداد الطريق.
ويخضع هذا الطريق حالياً لسيطرة الجيش السوداني، بعد أن تمكن في فبراير الماضي من فك الحصار عن مدينة الأبيض، وإحكام قبضته على الطريق الاستراتيجي، ما أجبر قوات الدعم السريع على التراجع من مناطق كانت تنتشر فيها جنوب شرقي الولاية. وتسعى قوات الدعم السريع، وفق مصادر عسكرية، من خلال تكثيف الاستهدافات، إلى شل الحركة التجارية ومنع تدفق السلع والبضائع إلى مدينة الأبيض، في محاولة لإحداث ضغط اقتصادي ومعيشي متزايد على المدينة.

مقالات مشابهة

  • الرياض تستنكر الهجوم على مقر الأمم المتحدة.. «الدعم السريع» تجدد الهجمات على كادوقلي
  • السودان.. مقتل 6 جنود للقوات الأممية و«الدعم السريع» تعلّق!
  • الفظائع التي تتكشّف في السودان “تترك ندبة في ضمير العالم”
  • بعد مسيرات داعمة للجيش.. البرهان «يشكر» السودانيين ويطلق تعهدات
  • قتلى بقصف لقوات الدعم السريع وتحرك جديد للجنائية الدولية بشأن دارفور
  • البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع
  • بريطانيا تفرض عقوبات على قيادات قوات «الدعم السريع» في السودان
  • بسبب القتل في الفاشر.. بريطانيا تفرض عقوبات على قادة في الدعم السريع
  • بريطانيا تفرض عقوبات على قادة الدعم السريع بسبب عمليات قتل جماعي في السودان
  • المملكة المتحدة تفرض عقوبات على قيادات من "الدعم السريع" بالسودان