ليانغ سوو لي **

يُوافق الخامس عشر من أغسطس 2025، الذكرى العشرين لطرح الرئيس الصيني شي جين بينج لمفهومه الرائد "الجبال الخضراء والمياه الصافية أصول لا تقدر بثمن". هذا التعبير البسيط والعميق، الذي انبثق من تجربة الصين في الحوكمة على المستوى القاعدي، تحوّل خلال العقدين الماضيين إلى حجر زاوية في مسار بناء الحضارة البيئية في الصين، وأصبح اليوم أحد ركائز التوافق العالمي في مواجهة أزمات بيئية متشابكة، منها تغيّر المناخ وفقدان التنوع البيولوجي إلى ندرة الموارد المائية.

هذا المفهوم لم يكن مجرد شعار بيئي، بل يستند إلى الفلسفة الصينية التقليدية في فهم العلاقة بين الإنسان والطبيعة. فقد أكّد الفكر الكونفوشيوسي أن "الفضيلة العظمى للسماء والأرض تكمن في منح الحياة"، فيما يرى الفكر الطاوي أن "الإنسان يتبع قانون الأرض، والأرض تتبع قانون السماء، والسماء تتبع قانون الطاو، والطاو يتبع قانون الطبيعة". هذه الرؤية، المعروفة بمبدأ "وحدة الإنسان والطبيعة"، تعتبر أن العلاقة بينهما علاقة تكامل وتعايش لا سيطرة واستغلال، وهو ما يضفي على حماية البيئة بعدًا أخلاقيًا يجعلها جزءًا أصيلًا من منظومة القيم الاجتماعية.

وقد شدد الرئيس شي جين بينج في أكثر من مناسبة على أننا بحاجة إلى جبال خضراء ومياه صافية، وإلى تنمية اقتصادية أيضًا، لكن إن كان لا بد من الاختيار، فالأولوية تبقى للحفاظ على هذه الثروات الطبيعية لأنها أصول لا تقدّر بثمن. تكمن هذه الرؤية في تجاوزها للطرح التقليدي الذي يفصل بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، ودمجها بين تحسين جودة البيئة ورفع مستوى النمو الاقتصادي، الأمر الذي أتاح للصين صياغة مسار جديد للتنمية الخضراء.

جاء طرح هذا المفهوم في مرحلة كان العالم فيها يعيد النظر في أسس التنمية المستدامة. فقد أظهرت تقارير بيئية صادرة عن الأمم المتحدة أن النشاط البشري المفرط يهدد نحو مليون نوع من الكائنات الحية بالانقراض، وأن الظواهر المناخية المتطرفة في تزايد مستمر من حيث التكرار والشدة. ولمواجهة هذه التحديات، لا تكفي التكنولوجيا أو التمويل أو التشريعات وحدها، بل لا بد من تبنّي فلسفة تنموية جديدة تعيد رسم حدود وأهداف النمو. وفي هذا السياق، يبرز مفهوم "الجبال الخضراء والمياه الصافية أصول لا تقدر بثمن" كفكر أصيل يوازن بين متطلبات التنمية والحفاظ على البيئة برؤية متكاملة للمستقبل.

اليوم، لم يعد هذا المفهوم حِكرًا على الصين، إذ باتت تأثيراته تمتد إلى عدد متزايد من الدول النامية. ففي إطار التعاون الصيني العربي، يشهد التعاون في مجالات الطاقة الخضراء، والزراعة البيئية، ومكافحة التصحر، تقدمًا ملحوظًا. ومشروعات محطات الطاقة الكهروضوئية في الإمارات، وتقنيات الزراعة الموفّرة للمياه في مصر، تمثل تطبيقات ملموسة لهذا المفهوم خارج الصين. والأهم أن هذه الشراكات لا تقوم على التناقضات بين التنمية والحماية، بل على توافق استراتيجي لتحقيق نمو أخضر مشترك.

واللافت للنظر أن جوهر هذا المفهوم يتطابق مع المبادئ البيئية في الحضارة العربية والإسلامية؛ ففي الفكر الإسلامي، تُعدّ البيئة "أمانة" من الله في يد الإنسان، وهو مسؤول عن حمايتها واستخدامها بشكل معقول، في إطار قيم تقوم على الاعتدال، وعدم الإسراف، والتوافق مع الطبيعة. هذه القيم الأخلاقية تتلاقى مع البعد الأخلاقي لمفهوم "الجبال الخضراء والمياه الصافية"، مما يفتح المجال لتعميق التعاون الحضاري بين الصين والدول العربية والاسلامية في قضايا البيئة والتنمية المستدامة.

وفي الذكرى العشرين لهذا المفهوم، تمضي الصين بخطى واثقة نحو بناء نموذج حضاري يحقق التوازن بين الإنسان والطبيعة، ويمنح العالم، وخاصة الدول النامية، نموذجًا عمليًا لتحقيق التنمية المستدامة والشاملة. فالحضارة البيئية ليست امتيازًا لدولة معيّنة، بل مسؤولية مشتركة تتطلب احترام التنوع الحضاري وتبني مبدأ التعاون المتكافئ، لبناء نظام عالمي أكثر عدلًا واستدامة في إدارة الموارد وحماية البيئة.

ورغم أن التحديات المناخية ما زالت قائمة، فإن الحوار بين الحضارات وتبادل الرؤى يظل نقطة انطلاق أساسية لتجاوز الأزمات. قبل عشرين عامًا، انطلقت هده الرؤية الخضراء من الصين؛ واليوم، تحولت هذه الرؤية إلى جسر يربط الشعوب ويجمع الحضارات، من أجل حماية أرضنا الذي نعيش فيه جميعًا.

**إعلامية صينية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

شراكة ثنائية تستهدف 7 قطاعات استثمارية بيئية في الشرقية

عقدت أمانة المنطقة الشرقية، ممثلة بوكالة الاستثمارات وتنمية الإيرادات، اجتماعًا مع المركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي بفرع المنطقة الشرقية، لبحث أوجه التعاون المشترك، ورفع مستوى التعاون بين الجهات المعنية، وتعزيز التكامل في مجالات الاستثمار البيئي، وتوسيع نطاق المشاريع المستدامة.
ويأتي الاجتماع امتدادًا للجهود المستمرة التي تبذلها الأمانة، والمركز في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، الهادفة إلى رفع جودة الحياة، ودعم سلامة البيئة، وخفض الانبعاثات الكربونية، وتشجيع مشاركة القطاع الخاص في التنمية.
أخبار متعلقة إنجاز طبي في مركز الأمير سلطان للقلب بالأحساء ينقذ حياة مريض توقف قلبه 40 دقيقةنائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل مدير عام فرع وزارة الصحة بمناسبة تعيينه .article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } شراكة ثنائية تستهدف 7 قطاعات استثمارية بيئية في الشرقيةتنمية اقتصاديةكما يهدف الاجتماع إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والصناعية والبيئية، وتشجيع مشاركة المستثمرين ورواد الأعمال، بما يسهم في تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030 بمجالات الاستثمار البيئي، وضمان خلق بيئة استثمارية مستدامة وجاذبة في مدن ومحافظات المنطقة الشرقية.
وناقش الاجتماع عددًا من المحاور الرئيسية، من أبرزها آليات تشجيع واستقطاب المستثمرين، وتعزيز الشراكات في قطاعات السياحة والترفيه والمنتزهات، إلى جانب الأنشطة البحرية، والمشاريع البيئية النوعية، إضافة إلى الاستثمار في إعادة التدوير للمخلفات والنفايات، والتوسع في مجالات الائتمان الكربوني، وتبني الحلول البيئية.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } شراكة ثنائية تستهدف 7 قطاعات استثمارية بيئية في الشرقيةفرص استثماريةوأكد المجتمعون على أهمية رفع مستوى الوعي والتثقيف البيئي، وتبني مبادرات نوعية مشتركة لتشجيع المستثمرين، ودعم رواد الأعمال، بما يسهم في تنويع الفرص الاستثمارية، والاقتصادية، وخلق وظائف جديدة للمواطنين، بالإضافة إلى تطوير بيئة استثمارية جاذبة في مدن ومحافظات المنطقة الشرقية، تتكامل فيها العناصر الاقتصادية والبيئية والصناعية.
ويأتي هذا الاجتماع ضمن سلسلة من اللقاءات التنسيقية بين أمانة المنطقة الشرقية، والمركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي، الرامية إلى بناء شراكات استراتيجية، تسهم في تعزيز دور المنطقة كوجهة رئيسية للاستثمارات البيئية والتنموية في المملكة.

مقالات مشابهة

  • المؤتمر: زيادة الإنفاق على الحماية الاجتماعية تعكس رؤية شاملة لبناء الإنسان
  • الطوارئ الصينية: ارتفاع حصيلة قتلى فيضان موقع تخييم شمالي الصين إلى 9 أشخاص
  • العمارة التراثية.. حلول بيئية ذكية تتحدى المناخ القاسي
  • شراكة ثنائية تستهدف 7 قطاعات استثمارية بيئية في الشرقية
  • رئيس حزب البيئة العالمي: شرق المتوسط مقبل على حرائق خطيرة بسبب التغير المناخي
  • الأوقاف: إجازة الصيف فرصة ذهبية لبناء الذات روحًا وعقلاً وجسدًا
  • الإسلام والزهد.. تصحيح المفهوم الخاطئ عن الفقر والعمل
  • الإمارات تسلم مطلوبا إلى السلطات الصينية
  • 9 إجابات توضح أطماع الاحتلال في مشروع أرض إسرائيل الكبرى