قرأت مقالة الأخ الصديق الدكتور أحمد موفق زيدان والمعنونة: "متى ستحل جماعة الإخوان المسلمين في سوريا نفسها؟"، فتعجبت منها وعجبت: توقيتا وسياقا ومنطقا ومنطلقا.

يمهد الكاتب لمقالته بمقاربة عاطفية عن علاقته بالإخوان المسلمين وذكرياته الجميلة فيها، ليكتب: "حتى أكرمني الله وإخواني بسحق عصابة الأسدين يوم الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، مما خلص العالم كله من شرورهم وآثامهم".

اختزال الصراع مع نظام الأسد الممتد لعقود طويلة بعملية عسكرية في ظروف إقليمية ودولية مواتية فيه شيء من الإجحاف، واحتكار الإنجاز في فئة معينة "أكرمني الله وإخواني"، وهو ما يبدو في سياق عام تكرر كثيرا في سوريا، خصوصا في الأيام الأولى لسقوط نظام الأسد، بترديد شعار: "من يحرر يقرر".

يقول الكاتب: إن ما دفعه لكتابة مقاله قناعات ترسخت بعد دراسات ونقاشات ومقاربات لأشباه ونظائر في عالم التجربة والممارسة السياسية.

السؤال هنا للكاتب، ما هي المناهج التي اعتمدها في تلك الدراسات والمقاربات؟ مع الإشارة إلى أن في مقالته تعسفا في ضرب الأمثلة، وتجاوزا على حقائق معروفة.

يقول زيدان: إنه " منذ بداية الانتصار الذي ربما لم يمر على السوريين نصر وفتح مثله في تاريخهم، سارعت كل الأجسام السورية من الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة، والمجلس الإسلامي السوري، إلى الفصائل العسكرية والسياسية والمجالس المحلية، وغيرها إلى حل أنفسها، ووضع مقدراتها، تحت تصرف القيادة السورية الجديدة".

ومع شديد الأسف، فإن هذه المعلومات تعوزها الدقة، فلقد تعرض الائتلاف لضغوط معروفة ليحل نفسه، وينطبق الأمر نفسه على المجلس الإسلامي السوري وعلى غيرهما. كما صرح الشرع بعد أيام من سقوط الأسد بأن أجسام المعارضة ليس لها داعٍ بعد الانتصار، وبالتالي فعليها أن تحل نفسها.

يتحدث زيدان بلغة عاطفية بعيدة عن الواقع: "فكان الكل يهتف لحنا واحدا ونغما موحدا وهو دعم هذه الدولة الوليدة للعبور بسوريا إلى مرحلة استقرار حقيقي وواقعي وناجز، لا سيما مع كثرة المتصدين والمتربصين داخليا وخارجيا".

هل هذا هو تصور ورؤية المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية عن الدولة الحديثة والحداثة والتطور والتي يطلب من الجماعة مواكبتها؟ أليس الاختلاف هو سنة الحياة وسبيل النقاش والمقاربات المختلفة، وهو سمت الدولة الحديثة الديمقراطية والناجحة؟

إعلان

اللحن الواحد والنغم الواحد من السمات الخشبية للدول الشمولية والاستبدادية والشيوعية، ولعلك تجده في كوريا الشمالية على سبيل المثال.

كيف ولماذا يعتبر الكاتب حل التنظيم سيخدم البلد، والذي هو رأسمالنا جميعا، ومقصدنا كلنا، بحسب مصطلحاته العاطفية؟، ولماذا لا يعتبر أن وجود تنظيم دعوي لا يؤمن بالعنف، بل وسارع لدعم الحكم الجديد، سبيلٌ فعال ووسيلة ناجزة لمواجهة الأفكار التكفيرية والمتطرفة، ولنشر المعرفة والثقافة الإسلامية الوسطية والمعتدلة؟

يقول الكاتب: " يعلم الجميع أن أصغر واحد من الإخوان المسلمين، ربما يكون عمره في بداية الستينيات، باستثناء أبنائهم ربما. فالفجوة العُمرية التي يعانونها اليوم تعود بالتأكيد، إلى حرمانهم من العمل السياسي في سوريا، طوال تلك الفترة؛ نتيجة الغياب القسري الذي مُورس بحقهم. وقد تسبب إصرارهم بالتمسك بقرار عدم حل الجماعة في حرمان شبابهم من المشاركة في بناء الدولة، ما دام المحيط الأقرب والأبعد على خلاف معهم، ومتحفظا أو متوجسا منهم، فضلا عن الاقتراب منهم، وهو ما يُفقد الدولة السورية الجديدة خبرات ومهارات".

هنا يناقض الكاتب نفسه، بل ويكتب ما يمكن أن يستخدمه ناقدو الحكم الجديد ذخيرة لاتهامه بأنه حكم ذو نزعة استبدادية، وأنه يسعى لإقصاء مكونات الشعب السوري المختلفة وتهميشها.

فالكاتب يتحدث عن شيخوخة أبناء التنظيم، ثم يتحدث عن مهارات شبابهم والذين قد يحرمون من المشاركة لانتمائهم للإخوان بحسب رأيه.

الكاتب الحريص على المهارات الموجودة في صفوف الإخوان، يمتدح الإخوان من غير قصد بوصفهم يمتلكون المهارات، ويصف الحكم بشكل غير مباشر بأنه إقصائي يقصي المهارات لمجرد انتماءاتها الفكرية السلمية والتي لا تواجه الدولة ولا تنافسها. ثم من أين وكيف علم الكاتب إصرار الإخوان وتمسكهم بقرار عدم حل الجماعة؟ هل أجرى استفتاء في هذا الشأن؟

يتحدث زيدان عن غياب الإخوان المسلمين عن سوريا لفترة طويلة ممتدة لحوالي نصف قرن، والتي برأيه أضرت كثيرا بالتنظيم. بالرغم من أن هناك من قد يخالفه فيعتبر أن هجرة الإخوان وتوزعهم في أرجاء المعمورة أكسبهم خبرات وقدرات. ثم هل المطلوب منا الآن أن نحقق أمنية حافظ الأسد في إقصاء الإخوان وحل تنظيمهم؟!

كان الإخوان المسلمون أول من تصدى لحافظ الأسد ولطائفيته ودفعوا ثمنا غاليا؛ دفاعا عن سوريا وشعبها وعقيدتها من نحو نصف قرن، ولو تحرك الآخرون وقتها لتم إنقاذ الملايين من الضحايا ولتجنبنا الدمار والأثمان الباهظة التي تحملتها سوريا إنسانا وبنيانا في السنوات الماضية.

تعرض الإخوان لحملات إبادة وتمت تصفية خيرة شبابهم في تدمر، وفي غيرها، وسنّ حافظ الأسد قانون 49 عام 1980، والذي يقضي بإعدام كل منتسب للجماعة.

فهل بعد أن تحقق الانتصار وتحررت سوريا من حكم الأسد، علينا أن نكمل مهمة الأسد ونحقق أمنيته في إقصاء الإخوان عوض مكافأتهم وتقدير دورهم ونقل تجاربهم للأجيال.

لقد تحدث الرسول- صلى الله عليه وسلم- عن أهل بدر وعن سابقتهم، فعوض أن نشكر جيلا تصدى للأسد، نجعل من جهادهم ومواجهتهم بطش الطاغية، نقيصة ومؤشرا على الجمود من غير أدلة منطقية أو دراسة علمية، بل فقط عبارات رنانة وشعارات طنانة.

إعلان

يكتب المستشار الإعلامي عن "إصرار الإخوان على البقاء مغردين خارج السرب، مع تصريحات هنا وهناك تُلمح إلى عدم رضاهم عما يجري، يزيد من الشُقة والفجوة مع الشارع الداعم للحكومة".

فهل له أن يعرفنا ما هو هذا السرب؟ وهل يجب الانسلاخ عن الفكر والماضي للدخول فيه؟ وهل أصبح التلميح بعدم الرضا عن أمر ما ناهيك عن التصريح به، جرما وخطيئة؟ وهل من أدلة على ذلك؟ وما هي سوريا التي يراها المستشار العزيز، لونا واحدا وسربا واحدا وأفواها مكممة وأكفا مصفقة؟ أين الحريات والمشاركة في الحياة السياسية وحق التعبير؟!

ويبحر الكاتب في التاريخ فيتحدث عن حل التنظيم نفسه أيام الوحدة مع مصر؛ حرصا على الوحدة رغم ما نزل بالتنظيم من بلاء وابتلاء على يد جمال عبدالناصر، ليقول: "والسؤال الآن: هل تلك المرحلة التاريخية أوجب من هذه المرحلة التي تمر بها سوريا اليوم، وهل دعوة عبدالناصر هي أولى بالإجابة والسمع والطاعة من حاجة الرئيس السوري أحمد الشرع، لتثبيت حكم ثمنه مليون شهيد و14 مليون مشرد، وهو يعيش ظروفا داخلية وإقليمية ودولية استثنائية، ومن الذي أولى بتثبيت الحكم، أبناء سوريا وتنظيماتها، أم دول إقليمية ودولية هبت لدعم الدولة الوليدة؟!".

مقارنة عجيبة، ما هي حاجة الرئيس أحمد الشرع من غياب الإخوان في سوريا؟ وكيف سيؤدي ذلك لتثبيت الحكم؟ وهل المستشار مقتنع بأن دولا إقليمية ودولية هبت فعلا لدعم الدولة الوليدة لوجه الله؟ ثم هل إذا حل الإخوان أنفسهم ستنحل مشكلة قسد والدروز والساحل مثلا؟ وستصل الكهرباء إلى كل بيت وحارة في سوريا؟ مع التقدير فإن في الأمر تسطيحا مخلا، ومنطقا غائبا ومغيبا.

إن سوريا تحتاج – يا سعادة المستشار- إلى جميع القوى الإسلامية والوطنية لتشارك في بناء سوريا من خلال حرية العمل السياسي وتشكيل الأحزاب والجماعات وممارسة حرية التعبير والانتقاد.

إن ما يحصل في سوريا من إخفاقات إنما هو -بتقديري- لتصحر العمل السياسي ولتركيز جميع السلطات من غير وجود آلية للمساءلة ولا للمحاسب. الأمثلة على التخبط الاقتصادي والسياسي وغياب الشفافية عديدة ولا مجال لتعدادها في هذا السياق.

ولكن خذ، في مسألة وحدة سوريا وفي لقاء وجهاء إدلب قال الرئيس الشرع إن وحدة سوريا تكون بالحوار وبالطرق السلمية.

ما الذي يضير- يا سعادة المستشار الإعلامي- وما الذي يشغل بالكم ويدفعكم لكتابة المقال، وجود جماعة ديناصورية أبناؤها ممن تجاوزوا الستينيات بحسب توصيفك؟؟ هل هذه أولوياتكم في سوريا والتي تعاني تحديات وجودية؟

كنت أتوقع منكم وأنتم من قضى عمره في الإعلام التشديد على حرية الإعلام والنقد، وإطلاق ميثاق تشكيل الجماعات والأحزاب السياسية، والعمل على تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد، والتأكيد على العدالة الانتقالية ومحاكمات القتلة والمجرمين في محاكم علنية.

يختم الكاتب مقالته: "أما رفع الشعارات الكبيرة، لتدفع ثمنها وديتها بشكل يفوق القدرات والإمكانات وحتى المستطاعات، فهذا ليس من المنطق في شيء، وهو تماما ما يفعله الإخوان، إذ يعاملهم العالم كله وكأنهم أخطبوط وإمبراطورية عالمية، وخلافة إسلامية على امتداد القارات الست، بينما حقيقتهم وواقعهم يُرثى له، فالمساكين متمسكون بقصور خيالية وهمية سرابية".

ما هذه الشعارات الكبيرة التي يرفعها تنظيم الإخوان السوريين؟ وهل العالم الذي يعاملهم كإمبراطورية يجهل حقيقتهم وهو يملك قدرات خيالية في الرصد والتقصي والتجسس؟ وإذا كان يدري حالهم ثم يعاملهم كما تقول تجاهلا منه، فلماذا؟ وهل علينا أن نكون أسرى تقييم العالم ونظرته وموازينه المعتلة والمختلة؟

وإذا اعتبر العالم أو جزء منه أن المقاومة والدفاع عن الأرض والعرض إرهاب، وأن من حق الاحتلال أن يبيد وأن يدمر، فهل علينا أن نصغي له ونتبع تعليماته وتوجيهاته الفكرية ومحاولات هيمنته المعنوية؟

إعلان

إذا كان الحكم في سوريا غير قادر على استيعاب جماعة إسلامية سلمية أيدته ودعمته ولم تطلب لنفسها شيئا وطاوعه مشايخهم فحلوا مجلسهم، فكيف يمكنه استيعاب التيارات الأخرى والأحزاب والطوائف والعرقيات؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات الإخوان المسلمین فی سوریا

إقرأ أيضاً:

هل تكون الهيئة العليا للرئاسات الفصل الأخير لحل أزمة الحكم بليبيا؟

طرابلس- في ليبيا، كُلما تيسّر الحل أو تعسّر، استُحدثت أجسام سياسية جديدة لتضاف إلى سجلٍ طويل من الهياكل القائمة بالفعل. بعضُ هذه الأجسام قد يُقرأ كخطوة لتعقيد المشهد، وبعضها يُرفض لتضارب المصالح، والآخر يوظَّف لتمديد الولاية أو ربما لتضييع بوصلة الحل.

وفي تطور سياسي بالغ التعقيد أعلن المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة والمجلس الأعلى للدولة عن تشكيل الهيئة العليا للرئاسات في ليبيا.

وأوضح وزير الدولة في حكومة الوحدة وليد اللافي أن هدف الهيئة هو توحيد المواقف الوطنية وتحقيق التكامل في الملفات الإستراتيجية، ووجه دعوة مفتوحة للبرلمان للانخراط في هذا المسار.

ترحيب مشروط

غير أن هذه الخطوة قُوبلت بالرفض القاطع من الحكومة الليبية المشكّلة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، التي لوحت بخيار الحكم الذاتي ودعت إلى سرعة إنجاز الاستحقاقات الانتخابية.

وأمام ذلك، تبرز التساؤلات حول دلالات تشكيل هذه الهيئة، والمتطلبات البنيوية والظروف الميدانية التي فرضت تشكيلها، وعن الإطار القانوني أو المرجع دستوري تستند إليه، وعما إذا كانت تتناقض مع مسار البعثة الأممية في ليبيا أم تتسقُ معه، وكيف تردد صداها شرق وغرب البلاد، وعن مدلول الحكم الذاتي الذي لوحت به حكومة حماد.

ورحّب عضو مجلس النواب صالح فحيمة، خلال حديثه للجزيرة نت، بكل مبادرة يمكن أن تسهم بإنهاء الانقسام شريطة أن تكون واضحة الأساس القانوني ومحسوبة المخرجات وغير متعارضة مع الاختصاصات الدستورية القائمة.

وبدوره، رأى عضو مجلس الدولة أحمد لنقي أن خطوة تشكيل الهيئة العُليا للرئاسات تمثل محاولة لاستعادة تماسك الدولة إذا ما أُحسن توظيفها سياسيا.

ويقول لنقي للجزيرة نت، إن استحداث الهيئة مع افتتاح الباب أمام انضمام البرلمان إليها يطرح فرصة جادة لإنتاج موقف وطني موحد تجاه مختلف القضايا التي طال تعطيلها واستُنزف خلالها الوقت والمال العام دون معالجة جذرية.

إعلان

ومن ناحيته، وصف مقرر مجلس الدولة بلقاسم دبرز الخطوة بأنها إيجابية، لأنها ستعالج الأزمة السياسية بالتنسيق والتشاور وتوحيد الخطاب، مع تحميل المسؤولية كاملة لمن يتسبب في تأخير قيام الدولة، حسب تصريحه للجزيرة نت.

كما رحبت عضو مجلس الدولة أمينة المحجوب بخطوة تشكيل الهيئة، التي اعتبرتها تصب في مسار توحيد الموقف السياسي تجاه الانتخابات وخريطة الطريق الأممية.

وأضافت -في تصريح للجزيرة نت- أنه في "حال مباركة هذه الخطوة من قبل البعثة الأممية أو الاتحاد الأوروبي والدول الفاعلة في ليبيا فسيبقى البرلمان في موقف حرج".

هيئة الرئاسات الثلاث الجديدة تهدف لتوحيد القرار والمواقف الوطنية في ليبيا بحسب مراقبين ومسؤولين (غيتي)الأسباب والتوقيت

من ناحيته، يعتبر المحلل السياسي من طرابلس، محمد محفوظ، أن ما يحدث في ليبيا حاليا يمثل استباقا للعملية السياسية التي تقودها البعثة الأممية وإعلانها إطلاق الحوار المقرر أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري. و"بالتالي، تسعى بعض الأطراف المحلية والدولية إلى عرقلة العملية السياسية بما يتماشى مع مصالحها"، وفق تصريحه للجزيرة نت.

ويتفق المحلل السياسي من بنغازي، محمد مطيريد، مع هذا الطرح ويؤكد للجزيرة نت أن هذه الخطوة جاءت استباقية لقطع الطريق أمام أي مسار قد يُفضي إلى تغيير حكومة الوحدة.

وفيما يتعلق بتلويح الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان بمسار الحكم الذاتي، أوضح مطيريد أن هذا التلويح لا يتجاوز كونه رسالة ضغط سياسية لا مشروعا انفصاليا.

وعن توقيت الطرح، يرى النائب صالح فحيمة أن الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية الراهنة أوجدت ضرورة للبحث عن صيغ جديدة للتقارب، ولكن السؤال الأهم لا يتعلق بلماذا الآن، وإنما بكيف وبأية شرعية، وبأي ضمانات؛ فـ"التجارب السابقة أثبتت أن إنشاء أجسام موازية دون غطاء دستوري صريح قد يُعمّق الأزمة عوضا عن حلها".

من جانبه، يُرجع أستاذ القانون العام، مجدي الشبعاني، للجزيرة نت، أسباب تأسيس الهيئة في هذا الوقت تحديدا إلى 3 عوامل متداخلة، أولها:

تشتت مركز القرار غرب البلاد بين المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة ومجلس الدولة. تصاعد خطاب الحكم الذاتي شرق البلاد؛ الأمر الذي دفع قيادات طرابلس لبعث رسالة مفادها: امتلاك قيادة موحدة قادرة على التعامل مع الضغوطات. الضغوط الأممية والدولية لإعادة صياغة المسار السياسي تحت إشراف مبعوث جديد.

وفي هذا السياق، لا يتفق المحلل السياسي محمد محفوظ مع إمكانية أن تحول الهيئة سلطات طرابلس إلى كتلة سياسية موحدة، مستشهدا بأن المجلس الرئاسي الذي قد يظهر متماسكا أمام الرأي العام إلا أنه في الواقع منقسم داخليا.

مهام وأولويات

وفي محاولة لاستقراء وتوقع ماهية مهام الهيئة، يشير مطيريد إلى أنها لن تمارس صلاحيات تنفيذية فعلية وإنما ستنشط سياسيا عبر 3 محاور:

التحكم في وتيرة الحوار السياسي ومنع تجاوز دور شرق البلاد في أي عملية تغيير. تقديم نفسها كجسم شرعي بديل ورفع كلفة أي تغيير مفروض خارجيا. توحيد المواقف وضمان خروج الرسائل السياسية بصوت واحد.

أما أولوياتها فستكون، بحسب مطيريد:

إعلان العمل على تثبيت حكومة الوحدة. ضبط أي مسار أممي. تنظيم الأدوار داخل الشرق.

وفيما يتعلق بدعوة الوزير اللافي البرلمان للانضمام إلى الهيئة، يوضح البرلماني فحيمة أن مجلس النواب ينظر بشكل إيجابي لأي دعوة للتواصل، شريطة أن تكون منضبطة دستوريا وتتوفر فيها هذه المقومات: وضوح الصلاحيات، ومرجعية قانونية معتمدة، ومخرجات لا تكون ملزمة بل استرشادية، وضمان عدم تحول هذا المسار إلى بديل غير دستوري للمؤسسات المنتخبة.

من جهته، يرى عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي، في تصريحه للجزيرة نت، أن دعوة اللافي للبرلمان "غير قابلة للتطبيق"؛ إذ يُمثل الأخير حكومة انتهت مدتها ومنزوعة الثقة من قبل البرلمان، وبالتالي لن يكون هناك أي تجاوب معها.

بدوره يبين البرلماني علي السويح، للجزيرة نت، أنه في حال وجود رغبة حقيقية للتعاون بين الأجسام السياسية فلا مانع، لكنه في الوقت ذاته يستبعد أن يحل استحداث جسم جديد أزمة الثقة بين شرق وغرب البلاد، متوقعا أن البرلمان لن يوافق على هذه الدعوة.

سيناريوهات

وفيما يتعلق بالإيجابيات المتوقعة والمخاوف المحتملة نتيجة تشكيل هذه الهيئة يعدد القانوني مجدي الشبعاني الإيجابيات المحتملة في:

قدرتها على ترشيد عملية صنع القرار غرب البلاد تقليص تضارب المواقف بين المؤسسات القائمة منح القرارات السياسية غطاء أوسع

غير أنه حذّر من مخاطر تحوّلها إلى جسم مواز يفاقم التعقيد المؤسسي، كما نبه إلى أن استمرار استحداث أطر سياسية خارج قاعدة دستورية مستقرة يُعمّق نمط الهندسة السياسية المؤقتة التي تهدد على الأمد الطويل مبدأ وحدة الدولة.

في حين يُلخص المحلل مطيريد مستقبل المشهد السياسي الليبي في 3 سيناريوهات:

بقاء الوضع على حاله مع خلق أجسام جديدة كلما دعت الحاجة لتجنب التغيير. رفع سقف الخطاب السياسي من الطرفين؛ في الشرق من خلال التلويح بالحكم الذاتي، وفي الغرب باستمرار البعثة الأممية ومحاولة تدوير الأزمة السياسية. اللجوء إلى تسوية اضطرارية في حال وصلت المسارات كافة إلى انسداد كامل. هيئة الرئاسات تأتي في ظل جهود تبذلها البعثة الأممية للحل في ليبيا (بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا)مخاوف ومحاذير

بدورها حذرت عضو مجلس الدولة نعيمة الحامي، في حديثها للجزيرة نت، من أن "تتحوّل الهيئة إلى سلطة موازية تعمق تعقيدات المشهد" ما لم تُضبط صلاحياتها.

ورغم قراءتها لتوقيت إعلانها كرسالة انخراط في خريطة الطريق الأممية، فإن الحامي شددت على أن غياب التوافق التشريعي خاصة من البرلمان قد يقيد حركتها ويُربك موقعها في المسار الأممي ما لم يحدد إطارها القانوني منذ البداية.

مقالات مشابهة

  • بين سوريا ولبنان.. داتا نظام الأسد إلى الواجهة؟
  • بعد قليل.. الحكم في الدعاوى المقامة بشأن فيلم «الملحد»
  • الحكم في دعاوى فيلم الملحد.. اليوم
  • تعرف إلى خارطة التوغلات الإسرائيلية داخل سوريا منذ سقوط نظام الأسد
  • هل تكون الهيئة العليا للرئاسات الفصل الأخير لحل أزمة الحكم بليبيا؟
  • إعلام عبري: ترامب لا يتوقع انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها جنوب سوريا
  • بين الأمل والخداع.. كيف يتلاعب المحتالون بمشاعر ذوي المفقودين في سوريا؟
  • باحث : أي قرار يتخذ ضد جماعة الإخوان في أمريكا سيضر المسلمين
  • فرنسا تدعو إسرائيل للانسحاب من الجولان واحترام سيادة سوريا
  • إخوان سوريا يطرحون وثيقة العيش المشترك.. رؤية شاملة لمرحلة ما بعد الأسد