«فينك يا مشواري».. «الوطن» داخل منزل أحمد منيب في قرية توماس النوبية
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
في منزل صغير لا يزال محتفظًا بألوانه الدافئة وأثاثه البسيط على أطراف قرية توماس النوبية ينشرح القلب وتتجلى ذكريات النوبة القديمة، حيث عاش الفنان الراحل أحمد منيب، الذي أصبح رمزًا للفن والبهجة في مصر، وبدأ من غرفته البسيطة مشروعه الفني وأصبح المنزل الملاذ الأول بـ تلميذه البكر الفنان محمد منير، وفي زواياه حوي قصصًا لـ المطربين اللذين تعود جذورهما إلى النوبة.
يطل المنزل بطابعه النوبي وأمامه جنينة وأشجار وعلى حوائطه من الخارج صورة للفنان الراحل دونت بجوارها كلمات أغنية «أنا إنسان وعنواني بلاد الذهب» وعلى جدرانه رسومات بالفن النوبي القديم أما أبوابه فتشبه منازل النوبة القديمة وفي أركان المنزل تنبض أغاني منيب ورائحته وذكرياته ومن هنا بدأ منير يردد أول أغانيه «فينك يا مشواري» وبدأ من هنا مشوارهما الثنائي.
صلاح همام، جار الحاج أحمد المنيب، يصف الحاج أحمد المنيب بأنه فنان بمعنى الكلمة ومحبوب بين جيرانه وأصدقائه وأقاربه لم ينس أهاليه وناسه، وأنه بدأ يشدو بصوته باللغة النوبية القديمة وأدمج معها أغاني عربية وهو ما تعلمه منه منير وكانت هذه الفكرة هي بداية هذا النوع من الفن الشامل الذي يعبر عن جنوب مصر بمداخله الموسيقية المختلفة، أما منزل الحاج أحمد المنيب في قرية توماس وعافية كان يعتبر مكانًا من الدفء والأمان بالنسبة لمنير وأن لقائهما الأول كان هنا في أحد أركان البيت عندما كان منير شابًا يافعًا يمسك الدف ويغني في أرجائه أول أغانيه صحبة أستاذه «فينك يا مشواري با أبو المشاوير «أباياسا.. أبا فيسكنا» وغيرها من الأغاني النوبية.
في سبعينيات القرن الماضي كان الجمهور يتجه نحو اكتشاف ثقافات متنوعة، مثل ثقافات النوبة والبدو وثقافات أخرى، من خلال فنانين أمثال عزت عوض الله وعلي حميدة الذي جاء بثقافة غنائية بدوية وامتد المشروع نفسه بدخول موسيقيين وشعراء مع هذه الثقافات المختلفة التي من ضمنها مشروع أحمد منيب وتلميذه محمد منير ومن خلفهم هاني شنودة ويحيى خليل وعبد الرحيم منصور ومجدي نجيب ورومان بونكا وطارق مدكور وآخرين.
يقول الناقد الفني محمد عطية إن مشروع منير ليس مشروعًا منفصلًا عن أخيه فاروق منير الكبير التلميذ الأول لـ أحمد منيب والذي كان يمتلك صوتًا قويًا ولكنه تحول إلى مشروع للفنان محمد منير الذي يحمل أيضًا موروثًا ثقافيًا نوبيًا، ويتمتع بخلفية ثقافية تجمع بين الألحان الشرقية والمقامات الشرقية والسلم الخماسي بجانب التأثيرات الثقافية التي ظهرت في صوت منير من حيث الطريقة التي استمدها من منيب وهاني شنودة في الموسيقى وأسلوب الأداء من خلال توظيف أشعار عبد الرحيم منصور في هذا المشروع الغنائي الضخم.
كان الجمهور على موعد مع ثقافة غنائية مغايرة بدأها أحمد منيب بحسب عطية الذي أشار في تصريحات لـ«الوطن» إلى أن نجاح تجربة منير ومنيب جاءت من باب دمج ثقافات مختلفة في المشهد الفني، على غرار تجارب أخرى لفنانين من الهوية النوبية مثل بحر أبو جريشة وغيره وتعلم من منيب أكثر من طريقة في الغناء من ضمنها دمج اللهجة الجنوبية مع القاهرية.
ويؤكد الناقد الفني أن وجود منير وهو في بداية حياته في منزل الحاج أحمد منيب صورة معبرة عن اتصال الجذور الفنية وإعلان ثقافة موسيقية مغايرة لثقافة القاهرة، إذ جاء منير لمنيب في فترة تيار جديد يولد بعد حقبة أم كلثوم وحليم.
ونجحا في تجسيد هذا المشروع وامتداد لجيل آخر، وكان شريط منيب الأول من توزيع حميد الشاعري، وهو ما يوحي بتأثير منيب في الأغنية الجديدة بألحان لـ«إيهاب توفيق وعلاء عبد الخالق».
أحمد منيب.. صناعة البهجةشريف سليمان، صديق الحاج أحمد المنيب، يصفه بأنه رجل يعرف كيف يصنع البهجة، وأنه يحمل صفات الطيبة من النوبة القديمة حيث كانوا يجتمعون أقارب أو أصدقاء في سهرات داخل المنزل، وكان المنزل مقصدًا لمنير في سن العشرينات يشارك في حلقات بالعزف على الدف والعود، وكان الحاج أحمد المنيب يجلس بالعود ويجتمع بمنير أمام أو داخل المنزل نفسه وكان الشباب من أهل القرية ينضمون ويشاركون في الغناء جميعًا وكان منيب المعلم الكبير ومنير التلميذ النجيب ملمًا بفن أستاذه بالرغم من الاختلاف الكبير بينهما من حيث صناعة الأغنية إذ أن منيب كان يؤلف ويلحن ويغني، مما يظهر أنه يمتلك صناعة الأغنية بشكل كامل.
غناء على أطلال النوبة القديمة
بعد تهجيرهم من النوبة، استقرت عائلة أحمد منيب في الإسكندرية، ثم انتقلوا إلى القاهرة في منطقتي عابدين والسيدة زينب وفقًا لـ خليل إبراهيم نجل عم الفنان الراحل، مؤكدًا أن منيب لم ينس جذوره وهويته النوبية، طوال حياته فكان يعود بين الحين والآخر لزيارة منزله الأصلي في قرية توماس وعافية يلتقي بأهل القرية ويشارك في الأعراس النوبية، حيث كان يجامل الجميع بأغانيه التي تحمل طابعًا نوبيًا قديمًا يذكرهم بالنوبة القديمة.
المنزل ينبض بذكريات وألحان أحمد منيبمنزل أحمد منيب في قرية توماس يحمل ذكرياتٍ لا تنسى بحسب أحمد صبحي أحد أبناء القرية مشيرًا إلى إنه مكان التلاقي بين أجيال الفنانين وروح الفن النوبي الأصيل، ومحطةٌ للإلهام والتجديد المستمر في عالم الفن ويزوره بين الحين والأخر أبناء الحاج أحمد منيب وقد زاره عدد من الفنانين من ضمنهم الفنان حمزة نمرة الذي تأثر بفن الحاج أحمد منيب.
تحتفظ العائلة بأغراض الفنان الشخصية ومقتنياته في المنزل، مثل الملابس التقليدية والأدوات الموسيقية، بالإضافة إلى الصور والذكريات التي تعكس لحظات الفرح والحزن التي عاشها أحمد منيب و يرون فيها قصة حياة الفنان النوبي الراحل وإرثه الفني.
على مر السنين، أصبح منزل الفنان أحمد منيب مكانًا يحتوي الفن النوبي وروحه الخالدة بمشاركة الموهوبين ومن ضمنهم منير وما زال يحتفظ المنزل بأغراضه الشخصية ومقتنياته، مثل الجلباب والعباية والطاقية، فضلاً عن كاميرته الشخصية وأدواته الموسيقية وعلى جدران المنزل، يمكن رؤية صورًا لأحبائه ولحظات فرح وحزن عاشها وزاره بعض الأشخاص، بما في ذلك الفنان حمزة، الذي يعتبر أحمد منيب معلمًا روحيًا له وفقًا لـ أحمد صبحي.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: أحمد منيب محمد منير محافظة أسوان النوبة أحمد منیب محمد منیر منیب فی
إقرأ أيضاً:
يوسف داوود.. مهندس الضحك الذي ترك بصمة لا تُنسى في ذاكرة الفن المصري(تقرير)
تحل اليوم، الثلاثاء 24 يونيو، الذكرى الـ13 لرحيل الفنان القدير يوسف داوود (1933 – 2012)، أحد أعمدة الكوميديا في السينما والمسرح المصري، والذي ودّع الحياة عن عمر ناهز 79 عامًا إثر أزمة صحية، لكنه ترك وراءه إرثًا فنيًا خالدًا ووجهًا لا يُنسى على الشاشة.
لم يكن طريق يوسف داوود نحو الفن تقليديًا، فقد تخرّج من كلية الهندسة – قسم الكهرباء عام 1960، وعمل مهندسًا لسنوات، قبل أن يغيّر مصيره بالكامل عام 1985، بعد مشاركته الناجحة في مسرحية “زقاق المدق”، والتي كانت بداية تحوّله إلى نجم كوميدي لامع نال إعجاب الجمهور والنقاد على حد سواء.
كيمياء فنية مع الزعيم
شكّل داوود ثنائيًا محبوبًا مع النجم عادل إمام، من خلال مشاركته في عدد من أبرز أفلامه مثل:
“زوج تحت الطلب”، “كراكون في الشارع”، “سلام يا صاحبي”، و“النمر والأنثى”، بالإضافة إلى تألقه على خشبة المسرح في أعمال مثل “الواد سيد الشغال”، ومنها انتقل إلى الشاشة الصغيرة ليصبح وجهًا مألوفًا في عشرات المسلسلات الدرامية والكوميدية.
رجل متعدد المواهب
رغم صخب الأدوار التي قدمها، إلا أن الحياة الشخصية ليوسف داوود كانت مختلفة تمامًا، فبحسب تصريح سابق لابنته دينا يوسف داوود، كان والدها عاشقًا للقراءة والشعر، ويهوى أعمال النجارة والرسم، كما حرص على إبقاء عائلته بعيدًا عن أضواء التمثيل، رغم نجاحه الكبير فيه.
سنوات في الجيش.. وتجربة إنسانية
مرّ داوود بتجربة إنسانية نادرة خلال فترة خدمته العسكرية، والتي امتدت لسبع سنوات بسبب ظروف الحرب، وهي تجربة صقلت شخصيته ومنحته نضجًا انعكس لاحقًا على أدائه الفني.
وجه صارم.. وقلب طيب
امتاز يوسف داوود بقدرته الفريدة على أداء الأدوار العصبية أو ذات الطابع الحاد، رغم أن طبيعته الحقيقية كانت تميل إلى الهدوء والبساطة، كان يُجيد المزج بين الجدية وخفة الظل، ويؤمن بأن الصدق في الأداء هو المفتاح للوصول إلى قلوب الجمهور.
ورغم مرور أكثر من عقد على رحيله، يبقى يوسف داوود أحد الفنانين القلائل الذين جمعوا بين الحضور الطاغي والموهبة الرفيعة، ليظل حيًا في ذاكرة الفن المصري ووجدان جمهوره، كـ”مهندس” للضحك وأحد أبرز أيقونات الكوميديا الراقية.